حياة الأسد الهارب.. رفاهية في المنفى وسخط على التواصل الاجتماعي ومستقبل جديد لسوريا
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
في أحد أرقى أحياء العاصمة الروسية موسكو، يعيش الرئيس السوري السابق بشار الأسد حياة مترفة، بعد فراره من سوريا في أعقاب انهيار نظامه وسقوط دمشق في أيدي قوات المعارضة. رُصد الأسد في شقة فاخرة، واحدة من 20 شقة يمتلكها في روسيا، وفقًا لتقارير إعلامية دولية. ويُقال إن الشقة تقع في حي يقطنه كبار رجال الدولة السابقون ورجال الأعمال الأثرياء، مما يعكس رفاهية لافتة تتناقض مع مآسي وطنه الذي دُمر بفعل الحرب الأهلية الطويلة.
A post shared by ماركت سوريا ???? Market Syria (@market.syriaa)
مظاهر الرفاهية: منفى بطعم القصورتتحدث تقارير عن أن الأسد يعيش في شقة مجهزة بأفخم وسائل الراحة، تتضمن طاقمًا خاصًا لخدمته وحراسة مشددة توفرها السلطات الروسية. هذه الحياة التي اختارها الرئيس السابق تأتي بعد خروجه من دمشق في ظل تقدم المعارضة المسلحة التي استطاعت، بدعم من فصائل محلية ودولية، السيطرة على العاصمة السورية. ومع سقوط النظام، أُعلنت نهاية حقبة دامت أكثر من خمسة عقود لحكم عائلة الأسد.
بشار وقرينته ردود فعل ساخطة: "حتى القمر لن يكون ملاذًا"على وسائل التواصل الاجتماعي، اشتعلت موجة من الانتقادات الساخرة والغاضبة حول حياة الأسد الجديدة في المنفى. تداول النشطاء منشورات تُعلق بتهكم: "حتى لو عاش على القمر، سيبقى مجرد لاجئ هارب، ديكتاتور مخلوع"، بينما كتب آخرون: "المحاكم الدولية في انتظارك، أيها المجرم الكيماوي. أين ستفر من تهم القتل والتعذيب والتهجير القسري لملايين السوريين؟"
الانتقادات التي وجهها الشعب السوري والناشطون لم تكن خالية من الحقائق القاسية؛ فالأسد يواجه اتهامات باستخدام الأسلحة الكيماوية، وارتكاب جرائم حرب شملت قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة، إضافة إلى إدارة سجون وُصفت بأنها "مسالخ بشرية".
يوم استثنائي في دمشق: "جمعة النصر"في غضون ذلك، شهدت دمشق يومًا غير مسبوق، وُصف بأنه استثنائي في تاريخ البلاد، حيث احتشدت جموع غفيرة في ساحة الأمويين للاحتفال بسقوط النظام. جاء هذا الاحتفال بالتزامن مع مظاهر فرح عمت مختلف المناطق والمحافظات السورية.
يوم استثنائي في دمشقووفقًا لتقارير إخبارية، تجمع السوريون بعد أداء صلاة الجمعة التي أطلق عليها اسم "جمعة النصر"، بدعوة من أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام. توحدت خطب المساجد في تلك الجمعة حول أهمية بناء سوريا الجديدة، ودعت إلى نبذ الانقسام والعمل من أجل وحدة وطنية.
فرحة وأمل.. وداعًا لحقبة الظلمكانت ساحة الأمويين مركزًا للمشاهد الرمزية التي عبرت عن الانتصار. الهتافات التي صدحت في الساحة حملت رسائل تؤكد على السيادة الوطنية ووحدة الشعب السوري. كما شارك رئيس الحكومة الانتقالية، محمد البشير، في صلاة الجمعة بالمسجد الأموي، حيث ألقى خطبة دعت إلى التكاتف لبناء مستقبل مشرق لسوريا بعد عقود من القمع والفساد.
وفي الوقت نفسه، عمت الأجواء الاحتفالية مدنًا أخرى مثل إدلب وحلب، حيث رفع المواطنون الأعلام ورددوا شعارات الحرية والكرامة. مشهد الاحتفالات في الداخل السوري كان مختلفًا تمامًا عن حياة الترف التي يعيشها الأسد في موسكو، ما زاد من سخط الشعب السوري وجعل من سقوط النظام لحظة فارقة في تاريخ البلاد.
