روسيا خسرت مكانتها بعد سقوط الأسد
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
يرى المحلل السياسي نيكولاي كوزانوف، أن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، قد ألحق ضرراً بالمصالح الروسية على نحو يتجاوز حدود سوريا، فأولاً، يعد انهيار النظام بمثابة ضربة خطيرة لسمعة روسيا، كحليف موثوق به قادر على ضمان بقاء شركائه.
وقال كوزانوف، وهو أستاذ مساعد باحث، بمركز دراسات الخليج بجامعة فطر، وزميل استشاري في برنامج روسيا وأوراسيا في معهد "تشاتام هاوس"، إنه منذ تدخلها العسكري في عام 2015، تضع آلة موسكو للدعاية، روسيا في موقع ضامن الاستقرار وحامي للنظم (عادة الديكتاتورية)، من الضغط الخارجي والتهديدات الداخلية.
The overthrow of the Assad regime has undermined Moscow’s claims to be a reliable security guarantor. But Russia’s position in the Levant is a secondary priority to Ukraine.https://t.co/bjUYLglhup
— Chatham House (@ChathamHouse) December 14, 2024وأضاف كوزانوف، في تقرير لمعهد تشاتام هاوس (والمعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية)، أن خسارة الأسد سوف تقوض ثقة الحلفاء المحتملين في الضمانات الروسية. وعلى الأقل، سوف يكون من الصعب بالنسبة لموسكو أن تقول "إننا لا نتخلى عن أي أحد".
وفقدت روسيا أيضاً استثماراتها، وليس فقط القروض بملايين الدولارات التي قدمتها لنظام الأسد، بل ذهبت الجهود العسكرية والدبلوماسية للحفاظ على الأسد هباء ببساطة، ولن تجلب أي مكاسب. وكان الوجود العسكري الروسي في سوريا منذ فترة طويلة، رمزاً لثقل موسكو السياسي في شؤون الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فإن الوجود العسكري لروسيا في سوريا أدى بشكل كبير إلى تحالف موسكو الحالي مع إيران.
وتابع كازانوف أنه "مع سقوط الأسد، فقدت موسكو هذا النفوذ. ولكنه قد أظهر بوضوح أن من المبكر (أو ربما فات الأوان) بالنسبة لروسيا، أن تؤكد نفسها كقوة عالمية".
ورغم تصريحات بعض الخبراء الروس، لا تقع المسؤولية عن خسائر روسيا في سوريا على عاتق الولايات المتحدة، أو الرئيس المنتخب دونالد ترامب أو الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن. وكانت إجراءات الفاعلين الإقليميين، تركيا وإسرائيل، إضافة إلى الضعف الخطير الذي أصاب إيران، هي السبب وراء هذه الخسائر.
وأخيراً، كانت طموحات روسيا في أفريقيا موضع تساؤلات أيضاً. وكانت قاعدة حميميم في سوريا عنصراً مهماً في العملية اللوجستية العالمية لروسيا، حيث كانت تسهل نقل القوات والأسلحة الثقيلة إلى أفريقيا. وسوف تحتاج روسيا الآن بشكل عاجل إلى إعادة هيكلة طرق للدعم الذي تقدمه. وهذا أمر ممكن، ولكنه سوف يتطلب أموالاً ووقتاً وجهداً.
غير أن خسائر روسيا ليست كارثية. وكان اقتصاد الحرب للبلاد الذي وضعه الأسد، بيئة سامة حيث أنه حتى رجال الأعمال الروس والإيرانيون كافحوا للعمل هناك. ولم ير الأسد نفسه أي سبب لتبنى دعوات روسية للتغيير. وكان غارقاً في مناورات سياسية داخلية، حيث كان يدمر أو يضعف مواقف أولئك الذين قاتلوا إلى جانبه في بداية الحرب الأهلية.
