تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

محو التاريخ وتدمير الأثر والبشر أهداف التنظيم الإرهابى

تنظيم داعش الإرهابى ينسف المدرج الرومانى بالمتفجرات ويهدم معبد "بعل شمين" ويسطو على القطع الأثرية

 

وسط تطورات الأحداث فى سوريا؛ وهيمنة فصائل المعارضة والتنظيمات المسلحة؛ وتسليط الأضواء على التفاعلات العسكرية والسياسية والأطراف الدولية المتداخلة؛ تعانى الأراضى السورية من فقدان آثارها وكنوزها ونهب تراثها الحضاري؛ وهذا النهب لم يقتصر على أحداث اليوم بل سبقه سلسلة طويلة من السرقات والسطو من قبل تنظيم داعش الإرهابي؛ فلم تغير 13 سنة من الحرب وجه سوريا عبر تدمير حاضرها وتهديد مستقبل شعبها فحسب، بل أتت على معالم أثرية عريقة وقضت على تراث رمزى ثمين من دون رجعة.

فليس البشر وحدهم من دفع ثمن الحرب السورية، بل امتدت آثار العنف والفوضى إلى "التاريخ" نفسه، حيث تعرضت العديد من الآثار والمعالم التاريخية العريقة فى سوريا للنهب والسرقة.

إرث ثقافى

فى سوريا، تركت حضارات عديدة، بدءًا من الكنعانيين وصولًا إلى الأمويين، ومرورًا باليونانيين والرومان والبيزنطيين، إرثًا ثقافيًا غنيًّا يشهد على عراقتها. كانت البلاد تفخر بمواقعها الأثرية فى تدمر وحلب وإدلب ودرعا ودمشق والرقة وغيرها.ورغم الحرب التى اندلعت فى مارس  ٢٠١١، أسفر عن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية فى القرن الماضي، إلا أن الدمار الذى طال التراث الثقافى السورى يمثل كارثة لا تقل فداحة، تاركًا جرحًا عميقًا فى ذاكرة الأجيال. ففى غضون سنوات قليلة، تحولت المدن العريقة إلى ساحات قتال، وتحولت الأسواق الأثرية إلى أنقاض. كما تعرضت القطع الأثرية للنهب من مواقع تاريخية ومن متاحف كانت تحتضن بين جدرانها حكايات الماضي.

إخلاء المتاحف

تُعد سوريا موطنًا لعدد كبير من المواقع الأثرية التى تمثل حضارات متعاقبة امتدت على مدار أكثر من خمسة آلاف عام. وقبل اندلاع الحرب، أنشأت الحكومة السورية ٢٥ متحفًا ثقافيًا فى مختلف أنحاء البلاد بهدف تعزيز السياحة وحماية الكنوز التاريخية.

وفى ظل تصاعد المخاطر خلال النزاع، أبلغت الحكومة منظمة اليونسكو أنها أخلت محتويات ٢٤ متحفًا، تضم عشرات الآلاف من القطع الأثرية، ونقلتها إلى مخازن خاصة فى مواقع آمنة.

وأدرجت منظمة اليونسكو ستة مواقع أثرية سورية على قائمة التراث العالمي، منها أحياء دمشق القديمة، وحلب القديمة، التى تُعتبر أقدم مستوطنة بشرية قائمة حتى اليوم وواحدة من أبرز المراكز الدينية فى العالم القديم، إضافة إلى قلعة المضيق، وقلعة الحصن، ومدينة بصرى القديمة، ومدينة تدمر.

كما تشمل القائمة القرى الأثرية فى شمال وشمال غربى سوريا، الواقعة ضمن الهضبة الكلسية، والتى تحتوى على مئات الأديرة والكنائس التاريخية.

تدمير الآثار 

أفاد معهد الأمم المتحدة للتدريب والأبحاث بأن صور الأقمار الصناعية كشفت عن تضرر ٢٩٠ موقعًا تراثيًا فى سوريا، يعود تاريخها إلى بدايات الحضارة. وخلص معهد الأمم المتحدة من خلال صور الأقمار الصناعية المتاحة تجاريا إلى أن هناك ٢٤ موقعا دمرت تماما، و١٨٩ موقعا تضررت بشدة أو بدرجة متوسطة، و٧٧ موقعا ربما تكون تضررت. ومن المدن الأثرية التى شهدت تدمير فى آثارها كانت “ تدمر”: ومدينة تدمر، المعروفة بـ"لؤلؤة الصحراء" أو "عروس البادية"، تحمل تاريخًا يمتد لأكثر من ٢٠٠٠ عام، وهى مدرجة على قائمة التراث العالمى الإنسانى لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

