ماذا وراء إعلان تشاد إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا؟
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
جاء إعلان تشاد رسميا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إنهاء اتفاقية التعاون الدفاعي مع فرنسا، في تاريخ يحمل الكثير من الرمزية المستمدة من تزامنه مع احتفال البلاد بعيد إعلان الجمهورية التشادية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1958، في حين وصف البيان الحكومي الخطوة بأنها "تأكيد على سيادة تشاد الكاملة".
وتعد هذه الخطوة التي جاءت بعد ساعات قليلة على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لإنجمينا بمثابة تهديد للوجود العسكري لفرنسا -المستعمر السابق- في آخر معاقله في منطقة الساحل، في سياق تحولات جيوسياسية متسارعة في المنطقة التي تسعى دولها إلى الخروج من فلك النفوذ الفرنسي التقليدي.
ويثير ذلك التساؤلات حول مستقبل العلاقات الفرنسية التشادية، ويفتح الباب أمام إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في ظل تنامي حضور لاعبين جدد في المنطقة.
تاريخ من العلاقات الأمنيةيصف بروفيسور الدراسات الأفريقية في جامعة بورتسماوث توني تشافر تشاد بأنها تشكل المحور الرئيسي للإستراتيجية الفرنسية وسط أفريقيا، فرغم استقلالها عن فرنسا عام 1960 فقد ظلت تشاد مرتبطة عسكريا وأمنيا بمستعمرها السابق عبر العديد من الاتفاقيات، أبرزها تلك الموقعة في 1960 و1961 و1976 التي تم تعديلها لاحقا عام 2019.
إعلانومنحت هذه الاتفاقيات باريس امتيازات أهمها حق استخدام قاعدة عسكرية رئيسة قرب العاصمة، والاحتفاظ بصلاحيات تخولها العبور والتحليق في الأجواء التشادية مقابل تطوير فرنسا للقدرات العسكرية التشادية من خلال توفير التدريب والمعدات.
بالإضافة إلى الدعم الفني المتمثل في إرسال مستشارين عسكريين فرنسيين وتقديم مساعدات لوجستية، بجانب الحماية من التهديدات الخارجية والمساعدة في الحفاظ على الأمن الداخلي.
هذه الاتفاقيات شكلت البوابة لتدخل فرنسا في الشؤون الداخلية للبلاد والمساهمة في تحديد هوية من يحكمها، حيث تشير مقالة منشورة على موقع "أفريكان أرجيومنت" إلى أن تشاد شهدت العدد الأكبر من التدخلات العسكرية الفرنسية مقارنة بنظيراتها الأفريقيات.
تدخلت باريس عسكريا أكثر من مرة سواء في الصراعات التشادية التشادية أو مع دول الجوار، معتمدة على ترسيخ عقيدة "الرجل القوي" الذي يحكم قبضته على البلاد، وهي عقيدة تصفها بروفيسورة العلوم السياسية في جامعة باريس نانتير ميريلا دبوس بأنها تعكس رؤية "أبوية" تعبر عن اعتقاد باريس بأنها أكثر قدرة من التشاديين أنفسهم على اختيار النظام السياسي الأنسب لهم.
وعلى سبيل المثال، دعمت باريس الرئيس الراحل إدريس ديبي في وجه التمردات التي واجهته خلال سنوات حكمه (1990-2021).
وبينما اقتصر الدور الفرنسي في أبريل/نيسان 2006 وفبراير/شباط 2008 على تبادل المعلومات الاستخبارية مع الجيش التشادي وإطلاق النار التحذيري على المتمردين وتسهيل توريد الذخيرة وحماية مطار العاصمة، فإن الطائرات الفرنسية أغارت بشكل مباشر على قوات المتمردين في 2019 ما ساهم بشكل حاسم في هزيمتهم.
خلال العقد الأخير، اعتبرت تشاد شريكا إستراتيجيا لفرنسا في خططها لمكافحة الإرهاب، لا سيما في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، حيث استغلت باريس الموقع الجغرافي المحوري لتشاد التي تمثل نقطة تقاطع بين مناطق الصراع في السودان وليبيا والنيجر ونيجيريا، كما تحولت القواعد العسكرية الفرنسية في البلاد إلى نقاط انطلاق للعمليات العسكرية الإقليمية كعملية برخان.
