مصير حقول النفط السورية بعد سقوط الأسد وصراع اللاعبين الدوليين
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
14 ديسمبر، 2024
بغداد/المسلة: أصبح موضوع الطاقة وحقول النفط الموجودة في سوريا ذا أهمية كبيرة بعد سقوط الأسد، حيث ارتبط قطاع الطاقة في هذا البلد بالتحولات الجيوسياسية ومصالح اللاعبين الموجودين هناك.
وكالة مهر للأنباء، قسم الشؤون الدولية: أصبح موضوع الطاقة وحقول النفط الموجودة في سوريا ذا أهمية كبيرة بعد سقوط الأسد، حيث ارتبط قطاع الطاقة في هذا البلد بالتحولات الجيوسياسية ومصالح اللاعبين الموجودين في هذا البلد.
أهم المناطق النفطية في سوريا
بدأ استكشاف النفط في سوريا عام 1933 عندما اكتشفت شركة نفط العراق حقول النفط في كركوك. كانت أول عملية إنتاج تجاري للنفط في سوريا عام 1956. وفي عام 1958، تم تأسيس المديرية العامة لشؤون النفط للقيام بمهام الاستكشاف، الإنتاج، التكرير، النقل، وشراء المشتقات النفطية. في عام 1964، منع حزب البعث الشركات الأجنبية من الحصول على تراخيص للاستكشاف والاستثمار. تبلغ احتياطات النفط في سوريا وفقاً لإحصائيات عام 2016 حوالي 2.5 مليار برميل، مما يجعلها في المرتبة 31 بين الدول التي تمتلك موارد نفطية.
تتركز احتياطات النفط والغاز في سوريا بشكل رئيسي في الجزء الشرقي، في محافظة دير الزور بالقرب من الحدود مع العراق وعلى طول نهر الفرات، بالإضافة إلى وجود عدد من الحقول الصغيرة في وسط البلاد. في محافظة الحسكة، تُعد حقول رميلان، سودية، وكراشوك الحقول الرئيسية لإنتاج النفط والغاز. كما يوجد في هذه المنطقة 1322 بئراً نفطياً و25 بئراً غازياً.
تتصل هذه الحقول بخطوط أنابيب إلى مصفاة حمص في سوريا. وفي عام 2012، فقدت الحكومة المركزية السورية السيطرة الفعلية على الحقول النفطية الواقعة بالقرب من الحدود مع العراق وشرق حمص.
وفقاً لإحصائيات الطاقة العالمية الصادرة عن معهد الطاقة في لندن، بلغ الإنتاج اليومي للنفط السوري عام 2023 حوالي 40 ألف برميل. أما في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد كانت سوريا تنتج أكثر من 600 ألف برميل يومياً، وهو مستوى يقارن بإنتاج أذربيجان أو مصر.
أهمية السيطرة على المناطق النفطية في سوريا
يعتقد أويتون أورهان، المتخصص في دراسات الشرق الأوسط في مركز أبحاث أورسام (ORSAM)، أن “سوريا تمتلك موارد طاقة محدودة، لكن النقطة الأهم تكمن في موقعها الجيوسياسي. فمن يسيطر على سوريا ستكون له قوة كبيرة في المنطقة”. بناءً على ذلك، فإن السيطرة على الموارد النفطية في سوريا تُعد ذات أهمية خاصة في ظل غياب حكومة مركزية، وتكتسب هذه الأهمية أهمية مضاعفة بالنسبة للأكراد والولايات المتحدة. ووفقًا لتقرير مركز تشاتام هاوس لعام 2019، تُسيطر قوات سوريا الديمقراطية (SDF) على حوالي 70% من الحقول النفطية في سوريا.
يسيطر الأكراد على معظم الموارد النفطية في دير الزور والحسكة، ويستخدمونها لتلبية احتياجات المناطق الخاضعة لهم. وتشير تقارير مؤكدة إلى أن قوات سوريا الديمقراطية باعت النفط الخام للنظام في دمشق مقابل مشتقات نفطية وأموال نقدية خلال الفترة من 2019 إلى 2024. يُعتبر النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد مفتاح الحياة اليومية، حيث تحتوي هذه المناطق على نحو 1500 مصفاة تقليدية. ومع ذلك، فإن هذه الموارد تعاني من مشكلات أبرزها الانفجارات المتكررة التي تستهدف خطوط أنابيب النفط والغاز، مما يعزز من دور شاحنات نقل النفط في هذه المناطق.
