من هو إيلي كوهين؟ الجاسوس الذي أعدمه النظام السوري وإسرائيل تسعى لاستعادة رفاته بعد 55 عامًا
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
بعد انهيار نظام بشار الأسد، أعيدت قضية إيلي كوهين إلى الواجهة، ليظل الجاسوس الإسرائيلي الأشهر في تاريخ إسرائيل والعالم محورًا للبحث والنقاش.
اعلانذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن تل أبيب تحاول الاستفادة من الاضطرابات في سوريا للكشف عن موقع دفن جثة إيلي كوهين، بالإضافة إلى الحصول على مجموعة من لفائف التوراة القديمة وغيرها من الممتلكات.
وكانت الصحيفة نفسها قد نشرت قبل أيام مقالا تحت عنوان "سقوط نظام الأسد يبعث الأمل في العثور على الإسرائيليين المفقودين في سوريا"، نقلت فيه عن نادية كوهين، أرملة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، التي أبدت تفاؤلها بأن سقوط الأسد قد يؤدي إلى حل قضية اختفاء زوجها، الذي تم إعدامه في دمشق عام 1965.
من جانبها، ذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله، أن مصادر دبلوماسية أفادت بأن تل أبيب بدأت اتصالات مع جهات خارجية ومع سوريين في محاولة للوصول إلى موقع دفن كوهين.
كما أشارت الصحيفة إلى أن الدولة العبرية تسعى أيضًا للتواصل مع عناصر عملت مع الفصائل الفلسطينية في محاولة للعثور على جثة أحد الجنود الثلاثة الذين فُقدوا في معركة السلطان يعقوب بالبقاع أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
ويجدر بالذكر إلى أن روسيا كانت قد استرجعت جثتي جنديين في وقت سابق، وسلمتهما لإسرائيل ضمن صفقة.
هذا وأشارت "الأخبار" إلى أن إسرائيل مهتمة بملف "الآثار اليهودية في سوريا". ولفتت إلى أن الدولة العبرية تشير إلى أنه تم تدمير نصف المواقع اليهودية في سوريا. وتتحدث عن اختفاء مجموعة من مخطوطات التوراة القديمة وغيرها من القطع الأثرية، وقد ظهر بعضها في تركيا.
من إلياهو بن شاؤول كوهين إلى كامل أمين ثابت.. من هو؟إيلي كوهين هو أحد أشهر الجواسيس الإسرائيليين في التاريخ، ولد في 26 ديسمبر 1924 في مدينة الإسكندرية بمصر، لعائلة يهودية هاجرت من حلب السورية.
اسمه الكامل هو إلياهو بن شاؤول كوهين. نشأ في بيئة متعددة اللغات، حيث كان يتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والعبرية، ودرس الهندسة في جامعة الإسكندرية، ولكنه لم يكمل تعليمه.
في أوائل الستينات، تم تجنيده من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، حيث أرسل إلى دمشق تحت اسم مستعار هو "كامل أمين ثابت"، وقال حينها إنه رجل أعمال من عائلة سورية مهاجرة إلى أمريكا اللاتينة.
هناك، تمكن من التسلل إلى أوساط النخبة السياسية والعسكرية السورية، مستغلا مهاراته الفائقة في كسب الثقة. أصبح قريبا من كبار المسؤولين السوريين، بما في ذلك وزير الدفاع، وتمكن من جمع معلومات حيوية حول تحركات الجيش السوري وخططه، مما كان له دور كبير في نتائج حرب 1967.
لكن في عام 1965، اكتشفت المخابرات السورية هويته، وألقي القبض عليه.
وفي 18 مايو من نفس العام، تمت محاكمته في محاكمة سرية، وحكم عليه بالإعدام. وفي نفس اليوم، تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا.
ورغم مرور العديد من العقود على وفاته، لا تزال قضية إيلي كوهين تثير اهتمام إسرائيل، التي تسعى إلى العثور على رفاته في سوريا، خاصة في ظل الاضطرابات الأخيرة التي تشهدها البلاد.