الدمار في مدينة تدمر الأثرية

وفى عام ١٢٩ ميلادي، منحها الإمبراطور الرومانى أدريان وضع "المدينة الحرة"، وعرفت حينها باسم "أدريانا بالميرا". بلغت المدينة ذروة مجدها فى القرن الثانى الميلادي، وازدهرت بشكل خاص فى القرن الثالث تحت حكم الملكة زنوبيا، التى تحدت الإمبراطورية الرومانية.

جرائم داعش 

لم تسلم المدينة من بطش تنظيم "داعش"، الذى ألحق بها دمارًا واسعًا. قام الإرهابيون بتدمير تمثال أسد أثينا الشهير، ومعبدى بعل شمين وبل باستخدام المتفجرات، كما دمّروا عددًا من المدافن البرجية، وحولوا قوس النصر الأثرى إلى أنقاض.

أسد أثينا

ولم تقتصر جرائم التنظيم على تدمير الآثار، بل استخدموا المسرح الرومانى لتنفيذ إعدامات جماعية، وعمدوا إلى بث صور هذه الجرائم عبر وسائلهم الدعائية.

المسرح الرومانى

وفى عمل وحشى آخر، أقدموا على إعدام خالد الأسعد، مدير الآثار السابق لتدمر والبالغ من العمر ٨٢ عامًا، بعد أن عذبوه بوحشية سعيًا لمعرفة أماكن القطع الأثرية التى تم تهريبها وإنقاذها. قطعوا رأسه وعلقوا جثمانه على عمود فى ساحة المدينة، فى مشهد أثار استياء العالم أجمع.

تواريخ وأحداث

فى ١٤ مايو ٢٠١٥، اندلعت اشتباكات بين تنظيم الدولة وقوات النظام السورى قرب مدينة تدمر الأثرية، التى تمتد أطلالها على أكثر من عشرة كيلومترات مربعة شرقى سوريا.

أعربت اليونسكو عن قلقها على آثار المدينة، التى تضم كنوزًا تاريخية مثل معابد بعل وبعلشمين ونبو واللات، وقوس النصر، والحمامات، ومجلس الشيوخ.

فى ٢٨ مايو ٢٠١٥؛ نشر تنظيم الدولة تقريرا مصورا على الإنترنت بعنوان "مدينة تدْمر الأثرية" يحتوى صورا قال إنها التقطت فى هذه المدينة، وبدت فيها الآثار التى ضمت المدرج المسرحى ومدخله وأعمدة وأقواسا أثرية سليمة بعد انتزاع مقاتليه السيطرة على المدينة من القوات الحكومية.

وفى ٢٤ يونيو ٢٠١٥ فجر تنظيم الدولة ضريحين أثريين إسلاميين فى تدمر، وينشر صور التفجير.

٢٣ أغسطس ٢٠١٥: التنظيم يدمر معبد "بعل شمين" قرب المدرج الرومانى بزرع متفجرات.

وفى ٢٥ أغسطس ٢٠١٥ نشر التنظيم صور تدمير المعبد، واليونسكو وصفت ذلك بـ"جريمة حرب".

وفى ٣٠ أغسطس ٢٠١٥ دمر تنظيم الدولة "معبد بل" الواقع فى مدينة تدمر، والذى يعود للعصر الرومانى ويعد أحد الكنوز الأثرية العالمية.

وفى ٥ أكتوبر ٢٠١٥ أكدت مصادر متخصصة فى الآثار السورية أن تنظيم الدولة الإسلامية فجّر "أقواس النصر" الأثرية فى مدينة تدمر، التى تُعد من أبرز معالمها التاريخية، مع الإبقاء على أعمدتها. وأشارت المصادر إلى أن سبب التفجير قد يعود إلى وجود رموز ونقوش على هذه الأقواس.

