فورين بوليسي: واشنطن تحتاج إلى استراتيجية جديدة لسوريا ما بعد الأسد
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه مع انهيار قوات النظام السوري ومغادرة بشار الأسد البلاد التي حكمتها عائلته لأكثر من خمسة عقود، ومع سيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على مقاليد السلطة هناك، أصبح مسؤولو الأمن القومي الأمريكي في حاجة إلى استراتيجية وسياسة جديدة لسوريا.
ورأت المجلة أنه حتى قبل هذا الاختراق، فإن وجود مثل هذه الاستراتيجية كان مستحقا منذ فترة طويلة، حيث إنه منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، وعلى مدار ثلاث إدارات رئاسية أمريكية، كانت السياسة الأمريكية بشأن سوريا معيبة بشكل خطير (وفقا للمجلة).
وأوضحت المجلة أن كل الخيارات الأمريكية للتعامل مع هذا الملف كانت محفوفة بالمخاطر، ما أدى إلى حالة من الشلل في القرار حتى وقت قريب. فعلى سبيل المثال، عندما بدأ هجوم هيئة تحرير الشام، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا مشتركا وصفته المجلة بـ "الضعيف" مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا يدعو إلى خفض التصعيد ويحث الأطراف على السعي إلى تسوية تفاوضية، وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي مضى عليه تسع سنوات وكان منذ يوم صدوره بلا معنى للأطراف المتحاربة.
وأشارت المجلة إلى أنه عقب الإطاحة بالنظام السوري بالقوة، لم يعد أمام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالتنسيق مع فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب، خيار سوى محاولة إيجاد مسار جديد للتعامل مع الملف السوري.
فهيئة تحرير الشام، التي دخلت الآن آخر معقل للأسد في دمشق، كانت من نسل تنظيم الدولة الإسلامية ، وعلى الرغم من أن زعيمها أبو محمد الجولاني انفصل منذ ذلك الحين عن الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وحارب القوتين لإخضاعهما في الأراضي التي يسيطر عليها، وحاول إظهار نهج تعددي وشامل لحكمه للأراضي السورية، إلا أنه لا يزال يقود حركة إسلامية ذات جذور عنيفة. كما أن هيئة تحرير الشام ما تزال مصنفة من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول كمنظمة إرهابية.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن صناع السياسة في واشنطن، بحثوا في السابق، وكوسيلة لممارسة مزيد من الضغط على الأسد، مسألة شطب هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، وهو ما سعى إليه الجولاني علنا لسنوات، لكنهم لم يفعلوا ذلك لأن المخاطر السياسية كانت كبيرة للغاية.
وربما أدى القرار بعدم تغيير السياسة الأمريكية بشأن هيئة تحرير الشام، حتى مع محاربتها تنظيم القاعدة وتوسيع الحماية والحقوق للأقليات الدينية السورية داخل نطاق سيطرتها، إلى إطالة أمد الصراع في سوريا، وتمكين خصوم أمريكا الإقليميين والعالميين، إيران وروسيا، من استغلال الفرصة والتصرف بشكل حاسم لدعم الأسد واستهداف هيئة تحرير الشام والمدنيين في المناطق تحت إدارتها في محافظة إدلب السورية .
واعتبرت المجلة الأمريكية أن سقوط الأسد يمثل حاليا فرصة نادرة لواشنطن لدعم مستقبل أفضل للسوريين وتوجيه ضربة لخصوم أمريكا (روسيا وإيران)، منوهة إلى أنه إبان عهد رؤساء أمريكا باراك أوباما ودونالد ترامب وصولا إلى جو بايدن، سعت كل استراتيجية أمريكية في سوريا إلى إزاحة الأسد من السلطة، دون تقديم الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك. واكتفت إدارة أوباما وكل إدارة تلتها إلى الاعتماد على الأدوات غير العسكرية وقوة السياسة الخارجية الأمريكية للضغط على الأسد، وهو ما لم يكن له أي جدوى.