إيلي كوهين، على أقصى اليسار، يستمع أثناء الحكم عليه بالإعدام من قبل محكمة عسكرية خاصة في دمشق، سوريا، 8 مايو/أيار 1965AP Photoماذا نعرف بعد..في عام 1944، انضم إيلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في مدينة الإسكندرية، حيث بدأ بتطوير اهتمامه بالسياسة الصهيونية ودعم فكرة هجرة اليهود من مصر إلى فلسطين. وبعد حرب 1948، أصبح كوهين ناشطًا في تحفيز اليهود المصريين على الهجرة إلى إسرائيل، وفي 1949 هاجر والداه وثلاثة من أشقائه إلى إسرائيل، بينما اختار هو البقاء في مصر.
خلال هذه الفترة، بدأ كوهين العمل مع إبراهام دار، أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين، الذي كان مكلفًا بمهمة تجنيد العملاء ومساعدة اليهود في الهجرة. تحت اسم مستعار هو "جون دارلينج"، شكّل كوهين شبكة تجسس إسرائيلية في مصر، وقاموا بتنفيذ عمليات تخريبية استهدفت منشآت أمريكية في القاهرة والإسكندرية، بهدف الإضرار بالعلاقات المصرية الأمريكية.
اعلانفي عام 1954، تم كشف شبكة التجسس في فضيحة "لافون" الشهيرة، لكن بعد التحقيقات، تمكن كوهين من إقناع السلطات ببراءته. ومع ذلك، غادر مصر في 1955 وواصل عمله مع جهاز الموساد الإسرائيلي، حيث تم إلحاقه بوحدة رقم 131. ورغم ذلك، استمرت المخابرات المصرية في مراقبته، وعندما نشبت أزمة العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956، تم القبض عليه.
وزعمت تقارير سابقة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن جهاز مخابرات غربي أبلغ إسرائيل أن أجهزة تنصت سوفيتية متطورة كانت في حوزة السوريين، هي التي ساعدت في اكتشاف أجهزة إرسال في شقة إيلي كوهين.
وقالت الصحيفة، إن المخابرات السورية قد بدأت بمراقبته لمدة عام كامل. وأكدت التقارير أن كوهين تعرض للتعذيب للحصول على معلومات عن عمل الموساد قبل إعدامه في مايو 1965.
وفقًا لتلك التقارير، كان الجنرال عبد الحليم حاطوم، الذي شارك في الحفلات التي نظمها كوهين في شقته، ضمن القضاة الذين أصدروا الحكم بالإعدام. في هذه الحفلات، كان كوهين يستدعي بائعات الهوى للقاء الضباط السوريين، وهو ما أسهم في تسليط الضوء على علاقاته المشبوهة.
اعلانوبعد تنفيذ حكم الإعدام، تُركت صور كوهين معلقة في ساحة المرجة، مما خلف أثرًا عميقًا لدى الإسرائيليين.
ووجهت ناديا كوهين، زوجته، في وقت لاحق اتهامات لرئيس جهاز الموساد مائير عميت، حيث حمّلته المسؤولية عن وفاة زوجها.
وفي سياق مختلف، أشارت تقارير المخابرات المصرية إلى أن اكتشاف كوهين كان نتيجة لتعاون بين المخابرات المصرية والسورية، حيث تم التقاط صور له مع قادة عسكريين في هضبة الجولان، مما أدى إلى التعرف عليه بسهولة.
وأكدت رواية أخرى في كتاب "دماء على أبواب الموساد" أن العميل المصري الشهير رأفت الهجان كان له دور في الكشف عن كوهين.
اعلانوفي صيف 2018، أعلنت الدولة العبرية أنّها استعادت ساعة اليد التي كان يضعها كوهين والتي كانت جزءاً من "هويته العربية الزائفة" وذلك بفضل "عملية خاصّة نفّذها الموساد في دولة عدوّة".
وفي عام 2021، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته تبذل جهودا مكثفة للعثور على رفات جاسوسها الشهير الذي أعدم في دمشق قبل 55 عاما، وإعادتها إلى إسرائيل. وجاءت تصريحات نتنياهو حينها قبيل انتخابات تشريعية مبكرة كانت مقررة في الدولة العبرية.
