بعد سقوط نظام الطاغية المخلوع بشار، تكون قد دقت ساعة العمل لتسجل لحظة فارقة يجري الانتقال فيها من (الثورة إلى الدولة) وهي الصفحة التالية في التغيير الأكثر أهمية وتعقيداً بل وخطورة على الثورة، ولابد أن المعارضة قد تأملت في هذه الصفحة وفكرت ودبرت.
تحديات متنوعة وكثيرة ستواجه الثورة منذ اليوم الأول وهي تمارس السلطة بحرية لكن يبقى التحدي الأبلغ في تصوري هو (أمن الثورة وتحصينها)، ولابد أن يحظى بالأولوية القصوى وقبل الانغماس في تفاصيل تحسين الخدمات أو إدارة الدولة.
وعند النظر بالتحدي الأمني، تبرز قضية الجيش والأجهزة الأمنية والبحث عن افضل الطرق في التعامل مع أفرادها ومنتسبيها، آخذين بنظر الاعتبار ان المؤسستين ما عادتا وطنيتين بل أصبحتا بمرور الوقت العمود الفقري لنظام قمعي فاسد ساهمتا في تكريس النظام البائد على مدى عقود من الزمن، وإذا كانت الضرورة تقتضي الشطب على الأجهزة الأمنية والمخابرات، وإعادة بنائها من القاع على أسس جديدة، فإن معالجة ملف الجيش يمكن أن تتم من خلال إعادة هيكلية المؤسسة العسكرية باستبعاد القيادات نزولا حتى مستوى الكتيبة أو الفوج باستثناء المتورطين منهم، ويجري التعويض عنها بالضباط المنشقين في الجيش الوطني السوري، مع ضرورة تأهيل بقية الضباط والمراتب بشكل تدريجي. في كل الأحوال يجب استبعاد نموذج بريمر سيئ الصيت والقاضي بحل الجيش وإعادة تشكيله كما حصل بعد غزو العراق 2003.
وهنا تجدر الإشارة إلى ظاهرة اختفاء أزلام المخلوع من مختلف القيادات ومنها الجيش والمخابرات والأمن بالطبع وبشكل مفاجئ وشامل، وهو ما يدعو للشك والقلق، لهذا لابد من فريق عمل يتابع هذا الملف بعناية تامة.
إلى جانب ذلك، يستدعي تحصين الثورة ضبط تصرفات وسلوك الأفراد الموالين الذين لابد أن اختيارهم جرى على أساس من الحس الأمني والانضباط الذاتي وحسن التصرف ودقة التنفيذ وسرعة التحرك، آخذين بنظر الاعتبار أن عيون العالم مفتوحة ترصد كل تجاوز أو خطأ وتلاحق وربما تضخم وتفضح بدون رحمة … ولكل طرف أغراضه وغاياته.
لكن الشعب الذي ابتلي بإدارة فاشلة فاسدة على مدى عقود من الزمن، فإن كلّ ما ينتظره بعد أن يكون قد تنفس نسائم الحرية لأول مرة بعد 54 سنة من الحرمان، تغيير ملموس في قطاع الخدمات ومستوى المعيشة، وهو التحدي الأكبر التالي الذي سيواجه الثورة، وحسناً فعلت أنها استدعت الموظفين وطلبت منهم العودة إلى وظائفهم كما استعجلت الأمر في تشكيل حكومة مؤقتة على مدى ثلاثة اشهر، وباشرت في معالجة الاختناقات الحادة ووجه القصور في خدمات الكهرباء والصحة، واعتقد جازما أن خزينا من خبرات التكنوقراط السوريين المغتربين سيجد حلولا مناسبة وعاجلة لتحسين الخدمات، كما أن من المتوقع ان يبادر العالم بتقديم يد العون والمساعدة، وكانت دولة قطر كالعادة سبّاقة في هذا المجال، حيث وجّه سمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بتسيير جسر جوي للمواد الإغاثية والصحية إلى سوريا على عجل، يترافق ذلك مع الموقف النبيل للدولة الذي انفرد دون العالم بالاعتراف بشرعية المعارضة والإبقاء على سفارتها وعلمها ذي الثلاثة نجوم ومنذ انطلاق الثورة 2011، يرفرف عاليا في سماء الدوحة.
الاعتناء بالماكينة الإعلامية ربما يشكل تحديا خطرا آخر، والأطراف المعادية ستنشط دون شك في شيطنة الثورة وتشويه مقاصدها وتضخيم أخطاء أفرادها حتى العفوية منها … ولابد من فريق مهني متخصص يتجهز لهذه المهمة مدعوما بخبراء بالحرب النفسية لتنوير الرأي العام بالحقائق وتحصينه من الشائعات والبروبغندا المسمومة.