إعلانازدادت أهمية تشاد مع تصاعد المد المعادي للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وخروج القوات الفرنسية من العديد من البلدان كمالي وبوركينا فاسو، ولا أدل على ذلك ممّا أعلنه مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية في سبتمبر/أيلول 2024: "لا نستطيع أن نتحمل خسارة تشاد".
وعزز الارتباط التشادي مع فرنسا عبر السنين بناء قوات مسلحة "من بين الأكثر صلابة في المنطقة"، حسب توصيف تقرير برلماني فرنسي صادر عام 2015، غير أنه أنهك الجيش التشادي في العديد من الجبهات.
كما أنه ساهم وفقا للباحث في قسم دراسات الحرب بجامعة لانكستر ناثنيال باول في التأثير سلبا على سياسات البلاد ونسيجها الاجتماعي، ما دعا العديد من الجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية إلى المطالبة بإصلاح المؤسسة العسكرية خلال السنوات الأخيرة.
لم يكن الإعلان التشادي الأخير المفاجأة الأولى من نوعها التي يفجرها الرئيس محمد ديبي، فقد سبق ذلك زيارته التي وصفت "بالتاريخية" إلى موسكو في يناير/كانون الثاني 2024، والتي مهدت الأرضية لقدوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى إنجمينا في يونيو/حزيران متعهدا بتزويد الجيش التشادي بالأسلحة والمعدات العسكرية لتعزيز قدراته الدفاعية وقدرته على مكافحة الإرهاب.
وقد اتخذ ديبي خطوة مفاجئة أخرى بإعلانه في أبريل/نيسان التعليق الفوري للأنشطة العسكرية الأميركية في قاعدة "أدجي كوسي" الجوية المتاخمة للعاصمة، قبل عودتها لاحقا، وهو ما دفع قائد القيادة الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي حينها إلى التحذير من أن تواصل انسحاب قوات بلاده من الساحل سيؤدي إلى تدهور قدرتها على المراقبة والتحذير "بما في ذلك الدفاع عن الوطن".
وفي هذا السياق، فإن المطالبة التشادية بإعادة صياغة التعاون العسكري مع فرنسا جاءت متناغمة مع المزاج الشعبي في منطقة الساحل عموما والمطالب بخروج قوات باريس من "حديقتها الخلفية الأفريقية"، حيث لم تكن تشاد استثناء من هذا المد مع تزايد مطالبات من جانب منظمات الحريات المدنية وأحزاب المعارضة في تشاد بإنهاء الاتفاق العسكري.
إعلانكما خرجت مظاهرات في العديد من المدن على رأسها العاصمة إنجمينا رافعة شعار "تشاد حرة.. فرنسا بره".
تنامي هذا الحراك الشعبي وتزايد تأثيره في الشارع التشادي دفع العديد من المراقبين إلى ربط الخطوات الحكومية المتعلقة بإعادة صياغة التعاطي مع الوجود العسكري الأجنبي بمحاولة احتواء هذه التيارات وتفادي تحولها إلى مواجهة النظام الحاكم في البلاد.
بجانب ما سبق، يعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية محمد تورشين أن السلطات التشادية غير راضية عن مستوى تعاون القوات الفرنسية معها في ملفات أمنية وعسكرية حساسة، كمواجهة الحركات الإرهابية في بحيرة تشاد، وتقديم الدعم الكافي أمام فصائل المعارضة المسلحة.
وعلى خلفية هجوم لجماعة بوكو حرام، أسفر عن مقتل 40 جنديا تشاديا أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024، انتقد زعيم المعارضة مامادو دوديه القوات الفرنسية لفشلها في مساعدة بلاده أثناء الهجوم، مؤكدا أنه لم تكن هناك حاجة لوجودها، وهو ما كرره ديبي موضحا أن الاتفاق لم يجلب أي فائدة كبيرة لتشاد في التعامل مع تحديات كالهجمات الإرهابية.
أما الموضوع الأهم بالنسبة لإنجمينا، وفقا لتورشين، فمتعلق بالحاجة إلى تسليح الجيش لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة وعلى رأسها الحركات الإرهابية في الساحل، فالمعايير القاسية للدول الغربية في ما يتعلق بدعم وتسليح الكثير من الأنظمة وربط ذلك بسجلاتها المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية، تدفع دولا كتشاد إلى البحث عن مصادر أخرى للعتاد العسكري.