محاولات الإنقاذ

يتذكر  خليل حريرى مدير متحف تدمر العريق معاناته وفريقه لإنقاذ القطع الأثرية قبل استيلاء تنظيم "داعش" على المدينة فى ٢٠١٥.
ويروى حريرى فى تصريحات صحفية له  كيف خاطر بحياته لنقل آثار إلى أماكن آمنة، تاركًا عائلته وراءه، ويصف يوم عودته بعد سيطرة الجيش السورى بأنه "الأصعب فى حياته" حين شاهد الآثار محطمة والمتحف مخربًا.
ويشير إلى أن "وجوه التماثيل دُمرت بالكامل"، موضحًا أن بعضها يمكن ترميمه، لكن أخرى تعرضت للتفتت الكامل.التدمير الذى طال تدمر يمثل إحدى أكبر الخسائر للتراث السوري، فى نزاع لم يترك منطقة إلا وامتد إليها.


ووصف المؤرخ جاستين ماروزي، فى تصريح له، ما حدث بأنه "كارثة ثقافية"، مشبهًا الدمار بعصر المغول حين تسبب جنكيز خان وتيمورلنك بمجازر مشابهة.
وأشار ماروزي، مؤلف كتاب "الإمبراطوريات الإسلامية: ١٥ مدينة تعرف الحضارة" إلى أن بتيمور أو تيمورلنك الذى تسبب بجحيم هنا عام ١٤٠٠."عندما يتعلق الأمر بسوريا والشرق الأوسط على وجه الخصوص، لا يسعنى إلا التفكير على الفور بتيمور، أو تيمورلنك الذى تسبب بجحيم هنا عام ١٤٠٠".

وعن الفاتح المغولى إلى مصير حلب، المدينة التى كانت تعد العاصمة الاقتصادية قبل النزاع، وتضم إحدى أفضل المدن القديمة المصنفة جزءًا من التراث العالمي. وإذا كان تيمورلنك أمر بذبح الآلاف من سكان حلب لدى غزوها قبل ستة قرون، إلا أن الدمار الذى حل بها خلال العقد الأخير لم يكن صنيعة غزاة خارجيين.

حلب  الشهباء

هى العاصمة الاقتصادية لسوريا وتقول اليونسكو إن عمرها يتجاوز ١٢٢٠٠ عام، أى أنها أقدم من مدينتى دمشق أنطاكية.

وتعرف المدينة بأسوارها وأبوابها وقلاعها العظيمة، وعند الحديث عن "حلب القديمة"، لا بد من الحديث عن أبوابها، وأبرزها باب الحديد وباب أنطاكية وباب النصر وباب قنسرين وباب النيرب وباب الأربعين، بالإضافة لأبواب أخرى اندثرت مثل باب الأحمر والجنان، الذى كان مركزا لتحويل النقود وشحن البضائع، وباب دار العدل والسعادة والسلامة والصغير والعراق والفراديس والفرج والمقام. وفيها الجامع الأموى الكبير والخانات ومدرسة فردوس، وقلعة حلب.

المسجد الأموى الكبير

شهدت باحات المسجد الأموى الكبير، معارك شديدة بين القوات النظامية السورية والمعارضة المسلحة، وأسفرت تلك الاشتباكات عن دمار هائل فى معالم المسجد الأثرى.

وأظهرت صور نشرتها وكالات الأنباء العالمية بقايا مئذنة المسجد، التى كانت شامخة منذ بنائها عام ١٠٩٠م، متناثرة فى ساحته التى كانت تزدان بجمالها، إلى جانب شظايا صواريخ وفوارغ قنابل ورصاص. ورغم أن المسجد تعرض سابقًا لحرائق ودمار كبير خلال اجتياح المغول لحلب عام ١٢٦٠، فإن بعض أجزائه ظلت سليمة هذه المرة، بينما لحقت أضرار بالغة بمنارته وأجزاء أخرى.

المسجد الأموى الكبير


واحترق قسم كبير من الفناء الداخلى  للمسجد الأموى فى نوفمبر عام ٢٠١٢ ودُمر الكثير من أجزائه أيضا وانهارت مئذنته فى أبريل ٢٠١٣.
وقال خبير الآثار الألمانى -من أصل سوري- مأمون فنصة إن المئذنة تعود للعهد الأيوبي، وتمتاز بهندستها الرائعة، وزخرفاتها البديعة،حيث تم إنقاذ المنبر وإخفاؤه فى مكان آمن، وكذلك تم بناء حائط إسمنتى حول الساعة وقبر النبى زكريا، كما تتم محاولات للحفاظ على أحجار المئذنة لاستخدامها لاحقا فى الترميم.