وبحلول عام 2024، أظهر الاقتصاد السوري المدعوم بتجارة المخدرات غير المشروعة ومخططات الفساد، أشارات إلى انهيار وشيك. ووصل الشعور باليأس بين الشعب وغياب الدوافع بين وحدات الجيش إلى ذروته، ما حول النظام إلى دولة جوفاء.
وكان هذا الوضع على النقيض تماماً مع جيوب الفصائل المسلحة المدعومة من جانب تركيا، مما خلق احتمال إيجاد بديل لنظام الأسد. وبالنسبة للروس كان هذا يعنى الاختيار بين تكرار مصير الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وتحمل المسؤولية المالية والاقتصادية والعسكرية الكاملة عن سوريا بقيادة الأسد، وتمويل اقتصادها بالكامل والقتال نيابة عن الجيش السوري، أو التراجع. ومع الوضع في الاعتبار الحرب الرئيسية لبوتين في أوكرانيا، كان الخيار الأول غير واقعي.
ومكن سقوط دمشق، رغم أنه ضربة لاشك فيها للطموحات الروسية في المنطقة، الكرملين من الخروج من صراع طويل لم يكن في حاجة إليه. وكان من الممكن أن يكون تغيير السلطة في سوريا أسوأ بالنسبة لموسكو. وأبدت الفصائل المسلحة استعداداً للتفاوض مع العالم الخارجي، وتركت آليات الدولة سليمة. وهذا أمر مهم بالنسبة لروسيا، حيث تفضل موسكو عادة التعامل مع مؤسسات الدولة وليس مع عناصر غير حكومية.
French Salafi Jihadists celebrate and taunt the Russia Army as Russian soldiers are forced to escape toward Turkey from the Russian Khmeimim Air Base in Latakia, Syria
???????????????????????? pic.twitter.com/Q50c9EJVzL
وبصفة عامة، ربما لا يزال هناك مكان لروسيا في سوريا في حقبة ما بعد الأسد (رغم أن فرص موسكو في الاحتفاظ بالسيطرة على قاعدتي حميميم وطرطوس العسكريتين متدنية للغاية). ولا تعد صورة الروس في أعين الشعب السوري دائماً سلبية مثل صورة إيران أو حاشية الأسد. وشكلت قوات موسكو درعاً بين الإيرانيين والنظام من جهة، والمناطق التي وقعت اتفاقيات وقف إطلاق نار مع دمشق من جهة أخرى. وحافظت روسيا على قنوات اتصال مع الفصائل المسلحة وحاولت حتى من حين لآخر إيجاد بديل للأسد.
وفهمت الفصائل المسلحة جيداً أن مستقبل البلاد يكتنفه الغموض، وكانت تريد أن تكون روسيا، إن لم تكن كصديق، طرفاً محايداً. ومن المحتمل أيضاً أن يكون قد تم التوصل إلى بعض الاتفاقات بين روسيا والمعارضة عشية أو خلال الزحف إلى دمشق.
وتصرفت السفارة الروسية في دمشق بهدوء إزاء تطور الأحداث، التي كانت تتكشف بينما أقامت موسكو علاقات دبلوماسية مع المعارضة بسرعة ملحوظة. ووافقت على عدم المساس في الوقت الحالي، بالقواعد الروسية في حميميم وطرطوس.
وبعد سقوط الأسد، من المرجح أن تتخذ روسيا استراتيجية الانتظار والترقب، في محاولة لفهم الطريقة التي سوف يظهر من خلالها نظام جديد في سوريا. وسوف يكون الهدف الرئيسي لموسكو الحفاظ على أدنى مستوى على الأقل من النفوذ من خلال وجود عسكري، على سبيل المثال في قواعدها أو من خلال اتصالات مع قوى إقليمية أخرى مثل تركيا.
وفي نفس الوقت، سوف تسعى موسكو للتقليل إلى أدنى حد التكاليف وتعيد توجيه نفسها صوب مناطق واعدة أكثر في الشرق الأوسط. وسوف تظل سوريا مهمة ولكن لن تعد عنصراً له أولوية في الأستراتيجية الروسية في المنطقة.