إلى جانب الأكراد، تُعد الولايات المتحدة اللاعب الأهم في الحقول النفطية السورية. فمنذ عام 2015، وسّعت واشنطن نفوذها على المناطق النفطية ضمن إطار التحالف الدولي ضد داعش. وفي مؤتمر صحفي عُقد في نوفمبر 2019، صرّح “جوناثان راث هوفمان”، مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشؤون العامة، بأن “إيرادات الحقول النفطية لا تذهب إلى الولايات المتحدة، بل إلى قوات سوريا الديمقراطية”. كما أكد الأدميرال ويليام بيرن من وزارة الدفاع الأمريكية أن “مهمة الولايات المتحدة في سوريا ليست السيطرة على الحقول النفطية، بل هزيمة داعش، وأن تأمين هذه الحقول يُعد مهمة تابعة لهذه الأولوية”.
ومع ذلك، فإن أهمية الحقول النفطية السورية بالنسبة للولايات المتحدة ظهرت جليًا من خلال تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي قال إن سبب وجود القوات الأمريكية في سوريا هو “تأمين النفط”. قامت واشنطن بتسليم السيطرة على الحقول النفطية لقوات سوريا الديمقراطية كوسيلة لضمان استمرار نفوذها عليهم.
قبل سقوط نظام الأسد، كان الحد من نفوذ روسيا يمثل أولوية أساسية للولايات المتحدة. على سبيل المثال، في عام 2018، عندما هاجمت قوات فاغنر المدعومة من روسيا منشآت الغاز في “كونيكو” بدير الزور، واجهت هجومًا جويًا أمريكيًا عنيفًا. وبعد توقيع روسيا اتفاقية لمدة 25 عامًا مع حكومة الأسد للتنقيب عن الغاز في سواحل البحر المتوسط، حاولت الولايات المتحدة تعزيز موقفها في المنطقة من خلال السيطرة على الحقول النفطية السورية. في الواقع، يُعد التواجد الروسي في المنطقة وإنشاء قواعد عسكرية في البحر المتوسط أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الولايات المتحدة إلى استمرار وجودها في سوريا.
من سيسيطر على آبار النفط مستقبلاً؟
تُعتبر مسألة السيطرة على آبار النفط في المناطق الشمالية والوسطى من سوريا ذات أهمية كبيرة في المستقبل. مع سقوط حكومة بشار الأسد وتراجع نفوذ حلفائه، يُتوقع أن يكون المحور الأمريكي–الكردي وتركيا أبرز اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال. بعبارة أخرى، تشير التوقعات في ظل التحولات الداخلية في سوريا إلى تعزيز قوة ونفوذ قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، التي تسيطر حاليًا على 80% من الحقول النفطية في سوريا.
صرّح وارن مونه، المحلل في مجال النفط، في مقابلة مع مجلة “فوربس”، أن الدعم الأمريكي سيؤدي إلى زيادة جهود قوات سوريا الديمقراطية للسيطرة المستمرة على آبار النفط.
فيما يتعلق باستمرار وجود الولايات المتحدة في هذه المناطق، توجد رؤيتان. الرؤية الأولى، كما يرى مونه، تتوقع أن تُبقي الولايات المتحدة على وجودها العسكري بهدف الاستفادة المستمرة من النفط السوري. الرؤية الثانية ترى أن توجهات إدارة ترامب في الانسحاب من سوريا قد تظل ثابتة، مما يُضعف الحافز الأمريكي لدعم الأكراد. وكان ترامب قد هدد بالانسحاب من سوريا في عام 2019، لكنه في النهاية قرر الإبقاء على بعض القوات بشرط حماية صادرات النفط السوري.
أما تركيا، فهي لاعب آخر بارز، خاصة لدعمها “هيئة تحرير الشام”، مما يزيد من احتمال سعيها للسيطرة على آبار النفط السورية. من جهة أخرى، تُعد أنقرة أحد أبرز معارضي المجموعات الكردية السورية، وخصوصًا قوات سوريا الديمقراطية. وقد استُخدمت هذه المعارضة كذريعة للتدخل التركي في سوريا. لذا، قد تسعى تركيا لاستغلال الظروف الجديدة في سوريا لمحاولة السيطرة على الحقول النفطية في المناطق الكردية.
الأمر الأكثر تعقيدًا هو احتمال توصل تركيا إلى تفاهمات مع المجموعات الموجودة في المناطق الغنية بالنفط، مثل عفرين، مما قد يزيد من التوترات حول حقول النفط في دير الزور والحسكة. الأهم من ذلك، أن تعاون قوات سوريا الديمقراطية مع “هيئة تحرير الشام” في إسقاط حكومة الأسد يُضيف مزيدًا من التعقيد لهذه المسألة.