Related أخفى خطط هروبه عن الجميع قبل مغادرته سوريا.. هل خدع الأسد مساعديه وأقاربه؟سوريا ونهاية عهد عائلة الأسد في حكم امتد لـ50 عاما.. بشار يسقط ويسلم السلطة بعد 11 يوما من دون قتالإدانة دولية واسعة للتوغل الإسرائيلي في سوريا وسط تحذيرات من تقويض الاستقرار الإقليميإيلي كوهين في السينما والتلفزيونهذا وتم تجسيد حياة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في عدة أعمال فنية، أبرزها:
مسلسل "الجاسوس" - 2019: من إنتاج منصة نتفليكس: هذا المسلسل الدرامي الذي قام ببطولته ساشا بارون كوهين، يعرض حياة إيلي كوهين، بما في ذلك مهماته السرية في سوريا وتضحياته الشخصية. يركز المسلسل على كيفية تسلل إيلي كوهين للأوساط السياسية السورية، والمخاطر التي تعرض لها أثناء مهمته.
اعلانفيلم "جاسوس المستحيل" - 1987: هذا الفيلم الأمريكي يعرض القصة الحقيقية للجاسوس الإسرائيلي، بدءا من مهماته في سوريا وصولا إلى أسره وتنفيذه حكم الإعدام عليه.
شخصية "مأمون بيك" في مسلسل "باب الحارة": بعض النقاد يعتبرون أن شخصية مأمون بيك، الذي يجسد دور جاسوس في الدراما السورية الشهيرة، تمثل إسقاطا على شخصية إيلي كوهين، خصوصا في سياق عمله كجاسوس في سوريا خلال تلك الفترة.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية رغم سقوط الأسد.. موسكو على وشك ضمان وجودها العسكري في سوريا من خلال اتفاق مع القيادة الجديدة دروز سوريا في رسالة إلى إسرائيل: "قوموا بضمنا إلى هضبة الجولان" حيث تتوقف الإمدادات الروسية.. تبدأ رحلة تقاسم الرغيف بين أوكرانيا وسوريا سوريابشار الأسدإسرائيلاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى نتيجة تصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي بغزة وتفاؤل أمريكي بشأن صفقة التبادل يعرض الآن Next رغم سقوط الأسد.. موسكو على وشك ضمان وجودها العسكري في سوريا من خلال اتفاق مع القيادة الجديدة يعرض الآن Next دروز سوريا في رسالة إلى إسرائيل: "قوموا بضمنا إلى هضبة الجولان" يعرض الآن Next كوريا الجنوبية: البرلمان يصوت لصالح عزل الرئيس يون سوك يول يعرض الآن Next عاجل. عشرات المفقودين في حادث غرق سفينة مهاجرين قبالة سواحل جافدوس باليونان اعلانالاكثر قراءة الجولاني يدعو السوريين للنزول للميادين احتفالا بانتصار الثورة تحذير أمريكي: إنفلونزا الطيور قد تؤدي إلى وباء جديد مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز "لن تعودوا إلى دياركم حتى بعد سقوط الأسد".. شولتس يحاول طمأنة اللاجئين السوريين في ألمانيا اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومبشار الأسدروسياسورياالحرب في سورياأوروباأمنهيئة تحرير الشام حكم السجندونالد ترامبأزمة إنسانيةقصفالمملكة المتحدةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024المصدر: euronews
كلمات دلالية: بشار الأسد روسيا سوريا الحرب في سوريا أوروبا أمن بشار الأسد روسيا سوريا الحرب في سوريا أوروبا أمن سوريا بشار الأسد إسرائيل بشار الأسد روسيا سوريا الحرب في سوريا أوروبا أمن هيئة تحرير الشام حكم السجن دونالد ترامب أزمة إنسانية قصف المملكة المتحدة الدولة العبریة یعرض الآن Next إلى إسرائیل سقوط الأسد إیلی کوهین فی سوریا فی عام إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما دلالة التقارب بين تركيا والأردن في ظل حرب غزة وسقوط النظام السوري؟
شمسان بوست / بي بي سي
يُوصّف الأردن بـ “الواحة المستقرة”، و”الجزيرة الهادئة وسط محيط ملتهب”.
