من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. مطالبي جدّاً صغيرة
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
مطالبي جدّاً صغيرة
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ … 18 / 8 / 2018
لماذا لا تنقسم الكائنات مثلنا بين معارضة وموالاة؟.. لماذا لا تلبس العصافير الريش العسكري المموّج مدعية الوطنية؟.. لماذا لا تضع الأرانب صورة الزعيم في غرف نومها؟.. وكيف تتجرّأ الخراف أن تطأ الصفحة الأولى من جريدة يومية قذفتها الريح إلى السهول القاحلة؟.
أنظر أحياناً إلى نفسي الجوانية فأكتشف كم أنا مبتلى بإنسانيتي، ترى لم عليّ أن أحتمل كل هذا الوجع والاحتفاظ بألواح الأحلام المكسورة لأصنع منها طوّافة حياة، لم عليّ أن أعيد رفو مفهومي للوطن كالقميص الممزّق.. وأنا الحالم بأقل الممكن كأي كائن حي كُتب له أن يولد أو يفقس من بيض القهر على هذه الأرض.
أريد أن أرى وطني رقماً صعباً في طاولات الأمم، كرسيه محط أنظار، ورايته رسالة رعب، فقد مللنا العتبات ودور “بائع العلكة”.. أريد لوطني أن يمزّق كل الرسائل المشبوهة ويعيد كل المغلفات المذلّة والزكوات الدولية
بالمناسبة أنا مطالبي جدّاً صغيرة، أمنيتي أن أصبح كأي عصفور بلا ملفّ أمني، لا أحد يطلبني، ولا أحد يتبعني، ولا أحد يرصد كلامي أو توقيت منامي، الشمس وحدها من يحق لها أن ترشّ على وجهي رذاذ الضوء لتوقظني، فأزقزق ملء رئتي للحرية، الزقزقة هي نشيدي الوطني وهي تسابيحي الطوعية لسيد الكون.. أطلقها لا تملقاً ولا خوفاً ولا التزاماً في طابور العبودية الصباحي.. أزقزق لأني هبة الله للمكان وأمارس “عصفوريتي”!.
مطالبي جدّاً صغيرة.. أريد لهذا الوطن أن يصبح وطناً لا فندقاً للأغنياء، من يملك يعيش، ومن لا يملك عليه الإخلاء قبل الساعة الثانية عشرة، لا أريد فكرة “القرصان والسيد” في وطني.. لا أريد أن يبقى الطاهي المنسي في الطابق السفلي يحضّر طوال النهار وردة من شوكولاتة ليأكلها السيد في الطابق العلوي بدقيقة واحدة، أريده أن يتذوقها هو قبل غيره، أريده وطناً كبيراً ككل شيء.. لا أريد أن أرى الرصيف مزدحم بالجالسين، أريده أن يمتلأ بالمارين إلى أعمالهم أو إلى بيوتهم، أريد الأيادي تمتد لتعطي، لا تمتدّ لتتسوّل، أريد الشاحنات البطيئة تحمل بضائع المصانع في الصباح الباكر وتئن من ثقل الإنتاج، أريد الحقول أن تدخّن نتاجها من مداخن الجرّارات.
أريد وطناً يشبه تلك الأوطان التي أراها في “ناشيونال” جيوغرافيك، أوطان كبيرة وممتلئة وقوية، تغرق الأسواق إن هي صدّرت، وتربك الأسواق إن هي توقّفت.. أريد أن أرى المهندسين في وطني يشرحون لمذيع الناشيونال جيوغرافيك كيف استطاعوا بناء ناطحة سحاب في أسبوع وكيف تحمل الرافعات العملاقة جسوراً حديدة ثقيلة تكسر عين الشمس عندما تدور شمالاً وجنوباً.. أريد أن أرى وطني رقماً صعباً في طاولات الأمم، كرسيه محط أنظار، ورايته رسالة رعب، فقد مللنا العتبات ودور “بائع العلكة”.. أريد لوطني أن يمزّق كل الرسائل المشبوهة ويعيد كل المغلفات المذلّة والزكوات الدولية.. ويحمل فأسه إلى أرضه ويبدأ رحلة البحث عن الكرامة والحفر على الحياة.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#166يوما
#الحرية_لاحمد_حسن_الزعبي
#أحمد_حسن_الزعبي
#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن
#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الحرية لاحمد حسن الزعبي أحمد حسن الزعبی
إقرأ أيضاً:
بدية.. من رمال صامتة إلى مشروع وطني حي
فيصل بن حميد الحجري **
في عالم تتسابق فيه الدول على إعادة تعريف هويتها الاقتصادية، تُقدّم سلطنة عمان مثالًا حيَّا على الرؤية الهادئة والمتأنية نحو التنمية، رؤية تستند إلى الهوية، والبيئة، والإنسان، وتجد تعبيرها العملي في جهود وزارة التراث والسياحة، بالتكامل مع مكاتب المحافظين، والمجتمع المحلي.
ومن بين النماذج الناضجة التي يمكن أن تُلهم الكثير من الولايات الأخرى، تبرز ولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية، كحالة تنموية متفردة، تتحوّل فيها الصحراء إلى فضاء للاستثمار، والمجتمع إلى شريك حقيقي، والسياحة إلى أداة لصياغة مستقبل شامل.