غير أن الوضع في سوريا ربما يكون له تأثير معم على أوكرانيا. ويتمثل أحد الاستنتاجات التي ربما يستخلصها الخبراء الاستراتيجيون في الكرملين في أن سقوط الأسد كان نتيجة تقديم الكثير من التنازلات للخصوم، مما يسمح بأن تصبح الحرب الأهلية نزاعاً مجمداً طويلاً، وفشل في استعادة جيوب تحت سيطرة العدو.
واختتم كوزانوف تقريره بالقول إنه "في أوكرانيا، يمكن أن يتضح هذا في رفض دعوات وقف إطلاق النار أو إجراء مفاوضات. ومن المرجح أن تتخذ روسيا موقفاً أكثر تشدداً حيث تعتقد أن نهج القوة فقط، وفرض شروطها يمكن أن يضمن نتائج إيجابية على المدى الطويل".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية روسيا الأسد سوريا سقوط الأسد روسيا الحرب في سوريا الفصائل المسلحة سقوط الأسد الروسیة فی فی سوریا روسیا فی
إقرأ أيضاً:
مقاربة إدارة بايدن في سورية بعد سقوط نظام الأسد
على الرغم من ترحيب إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بسقوط نظام بشار الأسد في سورية في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، واعتبارها ذلك بمنزلة « فرصة تاريخية للشعب السوري » لبناء مستقبل أفضل، فإنها عبرت عن قلقها من حالة « عدم اليقين » التي تمر بها سورية. وتواجه واشنطن معضلة في التعامل مع هذا الواقع الجديد؛ إذ إن هيئة تحرير الشام، المصنفة أميركيًا وأوروبيًا وأمميًا « كيانًا إرهابيًا » منذ عام 2018، هي التي تقود المرحلة الانتقالية في البلاد بعد سقوط نظام الأسد، وفي الوقت نفسه لا تريد واشنطن أن تفسح مجالًا لقوى إقليمية ودولية مناوئة لها، كإيران وروسيا، لملء الفراغ هناك، أو أن تتحول سورية إلى مصدر للفوضى والتهديد وعدم الاستقرار لجيرانها.
أولًا: مقاربة بايدن للتغيير في سورية
اعتبر بايدن أن المقاربة التي اتبعتها إدارته في سورية أضعفت نظام الأسد، وأسهمت في إسقاطه، وذلك من خلال:
1. تشديد العقوبات على نظام الأسد من أجل إرغامه على الانخراط في عملية سياسية، « لكن الأسد رفض، ولذلك نفذت الولايات المتحدة الأميركية برنامج عقوبات شاملًا ضده وضد جميع المسؤولين عن الفظائع المرتكبة في حق الشعب السوري ». وكان لهذه العقوبات أثر فعال في تآكل مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش والأمن، واهترائها، وتعطيل حوافز الدفاع عن النظام.
2. الحفاظ على وجود عسكري في سورية في إطار الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية « داعش »، وضمان عدم تمكنه من إنشاء ملاذ آمن مرة أخرى هناك.
3. دعم حرية الحركة لدى إسرائيل في العمل ضد الشبكات الإيرانية في سورية، وضد الجهات الفاعلة المتحالفة مع إيران فيها، واستخدام القوة العسكرية ضد حلفاء طهران لحماية القوات الأميركية. ويرى بايدن أن نهجه هذا « غيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط ».
ولم يكتفِ بايدن بادعاء الفضل في إسقاط نظام الأسد، بل أكد رغبة إدارته في التدخل في تشكيل سورية الجديدة. وتستند إدارته في ضغوطها على الحكم الانتقالي الجديد في دمشق إلى جملة من الأدوات أهمها:
1. إن هيئة تحرير الشام ورئيسها أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني)، لا يزالان على قوائم الإرهاب الأميركية والدولية. ومع أن الولايات المتحدة ألغت مكافأة العشرة ملايين دولار لمن يساعد في إلقاء القبض عليه بعد لقاء وفد رفيع من الخارجية الأميركية معه في دمشق في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2024، فإنه ما يزال مصنفًا على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة منذ عام 2013.
