هل يسقط النظام العراقي بعد سقوط النظام السوري
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
آخر تحديث: 14 دجنبر 2024 - 9:11 صبقلم: أدهم إبراهيم لطالما كان تاريخا العراق وسوريا متشابكان بعمق، ويتشكلان من خلال الصراعات المشتركة، والموروثات الاستعمارية، وتحديات الحكم، وتظهر فيهما التعقيدات المحلية والجيوسياسية، مما يشكل مصائر أنظمته.وفي العقود الأخيرة، شهد كلا البلدين اضطرابات داخلية هزت أسسهما.
ورغم أن العراق لم يشهد تقسيما واضحا كما في سوريا، إلا أن نظامه السياسي يتأرجح بشكل خطير على مقربة من مزالق مماثلة. إن أوجه التشابه بين البلدين لا يمكن إنكارها، ويجب على العراق أن يتعلم دروسا حاسمة من الانهيار المأساوي في سوريا لتجنب مصير مماثل. إن بعض القضايا السياسية والاقتصادية يمكن أن تزعزع استقرار الحكومات الاستبدادية، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى انهيارها . بدأ انزلاق سوريا إلى الفوضى مع احتجاجات الربيع العربي عام 2011، التي أشعلتها المطالبات بالإصلاح السياسي، ووضع حد للفساد، والمزيد من الحرية. وبدلاً من معالجة المظالم المشروعة، رد نظام بشار الأسد بالقمع. وأدى هذا النهج التعسفي إلى تفاقم الانقسامات، التي أدت إلى الحرب الأهلية. ثم تطور هذا الصراع إلى ساحة معركة بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، وتسبب في خلق أزمة إنسانية، وتفتيت الدولة، وظهور الجماعات المتطرفة. وكان عجز النظام السياسي السوري عن التكيف مع احتياجات الشعب واعتماده على الاستبداد من الأسباب الرئيسة للكارثة. على الزعماء السياسيين أن ينظروا إلى معاناة سوريا باعتبارها تحذيراً، وقد تكون العواقب مدمرة مثل تلك التي شاهدناها عبر الحدود وفي السياق العراقي نجد تحديات مماثلة حيث يواجه العراق، رغم أنه ليس في حالة حرب أهلية، العديد من نفس القضايا الأساسية التي ابتليت بها سوريا. فالفساد والحوكمة الضعيفة اللذين ابتلي بهما كلا البلدين قوضا ثقة الناس وأديا إلى خيبة الأمل على نطاق واسع.في سوريا، ركزت المحسوبية لنظام الأسد الثروة في أيدي نخبة صغيرة، في حين كافح العديد من المواطنين مع الفقر والبطالة. كما أعاق العراق، على الرغم من ثروته النفطية الهائلة، الفساد المستشري وسوء الحكم وسوء الإدارة. ووفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، يصنف العراق باستمرار من بين أكثر البلدان فسادًا على مستوى العالم، وتسبب ذلك في احتجاجات على سوء الخدمات العامة والفقر. إن التوترات الطائفية والعرقية التي اتسم بها النظام السياسي العراقي، الذي يعتمد بشكل كبير على المحاصصة الطائفية، جذرت الانقسامات بدلا من تعزيز الوحدة الوطنية.وكذلك في سوريا حيث اندلعت الحرب الأهلية بسبب القمع الطويل الأمد لفئات عديدة من المجتمع في ظل نظام بشار الأسد. وتعكس هذه الديناميكية التوترات العرقية والطائفية المستمرة في سوريا والعراق.إن التدخلات الخارجية جعلت من سوريا ساحة معركة للقوى الدولية والإقليمية، حيث تتنافس دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا على النفوذ، وبالمثل يعاني العراق من تدخل خارجي سافر. فالنفوذ الإيراني من خلال الميليشيات الولائية، والوجود العسكري الأميركي، والتجاوزات التركية على الحدود العراقية يخلق توازنًا غير مستقر للوضع الداخلي العراقي. وكثيرا ما تؤدي هذه التدخلات إلى تفاقم الانقسامات المحلية وتآكل السيادة الوطنية.