المرحلة المقبلة.. إعادة بناء الوطنمع سقوط النظام وبدء الحكومة الانتقالية في ترتيب الأوضاع داخل البلاد، تركز النقاش على إعادة الإعمار وتجاوز مخلفات الحرب. ومع أن السوريين يحتفلون بنهاية نظام الأسد، فإنهم يواجهون تحديات كبيرة في بناء وطن مدمر وإعادة ملايين اللاجئين إلى ديارهم.
من جهة أخرى، تلوح في الأفق احتمالية محاسبة الأسد أمام المحاكم الدولية، حيث تُطالب منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بمحاكمته على الجرائم المرتكبة خلال سنوات حكمه.
مفارقة السقوط واللجوءبين حياة الرفاهية التي اختارها الأسد في المنفى وغضب السوريين في الداخل، يبقى سقوطه لحظة فاصلة تضع نهاية لواحدة من أكثر فترات الحكم قمعًا في تاريخ سوريا. وعلى الرغم من مظاهر الترف في منفاه، فإن الأسد سيظل في أعين كثيرين رمزًا للديكتاتورية والهروب من العدالة. في المقابل، يعيش السوريون أملًا جديدًا في وطن حر، يتطلعون فيه إلى إعادة بناء دولتهم واستعادة مكانتها.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: بشار الأسد سقوط النظام المعارضة السورية الحرب الأهلية موسكو المنفى الشقق الفاخرة حي النخبة ردود فعل وسائل التواصل الاجتماعي المحاكم الدولية جرائم الحرب الأسلحة الكيماوية البراميل المتفجرة التهجير القسري ساحة الأمويين جمعة النصر الحكومة الانتقالية وحدة الشعب إعادة الإعمار المستقبل السوري اللاجئون السوريون محاسبة الأسد الثورة السورية حرية سوريا
إقرأ أيضاً:
مطار دمشق كما لم تعرفه من قبل
دمشق- أول ما يلفت انتباه القادمين إلى مطار دمشق هو غياب صورة حافظ الأسد -أو "القائد الخالد" كما يحلو لمؤيديه تسميته- التي ظلّت لعقود أول ما يستقبل المسافرين. واختفت أيضا صور ابنه، الرئيس المخلوع بشار الأسد، وحلّ محلها علم الثورة السورية الذي أصبح العلم المعتمد للدولة، في مشهد يختصر فصلا جديدا في تاريخ سوريا.
تحولات عند نقطة الجوازاتنقطة الجوازات، التي كانت يوما محاطة بهالة من التوتر والخوف، لم تعد كذلك. ففي الماضي، كانت هذه البوابة كابوسا لبعض المسافرين، حيث لا يخلو الأمر من تمتمات بأدعية وآيات قرآنية تُردَّد بصوت خافت، وكأنها تعويذات للمرور بسلام. لطالما كنت تسمع مسافرين يتمتمون الآية القرآنية الكريمة "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" بصوت خافت.
كان مجرد وجود قريب مطلوب للأمن سببا لاستدعاء المسافر للتحقيق حول قريبه "المتواري عن الأنظار"، ناهيك عن التقارير الكيدية التي قد يكتبها "مواطنون صالحون" في حق المغتربين، فتجعلهم يتلقّون استدعاء إلى فروع المخابرات قبل أن يغادروا صالة الوصول.
أما الفارون من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، فلا يغامرون بالسفر إلى سوريا أصلا، حتى لا يتم القبض عن "المتخلفين عن السوق"، وتسليمهم إلى شُعب تجنيدهم التي تقوم بدورها بفرزهم إلى نقاط الخدمة. الخدمة هنا تعني تحولهم إلى "عبيد" لضباط الأسد في أفضل الأحوال، لكنها قد تعني توجيه بنادقهم صوب مواطنيهم في معظم الأحيان.
إعلانأما اليوم، فقد تبدد كل ذلك القلق. فلم يعد أحد يتمتم عند ضابط الجوازات، ولم تعد عبارات "شو جايبلنا معك يا حبيب؟" تُسمع. حلّ مكانها ترحيب رسمي بسيط ومباشر "أهلا وسهلا أستاذ.. تفضّل".
اختفى أيضا مكتب "المحفوظات" -الأرشيف- ذاك المكتب الذي كان بمثابة البوابة الخلفية للمخابرات، حيث يستلم جواز سفرك من ضابط الجوازات، ليعيده إليك مرفقا بـ"ما تيسر" من استدعاءات أمنية.
في زمن الأسد، لم تكن هذه الاستدعاءات مجرد أوراق رسمية، بل كانت إشارات إنذار، فقد تعني تحقيقا شاقا، أو منعا من السفر، أو حتى الاعتقال دون سابق إنذار.