ويضيف تورشين للجزيرة نت أن توجه تشاد نحو تنويع مصادر تسليحها سيوفر لها الابتعاد عن استقطابات الساحة الدولية التي ستؤثر على استقرارها، بجانب أن السلطات التشادية بحاجة إلى التعاون مع موسكو للحيلولة دون توجه الأخيرة إلى دعم المعارضة التشادية المسلحة من خلال الفيلق الروسي الموجود في الدول المجاورة لتشاد كليبيا وأفريقيا الوسطى.
إعلانوتحتضن بعض دول الجوار مجموعات تشادية مسلحة معارضة، من أبرزها جبهة التغيير والوفاق في تشاد (فاكت) المتمركزة في مناطق تحت سيطرة الجنرال خليفة حفتر، وتشير العديد من التقارير إلى تلقيها تدريبات من مجموعة فاغنر سابقا، وقد اخترقت هذه الجماعة عام 2021 الحدود التشادية منخرطة في معارك أدت إلى مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي.
نموذج مختلفمن جانبه يؤكد الأستاذ المختص بالجغرافيا السياسية في جامعة هيك التشادية إسماعيل طاهر أن الرئيس التشادي في حملته الانتخابية صرح كثيرا بأنه من الضروري مراجعة اتفاقيات وملفات كثيرة، خاصة تلك التي لها علاقة بالسيادة الوطنية والشراكات الاقتصادية والسياسية.
وأضاف الباحث في الشؤون الأفريقية للجزيرة نت أن هناك عملا جادا على المستوى الإقليمي والأفريقي من أجل تحسين وتطوير دور القارة السمراء في الساحة الدولية من أجل الوصول إلى مبدأ (الكل رابح)
وفيما يتعلق بملامح المرحلة القادمة، يرى طاهر أن من المتوقع إجراء مراجعات تقود إلى صياغة اتفاق يحترم السيادة الوطنية ومبني على الندية والفائدة، من دون أن تتطرق هذه المراجعات إلى باقي الاتفاقيات بين البلدين، حيث لم تطلب تشاد إلى الآن مغادرة الجنود الفرنسيين من أراضيها كما هو الحال في تحالف دول الساحل، وهذا هو الفرق إلى الآن بين الوضع التشادي ودول الساحل الأخرى كما يرى طاهر.
ورغم ربط المتابعين لتجربة مالي في التعاطي مع الوجود الفرنسي وخطوة تشاد الأخيرة، فإن العديد من المراقبين يلحظون فروقا جوهرية بين الحالتين، حيث أتى قرار طرد القوات الفرنسية من مالي في سياق تصاعدت فيه التوترات بين باريس وباماكو على خلفية استياء الأخيرة من التدخلات الفرنسية وطريقتها في إدارة مكافحة الإرهاب، وهذا أوصلهما إلى درجة القطيعة، مع تبني مالي لروسيا كشريك دولي بديل.
إعلانوفي المقابل، فإن الإطار الذي تتحرك ضمنه تشاد يتمثل في المطالبة بإعادة التوازن في العلاقات العسكرية مع فرنسا من دون أن تصل إلى حد طرد قواتها، بل الاتفاق على ترتيبات وجداول زمنية -بما يعكس المصالح الوطنية التشادية بشكل أفضل- من دون التخلي عن الشراكة الإستراتيجية مع باريس.
يطلق تراجع العلاقات العسكرية الفرنسية التشادية العديد من التساؤلات حول الأطراف التي قد تستفيد من هذه التحولات.
وبينما يذهب كثير من المراقبين إلى أن موسكو هي على رأس قائمة هذه الجهات بالنظر إلى التطور الذي شهدته العلاقات بين البلدين، وأن أغلب الدول المجاورة لتشاد هي بالفعل حليفة لروسيا، فإن بعض الخبراء يرجحون أن تسعى إنجمينا إلى تنويع شراكاتها المستقبلية من دون الوقوع في فخ اتفاقية شبيهة بالتي ألغتها مع فرنسا.