من جهة أخرى، لابد أن تولي الثورة عناية خاصة بالدبلوماسية والعلاقات الخارجية وتنشّط جهاز الوزارة وتعمل عاجلاً على إعادة هيكلية السلك الدبلوماسي، من اجل أن تستعيد سوريا مكانتها اللائقة دوليا ويحظى النظام الجديد بتفهم ودعم وتأييد المجتمع الدولي.
التحديات لا شك كثيرة، ولابد من الانتباه ان العناصر التي يمكن ان تشكل تهديداً حقيقياً للثورة تتراوح بين: الطابور الخامس، الدولة العميقة، التدخل الخارجي، والإعلام المضاد …. وسوء التقدير.
نكتب ذلك وننصح به، إذ من المتوقع، ان النظام البائد وجميع المتضررين من الثورة والمتحفظين عليها، مهما تنوعت مشاربهم وغاياتهم بدأوا بالحرب على الثورة منذ 8 ديسمبر الماضي يوم تحرير سوريا، وسيحاولون جاهدين شيطنتها وإشغالها بحروب جانبية تمهيداً لإجهاضها.. لهذا لا مجال والحالة هذه للتراخي أو للعواطف، والحلول الوسط، وسوء التقدير.. والانشغال بقضايا فرعية بدل القضايا الأساسية على سلّم الأولويات، بل يقتضي الحال اليقظة والحذر، والحزم، وإبقاء الأصبع على الزناد وحتى إشعار آخر.. باختصار علينا أن نأخذ بالحكمة القائلة (لا قيمة لحق إن لم تحرسه أنياب وأظافر).
(الشرق القطرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المعارضة سوريا سوريا الأسد المعارضة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
خامنئي: غير منطقي أن ينهض جيش من إيران ليقاتل بدلا من الجيش في سوريا
شدد المرشد الإيراني علي خامنئي على أنه من غير الممكن أن ينهض جيش بلاده ليقاتل بدلا عن قوات النظام السوري المخلوع، وذلك بعد دخول المعارضة إلى العاصمة السورية دمشق وهروب بشار الأسد إلى روسيا.
وقال خامنئي في سلسلة تدوينات عبر حسابه على منصة "إكس"، مساء الخميس، إنه "ليس من المنطقي، ولا يقبله الرأي العام أيضا، بأن ينهض جيش من إيران ليقاتل بدلا من جيش سوريا".
وأضاف أن "القتال بعُهدة جيش ذاك البلد نفسه (سوريا)"، مشددا على أنه "ما كان بإمكان قواتنا أن تفعله وقد فعلته هو العمل الاستشاري"، على حد قوله.
وأشار المرشد الإيراني إلى أن "الحرب الرئيسية ينبغي أن يخوضها جيش ذاك البلد"، وتابع بالقول "يمكن لقوات التعبئة القادمة من أماكن أخرى أن تقاتل إلى جانب جيش ذاك البلد؛ ولكن إذا أبدى جيش ذاك البلد ضعفاً، فلن يكون بوسع هذا التعبوي فعل أيّ شيء؛ وهذا ما حدث للأسف في سوريا".
وتطرق خامنئي إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية بعد سقوط النظام، قائلا إن "الكيان الصهيوني قصف 300 موقع في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، احتل أراضي سورية".
ولفت إلى أن "أمريكا وأوروبا، اللتان تُظهران حساسية تجاه مثل هذه الأمور في دول أخرى، ويبالغون في ردود أفعالهم حتى على متر أو عشرة أمتار، لا يكتفيان بعدم الاعتراض هنا، بل يُقدمان المساعدة أيضا".
والأربعاء، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، إنه "لا ينبغي الشك في أن ما جرى في سوريا هو نتيجة مخطط مشترك بين أمريكا والكيان الصهيوني"، بحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية.
وأضاف خامنئي أن "إحدى الدول المجاورة لسوريا لعبت دورا واضحا في هذا المجال، ولا تزال تلعبه - وهذا أمر يراه الجميع"، في إشارة على ما يبدو إلى تركيا.
وفجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، دخلت فصائل المعارضة السورية العاصمة دمشق وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وقبلها في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدأت معارك بين قوات النظام السوري وفصائل معارضة، في الريف الغربي لمحافظة حلب، استطاعت الفصائل خلالها بسط سيطرتها على مدينة حلب ومحافظة إدلب، وفي الأيام التالية سيطرت على مدن حماة ودرعا والسويداء وحمص وأخيرا دمشق.
ليس من المنطقي، ولا يقبله الرأي العام أيضاً، بأن ينهض جيشٌ من #إيران ليُقاتل بدلاً من جيش #سوريا. لا، القتال بعُهدة جيش ذاك البلد نفسه. ما كان بإمكان قواتنا أن تفعله وقد فعلته هو العمل الاستشاري. — الإمام الخامنئي (@ar_khamenei) December 12, 2024