موقع النيلين:
2025-05-02@14:12:15 GMT

حسابات روسيا تجاه سوريا

تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT

التطور الدراماتيكي المفاجئ في سوريا والذي انتهى بسقوط حكم عائلة الأسد الذي دام قرابة الستة عقود؛ يثير العشرات من الأسئلة الملغزة، من قبيل، هل ما حدث في سوريا كان مخططا له أم مفاجئا؟ من المستفيد الحقيقي من ذلك؟ هل تقف جهات خارجية وراء دعم الفصائل المسلحة؟ هل لإسرائيل يد في تحريك تلك الأحداث؟ وهل سوريا ذاهبة إلى سيناريو التقسيم؟….

إلخ.
لكن من بين جميع تلك الأسئلة، يعد سؤال لماذا تخلت روسيا بصورة سهلة ومفاجئة عن بشار الأسد؟ هو السؤال الأهم والأخطر-في تقديرنا- لأن هذا التخلي يشير أو يعكس الكثير من الحقائق حول تطورات الأحداث في سوريا ومستقبلها.

كانت روسيا في المقام الأول، وبدعم من إيران وحزب الله في المقام الثاني السبب الرئيسي لاستمرار نظام بشار الأسد طيلة عقد ونصف العقد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. والأهمية الحيوية للدعم الروسي لبشار كانت لا تكمن في قوتها النارية ضد قوات المعارضة ثم ضد داعش؛ بل في وزنها الدولي خاصة في مجلس الأمن لعرقلة أية مخططات غربية لإسقاط بشار أو مشروعات قوانين لتضيق الخناق عليه أو معاقبته.

ولأنه لا يوجد عشاء مجاني في السياسة الدولية، فروسيا بدعمها لبشار قد ضمنت قاعدة بحرية عسكرية لها على سواحل المتوسط في «طرطوس»، وأخرى جوية في «حميميم». وبذلك، قد تمكنت روسيا من تمديد نفوذها إلى البحر المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا في إطار سعيها لترسيخ مكانتها كقوى كبرى وتجميع أوراق الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا.

وعلى هذا الأساس، لم يكن أحد يتصور أن تتخلى موسكو بسهولة عن بشار الحليف المضمون، وتخاطر بهذا التخلي بتلك المصالح الاستراتيجية التي جنتها على مدار عقد ونصف العقد.

فور التقدم السهل والسريع للفصائل المسلحة في حلب دون رادع واضح من جانب موسكو؛ تباينت كبرى الصحف العالمية بخصوص موقف روسيا، وقد استقرت تقريبا على رأيين رئيسيين: مفاد الأول وجود صفقة بين روسيا والقوى الغربية (سوريا مقابل أوكرانيا). والثاني هو الإشارة إلى الخسائر أو الانتكاسة الكبرى لروسيا من فقدان حليفها الأسد، وهو ما يعكس تقهقر لقوة ونفوذ روسيا الدولي والإقليمي، وكسر هيبتها وسمعتها أيضا كقوى عظمى.

وحقيقة الأمر، أن تخلى روسيا السريع المفاجئ عن بشار يعكس في طياته إعادة تفكير روسي ممتزج بين الرأيين أو التحليلين؛ سيما وأن التطورات في سوريا وإعادة الحسابات الاستراتيجية لموسكو ليست بمعزل عن التطور الدراماتيكي الأهم وهو وصول ترامب للبيت الأبيض.

وفقا لتسريبات متعددة يعد الآن لصفقة بشان أوكرانيا تتمحور حول تعهدات لموسكو بعدم انضمام أوكرانيا للناتو، واعتراف بسيادة تامة لموسكو على القرم وأربعة أقاليم أوكرانية. ووفقا لتسريبات أخرى نحسبها موثوقة، قد جرت تفاهمات مع موسكو بشأن السماح لها ببقاء قواعدها في سوريا. وإذا صدقت هذه التسريبات فهي مؤشر خطير على سيناريو تقسيم قادم لسوريا.

في جميع الأحوال، أو بعيداً عن صفقة بشأن تمديد الحضور الروسي في سوريا؛ تعد أوكرانيا حاليا الأهم لروسيا إذا تم الوضع في الحسبان عدة معطيات رئيسية: الفرصة التاريخية لموسكو الممنوحة من ترامب عبر تلك الصفقة، والإنهاك العسكري والاقتصادي الرهيب الذي تئن منه روسيا جراء الحرب الأوكرانية، والضعف الشديد لقوات «فاجنر» بعد مقتل زعيمها والتي تعد ذراع روسية حاسمة لتعزيز حضورها ونفوذها في العالم.

الحرب الأوكرانية بلا أدنى شك أنهكت روسيا بصورة كبيرة، ويحسب للغرب بقيادة واشنطن نجاحه في إنهاك روسيا عبر الدعم المتواصل لأوكرانيا. وفى ضوء ذلك، يجب على موسكو حسم الأولويات القصوى للحفاظ على ما تبقى لها من نفوذ وهيبة. وبالتالي، فخسارة سوريا، أو تحديدا خسارة بعض المكتسبات الاستراتيجية من الدعم المطلق لبشار الأسد، أمر لا بد منه لإنهاء الحرب الأوكرانية والخروج بمكاسب استراتيجية والحفاظ على توازن القوى لروسيا أمام أوروبا. وفوق كل ذلك، حفاظ نظام بوتين على قوته وشرعيته التي كانت في طريقها للتداعي الحتمي بسبب طول الحرب الأوكرانية.

