بين تدمر وسبأ.. يُكتب مصير سوريا
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا" صدق رسول الله.
إنَّ ما يحدث في الشام وفي اليمن اليوم من اقتتال وصراعات أزهقت الأرواح والأنفس وتسببت في القضاء على أشكال الحياة الطبيعية وحولت هذين القطرين المباركين إلى خراب بعدما كانت حواضر الإسلام منذ بزوغ فجره ومنارات تاريخية شاهدة على عظمة تاريخ البشرية، فبين مملكة سبأ وملكتها بلقيس ومملكة تدمُر وملكتها زنوبيا، يقفُ تاريخ عظيم يحكي قصة البشرية وعمارة الأرض وقدرة الإنسان الذي سكنها، وربما هذا التشابه بين المملكتين حتى في من حكمهما يحكي مصيرهما المشترك عبر التاريخ إلى يومنا هذا وكأنَّ قدرهما نسج من خيط واحد.
وسبحان الله الذي جمع أقدار هاتين المملكتين رغم تباعدهما الجغرافي، فقد انتهت مملكة تدمُر بعد مُعاناتها من المناخ وسوء الأمن الغذائي كما يؤرخ الباحثون فضعفت التجارة وفسدت البلاد والعباد، وكذلك كان مصير مملكة سبأ العظيمة فقد توقفت الموانئ وضعفت التجارة البحرية وانحسرت الدولة وضعف سلطانها وفسدت وانتهت، وسبحان من جعل في التاريخ عبرة وعظة وسبحان من جعل الأيام دول تعيد نفسها حيناً بعد حين.
الشام واليمن اليوم- وعبر التاريخ- أُثخنثا بالحروب والصراعات، ولا تكاد تمر فترة من الزمن إلا ويدخلان في حرب، وما نراه اليوم هو حلقة في سلسلة لا تنتهي؛ حيث يقف الموقع الجغرافي على رأس أسباب هذه الصراعات التي تُعاني منها كلا المنطقتين، وتلعب التغييرات الجيوسياسية حاليًا دورًا رئيسيًا في الصراع الدائر في اليمن وسوريا؛ فالأطماع والمُخطَّطات والمصالح جعلت من البلدين مركزًا لصراع القوى الخارجية، والضحايا هم أبناء الشعبين الذين ذاقوا مرارة التشريد والقتل والمعاناة والتي لا تبدو لها نهاية في القريب.
تسقط أنظمة وتصعد أنظمة والحال لا يتغير، ولعل حالة سوريا بالأخص معقدة جدًا؛ وذلك لقربها من الكيان الصهيونى الغاصب، الذي لا يَخفى على أي متابع وقارئ ما لديه من أطماع توسُّعية وحلم بإنشاء ما يعرف بـ"إسرائيل الكبرى" عبر مشروع خُطِّط له منذ فترة طويلة وفق ما يُعرف سياسيًا بمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، هذا المشروع الذي بُني على أساس تقسيم الشرق الأوسط إلى عدد كبير من الدول وفق أساس ديني وطائفي ومذهبي، وتجزئة المُجزَّأ إلى كيانات أصغر يسهل التعامل معها من قبل إسرائيل، وتجريدها من أسباب القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية وفق خطة طويلة الأمد أساسها إشعال الفتن والحروب داخل هذه الدول.
هذا المخطط، ورغم علانيته والتصريح به وحتى مع تغليفه بغلاف نشر مبادئ الديمقراطية والحريات والمساواة في هذه الدول، إلّا أنَّ العرب والمسلمين يقفون عاجزين عن منعه؛ بل إنهم وبسبب فُرقتهم وصراعاتهم قد يساعدون في تنفيذه، وقد يكون بقصدٍ أو غير قصد، لكن الأغرب في الأمر كيف استطاعت إسرائيل تنفيذ مخطط بهذا الوضوح والعلانية والنهاية المعروفة ولا تجد من يعارضها أو يتصدى لها لوقف ذلك، فهل هو الهوان الذي بلغ مداه أم قلة الحيلة التي كبلت الأيدي وجعلتهم تابعين؟!
لن يقف الأمر عند سوريا، ولن يكون هذا هو السقوط الأخير، وهذا ليس رأيا شخصيا؛ بل هو خبر معلوم لدى الجميع وحديث بصوت عالٍ ومسموع، والمعاصر لسقوط الأنظمة في عديد الدول العربية سابقًا يرى مشهدًا مُكرَّرًا في سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهي تراجيديا مُعادة في كل مرة ورغم ذلك ما زالت تلقى رواجًا ومشاهدين منبهرين! وكأنهم لم يسمعوا ويروا كل ذلك من قبل.. فهل هي الغشاوة أم أن العقول ما زالت لم تتحرر من السذاجة التي أصبحت علامة مسجلة لشعوب العالم الثالث وقدر لها أن تكون جزءًا من مسرحية لا دور لهم فيها إلّا المُعاناة والأمل الخادع؟
لا نقول سقط نظام الأسد، فهذا شأن يخص السوريين وحدهم؛ فهُم من لهم فقط الحق في تحديد من يحكمهم، وهم من يُقرر فقط من لا يحكمهم، ولكن نقول سقطت سوريا من يد العروبة كما سقطت قبلها دول أخرى، لقد أصبحت فلسطين دون ظهر يدفع عنها الظالمين وعجرفتهم، وأصبحت تحت رحمة العدو الذي نزل بثقله ليقضي على ما تبقى من أنفاس سوريا التي كانت تُرسل الأمل للقدس، حتى تصنع توازنًا في معركة لا متوازنة منذ قيامها.. لقد خسر العرب سوريا ولن يشعروا بمرارة الخسارة إلّا عندما يصل الجزار إلى عتبة الباب.. عندها لن يكون هناك خيار سوى الذبح أو الذبح!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما هي المهمة الشاقة التي تنتظرُ عون؟ تقريرٌ أجنبي يكشفها
نشر موقع "arabnews" تقريراً جديداً قال فيه إن لبنان قد يستفيد من ضعف "حزب الله" وسوريا وإيران.
ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنه "ليس سراً أن مصير لبنان واستقراره كانا دائماً تحت رحمة التوازن الدقيق بين القوى الداخلية الطائفية، وتوازن القوى الإقليمي العربي، وإسرائيل، والصراع الفلسطيني فضلاً عن إيران وأجندتها الثورية في العقود الأخيرة".
وتابع: "نادرا ما اجتمعت تلك القوى على نحو يضع الدولة اللبنانية على المسار الصحيح نحو السلام والاستقرار وإعادة البناء والإصلاح بما يخدم مصالح كل تلك القوى المؤثرة في الوقت نفسه. كثيراً ما زعمت كتب النظريات المتعلقة بالشرق الأوسط أن لعبة الكراسي الموسيقية تنطبق بشكل خاص على هذه المنطقة، حيث يظل هناك دوماً لاعب إضافي واحد بدون كرسي، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى إفشال الحفلة لصالح بقية اللاعبين. وينطبق هذا القياس بشكل خاص على لبنان ومجتمعاته العديدة المتنافسة، بل وحتى المتحاربة، حيث كانت الأحداث في كثير من الأحيان تترك أحد هذه المجتمعات من دون كرسي على الطاولة".
وأكمل: "إن انتخاب جوزيف عون هذا الأسبوع، وهو خامس قائد للجيش يصبح رئيساً للجمهورية في تاريخ لبنان، يثير التساؤل حول ما إذا كان سيتمكن من إدخال البلاد في حقبة جديدة قادرة على انتشالها من حافة الهاوية، أو ما إذا كان سيكتفي بدور رئيس تصريف الأعمال، وإدارة مطالب النخب السياسية الفاسدة، وتوقعاتها، وتوقعات مجتمعاتها".
وتساءل التقرير عما إذا كان عون سيلعب الدور الذي لعبه الرئيس اللبناني الرّاحل فؤاد شهاب للصعود بلبنان نحو النمو والإزدهار، وأضاف: "لا شك أن إضعاف حزب الله وسيدته إيران في حرب العام الماضي مع إسرائيل، إلى جانب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، كانا من العوامل الرئيسية في كسر الجمود الذي أصاب البرلمان اللبناني لفترة طويلة والوصول إلى توافق وانتخاب رئيس جديد يحظى بثقة المجتمع الدولي".
إلى ذلك، اعتبر التقرير أنَّ قبول حزب الله بانتخاب عون يؤكد أنه لم يعد يملي الأجندة السياسية في ضوء التحولات الجيوسياسية الإقليمية منذ المغامرة العسكرية لحركة حماس في 7 تشرين الأول 2023 وما تلاها، والتي أدت إلى إضعاف نفوذ إيران في المنطقة".
وأردف: "إن الهزيمة السياسية التي مني بها حزب الله تأتي في أعقاب النكسة العسكرية المدمرة التي تعرض لها على مدى الأشهر الأربعة عشر الماضية. وبموجب شروط وقف إطلاق النار مع إسرائيل، يواصل الجيش اللبناني انتشاره في الجنوب في حين تستعد القوات الإسرائيلية للانسحاب. والاختبار الحقيقي الآن هو ما إذا كان حزب الله سيوافق على تفكيك البنية التحتية العسكرية المتبقية له جنوب نهر الليطاني وسحب قواته المتبقية إلى مسافة ثلاثين كيلومتراً من الحدود".
وقال: "لا شك أن الاختبار الحقيقي لعون سيكون قدرته على الوفاء بوعده بأن تحتكر الدولة حمل السلاح، وهو ما يشير إلى الطريق الصعب الذي سيسلكه لنزع سلاح حزب الله، الذي احتفظ بأسلحته منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990 لمحاربة إسرائيل، حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان في عام 2000".
وأكمل: "يقال إن حزب الله سمح بانتخاب الرئيس الجديد عون فقط بعد حصوله على ضمانات بشأن اسم قائد الجيش المقبل وتنفيذ مبادئ أو حدود اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وهو ما قد يدق ناقوس الخطر. إن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والمملكة العربية السعودية ومصر، والتي ضغطت من أجل انتخاب عون، يستحق الإشادة. ولكن يتعين على هذه الدول أن تستعد للطريق الطويل الذي ينتظرها، والذي يتسم بالشوك، إذا كان للبنان أن ينعم بالاستقرار والازدهار. والتهديدات من جانب إيران، التي من غير المرجح أن تتخلى عن خطابها وأفعالها المعادية لإسرائيل والمؤيدة للمقاومة، من شأنها أن تفسد كل الجهود الرامية إلى إيجاد لبنان محايد ولكن مزدهر".
وختم: "سوف يكون على عون، بخلفيته العسكرية، أن يقنع حزب الله بالتخلي عن أسلحته وهي مهمة شاقة على أقل تقدير. ولكن هذا هو الاختبار الذي لا يمكن للرئيس الجديد أن يفشل فيه، وإلا فإن الفرصة التاريخية التي أتيحت للبنان لإعادة السلام والأمن والاستقرار، وإعادة بناء اقتصاده ونظامه المصرفي لجذب السياحة والاستثمار، وخاصة في احتياطياته من الطاقة المكتشفة حديثا في البحر، قد تضيع مرة أخرى".
المصدر: ترجمة "لبنان 24"