2. ما زالت سورية تئن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأميركية والدولية، التي وإن كانت قد صُمِّمَت لاستهداف نظام الأسد وتضييق الخناق عليه، فإنها لم تُرفع عن البلاد بعد انهيار نظامه. وتحتاج سورية إلى مساعدات إغاثية واقتصادية عاجلة، كما أنها في حاجة إلى ضخ أموال طائلة لإعادة الإعمار وتوطين ملايين اللاجئين والنازحين السوريين بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب.
3. وجود قوات عسكرية أميركية في شرق سورية خارج سلطة دمشق؛ حيث تسيطر الميليشيات الكردية بدعم أميركي. وكشفت مصادر عسكرية أميركية مؤخرًا أن حجم القوة العسكرية الأميركية في شرق سورية هو 2000 جندي، وليس 900 كما قيل سابقًا.
وقد أعلن بايدن أن بلاده ستعمل مع شركائها وحلفائها على اغتنام الفرص وإدارة المخاطر في سورية من خلال:
1. دعم « جيران سورية، بما في ذلك الأردن ولبنان والعراق وإسرائيل، في حال ظهور أي تهديد من سورية خلال هذه الفترة الانتقالية ».
في هذا السياق، سعت إدارة بايدن لتبرير توغل إسرائيل العدواني وغير القانوني في الأراضي السورية، واحتلالها مزيدًا من الأراضي في هضبة الجولان المحتلة وحوض اليرموك، فضلًا عن قيام طيرانها العسكري بشن مئات الغارات الجوية على القواعد والقدرات العسكرية السورية بعد انهيار نظام الأسد؛ ما تسبب في تدمير نحو 85 في المئة منها. واعتبرت إدارة بايدن العدوان الإسرائيلي السافر دفاعًا عن النفس.
2. المساعدة في « ضمان استقرار مناطق شرق سورية »، وحماية القوات الأميركية ضد أي تهديدات. وأعلن بايدن، أيضًا، استمرار المهمة الأميركية ضد داعش لمنعه من الاستفادة من أي فراغ لإعادة بناء قدراته وخلق ملاذ آمن في سورية من جديد، وكذلك الحفاظ على أمن مراكز الاعتقال حيث يحتجز حوالى 8000 من مقاتلي داعش وعائلاتهم تحت إشراف الميليشيات الكردية.
وقد شنّت الولايات المتحدة، في اليوم الذي أُعلِن فيه عن سقوط نظام الأسد، أكثر من 75 غارة جوية على أهداف قالت إنها لداعش في سورية. وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر 2024؛ أي قبل يوم واحد من اجتماع وفد أميركي رفيع المستوى مع الشرع في دمشق، أعلنت القيادة المركزية الأميركية أنها نفذت غارة جوية قضت من خلالها على زعيم داعش في سورية ومساعد له. وقال بيان للقيادة المركزية الأميركية إن الضربة نُفذت « في منطقة كانت خاضعة في السابق لسيطرة النظام السوري وروسيا ».
3. « التعاون مع كل القوى السورية، في إطار العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، من أجل إرساء انتقال بعيد عن نظام الأسد، نحو سورية المستقلة ذات السيادة مع دستور جديد وحكومة جديدة تخدم كل السوريين ».
