لم يكن سقوط النظام السوري بلا أسباب أو مقدمات. كانت أسباب عديدة تعتمل في داخله وتتراكم من دون أن يعيرها بشار الأسد أي اهتمام، أو يعمل على ضبطها أو يعمل لها حساباً، إما لسوء تقدير، وإما لثقة مفرطة بأنه يمسك بكل الخيوط، وإما لقصر نظر في معالجتها ما جعلها تصل إلى الحد الذي وصلت إليه، وفرضت عليه مغادرة البلاد.
لم يدرك يومها بشار الأسد أن عليه أن يبدأ نهجاً جديداً يقوم على تحقيق مطالب سياسية واجتماعية مشروعة قبل أن تستفحل الأوضاع وتتوسع رقعة سيطرة المجموعات المسلحة إلى حد أن اضطرت روسيا إلى التدخل عسكرياً عام 2015 لحماية النظام، ومن ثم تدخّل مجموعات مسلحة أخرى مثل حزب الله والحرس الثوري الإيراني لدعمه، إلى أن بسط النظام سلطته على معظم الجغرافيا السورية، باستثناء مناطق في الشرق والشمال.
اعتقد النظام أنه بات في مأمن، وأن الأوضاع يمكن معالجتها مع مرور الوقت، ثم دخلت أطراف إقليمية (روسيا وتركيا وإيران) على الخط في محاولة منها للتوصل إلى صيغة للتسوية السياسية الداخلية من خلال منصة أستانا، كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2254 بالإجماع، والذي يلزم دمشق بتسوية سياسية مع المعارضة وصولاً إلى مصالحة وطنية، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي جامع، وتعديل الدستور، بما يعنيه ذلك من وضع نهاية لنظام الحزب الواحد.
كل الجهود والمحاولات التي بذلت خلال السنوات القليلة الماضية بهذا الخصوص فشلت، حتى بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها في أعمال القمم العربية، حيث تم تشكيل لجنة عربية للعمل على تحقيق تسوية سياسية إلا أنها لم تنجح في مهمتها.
نصائح كثيرة من الحلفاء والأصدقاء قدمت للنظام كي يعيد تصويب البوصلة، ويقود مصالحة وطنية مع المعارضة، والمباشرة بإصلاحات سياسية، خصوصاً مع تشديد الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضت على سوريا، وباتت تشكل أزمة اجتماعية واقتصادية ومعيشية خانقة على السوريين، كما انعكست على القوات المسلحة المفترض أنها تقوم بحماية النظام.
ربما اعتقد النظام أنه في حال قيادة مشروع المصالحة مع المعارضة فإنه سوف يقدم تنازلات قد تفضي في نهاية المطاف إلى نهايته، أو ربما كان يشعر بأن المظلة الأمنية الروسية ودعم الحلفاء له يشكلان له مصدر حماية، وبالتالي فإنه ليس مضطراً إلى تقديم تنازلات.
لم يدرك بشار الأسد خلال الأشهر الأخيرة أن البيئة الإقليمية والدولية تغيرت، وأن أوهام القوة تلاشت، وأن المصالحة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي مهدت لها روسيا باتت ضرورية، وأن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع أنقرة على حلول للوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، وعلى وضع الجماعات المسلحة في الشمال. كما لم يدرك أن الحليف الروسي الذي يخوض حرباً في أوكرانيا ضد حلف الأطلسي لم يعد قادراً على دعمه كما كان الحال من قبل، وأن حزب الله والحرس الثوري الإيراني ليسا قادرين على دعمه كما كان في السابق، ولعل الخطأ الأكبر كان سوء التقدير تجاه القوات المسلحة السورية التي كانت تعاني سوء الأوضاع المعيشية وفقدان القيادة والسيطرة، ما جعلها تستنكف عن القتال لصد الهجوم الأخير للجماعات المسلحة التي استولت على السلطة.
الآن، المهم هو سوريا كوطن وشعب، بما يعنيه ذلك من وحدة ترابية، ووحدة وطنية، وسلم أهلي، واستقرار سياسي، ودرء مخاطر التقسيم في إطار حوار وطني صادق يقود إلى الدولة المدنية، وينتج سلطة ديمقراطية جامعة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الحرب في سوريا
إقرأ أيضاً:
نيابة الجرائم الاقتصادية تعلن قائمة بـ24 من قيادات «لجنة التفكيك»
أصدرت نيابة الجرائم الاقتصادية في السودان إعلانًا بالنشر بحق 24 من قيادات لجنة تفكيك التمكين، بينهم محمد الفكي سليمان ووجدي صالح وصلاح مناع. الإعلان يأتي في سياق اتهامات تواجهها اللجنة منذ تعليق عملها بعد انقلاب 2021.
التغيير: الخرطوم
أعلنت نيابة الجرائم الاقتصادية في السودان، الاثنين، قائمة تضم 24 شخصًا وصفتهم بـ”مجرمين هاربين”، وفقًا لإعلان صادر عن وكيل النيابة الأعلى.
وتشمل القائمة، التي حصلت “التغيير” على نسخة منها، عددًا من قيادات وأعضاء لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين، أبرزهم محمد الفكي سليمان، ووجدي صالح، وصلاح مناع، وطه عثمان إسحق، وآخرين.
ويأتي هذا الإعلان في ظل حملة قانونية تستهدف اللجنة وأعضاؤها من حكومة الأمر الواقع بالسودان، حيث تعرض العديد منهم لملاحقات قضائية مستمرة منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أعاد هيكلة السلطات في السودان وعلّق عمل اللجنة.
إعلان نيابة الجرائم الاقتصادية بحق قيادات لجنة تفكيك التمكين يعكس نمطًا مقلقًا لاستهداف القيادات المدنية في السودان، حيث يشير إلى توظيف القانون كأداة لتصفية الحسابات السياسية.
ومنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أعاد هيكلة السلطات، اتخذت الملاحقات القضائية ضد شخصيات مدنية بارزة طابعًا ممنهجًا.
تعزيز سيطرة النظامهذه الخطوة، إلى جانب الانتهاكات التي وثقت في مناطق النزاع، تُظهر تقاربًا بين الممارسات الأمنية والعسكرية وبين استخدام القضاء لتعزيز سيطرة النظام الحالي، مما يفاقم من أزمة العدالة ويدفع المدنيين والقيادات إلى دائرة الاستهداف المزدوج، قانونيًا وميدانيًا.
يُشار إلى أن قانون تفكيك نظام الإنقاذ، الذي أُقر في 28 نوفمبر 2019 بواسطة المجلس السيادي ومجلس الوزراء، كان يهدف إلى تفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير وإزالة تمكين حزب المؤتمر الوطني الذي حكم السودان لمدة 30 عامًا.
وأدى الصراع المستمر في السودان إلى انهيار كبير في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجهاز العدلي والقضائي، مما فاقم من حالة الإفلات من العقاب وغياب سيادة القانون.
ومع تصاعد النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، تعطل عمل المحاكم والنيابات في العديد من الولايات، مما أضعف إمكانية محاسبة المتورطين في الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد المدنيين.
هذا الفراغ القانوني أدى إلى تفاقم الفوضى وزيادة انتهاكات حقوق الإنسان، حيث بات الضحايا يواجهون صعوبة في تحقيق العدالة، في وقت أصبحت فيه المؤسسات العدلية غير قادرة على أداء دورها بسبب انعدام الأمن وغياب الإرادة السياسية لإصلاح النظام القضائي.
الوسومالنظام القضائي في السودان حرب الجيش والدعم السريع لجنة تفكيك نظام الــ 30 يونيو