من هؤلاء إيزينوا إي لومبو الباحث في مركز أبحاث الصراع والعنف والإرهاب في جامعة رويال هولواي في لندن، والباحث النيجيري برنارد لووسو، اللذان يشيران إلى أن انهيار نظام بشار الأسد في سوريا يشير إلى ضعف داعميه كروسيا وإيران، وأن هذه التحولات الجيوسياسية قد تؤثر على اختيار تشاد للشركاء وقد تدفع دول الساحل الأخرى إلى إعادة تقييم تحالفاتها.
وضمن هذا المنظور، يرى الباحثان أن أهم القوى المرشحة للحلول محل فرنسا تتمثل في تركيا التي عقدت مع تشاد اتفاقيات عسكرية في السنوات الأخيرة، والإمارات العربية المتحدة التي تقدم دعماً ملحوظا لإنجمينا، وإسرائيل التي استفادت من ظروف الصراع في الشرق الأوسط، كما أنهما لا يستبعدان تعزيز تشاد تعاونها العسكري مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو لدعم جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العسکریة الفرنسیة القوات الفرنسیة فی منطقة الساحل مکافحة الإرهاب فی المنطقة العدید من فی جامعة مع فرنسا من دون
إقرأ أيضاً:
ماذا نعرف عن المنظمة الصهيونية المتطرفة التي حرّضت على محمود خليل؟
قبل شهرٍ من الآن، وفي يوم السبت، الموافق 8 مارس/ آذار، أقدمت عناصر من وزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS) على اختطاف محمود خليل، الذي كان قد شغل منصب المفاوض عن "مخيم التضامن مع غزة" في جامعة كولومبيا.
ومحمود خليل هو فلسطيني يحمل إقامة دائمة في الولايات المتحدة، وكان عائدًا إلى شقته التابعة للجامعة بعد حضور مأدبة إفطار، عندما واجهه العملاء. أبلغوه هو وزوجته الحامل، الدكتورة نور عبدالله، وهي مواطنة أميركية، بأن "تأشيرته الدراسية" قد أُلغيت، وادعوا زورًا أنهم يحملون مذكرة اعتقال بحقه. وعندما قدمت زوجته بطاقة الإقامة الدائمة (الجرين كارد)، بدا على العميل الارتباك، وقال عبر الهاتف: "إنه يحمل بطاقة إقامة دائمة"، ولكن حين حاولت محامية محمود التدخل عبر الهاتف، قام العميل بقطع الاتصال بها.
كان محمود خليل قد حصل على درجة الماجستير من "مدرسة الشؤون الدولية والعامة" في جامعة كولومبيا في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023، إلا أنه اقتيد إلى منشأة احتجاز تابعة للهجرة والجمارك (ICE) في ولاية لويزيانا، على بعد أكثر من ألف ميل. كانت الغاية من ذلك عزله عن زوجته، ومحاميه، ومجتمعه، في ظل التهديد المباشر بترحيله.
إعلانلكن محمود خليل لم يكن وحيدًا. ففي غضون 24 ساعة، تدخل "مركز الحقوق الدستورية" بالتعاون مع "مشروع محاسبة تطبيق القانون" (CLEAR)، للطعن في اعتقاله واحتجازه. وفي يوم الاثنين، أوقف قاضٍ فدرالي أمر الترحيل، وحدد جلسة استماع يوم الأربعاء في محكمة مانهاتن، وبعدها سُمح لمحمود أخيرًا بالتواصل مع محاميه.
في الساعات التي تلت اختطافه، اشتعلت وسائل الإعلام المستقلة ومنصات التواصل الاجتماعي بالتنديد والغضب والتحليلات القانونية والسياسية. وقد أشار كثيرون إلى أن خليل، كمقيم دائم في الولايات المتحدة، يتمتع بكل الحقوق التي يحظى بها المواطن الأميركي، باستثناء حق التصويت.
وقد نشرت النائبة في الكونغرس براميلا جايابال منشورًا قالت فيه: "إدارة ترامب تستهدف الطلاب الذين مارسوا حقهم الدستوري في التعديل الأول. هذا أمر غير مقبول. ترحيل المقيمين القانونيين فقط بسبب آرائهم السياسية هو انتهاك لحقوق حرية التعبير. من التالي؟".
أما مسؤولو البيت الأبيض فقد زعموا أن خليل يُشكّل "تهديدًا لمصالح الأمن القومي"، دون الإشارة إلى أنه "انتهك القانون". ومع ذلك، لم يتمكنوا من تقديم تهمة مشروعة أو دليل ملموس على جريمة.