النتيجة
إن الظروف المتشابكة، لا سيما العلاقة بين المجموعات الكردية في شمال سوريا، والحضور المباشر للولايات المتحدة ودورها الداعم لهذه المجموعات، إضافة إلى وجود تركيا كداعم رئيسي لـ”هيئة تحرير الشام” التي لعبت دورًا محوريًا في إسقاط حكومة الأسد، تشير إلى أن السيطرة على موارد الطاقة سيكون لها تأثير كبير على التوازن الجيوسياسي بين اللاعبين الحاليين في سوريا.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: قوات سوریا الدیمقراطیة الولایات المتحدة على آبار النفط فی المناطق حقول النفط النفط فی فی عام فی هذا
إقرأ أيضاً:
ما دوافع فرنسا للعودة إلى المشهد السوري بعد سقوط الأسد؟
سلطت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية الضوء على استضافة باريس المؤتمر الدولي الثالث حول سوريا منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مشيرة إلى أن فرنسا، التي أصبحت مهمشة في الأزمة في الشرق الأوسط، تعود الآن إلى الانخراط في لبنان وسوريا، حيث يمتد دورها التاريخي، وتحتفظ ببعض أدوات النفوذ في المنطقة.
وبحسب تقرير نشرته الصحيفة الفرنسية، فإن فرنسا تسعى إلى "المساعدة في المناورة" من خلال "قلب الطاولة" لاستعادة نفوذها في سوريا.
وأوضحت الصحيفة أن المؤتمر يهدف إلى الاستجابة لـ"احتياجات عاجلة" في سوريا، وهي دعم الانتقال السلمي الذي يحترم سيادة سوريا وأمنها، وحشد شركاء سوريا لدعم إعادة الإعمار والاستقرار، ومعالجة قضايا العدالة وتعزيز مكافحة الإفلات من العقاب.
وأضافت أن المؤتمر، المخصص لتنسيق المساعدات الدولية، تم تنظيم نسخته الأولى في العقبة بالأردن، وعقد أمس الخميس في العاصمة الفرنسية باريس، في إطار الجهود الرامية إلى تنسيق الجهود الدولية لمساعدة سوريا.
وقالت الصحيفة إن فرنسا لديها ثلاثة دوافع رئيسية للعودة إلى المشهد السوري. أولا، دعم تطلعات الشعب السوري منذ بداية الأزمة في عام 2011، حيث تبنت باريس موقفًا مساندًا للمعارضة ضد النظام السابق.
ثانيا، مكافحة الإرهاب، إذ ترى الصحيفة أن أي اضطراب في العملية الانتقالية قد يؤدي إلى عودة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والدولي.
ثالثا، التعامل مع ملف الجهاديين الفرنسيين، حيث لا يزال العديد منهم موجودين في سوريا، بعضهم أحرار في الشمال الغربي، والبعض الآخر في سجون الأكراد في الشمال الشرقي. وأكدت الصحيفة أن باريس تشعر بالقلق من الدور الذي قد يلعبه هؤلاء المتطرفون في حال حدوث فوضى خلال عملية إعادة هيكلة البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا تسعى للعب دور الوسيط بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، حيث نقلت عن دبلوماسي فرنسي قوله إن باريس تريد التأكد من أن استعادة السلطات السورية الجديدة سيطرتها على كامل الأراضي تتم بتفاهم جيد مع الحلفاء الأكراد، الذين كانوا في طليعة القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وأضافت أن طموحات باريس تتمثل في ضمان "اندماج كامل" للأكراد في العملية السياسية، بحيث لا يتم تهميشهم أو استبعادهم من مستقبل البلاد.
أكدت الصحيفة أن فرنسا تريد سوريا "حرة وذات سيادة"، بعيدة عن نفوذ روسيا وإيران، ولا تشكل بعد الآن وسيلة لنقل الأسلحة إلى المليشيات الشيعية التي تزعزع استقرار المنطقة.
وذكرت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شدد، في مكالمته الهاتفية الأخيرة مع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، على "دعم فرنسا الكامل لمرحلة الانتقال في سوريا"، كما أكد على جهوده لرفع العقوبات عن سوريا و"فتح الطريق أمام النمو والتعافي".
رغم هذه الجهود، قالت الصحيفة إن العديد من الأسئلة لا تزال دون إجابة، لا سيما ما يتعلق بدور روسيا التي لم تتنازل عن نفوذها في سوريا رغم سقوط حليفها بشار الأسد، وكذلك موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، الذي لا يزال غير واضح حتى الآن.
وأشارت إلى أن تركيا، التي شاركت أيضا في مؤتمر باريس، تهدد بعملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السوري ويطرح تحديات إضافية أمام الدور الفرنسي في المنطقة.