بعد انهيار نظام بشار الأسد، أعيدت قضية إيلي كوهين إلى الواجهة، ليظل الجاسوس الإسرائيلي الأشهر في تاريخ إسرائيل والعالم محورًا للبحث والنقاش.

اعلان

ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن تل أبيب تحاول الاستفادة من الاضطرابات في سوريا للكشف عن موقع دفن جثة إيلي كوهين، بالإضافة إلى الحصول على مجموعة من لفائف التوراة القديمة وغيرها من الممتلكات.

وكانت الصحيفة نفسها قد نشرت قبل أيام مقالا تحت عنوان "سقوط نظام الأسد يبعث الأمل في العثور على الإسرائيليين المفقودين في سوريا"، نقلت فيه عن نادية كوهين، أرملة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، التي أبدت تفاؤلها بأن سقوط الأسد قد يؤدي إلى حل قضية اختفاء زوجها، الذي تم إعدامه في دمشق عام 1965.

من جانبها، ذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله، أن مصادر دبلوماسية أفادت بأن تل أبيب بدأت اتصالات مع جهات خارجية ومع سوريين في محاولة للوصول إلى موقع دفن كوهين.

كما أشارت الصحيفة إلى أن الدولة العبرية تسعى أيضًا للتواصل مع عناصر عملت مع الفصائل الفلسطينية في محاولة للعثور على جثة أحد الجنود الثلاثة الذين فُقدوا في معركة السلطان يعقوب بالبقاع أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

ويجدر بالذكر إلى أن روسيا كانت قد استرجعت جثتي جنديين في وقت سابق، وسلمتهما لإسرائيل ضمن صفقة.

هذا وأشارت "الأخبار" إلى أن إسرائيل مهتمة بملف "الآثار اليهودية في سوريا". ولفتت إلى أن الدولة العبرية تشير إلى أنه تم تدمير نصف المواقع اليهودية في سوريا. وتتحدث عن اختفاء مجموعة من مخطوطات التوراة القديمة وغيرها من القطع الأثرية، وقد ظهر بعضها في تركيا.

من إلياهو بن شاؤول كوهين إلى كامل أمين ثابت.. من هو؟

إيلي كوهين هو أحد أشهر الجواسيس الإسرائيليين في التاريخ، ولد في 26 ديسمبر 1924 في مدينة الإسكندرية بمصر، لعائلة يهودية هاجرت من حلب السورية.

اسمه الكامل هو إلياهو بن شاؤول كوهين. نشأ في بيئة متعددة اللغات، حيث كان يتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والعبرية، ودرس الهندسة في جامعة الإسكندرية، ولكنه لم يكمل تعليمه.

في أوائل الستينات، تم تجنيده من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، حيث أرسل إلى دمشق تحت اسم مستعار هو "كامل أمين ثابت"، وقال حينها إنه رجل أعمال من عائلة سورية مهاجرة إلى أمريكا اللاتينة.

هناك، تمكن من التسلل إلى أوساط النخبة السياسية والعسكرية السورية، مستغلا مهاراته الفائقة في كسب الثقة. أصبح قريبا من كبار المسؤولين السوريين، بما في ذلك وزير الدفاع، وتمكن من جمع معلومات حيوية حول تحركات الجيش السوري وخططه، مما كان له دور كبير في نتائج حرب 1967.

لكن في عام 1965، اكتشفت المخابرات السورية هويته، وألقي القبض عليه.

وفي 18 مايو من نفس العام، تمت محاكمته في محاكمة سرية، وحكم عليه بالإعدام. وفي نفس اليوم، تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا.

ورغم مرور العديد من العقود على وفاته، لا تزال قضية إيلي كوهين تثير اهتمام إسرائيل، التي تسعى إلى العثور على رفاته في سوريا، خاصة في ظل الاضطرابات الأخيرة التي تشهدها البلاد.

إيلي كوهين، على أقصى اليسار، يستمع أثناء الحكم عليه بالإعدام من قبل محكمة عسكرية خاصة في دمشق، سوريا، 8 مايو/أيار 1965AP Photoماذا نعرف بعد..

في عام 1944، انضم إيلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في مدينة الإسكندرية، حيث بدأ بتطوير اهتمامه بالسياسة الصهيونية ودعم فكرة هجرة اليهود من مصر إلى فلسطين. وبعد حرب 1948، أصبح كوهين ناشطًا في تحفيز اليهود المصريين على الهجرة إلى إسرائيل، وفي 1949 هاجر والداه وثلاثة من أشقائه إلى إسرائيل، بينما اختار هو البقاء في مصر.