وأوضحت المجلة أن الولايات المتحدة كانت ترغب في تجنب التورط المباشر في سوريا، إلا أن الدعم الذي قدمته في بؤر أخرى (أوكرانيا في مواجهة روسيا وإسرائيل في مواجهة حزب الله) ساهم في حسم النتيجة النهائية (الإطاحة ببشار). فقد أدى إعادة تموضع الموارد العسكرية الشحيحة لموسكو في أوروبا بسبب حربها في أوكرانيا، إلى جانب الاستنزاف السريع لحزب الله تحت وطأة الهجوم الإسرائيلي المدمر خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى إضعاف أسس خطوط الدفاع وقدرات نظام الأسد. وبعد ملاحظة ضعف حزب الله العسكري، شن الجولاني هجوما لاختبار دفاعات الأسد، لتأتي النتيجة أكثر مما يتصور، حيث انهار النظام بأكمله سريعا.
ونبهت المجلة الأمريكية إلى خطورة أن تظل الولايات المتحدة غير منخرطة في المشهد السوري بشكل أكثر وضوحا، خاصة وأن المنطقة ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة يمكن خدمتها بشكل أفضل إذا اتخذت واشنطن دورا استباقيا في مساعدة قوات المعارضة السورية المنقسمة على الانتقال إلى حكم سلمي وشامل.
وللقيام بذلك، ينبغي لصناع السياسات الأمريكيين –وفقا لمجلة "فورين بوليسي"- النظر في بعض الاعتبارات الأساسية للأمن القومي الأمريكي عند صياغة استراتيجية جديدة لسوريا. فأولا وقبل كل شيء، ينبغي للولايات المتحدة أن تعمل على طرد الوجود العسكري الروسي من سوريا، وذلك إذا لم تقم المعارضة السورية بهذه المهمة بنفسها.
وثانيا، ينبغي للولايات المتحدة أن تعمل على إغلاق سوريا أمام إيران، لاسيما وأن إيران استخدمت سوريا كمنصة لتسليح وكلائها في جميع أنحاء بلاد الشام.
وثالثا، ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى إلى التوسط في السلام بين إسرائيل وسوريا. فقد جرت محاولات عديدة أثناء وجود الأسد في السلطة، لكنه أثبت عدم رغبته في ذلك. وبما أن الحكومة السورية الناشئة ستحتاج إلى الحصول على دعم جيرانها وربما المساعدة الأمنية من الولايات المتحدة، فإن ذلك يمثل فرصة لتحقيق السلام بين الجانبين.
وشددت المجلة الأمريكية على أنه قبل أن يحدث أي من الاعتبارات سالفة الذكر، يجب على جماعات المعارضة المتعددة في سوريا، وفي المقام الأول هيئة تحرير الشام، والجيش الوطني السوري، وقوات سوريا الديمقراطية، أن تتحد لتشكيل حكومة سورية جديدة، وذلك لتجنب اندلاع جولة جديدة من القتال، خاصة بين الجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية بسبب تعارض الأهداف.
كما يجب على الولايات المتحدة أن تفكر فيما قد يتطلبه رفع اسم هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وربط هذا الرفع باستيفاء الهيئة ودعمها للاعتبارات سالفة الذكر.
وواصلت المجلة أنه مع وجود حكومة شرعية سورية، يجب أيضا وضع خريطة طريق للتعامل مع معتقلي تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين في مرافق مؤقتة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، مع توفير الخدمات الاجتماعية والدعم لأولئك الذين ما زالوا يعيشون في مخيمات النازحين، والتعاطي مع الأماكن التي تمثل حاضنات لجيل جديد من المتطرفين العنيفين، الأمر الذي يتطلب توفير واشنطن دعم هائل لسوريا؛ وذلك لإنهاء دورة التطرف التي ابتليت بها العديد من المناطق النائية في سوريا.
