هل العالم على شفير حرب جديدة وسط التصعيد بين الصين وتايوان؟
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
تعود التوترات بين الصين وتايوان للواجهة من جديد، بسبب قيام بكين بتكثيف وجودها العسكري حول الجزيرة، وذلك في إطار تنفيذ الجيش الصيني أكبر انتشار بحري له منذ سنوات عديدة.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي أطلقت بكين مناورات عسكرية ضخمة حول الجزيرة، وتُعد الأكبر منذ أكثر من عام تحت اسم "السيف المشترك 2024 بي".
وتهدف الصين من خلال هذه المناورات إلى توجيه تحذير ضد "الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان"، وركزت على محاكاة حصار موانئ وأهداف إستراتيجية في تايوان، دون تحديد موعد لانتهائها.
وفي المقابل، تواصل تايوان إعلاناتها رصد تحركات عسكرية صينية غير مسبوقة حول الجزيرة كرد فعل صيني على جولة رئيس تايوان لاي تشينغ تي في منطقة المحيط الهادي، والتي انتهت يوم الجمعة الماضي وشملت التوقف في ولاية هاواي وإقليم غوام الأميركيين.
وتعهد رئيس تايوان لاي تشينغ تي "بحماية" الجزيرة، إلى جانب تعزيز تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، التي تعد أبرز داعم دولي لها، على الرغم من عدم اعترافها الرسمي بها كدولة مستقلة.
تصاعد التوتر
تعود جذور النزاع إلى العام 1949، عندما انتهت الحرب الأهلية الصينية بانتصار الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونغ وسيطرته على البر الرئيسي، في حين لجأ الحزب القومي "الكومينتانغ" إلى جزيرة تايوان، وأعلنها مقرا للحكومة الصينية.
إعلانوتعيش تايوان تحت تهديد صيني، وتبرز تلك التهديدات مع ظهور أي محاولات تقوم بها تايبيه للتقارب مع الدول الأجنبية، إذ تعتبرها بكين استفزازا لها وتهديدا لوحدتها وسيادتها، لذا تمارس سياسة العزل الدبلوماسي لتايوان، وتعارض أي اتصال رسمي لتلك الدول معها.
وبالتزامن مع أي تحرك من هذه النوع، تبدأ الصين بالتحرك العسكري، وقد أدانت جولة الرئيس لاي الأخيرة، وحضّت الولايات المتحدة على "التوقف عن التدخل في شؤون تايوان"، ورافق ذلك انتشار صيني بحري ضخم قرب مياه الجزيرة، وصف أنه أكبر من ذاك الذي واجهته في أغسطس/آب 2022، ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي لتايبيه.
ووفقا للرصد الذي أجراه معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع "IGSDA"، فإن الصين أصبحت تعتمد تكتيكات جديدة مثل الحصار الاقتصادي وتطويق الجزيرة، مما يزيد الضغوط على تايوان، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة المناورات البحرية والجوية.
وتشكل المناورات ردا على الحكومة التايوانية المؤيدة للاستقلال وصفقات الأسلحة الأميركية مع تايوان، في حين يشكل الهدف الرئيسي منها إعادة التأكيد على موقف الصين الثابت حول "سياسة صين واحدة" وردع تايوان عن اتخاذ أي خطوات رسمية نحو الاستقلال.
كما تحمل رسائل تحذير للحلفاء الغربيين لتايوان واستعراض القدرات العسكرية المتزايدة للصين، بهدف الحفاظ على الهيمنة الإقليمية ومنع التدخل الغربي في بحر الصين الجنوبي، بحسب المعهد.
وتعتبر تايوان جزءا محوريا من إستراتيجية الدولة الصينية ومصلحة عليا لبكين، وتشكل أحد ثوابت الأمن القومي الصيني، كما يصفها الكاتب والمحلل السياسي في الشؤون الدولية ثامر العناسوه، خاصة مع المكانة والتنافس الاقتصادي التي تحظى به الصين.
ويقول العناسوة، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إن الصين على وشك الدخول في حقبة مغايرة عما كانت عليه، وهي مرحلة جديدة يقودها الرئيس شي جين بينغ منطلقا من عدة ركائز، أهمها إعادة الإرث التاريخي للموروث الثقافي للصين القديمة بإحياء الهوية القومية الصينية، من خلال استعادة العديد من الأراضي التي كانت محتلة من قِبل الدول الغربية، كان آخرها سحب الاعتراف الأميركي بتايوان كخطوة ومرحلة مفصلية.
بيلوسي مع نواب أميركيين خلال زيارة تايوان في أغسطس 2022 (رويترز) سيناريوهات محتملةتعتمد السيناريوهات في حالة النزاع الصيني التايواني على عوامل متعددة تتعلق بالقرارات المحلية والدولية، واستعداد الأطراف للمخاطرة، في حين يجمع الخبراء على أن الوضع الحالي يشير إلى حالة توتر متصاعدة، لكن الخطوات السياسية والعسكرية قد تغير المعادلة في أي وقت.