خلال هذه الفترة، بدأ كوهين العمل مع إبراهام دار، أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين، الذي كان مكلفًا بمهمة تجنيد العملاء ومساعدة اليهود في الهجرة. تحت اسم مستعار هو "جون دارلينج"، شكّل كوهين شبكة تجسس إسرائيلية في مصر، وقاموا بتنفيذ عمليات تخريبية استهدفت منشآت أمريكية في القاهرة والإسكندرية، بهدف الإضرار بالعلاقات المصرية الأمريكية.

اعلان

في عام 1954، تم كشف شبكة التجسس في فضيحة "لافون" الشهيرة، لكن بعد التحقيقات، تمكن كوهين من إقناع السلطات ببراءته. ومع ذلك، غادر مصر في 1955 وواصل عمله مع جهاز الموساد الإسرائيلي، حيث تم إلحاقه بوحدة رقم 131. ورغم ذلك، استمرت المخابرات المصرية في مراقبته، وعندما نشبت أزمة العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956، تم القبض عليه.

وزعمت تقارير سابقة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن جهاز مخابرات غربي أبلغ إسرائيل أن أجهزة تنصت سوفيتية متطورة كانت في حوزة السوريين، هي التي ساعدت في اكتشاف أجهزة إرسال في شقة إيلي كوهين.

وقالت الصحيفة، إن المخابرات السورية قد بدأت بمراقبته لمدة عام كامل. وأكدت التقارير أن كوهين تعرض للتعذيب للحصول على معلومات عن عمل الموساد قبل إعدامه في مايو 1965.

وفقًا لتلك التقارير، كان الجنرال عبد الحليم حاطوم، الذي شارك في الحفلات التي نظمها كوهين في شقته، ضمن القضاة الذين أصدروا الحكم بالإعدام. في هذه الحفلات، كان كوهين يستدعي بائعات الهوى للقاء الضباط السوريين، وهو ما أسهم في تسليط الضوء على علاقاته المشبوهة.

اعلان

وبعد تنفيذ حكم الإعدام، تُركت صور كوهين معلقة في ساحة المرجة، مما خلف أثرًا عميقًا لدى الإسرائيليين.

ووجهت ناديا كوهين، زوجته، في وقت لاحق اتهامات لرئيس جهاز الموساد مائير عميت، حيث حمّلته المسؤولية عن وفاة زوجها.

وفي سياق مختلف، أشارت تقارير المخابرات المصرية إلى أن اكتشاف كوهين كان نتيجة لتعاون بين المخابرات المصرية والسورية، حيث تم التقاط صور له مع قادة عسكريين في هضبة الجولان، مما أدى إلى التعرف عليه بسهولة.

وأكدت رواية أخرى في كتاب "دماء على أبواب الموساد" أن العميل المصري الشهير رأفت الهجان كان له دور في الكشف عن كوهين.

اعلان

وفي صيف 2018، أعلنت الدولة العبرية أنّها استعادت ساعة اليد التي كان يضعها كوهين والتي كانت جزءاً من "هويته العربية الزائفة" وذلك بفضل "عملية خاصّة نفّذها الموساد في دولة عدوّة".

وفي عام 2021، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته تبذل جهودا مكثفة للعثور على رفات جاسوسها الشهير الذي أعدم في دمشق قبل 55 عاما، وإعادتها إلى إسرائيل. وجاءت تصريحات نتنياهو حينها قبيل انتخابات تشريعية مبكرة كانت مقررة في الدولة العبرية.

Related أخفى خطط هروبه عن الجميع قبل مغادرته سوريا.. هل خدع الأسد مساعديه وأقاربه؟سوريا ونهاية عهد عائلة الأسد في حكم امتد لـ50 عاما.. بشار يسقط ويسلم السلطة بعد 11 يوما من دون قتالإدانة دولية واسعة للتوغل الإسرائيلي في سوريا وسط تحذيرات من تقويض الاستقرار الإقليميإيلي كوهين في السينما والتلفزيون

هذا وتم تجسيد حياة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في عدة أعمال فنية، أبرزها:

مسلسل "الجاسوس" - 2019: من إنتاج منصة نتفليكس: هذا المسلسل الدرامي الذي قام ببطولته ساشا بارون كوهين، يعرض حياة إيلي كوهين، بما في ذلك مهماته السرية في سوريا وتضحياته الشخصية. يركز المسلسل على كيفية تسلل إيلي كوهين للأوساط السياسية السورية، والمخاطر التي تعرض لها أثناء مهمته.