ثانيًا: إدارة المرحلة الانتقالية ومخرجاتها
بعد ثلاثة أيام على إطاحة نظام الأسد، أوفدت إدارة بايدن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى سورية لتنسيق مواقف حلفاء واشنطن بشأن الوضع فيها، في محاولة لفرض الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه المرحلة الانتقالية ومخرجاتها. وزار بلينكن تركيا، في 12 كانون الأول/ ديسمبر، والتقى رئيسها رجب طيب أردوغان، في محاولة لضمان عدم وقوع تصعيد عسكري مع الميليشيات الكردية في شمالي شرقي سورية بذريعة عدم إتاحة مجال لداعش لإعادة تجميع صفوفه، ثمَّ زار العراق، في 13 من الشهر نفسه؛ حيث التقى رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وناقشا سبل منع داعش من تشكيل تهديد جديد لسورية والعراق، وأخيرًا، الأردن حيث شارك في اجتماع مدينة العقبة، في 14 من الشهر نفسه، الذي حضرته أطراف إقليمية ودولية لمناقشة الأوضاع في سورية ومستقبلها. وقد دعا البيان الصادر عن الاجتماع إلى ضرورة وجود عملية سياسية شاملة يقودها السوريون أنفسهم، « وفقًا لما نصّ عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254، بما يحقّق تطلعات الشعب السوري، ويضمن إعادة بناء مؤسّسات الدولة، ويحافظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها وسيادتها ».
وحدد بلينكن سبعة شروط أو « مبادئ » توافقت عليها الأطراف المشاركة في اجتماع العقبة لدعم عملية الانتقال في سورية هي:
1. أن ينتج عن عملية الانتقال التي ينبغي أن يقودها السوريون حكومة شاملة وتمثيلية.
2. احترام حقوق جميع السوريين، بما فيهم الأقليات والنساء.
3. وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين إليها.
4. « عدم استخدام سورية قاعدةً للجماعات الإرهابية أو غيرها من الجماعات التي تهدد الشعب السوري أو جيرانه أو العالم ».
5. « تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بأمان ».
6. ضرورة أن تقيم سورية علاقات سلمية مع جيرانها.
7. السماح للمنظمات ذات الصلة بـ « الوصول إلى المرافق التي يمكن أن تساعد في تحديد مصير السوريين المفقودين والمواطنين الأجانب، وفي نهاية المطاف محاسبة المعتدين ».
وفي سياق مساعي إدارة بايدن لفرض رؤيتها على المرحلة الانتقالية، جاءت زيارة الوفد الأميركي لدمشق، برئاسة مساعدة وزير الخارجية، باربرا ليف، وضمَّ المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن، روجر كارستينز، والسفير، دانيال روبنشتاين. والتقى الوفد بالشرع، وممثلين آخرين عن الهيئة، وكذلك ناشطين في المجتمع المدني وعاملين في المجال الإنساني وغيرهم، لمناقشة رؤيتهم لمستقبل سورية، وكيف يمكن أن تدعمهم الولايات المتحدة. وبحسب بيان للخارجية الأميركية، فقد أكدت ليف « دعم الولايات المتحدة الكامل للانتقال السياسي الشامل بقيادة سورية، وعملية تؤدي إلى حكم موثوق وشامل وتمثيلي وغير طائفي يلبي المعايير الدولية للشفافية والمساءلة بروح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 ». وقالت إن النقاشات مع الشرع كانت « جيدة للغاية ومثمرة للغاية ومفصلة »، ووصفته بأنه « بدا عمليًا »، ولكنها استدركت بالقول إن واشنطن ستحكم « على الأفعال وليس على الأقوال فقط ».
وفي إشارة لافتة، أعلنت الولايات المتحدة إلغاء مكافأة العشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض على الشرع، على أساس أن هذا قرار سياسي يصب « في مصلحة بدء نقاش مع هيئة تحرير الشام ». وكانت الهيئة قد ساعدت الولايات المتحدة في تأمين إخراج المواطن الأميركي ترافيس تيمرمان خارج سورية، والذي اختفى في سجون الأسد قبل سبعة أشهر. وتعمل الهيئة وفصائل سورية أخرى مع إدارة بايدن من أجل العثور على الصحافي الأميركي، أوستن تايس، الذي اختفى قبل أكثر من عقد في سورية. وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن واشنطن تدرس إمكانية رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب.