وقد يتساءل غير السوريين: ماذا لو تجاهل المسافر هذه الاستدعاءات وقرر العودة من حيث أتى؟ الجواب بسيط ومخيف: لا يمكنه ذلك. فكل فرع أمني يستدعيك، لا بد أن يمنحك إذنا بالمغادرة، وإن لم تحصل على الموافقات كافة، فأنت ببساطة ممنوع من مغادرة ما أصبح يُعرف بـ"السجن الكبير".
راحة نفسية رغم التأخيربعد تجاوز نقطة الجوازات، يصل المسافرون إلى منطقة استلام الأمتعة. ولم تعد هناك نظرات التوجس أو الاستعجال للخروج من المطار كما كان الحال في السابق. روح جديدة من الراحة والمرح تملأ المكان، فالناس يضحكون ويتبادلون النكات حتى عندما تتأخر الأمتعة. الجميع يبدو متفهّما للوضع، فالبنية التحتية التي تركها النظام السابق منهارة تماما وبالكاد تعمل.
في الماضي، كان قسم الجمارك بمثابة "نقطة التحصيل غير الرسمية" الأولى في البلاد بالنسبة للكثير من ضباط النظام الفاسدين، وذلك على عكس الجوازات التي لم تكن تقبل الرشى، لأن المسائل الأمنية "ما معها مزح".
فتح الحقائب، والنبش في محتوياتها، ومصادرة السلع بحجة "مخالفة الأنظمة"، كل ذلك كان مشهدا مألوفا. وكانت العطور والسجائر على رأس قائمة "الغنائم،" حيث إذا كان بحوزة المسافر عدة علب عطر، يُصادر إحداها ضابط الجمارك بحجة "حاجتك هدول، بيكفّوك"، بينما كان بعض المسافرين من غير المدخنين، يشترون "كروزات الدخان" ويحشرونها بين أمتعتهم، ليقدموها طوعا كإكرامية لضمان المرور السلس.
إعلانأما الأجهزة الكهربائية، من تلفزيونات ومكانس كهربائية وغيرها من السلع الأجنبية غير المتوفرة في سوريا، فكانت الصيد الثمين "لك هي بدّا جمارك!". عبارة مفتاحية تفتح أمامك خيارين، إما أن تدفع قيمة الجمارك بالعملة الصعبة لخزينة الدولة، أو أن تخضع لتسعيرة "جمارك جيب الضابط" الذي سيتغاضى عن الأجهزة مقابل رشوة.
وحتى لو اخترت الخيار الأول، سيستوقفك الضابط لينصحك بكل براءة بأن تدفع الرشوة له بدلا من أن تذهب أمواله لـ"جيب الدولة.. لك عندي أرخصلك!".
كل ذلك انتهى اليوم، ولم يعد مطلوبا سوى تمرير الحقائب عبر جهاز التفتيش كما هو الحال في باقي مطارات العالم.
عند الخروج من مبنى المطار، تستقبل "العراضة الشامية" بعض القادمين، حيث يلجأ أقاربهم للاحتفال بقدومهم بعد غياب قسري دام عقودا في بعض الحالات، حتى إن كان منهم من وُلدوا في الغربة ولم يروا سوريا من قبل.
أما مبنى المطار من الخارج، فقد تغيّر كثيرا، إذ اختفت كل اللافتات التي كانت تمجّد الأسد الأب (حافظ) والابن (بشار) والأخ (باسل الأسد)، وحلّ محلها علم الثورة الجديد.
الطريق إلى دمشق.. ندوب الحرب لم تندمل بعدعلى الرغم من المظاهر التي توحي ببداية جديدة، فإن آثار الحرب ما زالت حاضرة في بعض الأماكن. ففي الطريق من مطار دمشق إلى العاصمة، ستجد ندوب الحرب على جدران مناطق مثل عقربا وبيت سحم، وستلحظ البنايات التي أصابها الدمار وقد هجرها سكانها منذ سنوات.
دمشق، التي أنهكتها قبضة النظام الأمنية ودمرت بعض أحيائها ومعظم ريفها، عادت لتنبض بالحياة من جديد بعد أن طُويت صفحة نظام البعث وعائلة الأسد، وبدأت تظهر ملامح دولة جديدة يقودها "أناس مننا وفينا ويشبهوننا"، كما قال سائق التاكسي الذي أقلني من المطار إلى العاصمة السورية.
إعلان