اعلان

فيلم "جاسوس المستحيل" - 1987: هذا الفيلم الأمريكي يعرض القصة الحقيقية للجاسوس الإسرائيلي، بدءا من مهماته في سوريا وصولا إلى أسره وتنفيذه حكم الإعدام عليه.

شخصية "مأمون بيك" في مسلسل "باب الحارة": بعض النقاد يعتبرون أن شخصية مأمون بيك، الذي يجسد دور جاسوس في الدراما السورية الشهيرة، تمثل إسقاطا على شخصية إيلي كوهين، خصوصا في سياق عمله كجاسوس في سوريا خلال تلك الفترة.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية رغم سقوط الأسد.. موسكو على وشك ضمان وجودها العسكري في سوريا من خلال اتفاق مع القيادة الجديدة دروز سوريا في رسالة إلى إسرائيل: "قوموا بضمنا إلى هضبة الجولان" حيث تتوقف الإمدادات الروسية.. تبدأ رحلة تقاسم الرغيف بين أوكرانيا وسوريا سوريابشار الأسدإسرائيلاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى نتيجة تصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي بغزة وتفاؤل أمريكي بشأن صفقة التبادل يعرض الآن Next رغم سقوط الأسد.. موسكو على وشك ضمان وجودها العسكري في سوريا من خلال اتفاق مع القيادة الجديدة يعرض الآن Next دروز سوريا في رسالة إلى إسرائيل: "قوموا بضمنا إلى هضبة الجولان" يعرض الآن Next كوريا الجنوبية: البرلمان يصوت لصالح عزل الرئيس يون سوك يول يعرض الآن Next عاجل. عشرات المفقودين في حادث غرق سفينة مهاجرين قبالة سواحل جافدوس باليونان اعلانالاكثر قراءة الجولاني يدعو السوريين للنزول للميادين احتفالا بانتصار الثورة تحذير أمريكي: إنفلونزا الطيور قد تؤدي إلى وباء جديد مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز "لن تعودوا إلى دياركم حتى بعد سقوط الأسد".. شولتس يحاول طمأنة اللاجئين السوريين في ألمانيا اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومبشار الأسدروسياسورياالحرب في سورياأوروباأمنهيئة تحرير الشام حكم السجندونالد ترامبأزمة إنسانيةقصفالمملكة المتحدةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

المصدر: euronews

كلمات دلالية: بشار الأسد روسيا سوريا الحرب في سوريا أوروبا أمن بشار الأسد روسيا سوريا الحرب في سوريا أوروبا أمن سوريا بشار الأسد إسرائيل بشار الأسد روسيا سوريا الحرب في سوريا أوروبا أمن هيئة تحرير الشام حكم السجن دونالد ترامب أزمة إنسانية قصف المملكة المتحدة الدولة العبریة یعرض الآن Next إلى إسرائیل سقوط الأسد إیلی کوهین فی سوریا فی عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

FA: كيف تستعد إيران للمواجهة مع ترامب.. وهل ستنقذ نفسها؟

ناقش الباحث في جامعة هارفارد محمد آية الله تبار فيما إن كانت إيران ستصمد أمام ضغوط واشنطن.

وفي مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" قال فيه إن إيران واجهت العام الماضي سلسلة من النكسات، حيث تم إضعاف حليفيها حماس وحزب الله في الحرب مع "إسرائيل"، ثم انهار نظام بشار الأسد فجأة وبشكل مذهل. كما أن عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة يعيد منظور إحياء استراتيجية أقصى ضغط والتي صمدت أمامها الجمهورية الإسلامية بداية عام 2018 وحتى نهاية فترة ترامب الأولى.

وقادت هذه التراجعات الإيرانية عددا من المسؤولين الأمريكيين والمحللين للجدال بأن الجمهورية الإسلامية تواجه هزيمة استراتيجية. ففي مقال كتبه ريتشارد هاس بـ "فورين أفيرز" بكانون الثاني/ يناير، قال فيه إن "إيران ضعيفة وأكثر عرضة للخطر مما  كانت عليه قبل عقود، وعلى الأرجح منذ الحرب التي استمرت عقدا مع العراق وربما منذ الثورة الإسلامية في 1979".