في حين، تُوصّف تركيا بالقوة الإقليمية الصاعدة في الشرق الأوسط، والساعية لتعزيز حضورها وتأثيرها على الصعيد العالمي.
وفقاً لمنطق الجغرافيا، يُعد الأردن الناجيَ الوحيدَ من نيران الأزمات التي اندلعت في بلاد الشام (سوريا، ولبنان، والأراضي الفلسطينية)، والمتفاديَ للظروفِ المُحطِّمة التي مرَّ بها جارُهُ العراق، ناهيك عن كلِّ الصراعات المريرة التي هزّت أرجاء الشرق الأوسط.
لكنَّ هذه الحالة الاستثنائية من الاستقرار، تمكثُ في جوهر التساؤلات حول قدرة الأردن على التكيّف وتوظيف أدواته في عبور الأزمات.
وربما من هنا، يمكننا الانطلاق في محاولة فهم شكل “التموضع الإقليمي الجديد”، الذي التُقطت إشاراته بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتزامن مع عصف الحرب في غزة وما تُخلّفه من تحولات حادة في المنطقة.
* تركيا والأردن: طيف غزة في دمشق
شكّل إرسالُ الأردن المُعلن ثلاثة ًمن أهمِّ رجالاته إلى تركيا، خبراً غير تقليدي عن الدبلوماسية الأردنية، وتعاملاتها المألوفة مع التطورات الإقليمية، والحديث هنا بالتحديد عن سوريا الجديدة.
بينما ترى أنقرة المسلحين الأكراد الخطر الأكبر على حدودها، يخشى الأردن خطر عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الواجهة مجدداً.
ففي السادس من يناير/ كانون ثاني، التقى وفد أردني ضمَّ نائب رئيس الوزراء- وزير الخارجية، وقائد الجيش، ومدير المخابرات، بنظرائهم الأتراك، والرئيس رجب طيّب أردوغان.
وفيما نَزلَ في اليوم التالي وفدٌ سوري في عمّان، ضمَّ وزيري الخارجية، والدفاع، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة، ووزيري الكهرباء، والنفط والثروة المعدنية، اعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، في حديثه مع بي بي سي، أنَّ الجوار الأردني التركي مع سوريا يستدعي تنسيقهما في كل ملفات الأوضاع الانتقالية، خدمة لسوريا وأمنها واستقرارها.
يُعلّق الزميل الأول في معهد نيولاينز ومؤسس مجموعة ريماركس لتحليل العنف السياسي مراد بطل الشيشاني، قائلاً إنَّ ملفي دمشق وغزة مترابطان، إذ فَرضت تبعات الحرب في غزة تحديات على الاعتبارات الأردنية الداخلية والخارجية، رغم ما تقوم به عمّان من فعل سياسي ودبلوماسي مناهض لإسرائيل، ودور إغاثي في غزة.
بالتالي وفي الصورة الأوسع، يشكّل سقوط الأسد انفراجة ضرورية للأردن، الذي عانى أيضاً على مدار 14 سنة من ضغوطات أمنية وسياسية واقتصادية بحكم الأزمة السورية، وقبلها خلال أزمة غزو العراق وما خلّفته من تداعيات خطيرة، وفق الشيشاني.
بالنظر إلى كلَّ التحديات المفروضة في المنطقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، يقول المحلل السياسي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو، إنَّ اللقاء الأردني التركي أسفر عن اتفاق على تعزيز الدفاع المشترك بين عمّان وأنقرة، خاصة أمام التهديدات الإسرائيلية المستجدة في سوريا، وأحلامها التوسعية التي تصل الأناضول، وفق تعبيره.