ثالثًا: سياسات إدارة دونالد ترامب
تتركز الأنظار خلال الفترة المقبلة على سياسات إدارة الرئيس ترامب الذي سبق أن أشار، خلال عملية « ردع العدوان » التي أسفرت عن إسقاط نظام الأسد، إلى أن « سورية في فوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بما يحدث »، ولمّح إلى التسليم بدور تركي في سورية. ولما كان ترامب لا يملك رؤية واضحة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وينطلق من مبدأ « أميركا أولًا »، يخشى بعض الأميركيين أن تفسح إدارته المقبلة المجال لاستفحال الفوضى في سورية وعودة داعش. وكانت مقاربة ترامب في ولايته الرئاسية الأولى نحو سورية متقلبة؛ إذ اتخذ إجراءات عسكرية ضد نظام الأسد عامَي 2017 و2018 بعد أن استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. ثمّ، عاد وأعلن في نهاية عام 2018 أنه سيسحب القوات الأميركية من سورية على أساس أن واشنطن نجحت في تدمير داعش، إلا أن مستشاريه أثنوه عن ذلك بعد أن أكدوا له أهمية الوجود الأميركي هناك. لكنّ آخرين، بمن فيهم مسؤولون حاليون ومستشارون لترامب، لا يتفقون مع هذا الرأي، ويقولون إنه من غير المرجح أن يتخلى الرئيس المقبل عن الوجود العسكري الأميركي في سورية كما أراد أن يفعل خلال إدارته الأولى. ويقول هؤلاء إن العودة المحتملة لداعش أكبر من أن يتحمل ترامب تداعياتها. ويرى جويل رايبورن، الذي يعمل في فريق الأمن القومي لترامب، أن « الجولاني واهم إذا كان يعتقد أن العالم وجيران سورية سيدعمون حكومة الإنقاذ التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام لمجرد أنها تفرض حكومة انتقالية على كل سورية ». ويذهب فريق ثالث إلى أن سقوط الأسد يمنح الولايات المتحدة فرصة مهمة لإعادة صياغة الشرق الأوسط لصالحها. ولكن ترامب يشكك في قدرة واشنطن على تغيير الأمور في سورية، خاصة أن سجل بلاده في ترويج الديمقراطية عبر العالم كان فاشلًا. ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من احتمالات تخلّي واشنطن تحت إدارة ترامب عن اشتراطات إدارة بايدن في حكومة سورية وتمثيلية شاملة، في الوقت الذي تقر فيه لإسرائيل باحتلالها أراضيَ سورية جديدة، كما اعترفت إدارته الأولى، عام 2019، بأن هضبة الجولان السورية المحتلة جزء من دولة إسرائيل.
خلاصة
تواجه إدارة سورية في المرحلة الانتقالية تحديات عديدة، منها ضرورة رفع العقوبات لتحريك عجلة الاقتصاد، والتحدي الأمني، وتوحيد الأراضي السورية. وللولايات المتحدة دور مركزي في جميع هذه التحديات. ولا بد من إدارة الأزمة والعلاقة معها بحكمة وروية، ومن دون التنازل عن أي حق من حقوق سورية، بما في ذلك في الجولان المحتل.
وتتطلب إدارة هذه المعركة أيضًا وحدة الشعب السوري، وبذل إدارة المرحلة الانتقالية جهدًا في توحيد قوى هذا الشعب في مواجهة التحديات من خلال احترام المواطنة المتساوية، والمشاركة في إدارة الدولة ومؤسساتها، وطرح نموذج ديمقراطي تعددي يمكنه دمج قطاعات الشعب السوري في الشرق والشمال والجنوب ومناطق سورية الخارجة عن سيطرة الدولة، وتجريد القوى الخارجية، ومنها الولايات المتحدة، من أي حجج لإبقاء العقوبات، أو الاحتفاظ بوجود عسكري على أراضي سورية، أو العبث بوحدتها.
كلمات دلالية الولايات المتحدة الأمريكية تقدير موقف سوريا