وبحسب هذا الرأي، فقد قدمت إيران لمعارضيها فرصة لاستهداف منشآتها النووية أو الحصول منها على تنازلات كبرى في صفقة نووية. وعليه، فالرأي السائد اليوم وهو أن إيران باتت عرضة للضغط الأمريكي أو ضربة عسكرية إسرائيلية، لا يجد صدى في طهران. فالجمهورية الإسلامية تتعامل مع هذه التحديات باعتبارها مؤقتة ونكسات وليست إشارات عن هزيمة.

ومن وجهة نظر إيران، فرغم ما تعرضت له حماس وحزب الله من ضربات، فقد خرجتا رابحتين، نظرا لصمودهما أمام قوة تقليدية مدعومة من الولايات المتحدة. كما واحتفظت حماس ببعض الشعبية بين الفلسطينيين، ولا يزال حزب الله يتمتع بدعم الشيعة في لبنان. وفي اليمن، عزز الحوثيون المتحالفون مع إيران دورهم كداعم ثابت للقضية الفلسطينية وعضو رئيسي في ما يسمى بمحور المقاومة الذي تقوده طهران من خلال مهاجمة "إسرائيل" وتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر.

لكن إيران تعترف بأن شبكة الشركاء التي عملت على بنائهم لم تعد قوية اليوم، مثلما كانت قبل هجوم حماس على "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ولهذا بدأت باتخاذ خطوات لتقوية الدعم الداخلي من خلال تقديم تنازلات داخلية محدودة لشعب سئم من الحكم الاستبدادي الديني.

فقد خفف النظام من تطبيق قواعد اللباس الإلزامي للنساء، وخفف القيود على منصات التواصل الاجتماعي، مما أتاح نقاشات انتقادية متزايدة لسياسات الحكومة. وتأمل الجمهورية الإسلامية من خلال هذا أن تقلل خطر الاضطرابات الداخلية وأن تعزز ثقة الجمهور بها.

ولكن، علينا ألا ننظر إلى هذه التحولات الداخلية كمقدمة لانفتاح كبير على الغرب. وفي الحقيقة، يهدف الإصلاح الاجتماعي المدروس، والذي يمكن أن يتراجع عنه النظام إلى تعزيز الدعم الداخلي لمواجهة الضغوط الخارجية.

وقد أشار ترامب إلى انفتاحه على التفاوض مع طهران، ولكنه أبدى أيضا استعداده لمهاجمة الجمهورية الإسلامية. ومع تأييد الشعب لطهران، أو تخفيف معارضته لها، تأمل الحكومة أن تتمكن من الصمود في وجه ما يحضره لها الرئيس الأمريكي.

وربما احتفلت "إسرائيل" بانتصارها العسكري على حماس وحزب الله. فرغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها الحركتين، تتوقع طهران أن تعيد حماس وحزب الله بناء نفسيهما، مدعومين بدعم شعبي وكراهية لـ"إسرائيل". بل إنها تتوقع أن يعزز مقتل زعيم حماس يحيى السنوار وزعيم حزب الله حسن نصر الله في ساحة المعركة الالتزامات الأيديولوجية للتنظيمين، وأن يتردد  صداه وسط جمهور متعاطف لسنوات قادمة.

وفي المقابل، فمن الصعب على إيران التخلص من صدمة سقوط الأسد، ورغم أن  عدم شعبية الأخير كانت معروفة للجميع، إلا أن انهيار الجيش السوري السريع، فاجأ الراعية إيران.

ووفقا لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإن أجهزة الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية كانت "على وعي تام" بالتهديد الأمني الوشيك ضد الأسد. ومع ذلك، فوجئت طهران بعجز الجيش السوري التام عن مواجهة قوات المعارضة المسلحة. ويعزو المسؤولون الإيرانيون تفكك جيش الأسد جزئيا إلى "الحرب النفسية" التي شنتها قوى خارجية، بما في ذلك "إسرائيل" وتركيا والولايات المتحدة. لكن عراقجي ألقى أيضا ببعض اللوم على تجاهل الأسد للرأي العام.

وزعم عراقجي أن إيران نصحت الأسد "باستمرار" أن يقوم برفع الروح المعنوية للجيش و"التفاعل بشكل أكبر مع الشعب، لأن ما يضمن في النهاية الحكومة هو الشعب"، لكن الأسد، كما أشار عراقجي، فشل في هذا.