إعلانويزداد المشهد تعقيدا نتيجة التفوق العسكري للصين، وانتهاج تايوان إستراتيجية دفاعية قائمة على تعزيز قدراتها العسكرية وتطوير صناعاتها الدفاعية، من خلال شراكات مع حلفاء دوليين.
ويرى مراقبون أن إعادة التوحيد هي مسألة وقت، في حين يظهر السؤال متى؟ وهل سيكون عند شعور بكين بتراجع مواقف أميركا في الدفاع عن تايون؟ أم سيكون من خلال طرق أخرى أكثر دبلوماسية؟
وفي إطار السيناريوهات المحتملة، يرى الخبير العسكري العميد الركن أيمن الروسان، في حديثه للجزيرة نت، أنه من الممكن أن تسيطر الصين على الحدود الجوية والبحرية لتايوان، أو تفرض حصارا كاملا على مضيق تايوان بما يمنع إدخال وإخراج أي شيء.
ويتابع أن هذه الإمكانية متوفرة للصين باستخدام عدة وسائل وخيارات، منها الخيار العسكري والقصف الجوي والحرب السيبرانية التي تسعى لإخضاع تايوان، ولكنه يرى أن السيناريو الأقرب هو انتهاج الصين سياسة الحرب غير المقيدة مع تايون، وذلك بتمويه الأشكال المختلفة التي لا تؤدي إلى قتال مباشر بين الطرفين.
حلم الاستقلال
ويطرح المحلل السياسي في الشؤون الدولية الدكتور ثامر العناسوه، سيناريو آخر يتعلق بحرمان تايوان من تحقيق حلم الاستقلال عبر منع الاعتراف الدولي بها، ويمكن الإشارة إلى أن الصين حققت نجاحات كبيرة في مجال تحجيم تايوان من الشرعية الدولية، وهو ما سيمثل مقدمة لجعل إجراءات ضمها عسكريا على اعتبار أن تايوان فاقدة للشرعية القانونية.
وتابع أن الموقف الصيني المقبل سيكون محطة توتر دولي على غِرار ما حدث في أوكرانيا عام 2014، وذلك يعني أن على العالم الاستعداد لأزمات متعددة في شرق آسيا.
ويحمل الخيار الدبلوماسي وجها آخر يتمثل في ضم تايوان بشكل سلمي من خلال توسيع دائرة العلاقات التجارية بين البلدين، فالبرغم من التوترات لا تزال الصين وجهة رئيسية لصادرات تايوان، حيث تستحوذ على نسبة كبيرة من المنتجات التايوانية مثل الآلات والرقائق الإلكترونية.
إعلانوقد يؤدي هذا الخيار إلى توسيع العلاقات بين الطرفين، تحت إطار سياسة الإغواء بحجة اتساع المصالح المشتركة، إلا أن العناسوه يرى أن هذا المسار أو السيناريو إيجابي إلى حد ما، إلا أنه يواجه بعض المعوقات، أهمها أن التيار الحاكم في تايوان يعارض هذا المسار تماما، وأن 60% من المجتمع التايواني يرفض الوحدة مع الصين، ويشكل تنامي النزعة القومية للشعب التايواني عائقا رئيسيا.
أما السيناريو الأخير -كما يجمع المتحدثون- فهو يرتبط بالحفاظ على الوضع الراهن، ويكون باستمرار تايوان في سياسة الحكم الذاتي دون أن تحظى باعتراف دولي، وبقاء الصين ملتزمة بسياسة الصين الواحدة دون أي إجراءات عسكرية، فيما يبقى التوتر السياسي قائما، مع استمرار الضغوط الصينية دوليا لتقليل دعم تايوان، وتهديد بكين لكل من يتعامل مع تايوان بقطع العلاقات والاتصالات ومنع السفر، وغير ذلك من العقوبات التي من دورها تعمل على محاصرة تايوان.
الموقف الأميركي
تمتلك الولايات المتحدة دورا مفصليا في هذه القضية؛ كونها أكبر قوة عالمية وحليفا رئيسيا لتايون، إلا أن الدور يرتبط في السياسات المتغيرة بين الإدارات الأميركية، فكلاهما يدعمان تايوان في مواجهة الصين، لكنهما يختلفان في سياسة التعاطي مع الملف.
إذ انتهج الرئيس الحالي جو بايدن سياسة الدعم لتايوان دون استفزاز الصين، وهو ما يسمى بـ"الغموض الإستراتيجي"، على عكس الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي يعتمد على المواجهة والدعم العملي والمباشر من خلال تعزيز مبيعات الأسلحة، وتواجد السفن الأميركية في مضيق تايوان.
وانعكست صراعات ترامب خلال توليه الرئاسة الأميركية عام (2017-2021) مع الصين على الجبهة التجارية على قضية تايوان، حيث استخدم ترامب دعمه كورقة ضغط ضد بكين، واعتبر حينها أن تعاملها مع تايوان الفاقدة للشرعية الدولية يشكل تهديدا كبيرا للاستقرار الإقليمي والدولي.
