الجولاني.. هل هو مُخلِّص سوريا أم ديكتاتور جديد؟!
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
يُعد الثامن من ديسمبر من الأيام الخالدة في تاريخ الأمة الإسلامية بشكل عام والشعب السوري بجميع أطيافه بشكل خاص، فقد حمل ذلك اليوم رسالة وبرهاناً جديداً مفاده أنَّ دولة الظلم والاضطهاد زائلة لا محالة وأن الأنظمة القمعية والدكتاتورية التي تحكم مواطنيها بالحديد بالنار ذاهبة إلى هامش التاريخ يومًا ما، مهما استقوت واعتمدت على القوى الاستعمارية والأنظمة المُشابهة لها في سلب حرية شعوبها ونهب ثروات الأوطان لتعزيز قوتها في اضطهاد رعاياها ومصادرة الحقوق الأساسية للإنسان.
الفصل قبل الأخير من النسخة الأولى للربيع العربي، قد اكتمل وتحقق بهذا النصر المُبين للشعب السوري الذي ناضل طوال 14 سنة واستشهد أكثر من مليون سوري بقصفٍ بالبراميل المتفجرة من طائرات النظام المخلوع، وكذلك قصف المقاتلات الروسية للمدن السورية، ومشاركة المليشيات الأجنبية في قتل الأبرياء، المُعبِّرين عن رفضهم حكم الديكتاتور الفاسد، بينما تم تهجير حوالي 12 مليون مواطن سوري قسريًا حول العالم منهم أكثر من 3 ملايين في تركيا.
من هنا تذكرت قصيدة شاعر الأحرار والمظلومين في كل زمان ومكان التونسي أبو القاسم الشابي والذي يقول في مطلعها:
إِذا الشَّعْبُ يومًا أرادَ الحياةَ // فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي // ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
وبالفعل تعكس هذه القصيدة العصماء التي قيلت في ثلاثينات القرن العشرين مأساة وطن وشعب تشرد عبر أصقاع العالم؛ وطبيعة ما حصل هذه الأيام يُعبر بحق عن واقع الثورة السورية المجيدة التي قطفت ثمار انتصارها المبارك على النظام الدكتاتوري لأسرة الأسد التي ورثت الحكم في سوريا من الأب الذي وصل إلى الحكم على ظهر دبابة بانقلاب عسكري قبل 53 سنة من سنوات الظلم والاضطهاد والقتل المُمنهَج للسوريين ومصادرة الحريات والحقوق، مقابل الشعارات البعثية الجوفاء التي يُراد منها تخدير أفراد المجتمع وتحويلهم إلى عبيد للنظام الفاسد، ثم تولى الابن بشار الحكم كوريثٍ للأب، في سابقة لم تكن موجود في الأنظمة الجمهورية العربية. إنَّ جرائم هذا النظام البائد لم تكن فقط فيما نشاهده عبر شاشات وقنوات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من فظائع تقشعر لها الأبدان، وذلك في زنازين سجن صيدنايا سيئ السمعة؛ حيث كان يتم اقتياد مئات الآلاف من الأبرياء إلى السجن وتعذيبهم، ثم قتلهم على أيدي الأجهزة الأمنية الموالية للنظام، وبإشراف شخصي من بشار الأسد الذي هرب ليلًا من قصره، مثل غيره من الطُغاة عبر التاريخ. جرائم القتل تمت كذلك عبر استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المواطنين السوريين، والتي كان يزعم النظام أنها صُنِعَت لتحرير الجولان المحتل، بينما في واقع الأمر لم تُطلق رصاصة واحدة على الكيان الصهوني المحتل منذ عام 1974. إسرائيل كانت تعتبر أسرة الأسد الجهة الضامنة لأمنها طوال العقود الماضية؛ بل هناك جرائم كثيرة اقترفها حافظ الأسد نفسه؛ فالعالم أجمع يتذكر مجزرة حماة في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين؛ حيث تم قتل أكثر من 40 ألف شخص من الأبرياء، إضافة إلى 17 ألف مفقودٍ حتى هذه اللحظة!
وإذا كان الشعب السوري وكذلك العالم من أقصاه إلى أقصاه، قد ابتهج بوصول هيئة تحرير الشام إلى قصر بشار الأسد في قلب دمشق، فإنَّ خطر الانزلاق ببوصلة الثورة إلى الانتقام من بقايا النظام المخلوع وتصفية الحسابات القديمة، وقبل ذلك كله محاولة ما يُعرف بـ"الفصائل المُنتصرة" تولّي السُلطة واستبدال ديكتاتور قديم بآخر جديد؛ فهذه مصيبة وفخ كبير للمناضلين.
وإذا حصل ذلك، فهذه نكسة جديدة ستُلقي بظلالها على هذا الشعب الجريح، والذي ينتظر الفرج من خلال التعجيل بإجراء انتخابات حرة بإشراف الأمم المتحدة، على أن تشمل كل الأقليات والأعراق والمدارس الدينية، دون إقصاء أي طرف كان، وعلى وجه الخصوص تمكين الأكراد والمسيحيين والطائفة العلوية، وكذلك الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي في البلاد، من المشاركة في اختيار من يقود البلد في المرحلة المقبلة. يجب أن تكون هناك قناعة لدى قادة الثورة السورية بأن فجرًا جديدًا قد أطل على سوريا الجديدة؛ فهذا البلد يجب أن يكون وطنًا لجميع السوريين دون تمييز، ولا يُمكن أن تتحقق آمال الشعب الذي عانى طوال عدة عقود؛ إلّا إذا تعلمنا من الدروس والعِبَر في ما يدور حولنا في الإقليم، وخاصة الحروب الأهلية والقتل على الهوية التي دارت رُحَاها في كل من العراق وليبيا واليمن وأفغانستان، وهي الدول التي دفعت أثمانًا باهظة بعد تلك الانتصارات. وكما عبر جورج دانتون (الزعيم الثوري الفرنسي) عندما قال وهو أمام مقصلة الإعدام "إنَّ الثورة تأكل أبناءها"، وذلك إبان الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر.