على الرغم من أن العراق قد لا ينزلق إلى الفوضى التي اجتاحت سوريا، إلا أن البلاد ليست محصنة ضد عدم الاستقرار كما شهد العراق وسوريا موجات من السخط الشعبي والاحتجاجات تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي ووضع حد للفساد. في عام 2011 تحولت الاحتجاجات والمظاهرات في سوريا إلى حرب أهلية وحشية. وفي العراق، شهدت الاحتجاجات عام 2019 وما بعدها خروج الآلاف إلى الشوارع، مطالبين بإصلاح النظام السياسي ومحاربة الفساد. في حين قدمت الحكومة العراقية بعض التنازلات، مثل إقالة الوزارة وإجراء انتخابات جديدة، إلا أن المشاكل العميقة مازالت دون حل، مما زاد من استياء ونفور المواطنين .لم يكن سقوط سوريا حتميا. فقد كان نتاج نظام سياسي رفض الإصلاح، وأساء إدارة التنوع، واستخف بمطالب شعبه. ويخاطر العراق بالسير على نفس المسار إذا استمر في تجاهل الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار. وعلى الرغم من أن العراق قد لا ينزلق إلى الفوضى التي اجتاحت سوريا، إلا أن البلاد ليست محصنة ضد عدم الاستقرار.إن استمرار الفساد المنهجي وسوء الحكم والانقسامات الطائفية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات.يتوجب على النخب السياسية في العراق أن تفهم بأن المحاصصة الطائفية والفساد، وكبت الحريات وقمع الأصوات المعارضة وانفلات الميليشيات الولائية سوف لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة. وإذا أرادت تجنب مصير النظام السوري، فعليها التحرك عاجلا لإعادة بناء الثقة، وتعزيز القانون، وتنفيذ الإصلاح السياسي الشامل لبناء نموذج حكم مستقل عن التدخلات الخارجية، مع إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية .وعلى الزعماء السياسيين أن ينظروا إلى معاناة سوريا باعتبارها تحذيراً، وقد تكون العواقب مدمرة مثل تلك التي شاهدناها عبر الحدود.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
هكذا غيّر سقوط النظام السوري مستقبل الشرق الأوسط
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالا، لنائبة رئيس معهد السلام الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منى يعقوبيان، قالت فيه إنّ: "انهيار نظام بشار الأسد لا يقلب عقودا من حكم عائلة الأسد في سوريا فحسب، بل إنه يعد بإعادة تنظيم القوة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط".
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّه: "لا يزال الوضع على الأرض غير مؤكد إلى حد كبير، وخاصة فيما يتصل بتساؤلات حول ما إذا كان الثوار قادرين على إحكام سيطرتهم وكيف سيحكمون إذا فعلوا ذلك".
وتابع: "لكن مع ظهور واقع جديد في سوريا، فإن إعادة ترتيب ديناميكيات القوة الإقليمية بدأت بالفعل في التبلور، وهو ما يقلّل بشكل حاد من نفوذ إيران ويضع تركيا في موقف يسمح لها بالاضطلاع بدور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الأسد".
وأبرز أنه: "خلال الحرب الأهلية السورية التي دامت قرابة 14 عاما، لم يكن هناك أقل من ستة جيوش أجنبية منخرطة في الصراع، وهو ما يؤكّد على المخاطر الجيوستراتيجية الكبرى التي كانت على المحك".
مردفا: "من بين هذه القوى، تبرز إيران لاستثمارها غير المقيد في دعم الأسد؛ إذ أفادت التقارير أنها أنفقت مليارات الدولارات لدعم النظام وحشدت عشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات بالوكالة".