وكان انهيار الأسد المفاجئ مدعاة لقلق العام داخل إيران، حيث أدت سياسات الحكومة القمعية والفساد إلى خلق فجوة مع الشعب، تماما كما فعل الحكم العلماني للشاه. وفي كانون الثاني/ يناير، أقرّ عباس صالحي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، علنا بأن طهران تواجه عجزا حادا في "رأس المال الاجتماعي"، وذلك بسبب تراجع ثقة الجمهور بالحكومة. وحذر الرئيس السابق محمد خاتمي من أن الجمهورية الإسلامية تخاطر بـ"التخريب الذاتي" بتجاهلها الحنق الشعبي.

وبشكل متزايد، تتفق النخب السياسية وبكل أطيافها على الحاجة الملحة لإظهار النظام مرونة داخلية. وعليه، خففت الحكومة الإيرانية بعض القيود.

ففي كانون الأول/ ديسمبر 2024، أوقف المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني فعلًا تطبيق قانون الحجاب الجديد المثير للجدل، والذي كان من شأنه فرض عقوبات مالية وأحكام بالسجن وعقوبات أخرى، مثل حظر السفر، على النساء اللاتي ظهرن في الأماكن العامة دون حجاب أو ارتدين ملابس "غير لائقة".



ورغم دعوات بعض المحافظين المتشددين لتطبيق صارم لقواعد اللباس في البلاد وحملات القمع الحكومية الموجهة أحيانا لتهدئة قاعدتها الدينية،  أصبح بإمكان النساء الآن الظهور دون حجاب في الأماكن العامة مع خوف أقل من الانتقام القاسي. وظهر المتشددون منقسمين على أنفسهم في معارضة الإجراءات، ففي 15 آذار/ مارس، أقر النائب المحافظ محمود نبويان بأن المخاوف من "سورنة" إيران هي الدافع وراء تعليق القانون، واتفق على وجوب "تجاهله إذا كان يقوض النظام".

ويعكس هذا التطور اعترافا ضمنيا من الدولة بعدم شعبية فرض الحجاب وعدم فعاليته، على الأقل في الوقت الحالي. ويأتي أيضا بعد ثلاث سنوات من وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، أثناء احتجازها لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عقب اعتقالها لعدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح. وقد أثارت وفاة أميني احتجاجات شعبية حاشدة في الشوارع عام 2022، تصدت لها  إيران بعنف مفرط.

وفي نهاية المطاف، جمدت الجمهورية الإسلامية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤقتا ومنعت ظهورها في الشوارع لتخفيف حدة التوترات.

والآن، يبدو أن طهران مستعدة بشكل متزايد لقبول تطبيق قوانين الحجاب بشكل متساهل، شريطة ألا يتحول إلى حركة سياسية أوسع نطاقا تتحدى النظام نفسه.

وإضافة إلى هذا التجميد سعى النظام إلى كسب ود الشعب من خلال السماح بنقاشات مفتوحة وصريحة نسبيا على وسائل الإعلام المحلية.

وباتت منصات التواصل في إيران الآن تستضيف مجموعة متنوعة من المعلقين، بمن فيهم أصوات مستقلة ومعارضة، داخل البلاد وخارجها.

تواصل الحكومة الترويج بهدوء لمنصات مرتبطة بالدولة، وهناك الكثير من المدافعين المستقلين عن النظام. لكن النقاشات عبر الإنترنت حول قانون الحجاب وسقوط الأسد والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع، تتسم بصراحة ودقة مفاجئتين. فقد وصف بعض المعلقين القيادة الإيرانية صراحة بأنها كارثة على البلاد. وللوهلة الأولى، ربما بدا غريبا أن تسمح إيران لأصوات كهذه التعبير عن مواقفها من أجل الحفاظ على الاستقرار.

لكن طهران تأمل أن يقدم فتح المجال الداخلي صمام أمان للإحباط العام، ويقلل من جاذبية وسائل الإعلام الدولية والفضائية مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي تعتبر من أكثر الأصوات انتقادا لإيران.