كما كتبت منصة الانتفاضة الإلكترونية (Electronic Intifada): "بينما يمكن للحكومة إلغاء إقامة حاملي بطاقة الإقامة الدائمة في حالات محددة، لا يجوز لها إلغاؤها تعسفيًا. لا تُلغى الإقامة الدائمة إلا بحكم قاضٍ للهجرة، بناءً على معايير قانونية محددة، ووفق إجراءات قانونية سليمة، وهو ما يبدو غائبًا تمامًا في حالة خليل".
تحرك النشطاء المناهضون للإبادة الجماعية بسرعة، حيث اجتاح آلاف المتظاهرين شوارع مدينة نيويورك في الأيام التالية، تعبيرًا عن تضامنهم، وتجمّعوا بكثافة أمام محكمة نيويورك. وبحلول يوم الخميس، تم اعتقال 100 شخص خلال اعتصام نظّمه "الصوت اليهودي من أجل السلام" داخل برج ترامب.
إعلانوكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن التزامه بقطع التمويل الفدرالي عن الجامعات المتهمة بـ"التسامح مع معاداة السامية"، وكانت كولومبيا أولاها.
ففي اليوم السابق للاختطاف، قامت إدارته بقطع 400 مليون دولار من التمويل الفدرالي عن الجامعة، مدعية أنها "فشلت في اتخاذ خطوات لمواجهة معاداة السامية". وسرعان ما وافقت الجامعة على التعاون مع الحكومة الفدرالية في "خنوع ذليل لترامب"، وأعلنت "التزامها بمحاربة معاداة السامية".
وقد نشرت كولومبيا إرشاداتها لأعضاء الهيئة التدريسية والموظفين، تحثهم على "عدم التدخل" مع عملاء الهجرة والجمارك، حتى لو لم يتمكن هؤلاء العملاء من تقديم مذكرة اعتقال. وعندما تفاخر الرئيس ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" (Truth Social) بأنه اعتقل خليل، هدد أيضًا بأنه "سيتبعه المزيد"، ليس فقط في كولومبيا، بل في "جامعات أخرى عبر البلاد".
وكحال كثير من الطلاب العرب والمسلمين، تعرض خليل في اليوم السابق لاعتقاله غير القانوني، لحملات تحرّش صهيونية ممنهجة، وقد ناشد إدارة الجامعة بالحماية، مؤكدًا أنه يتعرض لحملة "تشويه لاإنسانية" على الإنترنت (doxxing)، وقال إن "هجماتهم حرّضت على موجة من الكراهية، بما في ذلك دعوات لترحيلي وتهديدات بالقتل"، ولكن كولومبيا لم ترد.
وقد قمعت مجموعات الضغط الإسرائيلية، مثل "مهمة الكناري" (Canary Mission)، حرية التعبير في الجامعات الأميركية لسنوات. وعلى الرغم من أن هذه المجموعة ادّعت أنها تقف خلف اعتقال خليل، فإن منظمة صهيونية متطرفة أقلّ شهرة تبدو أنها لعبت الدور الأبرز في اعتقاله.
وقد أُسّست هذه المنظمة عام 1923 على يد معجب بموسوليني، وأُعيد إحياؤها عام 2023، حتى إن "رابطة مكافحة التشهير" (وهي مجموعة ضغط يهودية) (ADL) تعتبرها منظمة كراهية.
تُدعى هذه الجماعة المؤيدة للصهيونية المتطرفة التي تفاخر باعتقال محمود: "بيتار-الولايات المتحدة" (Betar-USA).
إعلانفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كتبت صحيفة "نيويورك بوست" مديحًا لـ"بيتار-الولايات المتحدة" على جمعها قوائم بأسماء طلاب أجانب، وتفاخرها بتحديد 30 طالبًا من دول مثل الأردن، وسوريا، ومصر، وكندا، والمملكة المتحدة، ممن يدرسون في بعض أبرز الجامعات الأميركية، منها كولومبيا، وجامعة بنسلفانيا، وجامعة كاليفورنيا، وكلية "ذا نيو سكول" للأبحاث الاجتماعية، وغيرها.
وقال رئيسها روس غليك إنه يأمل بأن يمنح "الرئيس المنتخب ترامب" "كارهي إسرائيل… تذكرة بلا عودة إلى بلادهم". ولم تشر الصحيفة إلى طبيعة هذه المنظمة أو تاريخها وممارساتها، التي "تحاكي تكتيكات ورموز الفاشية، بما في ذلك ارتداء القمصان البنية واستخدام تحيات خاصة".