وأخيرا، أكدت المجلة أن التردد الأمريكي بشأن سوريا أدى إلى تعزيز أجندات خصوم أمريكا وإطالة وجود الأسد نفسه وحكمه. والآن، وبعد التطورات الأخيرة والإطاحة بنظام الأسد، فقد حان الوقت لواشنطن، لإظهار القيادة، وتعزيز مصالحها العالمية والإقليمية، ودعم حرية ومستقبل الشعب السوري.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سوريا مجلس الأمن أبو محمد الجولاني أحمد الشرع المزيد الولایات المتحدة للولایات المتحدة هیئة تحریر الشام فورین بولیسی المتحدة أن المجلة أن فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا تستبعد الجماعات "المسلحة" من الحوار الوطني
قالت لجنة تشكلت للتحضير لمؤتمر وطني في سوريا، الخميس، إن الجماعات التي ترفض إلقاء السلاح والخضوع لسلطة وزارة الدفاع لن يكون لها أي دور في الحوار الوطني حول مستقبل سوريا.
ويثير البيان احتمال استبعاد قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، وتسيطر على أجزاء كبيرة من شمال وشرق سوريا، من المؤتمر الوطني، ما لم تتخل عن سلاحها، وفق مطالب حكومة دمشق الجديدة.
وبدأت اللجنة التحضيرية المؤلفة من سبعة أعضاء أعمالها، الخميس، لوضع الأساس للمؤتمر الوطني، الذي قال الرئيس المؤقت أحمد الشرع إنه سيصدر بياناً يشكل أساس إعلان دستوري.
وتريد الإدارة السورية الجديدة أن تصبح قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة جزءاً من القوات المسلحة الوطنية، لكنها رفضت اقتراحاً من قوات سوريا الديمقراطية بدمج الجماعة، التي يقودها الأكراد، في الجيش ككتلة عسكرية واحدة.
وقال حسن الدغيم، المتحدث باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، في مؤتمر صحافي في دمشق: "من لا يلقي السلاح، ويندمج ويسلم العهدة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية لن يكون له دور، لأن هذا الحوار هو حوار تبادل وجهات نظر، وليس استعراض قوى وعضلات، فهذه قضية أساسية".
وقال الشرع في مقابلة مع صحيفة إيكونوميست في 31 يناير (كانون الثاني) إن قوات سوريا الديمقراطية مستعدة لدمج قواتها في الدولة، لكن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق.
وقال الشرع، الذي قادت جماعته "هيئة تحرير الشام" الهجوم الذي أطاح ببشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، في وقت سابق من هذا الشهر، إن اللجنة التحضيرية ستعقد مشاورات في جميع أنحاء سوريا، ثم "توجيه الدعوة لمن نعتقد أنهم يمثلون الشعب السوري بشكل عام".
وتضم اللجنة إلى جانب الدغيم، الباحث في الشؤون الإسلامية، محمد مستت، المسؤول السابق في حكومة شمال غرب سوريا التابعة لهيئة تحرير الشام، ويوسف الهجر، رئيس المكتب السياسي السابق لهيئة تحرير الشام، ومصطفى الموسى، وهو ايضاً من حكومة شمال غرب سوريا التابعة لهيئة تحرير الشام.
وتضم اللجنة امرأتين هما هند قبوات، وهي مسيحية تنتمي إلى المعارضة للأسد، وعملت على تعزيز التسامح بين الأديان وتمكين المرأة، وهدى الأتاسي، المشاركة في تأسيس هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية.
وانتقد السياسي الكردي السوري البارز صالح مسلم اللجنة التحضيرية، وقال إنها لا تعكس التنوع العرقي والديني في سوريا.
وأضاف: "نرى أن اللجنة تشكلت من لون واحد وبتطعيم يلبي مطالب خارجية، ولا تراعي التنوع السوري من حيث الانتماء العرقي والعقائدي. مخاوفنا أن تتم دعوة الشخصيات والأطراف التي تتوافق مع رغبات التيارات السلفية ومقربة من أطراف متورطة في النزاع السوري بهدف تحقيق أطماعها، بدلاً من مصالح الشعب السوري".