وقد لجأ النظام إلى هذه الاستراتيجية في أوقات حرجة سابقة. ففي ذروة احتجاجات عام 2022، شجع النظام شخصيات كانت محظورة سابقا على الظهور على التلفزيون، على أمل أن تمتص انتقاداتهم السخط العام وتحوله بعيدا عن الشارع. وفي هذه المرة، تعتقد طهران أن التدفق الحر نسبيا للمعلومات، إذا أُدير بعناية يمكن أن يعزز سردية النظام بشأن الأمن القومي على المدى الطويل.

ويأمل قادة إيران هذه المرة أن تعمل الإصلاحات المحلية التدريجية على خلق مناخ ملائم لنقاش وطني حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، مثل الأزمة النووية، وهو نقاش تعتقد إيران أنه سيفضي إلى وحدة وطنية.

وتعتقد النخب، على الأقل، أن مثل هذا النقاش سيعزز موقف الحكومة التفاوضي في سعيها للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحد يعالج مخاوف واشنطن بشأن تسليح البرنامج النووي الإيراني، ولكنه لا ينهي تخصيب اليورانيوم، أو يقيد إنتاج الأسلحة التقليدية أو يضعف محور المقاومة.

فالاحتجاجات الداخلية، في نهاية المطاف، لا تقدم إلا فرصا للخصوم، مثل الولايات المتحدة، التي ترى في التصدعات في المجتمع الإيراني علامات ضعف. كما ويعتقد قادة إيران أن بناء الصلة الوثيقة مع الشعب مهمة وبخاصة لمواجهة واشنطن. ففي أثناء إدارة بايدن، اعتقدت واشنطن أنها قادرة على تأمين صفقة جديدة بناء على الضرر الاقتصادي الذي سببته استراتيجية ترامب "أقصى ضغط"،  لكن إيران، استطاعت وبقدر من التماسك الداخلي لمواجهة التهديد الخارجي من الولايات المتحدة، تبني موقف تفاوضي أكثر صرامة من ذي قبل.

وفي ضوء اعتقاد إدارة ترامب الآن بأن إيران باتت أضعف بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأنه قادر على تأمين صفقة مع طهران تكون أكثر ملاءمة للولايات المتحدة. وإذا لم يستطع، فقد طرح ترامب خيار استخدام القوة. ويزعم ترامب أنه قال للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في آذار/ مارس: "هناك طريقتان للتعامل مع إيران: عسكريا، أو إبرام صفقة". كما قال ترامب إن إدارته "في اللحظات الأخيرة مع إيران".

وبالنسبة لإيران، فإن وجود جمهور داعم أمر ضروري لتجاوز هذه العاصفة. وربما كانت تهديدات ترامب كافية لبناء الانسجام الداخلي والمقاومة. إلا أن مثال الأسد علم قادة إيران عدم ترك أي شيء للصدفة.



وبالمحصلة، طهران عازمة على منع الانقسامات الداخلية من إضعاف قدرة البلاد على تحمّل الضغوط. وتشكل الانفتاحات الاجتماعية والسياسية المحدودة استراتيجية محسوبة لتهدئة الإحباط العام قبل أن يتفاقم إلى اضطرابات جماهيرية.

وإذا كان الماضي دليلا، فإن هذا النهج قد يسمح للجمهورية الإسلامية بتصوير أي صراع مع الولايات المتحدة ليس كصراعٍ من أجل بقاء النظام، بل كمقاومة من قبل دولة ذات سيادة ضد الإكراه الخارجي. لكن هذا لا ينذر بتغير في الاستراتيجية الجوهرية للنظام. وبعبارة أخرى، فإن طهران ليست على استعداد للتخلي عن عقود من التحدي.


مقالات مشابهة

  • FA: كيف تستعد إيران للمواجهة مع ترامب.. وهل ستنقذ نفسها؟
  • وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في كلمة خلال مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا: الشعب السوري احتفل بالخلاص من نظام الأسد لكن المعاناة ما تزال مستمرة بسبب هذا النظام
  • أحمد موسى: الوضع في لبنان غير مستقر وإسرائيل تسعى لإشعال الفتنة بين العرب
  • الذكرى الرابعة عشر للثورة.. سوريا بدون نظام الأسد
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • الشيباني ينتقد المجلس الرئاسي والدبيبة: مراوغات ومناورات فارغة
  • المؤسسة الليبية للاستثمار تسعى لاستعادة مكانتها في القارة الإفريقية
  • على الخريطة.. ما الذي يريده نتنياهو في جنوب سوريا
  • ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
  • كشف تفاصيل الرتل الأمريكي الذي انتقل من بغداد إلى الانبار