ويعتبر كاتب أوغلو أنَّ مواجهة إسرائيل قد تكون في ميادين السياسة والقانون وعدم السماح بوجود فراغ أمني في سوريا، مشيراً إلى أنَّ تركيا مستعدة لتزويد الأردن بما يلزمه من صناعات دفاعية وقدراتٍ متطورة لو تطلب الأمر ذلك.
* جهاديو سوريا على حافتين
تُعتبر تركيا البوابة الشمالية لسوريا، فيما تمتد معظم واجهة سوريا الجنوبية مع الأردن، وهما خطّان حدوديان لطالما شكّلا هاجساً لكلا الدولتين بسبب إفرازات الفوضى الأمنية وتوالد الجماعات المسلحة والنزاعات الدامية داخل سوريا.
وهكذا يشير الشيشاني، إلى بروز واحدة من أهم التقطاعات الجيوبوليتيكة بين أنقرة وعمّان، إذ يمتلك الأردن أفضلية وفهماً عميقاً للمجموعات الجهادية التي نشطت على مدار السنوات الماضية في جنوب سوريا، فيما تمتلك تركيا أيضاً خبرة ومعرفة هامة للواقع الجهادي في الشمال السوري.
ويضيف الشيشاني أنَّه في الوقت الذي تضع فيه الجماعات الجهادية عمّان وأنقرة في مرمى أهدافها، يصير الدافع مُلحاً لتوثيق العلاقات التركية الأردنية وتوظيف خبراتهما داخل سوريا، مما يحقق تصورهما بمساعدة الحكم السوري الجديد على الاستقرار، وتطهير الحدود من الجماعات الجهادية لكلا الدولتين.
* خارطة التيّارت الإقليمية
تمتد العلاقات الأردنية التركية الحديثة إلى ثلاثينات القرن الماضي، منذ عهدي الملك عبد الله الأول، والرئيس مصطفى كمال أتاتورك.
وينظر البلدان إلى بعضهما بعين التموضعات الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وباعتبارهما بوابتين على سوقين اقتصاديين عملاقين سواء أوروبا أو الخليج عبر سوريا.
وهي علاقة وصفها الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، بالتاريخية.
لكنَّ العلاقات الأردنية التركية وإن حملت الكثير من التقارب سابقاً، لكنها تأخذ منحى آخر هذه المرة وتحولاً استراتيجياً طويل المدى، وفق تعبير عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو.
يضيف كاتب أوغلو أنَّ هناك أحلافاً تتشكل اليوم، وتضم تركيا والأردن من جهة، وإسرائيل وقوى إقليمية من جهة ثانية، وإيران وما تبقى من حلفائها من جهة ثالثة.
أمّا مراد الشيشاني فلا يتفق مع كاتب أوغلو، إذ يرى أنَّ التعاون الأردني التركي مهم ولافت في هذا الظرف، لكنه لا يزال دون الشراكة الاستراتيجية الكاملة.
ويعتقد الشيشاني أنَّه لا تَشكُل لنظامٍ إقليمي جديد بعد، بل يوجد اليوم ما وصفه بالاصطفافيْن الرئيسييْن في المنطقة، إذ يُمثّل الاصطفاف الأول -تركيا، والسعودية، وقطر، والأردن- ليكون التيارَ الراغب بتدعيم الحكام الجدد في سوريا وتثبيتهم، فيما يُمثّل الاصطفاف الثاني -الإمارات، ومصر، ودول خليجية- التيارَ المتحفظ على الحكّام الجدد لدمشق.
* مناورة “قسد” وعينٌ على “الجولاني”
وفقاً لمصدر أردني مطلع، فإنَّ انفتاح الأردن على الإدارة السورية الجديدة، يظل في دائرة الحذر، فلم يغب بعدُ عن الذاكرة الأردنية، اسم “أبو محمد الجولاني” ولا تنظيم “جبهة النصرة”، أو جذوره “القاعدية”.
لكنَّ التحولات التي أبدتها هيئة تحرير الشام تتوافق مع التطلعات الأردنية نحو إنهاء أخطار تنظيم الدولة من جهة، وتحقيق العدالة الانتقالية والحكم التشاركي ودولة المؤسسات والحريات في سوريا من جهة أخرى، وهذا واحدٌ من الأسباب الهامة لتصرف الأردن بانفتاح وواقعية وعقلانية، وفق المصدر.