"بالنسبة لطهران، كانت سوريا هي الطليعة في استراتيجيتها الدفاعية المتقدمة، وحماية مصالحها في المنطقة من خلال إبراز قوتها ونفوذها. ويؤدي سقوط الأسد إلى تقويض هذا النفوذ، ما يحرم طهران من حليف عربي رئيسي ويقطع الجسر البري إلى وكيلها اللبناني، حزب الله" أوضح المقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".
وأشار إلى أنه: "من غير المرجح أن تتعافى إيران، التي اقتلعت من موقفها الاستراتيجي الذي دام عقودا من الزمان في سوريا، من هذه النكسة الكبيرة في المستقبل المنظور".
واسترسل: "على النقيض من ذلك، تستعد تركيا لرؤية نفوذها يتوسّع. إن علاقات أنقرة مع هيئة تحرير الشام -الجماعة المصنفة إرهابية- التي قادت الهجوم على النظام معقدة"، مبرزا: "لا تتعاون تركيا علنا مع هيئة تحرير الشام لكنها تحافظ على خطوط اتصال ونفوذ هادئة".
ووفق المقال ذاته، فإنه: "من المرجح أن تصبح البلاد قوة رئيسية لهيئة تحرير الشام. إن خروج الأسد من سوريا قد يكون بمثابة محور وجسر للتواصل مع المجتمع الدولي، نظرا للطبيعة المحظورة للمجموعة، الأمر الذي من شأنه أن يعمق نفوذها في سوريا، حيث تحتفظ بالفعل بمنطقة عازلة بحكم الأمر الواقع عبر جزء كبير من الشمال".
وأكد: "تقريبا أنها ستستخدم هذا الموقف الجديد لإبقاء القوة الكردية في سوريا تحت السيطرة، ومحاولة البدء في تسهيل عودة نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وهو مصدر للتوتر الداخلي المتزايد"، مردفا: "كما ستستفيد ممالك الخليج الغنية. إن سقوط الأسد، الذي ينحدر من الأقلية العلوية، يمثل استعادة القوة السنية في قلب الشرق الأوسط، وقد ينذر بأن تصبح سوريا حليفا خليجيا جديدا".
ومضى المقال بالقول إنّ: "لدى دول الخليج فرصة لاستخدام مواردها الكبيرة لتمويل إعادة إعمار سوريا والمساعدة في تشكيل مسار البلاد مع تعزيز رؤيتها للنمو الإقليمي والتكامل الاقتصادي. وعلى نحو مماثل، قد يفتح خروج الأسد الطريق لمعالجة التهديدات للأمن الإقليمي الناجمة عن التداعيات المزعزعة للاستقرار للصراع المتفاقم في سوريا، مثل الاتجار بالمخدرات والإرهاب وتهريب الأسلحة".
"من الممكن أيضا أن تسعى دول الخليج، التي تخشى التطرف الجهادي، لتهدئة العناصر الأكثر تطرفا داخل مجموعة هيئة تحرير الشام" تابع المقال، مضيفا أنه: "بالنسبة لإسرائيل، فإن الواقع الجديد في سوريا يشكل نعمة ونقمة في الوقت نفسه. ذلك أن تحييد التهديد الإيراني وحزب الله في سوريا ومنع قدرة إيران على إعادة تسليح حزب الله بسهولة في المستقبل يشكلان انتصارين مهمين بالنسبة لإسرائيل".
واستطرد: "لكن احتمالات اكتساب فرع سابق لتنظيم القاعدة للسلطة في دمشق مقلقة للغاية، على أقل تقدير، وسوف تسعى إسرائيل لحماية نفسها من امتداد هذه التهديدات إلى سوريا إذا ما خضعت لفترة من الفوضى المتزايدة".
وأبرز: "نظرا لإدراكها لهذه التهديدات المحتملة، قد بدأت إسرائيل بالفعل في اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز أمنها: فقد نشرت قواتها في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، وتواصل شن ضربات ضد أهداف استراتيجية في سوريا، بما في ذلك ضد مجمع أمني ومركز أبحاث حكومي في دمشق، يوم الأحد".