خلاصة القول، سوريا مقابل أوكرانيا هو التفسير الواقعي العقلاني المقبول لفهم الأسباب الرئيسية للتخلي السريع والمفاجئ عن بشار الأسد أحد أهم حلفاء روسيا الرئيسيين. وهذا في حد ذاته يعكس أن أوكرانيا هي الأولوية الرئيسية لموسكو، كما يعكس تراجعا في القوة والنفوذ الروسي جراء الحرب الأوكرانية.

والمشهد برمته يعكس بجلاء إعادة ترتيب لسوريا منطقه الرئيسي التخلص من جميع أدوات إيران وعلى رأسها الأسد والمستفيد الأول والأهم إسرائيل بلا أدنى شك.

د. فاتن الدوسري – الشرق القطرية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الحرب الأوکرانیة بشار الأسد فی سوریا عن بشار

إقرأ أيضاً:

لماذا تتردد واشنطن في رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط الأسد؟

 

وقال كبير مسؤولي مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية تيم ليندركينغ إن "هناك عقوبات فرضناها على سوريا وقيادتها، وهذه العقوبات لن ترفع بين عشية وضحاها، لن نتعجل كما فعلت بعض البلدان".

وفي حديثه لحلقة (2025/5/1) من برنامج "من واشنطن"، أضاف ليندركينغ "نرى لدى بعض شركائنا تعطشا لإعادة فتح السفارات ورفع الأعلام، لكننا ببساطة لم نصل بعد إلى تلك المرحلة، ونتبع نهجا حذرا في التعامل".

وعلى النقيض من الموقف الأميركي، أعلنت بريطانيا مؤخرا إزالة 12 كيانا سوريا إضافيا من قائمة العقوبات، شملت مؤسسات سيادية مهمة، مثل وزارتي الداخلية والدفاع، وعدة أجهزة أمنية واستخباراتية كانت تعتبر سيئة السمعة خلال حكم عائلة الأسد.

ولم يكن هذا الإجراء البريطاني الأول من نوعه، إذ سبقه إعلان في مارس/آذار الماضي برفع العقوبات عن 24 كيانا سوريا آخر، تمثل قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والتعامل المالي، وعلى رأسها المصرف المركزي السوري.

تباين مواقف

وبشأن هذا التباين في المواقف، أوضح مراسل الجزيرة في لندن محمد المدهون، أن وزراء الحكومة البريطانية عبروا بوضوح عن قناعتهم بأن استقرار سوريا يمثل مصلحة بريطانية مباشرة، وأن رفع الكيانات السورية من قائمة العقوبات يستهدف تحقيق هذا الاستقرار الإقليمي وتعزيز الأمن القومي البريطاني.

إعلان

وفي تحليلها للموقف الأميركي، كشفت مساعدة وزير الخارجية الأميركية السابقة لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، وجود انقسام حاد في الرؤى داخل الإدارة الحالية بشأن التعامل مع سوريا.

وأكدت ليف -في حديثها لـ"من واشنطن"- أن "لأميركا مصلحة في استقرار سوريا"، موضحة أن الخلاف داخل الإدارة الأميركية يدور بين تيارين:

التيار الأول يرى الرئيس أحمد الشرع "إرهابيا" جاء مع "مجموعة إرهابيين"، وأنه لم ولن يتغير. التيار الثاني يدعو إلى اختبار هذه الفرضية والانفتاح على التعامل مع الوضع الجديد.

رؤية الجالية السورية

بدوره، قدم رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأميركي، محمد غانم، رؤية من داخل الجالية السورية الأميركية، مشيرا إلى أن الحكومة السورية حققت تقدما ملموسا في تلبية الشروط الأميركية.

وأقر غانم بأن الجانب الأميركي لا يزال ينظر بريبة وشك كبيرين تجاه بعض الشخصيات في النظام الجديد، "لا بسبب سلوكه، لكن بسبب الماضي".

وكشف عن تطور إيجابي في المفاوضات، إذ أشار إلى أن المسؤولين الأميركيين الذي يتولون الملف السوري يدركون أهمية دمشق الإقليمية، وأن المقترح الحالي على طاولة المفاوضات يتمحور حول "تعليق للعقوبات لفترة طويلة" بدلا من النهج السابق القائم على "مقاربة الخطوة بخطوة".

وتصدر مطلب الكشف عن مصير مواطنين أميركيين اختفوا في سوريا قائمة الأولويات في الشروط الأميركية لرفع العقوبات، خصوصا الصحفي أوستن تايس الذي اختفى عام 2012 في أثناء تغطيته للأحداث هناك.

وفي هذا السياق، استضافت الحلقة ديبرا (والدة تايس) التي عبرت عن ثقتها "الكاملة والقوية" بإدارة الرئيس دونالد ترامب، مشيرة إلى أنها تعتقد أن الرئيس ترامب يشعر بأن إعادة أوستن إلى الوطن أمر مهم.

الصادق البديري1/5/2025

مقالات مشابهة

  • انفجار ضخم قرب مدينة السويداء جنوبي سوريا
  • عقد دولي لإدارة ميناء اللاذقية.. أول اتفاق استثماري في سوريا بعد سقوط الأسد
  • لماذا تتردد واشنطن في رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط الأسد؟
  • ترامب يوافق على لوم روسيا ببدء الحرب في أوكرانيا في أتفاق المعادن
  • وثائق تكشف الحلم الإيراني في سوريا: خططٌ سقطت مع رحيل الأسد
  • تحول في موقف ترامب تجاه روسيا.. ضغوط داخلية وخطط لعقوبات جديدة
  • الولايات المتحدة تتفق مع أوكرانيا على قضايا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية
  • تحقيق لـCNN: لماذا يقاتل صينيون لصالح روسيا في حرب أوكرانيا؟
  • روسيا: ننتظر رد أوكرانيا على الهدنة والمباحثات
  • كيف تفاعل السوريون مع نبش قبر حافظ الأسد؟