وتسعى "بيتار" إلى التحالف مع جماعة "براود بويز" (Proud Boys)، ذات السجل المعروف في معاداة السامية والإسلاموفوبيا، بهدف "مواجهة الجهاديين الإسلاميين". (يُذكر أن قائد "براود بويز"، إنريكي تاريو، قد حُكم عليه بالسجن 22 عامًا بسبب عنفه في أحداث 6 يناير/ كانون الثاني، وقد أفرج عنه مؤخرًا بعفو من ترامب).
ومؤخرًا، تفاخرت "بيتار-الولايات المتحدة" لصحيفة "ذا غارديان" بأن لديها "قائمة ترحيل" تحتوي آلاف الأسماء أرسلتها لمسؤولي إدارة ترامب، بمن في ذلك وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي صادق شخصيًا على اختطاف خليل. وكان معظم الأسماء في القائمة يحملون تأشيرات دخول أميركية (وربما يفسر ذلك سبب اعتقاد عملاء وزارة الأمن الداخلي أن خليل يحمل تأشيرة طالب، بدلًا من إقامة دائمة).
نادرًا ما يرد ذكر "بيتار-الولايات المتحدة" في الإعلام التقليدي، لكن موقع "ميدل إيست آي" كشف أن هذه الجماعة تلاحق النشطاء المؤيدين لفلسطين، بمن فيهم اليهود الأميركيون، وقد أبلغ خليل عن تلقيه رسائل كراهية تهديدية منهم. كما أقدمت الجماعة على تخريب ممتلكات، و"دعت صراحة إلى أعمال انتقامية من نوع مليشيوي ضد المحتجين الطلاب".
إعلانونشرت منصة "غلوبال نيوز هَب" (Global News Hub) فيديو للسيناتور جون فيترمان (عن ولاية بنسلفانيا) وهو يقول لزعيم المليشيا اليمينية المتطرفة روس غليك، إنه "يحب" التهديد بالقنبلة الذي أطلقوه ضد فرع "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" في جامعة بيتسبرغ.
وقد تم حظر "بيتار-الولايات المتحدة" من منصات "ميتا" بسبب هذه "النكتة". كما أصدرت تهديدات شبيهة بالإعدام للكاتب بيتر بينارت وآخرين. والمفارقة أن دعاة "بيتار" يزعمون أن الطلاب الواردين في قوائمهم "يروّعون أميركا".
لاحقًا، فقد روس غليك منصبه كرئيس لـ"بيتار-الولايات المتحدة" بعد إدانته في نيويورك بتهم تتعلق بجرائم "الانتقام الإباحي". ولم تربط معظم التقارير الصحفية بين انحرافاته الجنسية وعلاقته بالجماعة الصهيونية المتطرفة اليمينية.
وقد جادل العديد من المحللين، بحق، أن الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة تمثل التهديد الأكبر لحرية التعبير وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة. ويُظهر اختطاف خليل، والقوى المتطرفة التي تقف خلفه، مدى اختلال الإدارة الجديدة، ويكشف عن تصرفاتها غير المسبوقة في مخالفة الدستور، التي دشنت الطريق نحو الاستبداد.
وقد وصف البروفيسور البارز في التاريخ اليهودي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ديفيد مايرز، إدارة الرئيس ترامب بأنها "تقوم بتسليح وتسييس معاداة السامية لأغراض سياسية". واعتبر مايرز قائمة "بيتار" للمرحلين "مرعبة"، ولكنها غير مفاجئة بالنظر إلى ما تمثله هذه الجماعة تاريخيًا-أي "تبني الفاشية اليهودية".
وأكد أن هذه الهجمات لا تتعلق فقط بحماية الطلاب اليهود، بل إن الرئيس الأميركي وحلفاءه "مهتمون حقًا بإخضاع الجامعة وإقصائها من الساحة السياسية الأميركية بوصفها جهة فاعلة تقدمية ليبرالية". وإن تهديدات ترامب المتكررة خارج إطار القانون واعتقال خليل تكشف عن انزلاق متسارع نحو خطاب القمع السياسي والفاشية الكاملة.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline