لماذا قرر جنود الجيش السوري عدم القتال من أجل الأسد؟
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
كان المجند السوري فرحان الخولي (23 عاما) بحالة معنوية سيئة ويتقاضى راتبا شهريا زهيدا، في موقعه العسكري بمكان قاحل بالقرب من مدينة إدلب شمالي سوريا التي كانت حينها المدينة الوحيدة الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة.
وكان من المفترض أن يضم موقعه العسكري 9 جنود، لكن لم يكن هناك سوى 3، بعد أن رشى بعضهم الضباط القياديين للهروب من الخدمة، في حين أن أحد المتبقين اعتبر غير لائق ذهنيا لحمل السلاح، وفق ما نقلته عنه وكالة رويترز.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تلقى الخولي اتصالا هاتفيا من الضابط المسؤول عنه خلف خطوط القتال، ليخبره أن سنوات الهدوء انتهت وأن المقاتلين يتوجهون من إدلب نحوه، أمرا وحدته بالتمسك بموقعها والقتال.
لكن الخولي وضع هاتفه على وضع الطيران، وارتدى ملابس مدنية، وترك سلاحه فارا نحو منزله. وبينما كان عائدا إلى الجنوب، وجد مجموعات أخرى من الجنود تفر من مواقعها رغم أوامر بالقتال.
وتحدثت رويترز إلى عشرات المصادر بما في ذلك اثنان منشقان من الجيش السوري، و3 ضباط سوريين كبار، واثنان من قادة المجموعات العراقية الذين يعملون مع الجيش السوري، ومصدر أمني سوري، ومصدر مطلع على حزب الله اللبنانية، أحد الحلفاء العسكريين الرئيسيين للرئيس المخلوع بشار الأسد.
إعلانورسمت المصادر، إلى جانب وثائق استخباراتية عثرت عليها رويترز في مكتب عسكري مهجور في العاصمة، صورة مفصلة لكيفية تآكل جيش الأسد الذي كان يخشاه الجميع في السابق بسبب تدهور معنويات القوات، والاعتماد الشديد على الحلفاء الأجانب وخاصة فيما يتعلق بهيكل القيادة، والغضب المتزايد بين صفوف الجيش إزاء الفساد المستشري.
اعتماد على الحلفاءمنذ عام 2011، أصبحت قيادة قوات النظام السوري تعتمد على القوات الإيرانية الحليفة والقوات اللبنانية والعراقية لتوفير أفضل الوحدات القتالية في سوريا، بحسب جميع المصادر العليا.
ولكن الكثير من المستشارين العسكريين الإيرانيين غادروا بالأشهر الماضية بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على دمشق، وغادر الباقون الأسبوع الماضي، حسبما قال قادة المجموعات العراقية.
وقال مصدر مطلع إن مقاتلي حزب الله وقادته غادروا بالفعل في أكتوبر/تشرين الأول 2023 للتركيز على الحرب مع إسرائيل.
كما قال عقيد سوري ومصدران أمنيان سوريان ومصدر أمني لبناني مطلع إن مركز القيادة والسيطرة المركزي للجيش السوري لم يعد يعمل بشكل جيد بعد مغادرة الضباط الإيرانيين وحزب الله، وأن الجيش يفتقر إلى استراتيجية دفاعية.
لا خطط واضحةومع انطلاق الهجوم على حلب، لم تُمنح وحدات الجيش خطة واضحة ولكن طُلب منها أن تعمل على حل الأمر بنفسها أو التراجع إلى مدينة حمص لمحاولة إعادة التجمع، وفق ما قال مصدران أمنيان سوريان لرويترز.
وما إن سيطرت قوات المعارضة على حلب دون قتال كبير، استشرت حالة الصدمة بين صفوف الجيش السوري، فتبقى جيشا يفتقر إلى التماسك والنقص بالعدد.
وفي عام 2020، كان لدى الجيش 130 ألف عنصر، وفقا لتقرير التوازن العسكري الصادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية، ووصفه بأنه مستنزف بشدة بسبب الحرب الطويلة وتحول إلى منظمة غير منتظمة الهيكل على غرار الميليشيات تركز على الأمن الداخلي.
????????
⁉️- في حي المزة وسط دمشق .. تبديل من الزي العسكري إلى الملابس المدنية في الشارع. pic.twitter.com/RFpKmnB7Mb
— ⭐ Index Hakeem ????⭐ (@hakrashaa) December 7, 2024
إحباط من الأجورووصفت مصادر الجيش السوري الضباط والجنود على حد سواء بأنهم محبطون بسبب الأجور المنخفضة باستمرار حتى بعد الانتصارات العسكرية المؤلمة في وقت سابق من الحرب، في حين تزداد عائلة الأسد ثراء، في ظل إجبار الكثيرين على البقاء بالخدمة الإلزامية بعد انتهاء مدتها.
إعلانووفق وثيقة عثرت عليها رويترز، حذرت إدارة المخابرات الجوية السورية رجالها من "العقاب دون تساهل إذا لم يقاتلوا"، غير أن أعداد الجنود الفارين واصلت الارتفاع.
وشوهد الجنود من قبل سكان المدن السورية، وفي العديد من مقاطع الفيديو التي بدأت تنتشر على الإنترنت، وهم يتخلون عن مواقعهم، ويغيرون ملابسهم إلى ملابس مدنية في الشوارع.
تزايد الغضبوقال ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية إن الغضب كان يتراكم على مدار الأعوام الماضية نتيجة سوء الأحوال المعيشية إذ لم يكن راتب العسكري يتجاوز ما يقدر بـ40 دولارا، مضيفا أن هناك "استياء متزايدا ضد الأسد"، بما في ذلك بين أنصاره من العلويين.
وقال العقيد مخلوف مخلوف، الذي خدم في لواء الهندسة، إنه إذا اشتكى أي شخص من الفساد، فإنه كان يُستدعى للاستجواب في محكمة عسكرية، مؤكدا " كنا نعيش في مجتمع مخيف ونخشى أن نقول كلمة واحدة".
ونقلت رويترز عن قائد مجموعة قتالية عراقية قوله إنهم غالبا ما كانوا يدعون جنود الجيش السوري لتناول الطعام معهم من دافع الشفقة، لأن حصصهم الغذائية لم تكن تكفيهم.
وأفاد مستشار عسكري عراقي كان في سوريا بأنه "لقد خسرنا معركة سوريا من اليوم الأول"، نظرا لافتقار جنود الجيش السوري للرغبة بالقتال، واكتشاف القوات العراقية أن قنوات الاتصال انقطعت مع الإيرانيين.
الأسد تفاجئ
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كشف بعد سقوط بشار الأسد أنه في زيارته الأخيرة له وجد الرئيس المخلوع متفاجأ من سلوك جيشه.
مضيفا "كان من الواضح أنه لم يكن هناك تحليل مناسب للجيش السوري حتى في الحكومة السورية".
وكانت إيران أكدت بعد سقوط النظام السوري أن واجبها "لم يكن القتال مكان الجيش السوري"، بإشارة إلى اتهامها بعدم القتال من أجل بقاء الأسد، وانتقادا لعناصر الجيش الذين فروا.
وقبل 4 أيام من سقوطه، أصدر الأسد مرسوما يقضي بزيادة رواتب العسكريين بنسبة 50%، غير أن فرار الجنود تواصل.
إعلانونقلت وكالة رويترز عن جندي سابق في الخدمات اللوجستية بالجيش (28 عاما) قوله إنه "قاتل لسنوات من أجل الأسد ولديه أبناء عم بين فصائل المعارضة"، هاتفا "لا أعرف كيف أصف سعادتي حين علمت بتقدمهم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجیش السوری لم یکن
إقرأ أيضاً:
لماذا كانت إسرائيل جاهزة للحدث السوري؟
لماذا كانت إسرائيل جاهزة للحدث السوري؟
عثمان ميرغني
التغيير السريع في سوريا أربك المنطقة، وأثار العديد من التساؤلات، والكثير من القلق. فالأمور تبقى غير واضحة، والكل يبحث عن إجابات وتطمينات بشأن المسار الذي ستسير فيه سوريا خلال المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستجد صيغة توفيقية بين الفصائل التي تحاربت في الماضي، أو ستتوصل إلى معادلة للسير بأمان وسط التجاذبات والمطامع الخارجية المحيطة بها. فهناك إجماع على أن المرحلة المقبلة أصعب، لأن جراحات سوريا كثيرة ومشاكلها معقدة، والأصابع الخارجية موجودة وتضيف إلى تعقيدات المشهد.
كيفية إدارة الفراغ الذي حدث بعد الانهيار السريع لنظام الأسد، هي المحك الآن، وبالتالي فإن العالم سيراقب أفعال القادة الجدد، ولن يكتفي بالتصريحات والبيانات والوعود.
إسرائيل كانت جاهزة لاستغلال الوضع، مثلما وضح من خلال عملية التوغل السريع في المناطق الحدودية لوضع اليد على مناطق استراتيجية حساسة، والتدمير الممنهج للقدرات والبنية العسكرية السورية، فيما يشبه عملية نزع السلاح لخلق «منطقة دفاع معقمة»، على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس.
هذا الاستعداد الإسرائيلي لم يأتِ من فراغ، وهو إن جاء في سياق توظيف تداعيات عملية «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، التي استخدمتها حكومة بنيامين نتنياهو لتدمير غزة وقدرات «حماس» و«حزب الله»، وإضعاف محور إيران، فإنه كان في الواقع سابقاً لكل ذلك، وبسنوات عديدة.
في عام 1996 أصدر نتنياهو كتاباً باللغة الإنجليزية تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، أورد فيه ملامح من رؤيته الأمنية لمواجهة ما وصفه بآيديولوجيا الإرهاب، وسياسة الوقاية خير من العلاج، وكيفية التعامل مع الدول التي يراها داعمة للإرهاب. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث بشكل مباشر عن سياسة تغيير الأنظمة، فإنه أشار إلى ضرورة إضعاف وعزل تلك الدول، باستخدام العقوبات والعمل العسكري عند الضرورة. وركّز وقتها على 7 دول في المنطقة بشكل رئيسي؛ هي إيران وسوريا والعراق والسودان وليبيا واليمن ولبنان، الذي ركز فيه على «حزب الله». ومع دعوته للتعاون «بين الديمقراطيات» للضغط الحازم على هذه الدول وغيرها، وعزل الأنظمة لمنعها من الاستمرار في دعم الجماعات التي وصفها بالإرهابية، فإنه لم يستبعد أن يؤدي ذلك إلى زعزعتها في سبيل دفعها لتغيير سياساتها. وكان أكثر وضوحاً عندما أشار إلى أن تغيير سلوك بعض الدول التي ذكر منها إيران والعراق، لن يتحقق إلا من خلال تغيير طبيعة النظام، وهو ما فُهم على أنه إشارة مبطنة إلى تغيير الأنظمة المعنية.
نتنياهو بالتأكيد لم يكن الوحيد بين الساسة والمنظرين في إسرائيل الذين حددوا معالم لسياسات التدخل الاستباقية في الدول ضمن الاستراتيجية الوقائية. فقبل كتابه ذاك بسنوات، وتحديداً في عام 2008، كانت هناك محاضرة أثارت اهتمام المتابعين والمعنيين ألقاها آفي ديختر، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في ذلك الوقت، أمام معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، وتناول فيها «أبعاد الحركة الاستراتيجية الإسرائيلية المقبلة في البيئة الإقليمية» حسب العنوان الذي اختاره. وركز ديختر على 7 ساحات أيضاً هي الإيرانية والسورية والفلسطينية والعراقية واللبنانية والمصرية والسودانية، مقدماً رؤية إسرائيل الاستراتيجية لكيفية التعامل معها وفق سياسة طويلة النفس، والوسائل التي يمكن استخدامها.
وإذا كان مفهوماً في نظر الكثيرين اهتمام إسرائيل بمحيطها المباشر وبالدول التي تشعر بقلق إزائها، فإن ورود اسم السودان أثار التساؤلات، وهو ما شرحه ديختر في محاضرته بقوله إنه منذ خمسينات القرن العشرين كانت تقديرات إسرائيل أن هذا البلد بموارده الضخمة، ومساحته الشاسعة، وعدد سكانه، يمكن أن يصبح دولة قوية مضافة إلى قوى الإقليم، وبالتالي رأت أنه لا يمكن أن يُسمح له بذلك. ومن ذلك التقييم عمدت إسرائيل إلى التدخل في أزمتي السودان في الجنوب ثم في دارفور.
رؤية إسرائيل الاستراتيجية حددت الخيارات التي يمكن توظيفها في التعامل مع الدول المذكورة بدءاً من استخدام القوة، وإثارة الفتن الداخلية وخلق الفوضى، مروراً بالتواصل مع الجماعات العرقية والطائفية وقوى المعارضة المستعدة للتعاون مقابل دعمها في الوصول للسلطة، وانتهاء بإنشاء تحالفات مع بعض دول الجوار.
هكذا فإن إسرائيل تعمل دائماً للاستعداد بالخطط والاستراتيجيات الطويلة الأمد، ولا تجلس في انتظار أن تأتيها الفرص، بل تعمل لخلق الظروف التي تتيح لها تنفيذها، في حين أن منطقتنا مستغرقة في الحرائق المتنقلة التي لا تنطفئ بفعل فاعل خارجي، أو بأيادٍ داخلية. وبينما ننشغل نحن اليوم بتداعيات الحدث السوري المفاجئ، ونتخوف مما سيكون عليه اليوم التالي، وما إذا كانت سوريا ستسقط في فخ الفوضى والاضطرابات الداخلية لتلحق بركب دول أخرى في محيطنا، فإن إسرائيل تكون تخطط وتستعد للحدث الآخر المقبل.
نتحدث كثيراً عن الأمن القومي العربي، لكننا لا نملك استراتيجيات موحدة طويلة الأمد لدرء المخاطر، والتحسب للأزمات، ومعالجة الخلافات، والبحث عن مقومات التنمية المشتركة، بلغة المصالح… لا بروح العواطف المتقلبة.
* نقلاً عن الشرق الأوسط
الوسومآفي ديختر إسرائيل إيران الأمن القومي العربي الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو تل أبيب حزب الله حماس سوريا عثمان ميرغني نظام الأسد