أما بخصوص لبنان، أبرز المقال أنه: "سوف يشكل مسار انتقال السلطة بعد الأسد لحظة حاسمة، إما أن يحقق للبنان فوزا يحتاج إليه بشدة أو أن يغرق البلد المضطرب في أزمة أعمق. وإذا سارت عملية الانتقال في سوريا بسلاسة إلى حد ما، فإن التأثير الإيجابي على لبنان قد يكون كبيرا. إن الهدوء النسبي في سوريا من شأنه أن يسمح لأكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان بالعودة، مما يوفر للبلاد المساحة التي تشتد الحاجة إليها للتعافي وإعادة البناء في أعقاب صراعها الذي دام عاما مع إسرائيل".
"في نهاية المطاف، مع بدء إعادة الإعمار في سوريا، قد تصبح حتى مصدرا للوظائف وتعزيزا للاقتصاد اللبناني الفاشل. من ناحية أخرى، إذا كانت الجماعات المتمردة غير قادرة على تعزيز السيطرة وانحدارها بدلا من ذلك إلى الاقتتال الداخلي، فقد يشهد لبنان تدفقات جديدة من اللاجئين من شأنها أن تثير أزمة أعمق وحتى اندلاع العنف المدني على نطاق واسع" وفق المقال نفسه.
وتابع: "نظرا للأهمية الاستراتيجية لسوريا، فإن انهيار النظام له آثار على ديناميكيات القوة العالمية. فيما يظل موقف روسيا بعد الأسد في سوريا غير واضح -خاصة ما إذا كانت ستحتفظ بالسيطرة على قواعدها الجوية والبحرية المهمة استراتيجيا- فقد وجه انهيار عميل روسيا السوري ضربة كبيرة للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط".
وأضاف: "ذات يوم وصف الاستراتيجيون الروس سوريا بأنها أول نجاح لروسيا بعد الاتحاد السوفييتي، إلا أن الهزيمة المدوية للأسد سوف تقوض بلا شك هيبة روسيا في الشرق الأوسط وخارجه"، مضيفا أنه: "بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سوريا ما بعد الأسد تشكل فرصا وتحديات محتملة".
وأكد: "سقوط دكتاتور كان مناقضا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وزوال النفوذ الإيراني والروسي يمثل فوزا كبيرا للولايات المتحدة. ولكن مع وجود فرع سابق لتنظيم القاعدة وجماعة مصنفة إرهابية في وضع يجعلها القوة الأساسية، فإن الولايات المتحدة ستواجه تحديات شائكة حول كيفية التعامل وضمان تجنب أسوأ النتائج".
وأردف: "سوف يكون ما إذا كانت هيئة تحرير الشام قد خفّفت من عدائها حقا، كما تدعي، أمرا محوريا لتحديد خيارات أميركا. وفي الوقت نفسه، يلوح في الأفق أيضا عودة محتملة لتنظيم داعش كتهديد كبير للأمن القومي الأميركي".
وختم المقال بالقول: "مع تراجع النشوة إزاء زوال الأسد أمام الواقع المعقد في سوريا، فإن التحديات المرتبطة بالمتنفذين الجدد في البلاد بدأت للتو في الظهور. وقد تؤدي الفراغات في السلطة والاقتتال الداخلي والتهديدات التي تتعرض لها العديد من الأقليات في سوريا إلى إثارة الفوضى والعنف المتجددين. ولكن سوريا قد تحوّل كابوسها إلى دولة ناشئة شاملة تعكس تنوع فسيفسائها من الطوائف الدينية والجماعات العرقية".
واستطرد: "في كلتا الحالتين، فإن سقوط الأسد وظهور سوريا الجديدة من شأنه أن يطلق العنان لديناميكيات القوة الجديدة في مختلف أنحاء المنطقة، ما يخلق رابحين وخاسرين سيحددون معالم النظام الناشئ في الشرق الأوسط".