من جهة أخرى، مارست الدبلوماسية الأردنية تكتيكاً حذراً تجاه المعادلة السورية الداخلية، فبينما أدان الأردن للمرة الأولى “حزب العمال الكردستاني”، معلناً وقوفه إلى جانب تركيا، إلا أنه لم يذكر مصطلح “قوات سوريا الديمقراطية- قسد”، وهذا ما يُفهم في إطار الموازنات السياسية.
فحزب العمال الكردستاني (الذي دخل صراعاً مسلحاً ضد الحكومة التركية منذ عام 1984 في إطار سعيه للحصول على دولة مستقلة للأكراد في تركيا) مصنفٌ بالإرهاب عند الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا.
ولكنَّ قوات سوريا الديمقراطية (التي ظهرت في سوريا وعرّفت نفسها بالتكتل العسكري الوطني السوري الجامع للأكراد والعرب والتركمان والسريان في وجه تنظيم الدولة)، لا توجد على قوائم الإرهاب لأي دولة في العالم سوى تركيا، التي تُهدد باجتثات “قسد” عسكرياً، باعتبارها امتداداً وغطاء لحزب العمال الكردستاني، وفق أنقرة.
وهذا ما يُقرأ في المدى المنظور بأنَّ الإدانة الأردنية حققت معنى رمزياً وعززت من التقارب مع تركيا، لكنها في ذات الوقت لا تأخذ الأردن تجاه انعطافات عسكرية أو سياسية أو أمنية أو قانونية في سوريا.
* ماذا بعد؟
واجهت عمّان وأنقرة كثيراً من الأزمات التي خلّفتها الأزمة السورية، مثل أمن الجغرافيا وتهديدات الجماعات الجهادية، وتهريب المخدرات والسلاح، واستقبال اللاجئين الفارين من الحرب.
وبينما يُشكِّل الخوف من تجدد فوضى الدولة هاجساً لجارتي سوريا، فإن الفرص اللائحة في الأفق إذ ما استقرت سوريا، تُمثّل انفراجة هامة على جميع الصُعد السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية.
وإضافة للتقاطعات المصلحية المشتركة، يرى المحلل السياسي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، يوسف كاتب أوغلو، أنَّ الأردن دولة مهمة استراتيجياً لتركيا في تحقيق أمن واستقرار المنطقة، لذا تهتم تركيا بالتعاون مع الأردن في منع أي استهداف أو عبث محتمل في الداخل الأردني بالتزامن مع التحولات في المنطقة.
ويضيف كاتب أوغلو أن الأردن دولة تتمتع بالقدرة على التواصل مع شعوب المنطقة، كما تُمثل بوابة لإحياء نقل الغاز من قطر إلى تركيا.
من جهته، يرى الزميل الأول في معهد نيولاينز ومؤسس مجموعة ريماركس لتحليل العنف السياسي مراد بطل الشيشاني، أنَّ الأردن يُمثّل همزة وصل وقناة اتصال هامة بين الغرب والحكام الجدد في سوريا، وأنَّ سرَّ فاعليته يكمن في قدرته على إعادة التموضع السريع بما يضمن مصالحه مع كل الأطراف، إضافة إلى سياسة عمّان القائمة على إطفاء الحرائق في المنطقة كما وقع من أزمات سابقة في العراق وسوريا، وما يقع اليوم في غزة.
وبناء على ما سبق، وتساؤلاً عمّا إذا كانت هناك حدود للدور الأردني المرتقب في سوريا الجديدة، سألتُ المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، إن كان الأردن منفتحاً على المشاركة في بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية، فأجاب الوزير أن الأردن مستعد لتقديم كلِّ أشكال الدعم والخبرات اللازمة لسوريا، لضمان إعادة بناء جميع المؤسسات والمُقدرات السورية، وبما يُؤمّن أركان الأمن والاستقرار والاقتصاد، وعوامل النهوض بدولتهم السورية.