وحين أطلقت وزارة التراث والسياحة دراسة تطوير رمال الشرقية، لم يكن الهدف مجرد تخطيط عمراني أو استثمار سياحي، بل كان المشروع بمثابة إعادة قراءة للرمال كعنصر اقتصادي وإنساني، قابل للتنمية دون أن يفقد هويته. الدعوة التي وجهتها الوزارة لمختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المحلي للمشاركة في هذه الدراسة، كانت رسالة واضحة: أن السياحة في عُمان لا تُدار من برج عاجي، بل تُبنى من تحت، على أرض الواقع، بالشراكة لا بالتوجيه.
في بدية، المخيمات ليست مجرد منشآت؛ بل تجارب تُعاش، وسرديات تُروى. الضيافة هنا تبدأ من الخيمة ولا تنتهي عند الفنجان؛ بل تمتد إلى تجربة الرمال، ودفء المجالس، ورحلات المغامرة، والاندماج مع البيئة المحلية.
ورغم أن البيانات الرسمية تشير إلى وجود أكثر من 700 غرفة في المخيمات السياحية المرخصة في السلطنة، فإنَّ بدية تُعد من أكثر الولايات تفاعلًا مع هذا النمط من السياحة، من حيث حجم النشاط ونوعية التجربة، وتكاملها مع المجتمع. وهذه المُخيمات باتت جزءًا من الدورة الاقتصادية المحلية؛ حيث تُشغّل أبناء المنطقة، وتدعم الحرف، وتنقل الزائر من الاستهلاك إلى الانغماس في الثقافة العُمانية.
ولم تكن الفعاليات التي احتضنتها بدية مجرد محطات سياحية، بل أصبحت ركائز رئيسية لحراك ثقافي وتنموي مُستدام، يقوده تكامل بين الجهات الحكومية، والكيانات الأهلية، والمجتمع المحلي، وأذكر منها: مهرجان المغامرات الصحراوية، بتنظيم وزارة التراث والسياحة، وبالتعاون مع مكتب سعادة محافظ شمال الشرقية، وبمشاركة ميدانية من نادي بدية للسيارات، شكّل منصة ترويجية حقيقية لأنشطة السياحة الصحراوية، وفتح الباب لتفاعل مباشر بين الزوار والبيئة المحلية. وكذلك كرنفال بدية السياحي، بمبادرة وتنظيم مباشر من نادي بدية للسيارات، وبإشراف ودعم من مكتب سعادة المحافظ، قدم نموذجًا ناضجًا لمفهوم "السياحة المجتمعية"، حيث تصنع الفعالية بأيدٍ محلية وتنظم وفق أطر رسمية متكاملة.
أما ماراثون عُمان الصحراوي، فقد كان ثمرة مبادرة فردية من أحد أبناء المجتمع، وتحوّل بدعم كريم من الوزارة والمكتب إلى حدث دولي يستقطب رياضيين من أكثر من 30 دولة، ويضع بدية على خارطة المغامرات العالمية.
وفي السنوات الأخيرة، أحدثت وزارة التراث والسياحة تطورًا ملحوظًا في تسهيل إجراءات التراخيص، ورقمنة الخدمات، وتوفير الأدلة الإرشادية، مما أتاح لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع الناشئة الدخول إلى القطاع بثقة ووضوح. ولم يكن لهذا الأثر أن يظهر لولا توفر بيئة مؤسسية مرنة، تستمع وتُراجع وتتطور، وهو ما نشهده فعليًا في تجربة ولاية بدية، حيث بات المجتمع يشعر أنه ليس مجرد مستفيد، بل شريك ومُوجّه في عملية التنمية السياحية.
ولأنَّ التنمية السياحية المُستدامة لا تُبنى بجهود جهة واحدة؛ بل تتطلب تكامل الأدوار بين المؤسسات والمُجتمع، تبرز أهمية تفعيل المبادرات المجتمعية التعاونية التي تساهم في التنسيق بين الجهات، وتبادل التجارب، وتحقيق استجابة مرنة للتحديات.
وفي هذا السياق، تؤدي اللجنة الاقتصادية المشتركة بين المجلس البلدي وغرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة شمال الشرقية دورًا محوريًا في تبني ودعم عدد من الفعاليات والأنشطة السياحية والتنموية، إلى جانب تمكين الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز بيئة العمل المحلي برؤية تنموية موحدة.
إننا لا نقترح إنشاء كيانات جديدة؛ بل ندعو إلى تنشيط هذه المبادرات تحت المظلة القانونية والتنظيمية القائمة، لضمان أن تظل المشاريع السياحية انعكاسًا حقيقيًا للهوية المحلية، واستجابة لتطلعات المجتمع والمستثمر معًا.
إنَّ التجربة التي تشهدها ولاية بدية ليست مجرد مشروع سياحي محلي؛ بل نموذج وطني متكامل، يتقاطع فيه التوجيه الرسمي، مع المبادرات الفردية، والجهود المجتمعية، في لوحة تنموية عنوانها: التكامل لا التوازي، والمشاركة لا المركزية.
كل التقدير والامتنان لكل من ساهم في هذا المشهد، وفي مقدمتهم وزارة التراث والسياحة، ومكتب سعادة محافظ شمال الشرقية، واللجنة الاقتصادية بالمحافظة، ولكل مواطن يرى أن المستقبل لا يُستورَد؛ بل يُبنى من أرضه، وبأيدي أهله، وتحت راية رؤيتنا الوطنية.
** رئيس نادي بدية للسيارات