إعلانومع فوزه في الانتخابات الأميركية لهذا العام، لا يبدو أن هناك أي تغير جوهري في تعامله مع القضية، إذ يقول غبريال صوما -العضو في المجلس الاستشاري للرئيس ترامب- إن سياسة ترامب تقضي بعدم التخلى عن الجزيرة تحت التهديدات الصينية، وفي الوقت ذاته لن يستعمل القوة العسكرية الأميركية في حال قامت الصين بغزو تايوان، كما لا يمكن للصين أن تخاطر بالحرب العسكرية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول صوما إن ترامب سيرد على تهديد الصين لتايوان من خلال العقوبات الأميركية التجارية بزيادة الرسوم والضرائب على المنتجات الصينية، مشيرا إلى أن استخدام القوة العسكرية ضد الحصار لن يكون ضروريا، بالرغم من تشديده على زيادة الإنفاق العسكري لتايوان لمواجهة التهديدات المحتملة من الصين.
يتوافق حديث صوما مع سياق حديث المحلل السياسي عامر السبايلة لـ"الجزيرة نت"، الذي يرى أنه لا يمكن للصين أن تقبل تحول تايون لنقطة تهديد لها، وبالتالي اتخذت إجراءات تصعيدية لعدم جعل المهمة سهلة بنظر المحور الغربي أو الولايات المتحدة، فهي تلوح ولا تنفذ وهذه المعادلة قد تكون أساسا للتفاوض مع ترامب ضمن سياسة المكاسب والخسائر التي يتقنها ويرغب بها دائما، بدلا من التصعيد.
وبهذا، يبقى مصير العلاقات بين الصين وتايوان يعتمد على مزيج من التحولات السياسية الداخلية في تايوان، ومن جهة أخرى الإستراتيجية الصينية، خاصة في ظل حكم شي جين بينغ، إلى جانب التأثيرات الاقتصادية والتقنية، فالعلاقات قد تتجه نحو مزيد من التصعيد أو التسويات على المدى البعيد، ولكن يبقى للمواقف العالمية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، دور حاسم في تحديد مسار هذه القضية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة من خلال فی حین
إقرأ أيضاً:
ترامب يدعو رئيس الصين وزعماء آخرين لحضور حفل التنصيب
قالت المتحدثة باسم الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، كارولين ليفيت، الخميس، إنّ: "ترامب قد دعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وقادة أجانب آخرين، من أجل حضور حفل تنصيبه، خلال الشهر المقبل في واشنطن".
وبخصوص ردّه على سؤال يتعلق بما إذا كان شي قد أرسل ردّا بشأن الدعوة، قالت ليفيت عبر مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية إنّ: "الأمر سوف يتحدد لاحقا".
وكان ترامب الذي لم يعترف أبدا بخسارته في انتخابات عام 2020 أمام بايدن، قد حقٍّق ما وصف بـالفوز التاريخي" في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهو ما أعاده إلى البيت الأبيض، متوجا نحو عقد من النشاط السياسي طغت عليه مواقفه اليمينية المتشددة.
وفاز ترامب (78 عاما) بهامش أوسع هذه المرة، خلال الانتخابات الأخيرة، على الرغم من إدانته جنائيا ومحاولة عزله مرتين في الكونغرس، أثناء وجوده في السلطة، وأيضا اتهامه بالفاشية من قبل رئيس أركان سابق في عهده.
إلى ذلك، أظهرت عدد من استطلاعات الرأي أن الهم الرئيسي للناخبين كان هو: الاقتصاد والتضخم الذي ارتفع في عهد بايدن إلى مستويات عالية.
وفي مقال له في الغارديان البريطانية قال الصحفي البريطاني جوناثان فريدلاند، أن ترامب فاز بـ 48 ولاية من أصل 50، محققًا مكاسب في المناطق الريفية والمدن الكبرى وحتى الضواحي، وشمل ذلك فئات اجتماعية اعتادت على دعم الحزب الديمقراطي، مثل الناخبين اللاتينيين.
إلى ذلك، اعتبر عدد من المراقبين هذا الانتصار يعدّ تحوّلًا يمينيًا غير مسبوق، إذ وصفه المستشار السابق في البيت الأبيض، دوغ سوسنيك، بأنه: "أكبر تحول سياسي نحو اليمين منذ فوز ريغان في 1980".
وفي السياق نفسه، قال الكاتب إن المناخ الذي مهد الطريق أمام ترامب يعكس مزاجًا مناهضًا للمؤسسة الحاكمة امتد ليشمل دولًا ديمقراطية أخرى مثل بريطانيا، وقد كان التضخم المستمر بعد جائحة كوفيد-19 وارتفاع تكاليف المعيشة من أبرز الأسباب التي دفعت الناخبين للابتعاد عن الديمقراطيين، بجانب استياء من سياساتهم المرتبطة بالنخب الليبرالية والتقدمية.
وأضاف أنه لم تقتصر قوة ترامب على البيت الأبيض فقط؛ بل امتدت إلى مجلس الشيوخ، ما يمنحه قدرة هائلة على تنفيذ جدول أعماله دون قيود. هذا التفوق يعني أن الولايات المتحدة قد تواجه حقبة جديدة من السياسات المحافظة التي قد تترك بصمة عميقة على الداخل والخارج، بما في ذلك العلاقات الدولية مثل مستقبل حلف الناتو.