حكومة تحت الإعلان
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
حكومة تحت الإعلان
فيصل محمد صالح
تتلاحق الأحداث في السودان بشكل يجعل المقال الأسبوعي عاجزاً عن ملاحقتها؛ فخلال أيام قليلة تظهر تطورات جديدة في المشهد السوداني تستدعي مراجعة القراءات والكتابات السابقة وتجديدها لنواكب ما يحدث.
كتبنا في الأسبوع الماضي عن فكرة حكومة المنفى التي طرحتها بعض الحركات السياسية داخل اجتماعات الهيئة القيادية لتنسيقية «تقدم»، وما صاحبها من نقاشات وجدال بدا أنه قد تم حسمه لصالح من يرفضون فكرة تشكيل الحكومة، وإن كان البيان الختامي لم يعكس هذا الرأي القاطع.
ويبدو أن أصحاب الفكرة قد اتخذوا قرارهم بلا رجعة؛ فقد خرجوا للإعلام ليروجوا لفكرتهم ويدافعوا عنها، كما نقلت الأنباء أنهم انتظموا في اجتماعات في إحدى دول الجوار، وربما يتم الإعلان عن هذه الحكومة في أي لحظة. ومما ظهر حتى الآن، أنه قد تم حسم نقطتين أساسيتين في ما يتعلق بهذه الحكومة؛ الأولى أنها ليست حكومة منفى بالمعنى الذي تبادر للأذهان عندما تم طرح الفكرة في الاجتماعات، وإنما هي حكومة على جزء من أراضي السودان، والثانية أنها، بالضرورة، ستتم على أساس تحالفي مع «قوات الدعم السريع»؛ لأنها ستقوم في الأراضي التي تقع تحت سيطرتها.
ستقوم حكومة على جزء من أراضي السودان، مثلما هناك حكومة أمر واقع على جزء آخر تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمة مؤقتة لها، وبالتالي سيكون البلد مقسماً بين حكومتين، هذا أمر لن يستطيع أحد إنكاره أو أن يدّعي غيره، وهو أمر وقع في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا، وأنتج واقع تقسيم لا تزال هذه البلاد تعيشه حتى الآن. وبالتالي، فإن الإعلان عن تشكيل حكومة ثانية سيعني رسمياً الإعلان عن تقسيم السودان، مهما حاول مناصرو الفكرة الادعاء بغير ذلك.
ولا أحد من السذاجة بحيث يتصور أن قيام هذه الحكومة الجديدة سيعني بالضرورة نزع الشرعية عن الحكومة القائمة في بورتسودان، بل ربما يؤدي لعكس ذلك؛ فالاتحاد الأفريقي مثلاً لا يعترف بالحكومة الحالية؛ لأنها جاءت بانقلاب عسكري، ودول الغرب على إجمالها لها الرأي نفسه، لكنها تتعامل مع حكومة البرهان كحكومة أمر واقع، وعندما لا تجد الحكومة الجديدة أي اعتراف دولي، فهذا قد يتم تفسيره بأن دول العالم بالضرورة تعترف بحكومة بورتسودان.
الأمر الذي يثير الحيرة أيضاً هو التوقيت، فلا أحد يعلم تحديداً لماذا تم اختيار هذا التوقيت، وما هو مغزاه. ويذكر الناس أن هذه الفكرة تم طرحها في الأيام الأولى لانقلاب البرهان – حميدتي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، حيث كانت الحسابات تقول إن معظم أعضاء مجلس الوزراء، عدا ستة وزراء يمثلون الحركات المتحالفة مع البرهان، ضد الانقلاب، وكذلك خمسة من أعضاء مجلس السيادة، يمكن أن يضاف لهم ممثلو الحركات الثلاث، مالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس، فتكون لهم الأغلبية، وكان الشارع ملتهباً وداعماً، لكن لم يتحمس البعض للفكرة، ومنهم المبادرون الحاليون، واستمروا في عضوية مجلس السيادة.
ليس هناك أي دلالات أو إشارات تجيب عن سؤال: «لماذا الآن…؟»، مثلما لا أحد يقف ليجيب عن سؤال: من سيعترف بهذه الحكومة؟
أهم النقاط التي تضعف فرص نجاح هذه التجربة ستكون علاقتها بـ«الدعم السريع»، بخاصة مع حجم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات حيثما حلّت؛ فقد تكوّن موقف دولي رافض لممارسات «الدعم السريع»، وربما يصل لمرحلة الاستعداد لرفض أي دور سياسي مستقبلي لهذه القوات. اتسمت ممارسات هذه القوات بالتفلتات الكبيرة وعدم الانضباط، وهو أمر عجز القادة العسكريون لـ«الدعم السريع» عن معالجته، بخاصة مجموعات الفزع القبلي التي لم تتلقَّ تدريباً نظامياً، ولا يعلم أحد كيف ستخضع هذه القوات لقادة مدنيين لم يقاتلوا معهم، ولا ينتمون قبلياً وجهوياً للكتلة الكبرى من «قوات الدعم السريع».
تبقى بعد ذلك أسئلة كثيرة عن طبيعة ونوع الخدمات التي يمكن أن تقدمها هذه الحكومة لمواطني المناطق التي توجد بها «قوات الدعم السريع»، فهؤلاء المواطنون نزح معظمهم من هذه المناطق لافتقادهم الأمن والسلام بعد كل ما تعرضوا له، ولم تبقَ إلا مجموعات قليلة اضطرتها الظروف القاهرة للبقاء. والإدارات المدنية التي شكّلتها «الدعم السريع» بولاية الجزيرة لم تستطع أن توفر مجرد الإحساس بالأمان للمواطن، ولم تثبت أن لها أي سلطة على العسكريين، فهل يكون هذا هو أيضاً مصير مدنيي الحكومة الجديدة؟
* نقلاً عن الشرق الأوسط
الوسومالإدارة المدنية الجزيرة الجيش الحركات المسلحة الدعم السريع السودان انقلاب اكتوبر 2021 تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم حكومة المنفى فيصل محمد صالح مجلس السيادةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإدارة المدنية الجزيرة الجيش الحركات المسلحة الدعم السريع السودان انقلاب اكتوبر 2021 تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم حكومة المنفى فيصل محمد صالح مجلس السيادة الدعم السریع هذه الحکومة هذه القوات
إقرأ أيضاً:
احتفالات بسيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني الاستراتيجية ومعقل قوات الدعم السريع
شهدت مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة السودانية، احتفالات واسعة للمدنيين والعسكريين عقب استعادة الجيش السوداني السيطرة عليها من قوات الدعم السريع، في تطور قد يشكل نقطة تحول في الحرب الأهلية المستمرة منذ قرابة عامين.
اعلانوعبرت إحدى المواطنات عن فرحتها قائلة: "سعادتنا لا توصف، عشنا عاماً كاملاً تحت الضغط، لم نستطع حتى التنفس"، فيما أطلق الجنود النار في الهواء وسط هتافات المواطنين في الشوارع.
اندلعت الحرب في العاصمة الخرطوم في أبريل/نيسان 2023 بسبب خلافات حول دمج القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما تسبب في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أجبرت أكثر من 12 مليون شخص على النزوح، ودفعت نصف السكان إلى حافة المجاعة.
رجل سوداني يلوح بعلم السودان بعد تقارير عن دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني وسط البلاد وطرد قوات الدعم السريع، السودان، السبت 11 يناير/كانون الثاني 2025. Marwan Ali/2025 APوبحسب الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، شهد النزاع انتهاكات جسيمة شملت القتل والاغتصاب على أسس عرقية، وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها تحقق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وقد أدى احتلال قوات الدعم السريع للجزيرة إلى تحويل الولاية الخصبة إلى منطقة مهددة بالمجاعة، وأفاد السكان وشهود العيان بأن القرى المتجاورة أُفرغت من سكانها نتيجة الغارات العنيفة، فيما تُركت الحقول بوراً أو تعرضت للحرق.
من جانبها، تنفي قوات الدعم السريع هذه الاتهامات وتقول إنها تحارب عناصر خارجة عن القانون ترتكب انتهاكات.
وكانت المسلحة السودانية قد أعلنت، السبت، استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، من قوات الدعم السريع، في تطور يمثل ضربة قوية للقوات شبه العسكرية المتهمة من قبل الولايات المتحدة بارتكاب جرائم إبادة جماعية في الحرب الأهلية المستمرة.
Relatedواشنطن تتهم موسكو باللعب على الحبلين في حرب السودان لاستثماراتها في تجارة الذهببايدن يستبق ولاية ترامب ويمدد ل 18 شهرا إقامة 800 ألف مهاجر من فنزويلا والسلفادور وأوكرانيا والسودانالولايات المتحدة تفرض عقوبات على 7 شركات مرتبطة بقوات الدعم السريع في السودانوأكد الفريق شمس الدين كباشي، نائب قائد القوات المسلحة، في خطاب أمام القوات والمدنيين في ود مدني: "هذا نصر كبير نشكر الله عليه، لكننا لن نتوقف، نحن نتحرك بسرعة، ونحن في عجلة من أمرنا، وبإذن الله قريباً سيتم تطهيركل شبر في السودان".
المصادر الإضافية • أب - رويترز
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الحرب الأهلية في السودان تخلّف أزمة إنسانية غبر مسبوقة: 150 ألف قتيل و12 مليون نازح على ضفاف رحمة الطبيعة.. الفيضانات تشرّد 379 ألف في جنوب السودان "كلهم اغتصبوني.. كانوا ستة"! شهادات مروعة عن جرائم قوات الدعم السريع في السودان جمهورية السودانجرائم حربقوات الدعم السريع - السوداناعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. حرب غزة: إسرائيل تمهد لانسحابها من محور نتساريم مع اقتراب الصفقة والحوثيون ينفذون 3 عمليات عسكرية يعرض الآن Next قمة بروكن تستهوي المتنزهين بجمالها الثلجي في صباح شتوي شمال ألمانيا يعرض الآن Next شركة جيف بيزوس الفضائية تلغي الإطلاق الأول لصاروخ جديد ضخم في الدقائق الأخيرة من العد التنازلي يعرض الآن Next تفاصيل مراحل الصفقة المحتملة لوقف النار بين إسرائيل وحماس يعرض الآن Next دراما في إيطاليا: مؤسسة حقوقية تطالب باعتقال جنرال بارز في الجيش الإسرائيلي بتهمة تجويع أطفال غزة اعلانالاكثر قراءة تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية.. ماذا نعرف عنه؟ روسيا تعلن رسميا عن موعد التوقيع على اتفاقية للتعاون الاستراتيجي مع إيران بالصور: "يوم بلا سراويل" تقليد سنوي بمترو لندن لتحدي الشتاء.. ركاب عراة الساقين بملابس داخلية ملونة زلزال بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر يضرب قبالة سواحل ميازاكي باليابان وتحذير من حدوث تسونامي النرويج: حمامات الجليد الجماعية في بيرغن فوائد صحية جمة ووجهة عشاق السباحة وإحساس استثنائي بالانتعاش اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيلروسياالشتاءدونالد ترامبالهندقطاع غزةحركة حماسالمملكة المتحدةاليابانالصينالحرب في أوكرانيا الهندوسيةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025