بالطبع هناك تحديات وجودية تواجه الثوار، فكما هو معروف في الحركات الجهادية والنضالية عبر التاريخ، فعند الانتصار على الخصوم وتحقيق الأهداف، تبدأ معركة جديدة تكون هذه المرة على الغنائم بين الثوار أنفسهم، إذ إن الكل هنا سيبحث عن تحقيق مكاسب مالية ومناصب عُليا، ثم نرجع إلى نقطة البداية والدخول في صراعات وحروب تأكل الأخضر واليابس وتتحول تلك الشعوب إلى بلدان فاشلة بكل المقاييس بسبب الخلافات بين رفاق الأمس.
في الختام.. إنَّ نجاح الثورة السورية مرتبطٌ برجالها الذين قادوا حرب التحرير وخاصة أحمد الشرع (المعروف باسم أبو محمد الجولاني) الذي أثبت بالفعل بأنه رجل دولة وزعيم يُعتمد عليه، ولكن الآن يخضع لاختبار عسير، فهل يطمح لأن يكون الرئيس القادم لسوريا؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فذلك سبيل النجاة لسوريا، كما إن موقف الجولاني من الكيان الصهيوني الجاثم على الأراضي السورية، وكذلك موقفه من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة غير واضح، ولم يُعلن عن ذلك حتى الآن!
في كل الأحوال، هناك تجارب رائعة في العالم مثل المُشير عبدالرحمن سوار الذهب في السودان الذي سلَّم السُلطة بعد الانتخابات الحُرة في البلد لحزب الأمة الذي فاز في الانتخابات، ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا الذي رفض التجديد لنفسه لفترة رئاسية ثانية بعد خروجه من السجن. لا شك أن الأيام المُقبلة ستكشف النوايا وطموحات قادة هيئة تحرير الشام التي لا تزال في قائمة المنظمات الإرهابية من منظور الغرب الاستعماري وخاصة أمريكا، كما إن الجولاني الذي أسس جبهة النصرة وقبل ذلك انخرط في تنظيم "داعش" قد انشق وتمرد على تلك المنظمات، وأصبح أقرب للمنظومة الدولية وخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة؛ بل يُقال إنَّ روسيا كانت منخرطة في حوار مع المعارضة قبل سقوط النظام انطلاقًا من لغة المصالح والسياسة التي لا تُعير القيم والمبادئ وحتى العهود والمواثيق، أي احترم.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سوريا تسمح بدخول مفتشين مواقع أسلحة كيميائية من عهد الأسد
قالت مصادر -اليوم الجمعة- إن سلطات تصريف الأعمال في سوريا اصطحبت مفتشي أسلحة كيميائية إلى مواقع إنتاج وتخزين لم يزرها أحد من قبل تعود إلى عهد بشار الأسد الذي أطيح به قبل 3 أشهر.
وزار فريق من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سوريا بين يومي 12 و21 مارس/آذار الجاري للتحضير لمهمة تحديد مواقع مخزونات نظام الأسد غير المشروعة وتدميرها.
وزار المفتشون 5 مواقع، بعضها تعرض للنهب أو القصف، من بينها مواقع لم تصرح بها حكومة الأسد للمنظمة.
وأضافت المصادر -التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها- أن الفريق حصل على وثائق ومعلومات مفصلة عن برنامج الأسد للأسلحة الكيميائية.
وقالت الوكالة في ملخص للزيارة نُشر على الإنترنت "قدمت سلطات تصريف الأعمال السورية كل الدعم والتعاون الممكنين خلال إشعار قصير".
وأضافت أن مرافقين أمنيين صاحبوهم و"تمكنوا من الوصول إلى المواقع والأشخاص بلا قيود" دون إعلان تفاصيل إضافية.
ويشير هذا التعاون بين سلطات سوريا والوكالة إلى تحسن كبير في العلاقات مقارنة بالعقد الماضي، حين كان المسؤولون السوريون في عهد الأسد يعرقلون مفتشي المنظمة.
وقال مصدر دبلوماسي مطلع على الموضوع إن هذه الزيارة توضح أن السلطات السورية المؤقتة تفي بوعدها بالعمل مع المجتمع الدولي لتدمير أسلحة الأسد الكيميائية.
إعلانوجاء في تقرير سابق لوكالة رويترز أن تدمير أي أسلحة كيميائية متبقية كان في قائمة البنود التي اشترطتها الولايات المتحدة على دمشق إذا أرادت أن تحظى بتخفيف للعقوبات.
وخلصت 3 تحقيقات إلى أن قوات الحكومة السورية في عهد الأسد استخدمت غاز الأعصاب السارين وبراميل الكلور أثناء الحرب الأهلية مما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف. وجرت التحقيقات الثلاثة عبر آلية مشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتحقيق للأمم المتحدة في جرائم الحرب.
ودأب الأسد وداعموه من العسكريين الروس على انكار استخدام الأسلحة الكيميائية في الصراع الذي بدأ عام 2011 وخلف مئات الآلاف من القتلى.
ويعتقد خبراء بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنه لا تزال هناك مخزونات غير معلن عنها ويريدون زيارة أكثر من 100 موقع يُعتقد أن قوات الأسد خزنت أو أنتجت فيها أسلحة كيميائية. كما تستعد المنظمة لفتح مكتب ميداني في سوريا، حيث أدى تصاعد العنف الآونة الأخيرة إلى زيادة المخاوف الأمنية.