سوق المدينة 

أما البازار (سوق المدينة الأثري) الذى يعود تاريخ تأسيسه للعهد الهلنستي، بينما هويته وشخصيته المعمارية قبل دماره فهى بيزنطية، وبلغ طوله مع تفرعاته حوالى ١٢ كيلومترا، وقد أتى حريق هائل على قسم كبير منه، مما أدى إلى انهيار نحو ٦٠٪ منه.
وتعرضت دار الجوازات -التى تعود إلى نهاية القرن الـ١٩، وتم ترميمها سابقا بدعم من "مؤسسة الأغا خان"- لدمار كبير جدا -كما يقول فنصة- ولحق بدار الفتوى دمار وصل إلى حوالى ٥٠٪.

مساجد وكنائس 

أما المساجد والجوامع القديمة فقد تضرر ما يقارب ٣٥ منها، بينها مأذنة جامع "المهمندار"، التى تعد فريدة من نوعها فى سوريا وتعود للقرن الـ١٣، وتظهر التأثر بفن العمارة والزخرفة فى سمرقند، كما حصد الدمار ما يقارب ٥٠٪ من البيوت القديمة التى يبلغ عددها حوالى ٦٠٠٠ ويعود تاريخ بنائها إلى ما بين القرنين ١٤ و١٨.

واقتصر الدمار فى قلعة حلب على مدخلها وبابها الذى يعود للعهد الأيوبي، ولحق بعض الضرر ببعض الآثار الموجودة بالحديقة. وحسب معلوماتي، فقد قامت الحكومة بنقل بعض القطع الأثرية المهمة إلى البنك المركزى فى حلب.


وتضم قائمة مواقع التراث العالمى الصادرة عن اليونسكو ستة مواقع أثرية بارزة فى سوريا: بصرى، ودمشق القديمة، وتدمر، وقلعة الحصن، وقلعة صلاح الدين، وحلب القديمة، إضافة إلى المدن المنسية شمال غرب حلب، التى تحتوى على مئات المواقع التاريخية، يعود معظمها إلى العصرين الرومانى والبيزنطي، مثل قلعة سمعان.
وأشار فنصة إلى أن الأضرار تفاوتت بين المواقع، حيث تعرضت بصرى لدمار طفيف شمل "سرير بنت الملك"، بينما لحقت أضرار خفيفة بأطراف الحى المسيحى فى دمشق القديمة.

الرقة

مدينة الرقة التى تعد واحدة من أعرق المدن السورية، شهدت دمارًا ونهبًا واسعًا لآثارها التاريخية خلال سنوات النزاع المسلح فى البلاد. تقع الرقة على الضفة الشمالية لنهر الفرات، وكانت عاصمة الخليفة العباسى هارون الرشيد، مما جعلها مركزًا حضاريًا وثقافيًا فى العصور الإسلامية.

أبرز المواقع الأثرية فى الرقة

سور الرقة الأثرى؛ كان يحمى المدينة القديمة ويعود تاريخه إلى العصر العباسي. تعرض لأضرار كبيرة جراء القصف والاشتباكات.
وجامع الرقة الكبير؛ وهو من أبرز المعالم الإسلامية فى المدينة، شهد تدميرًا جزئيًا بسبب المعارك والقصف.
وقصر البنات؛ وهو قصر تاريخى يعود للعصر العباسي، تعرض لأضرار ونهب فى أثناء سيطرة الجماعات المسلحة.
أما متحف الرقة فكان يضم مئات القطع الأثرية المهمة، ولكنه تعرض للنهب ونقلت محتوياته بشكل غير قانونى إلى الخارج.  
وشهدت الرقة  معارك شرسة بين أطراف النزاع المختلفة، مما أدى إلى دمار واسع للبنية التحتية، بما فى ذلك المواقع الأثرية وسيطر تنظيم "داعش" على المدينة فى عام ٢٠١٤، واستخدم بعض المواقع الأثرية لأغراض عسكرية، كما قام بتدمير معالم تاريخية وبيع القطع الأثرية فى السوق السوداء، وتعرضت المدينة لقصف مكثف أثناء معركة استعادتها، مما زاد من حجم الدمار فى المواقع الأثرية.
وتشير التقارير إلى أن القطع الأثرية من الرقة تم تهريبها إلى دول مجاورة، مثل تركيا ولبنان، قبل أن تصل إلى الأسواق العالمية.
ووصف اليونسكو نهب الآثار فى سوريا، بما فى ذلك الرقة، بأنه "جريمة ضد التراث الإنساني".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: سوريا محو التاريخ تنظيم داعش الحرب المواقع الأثریة القطع الأثریة تنظیم الدولة الأثریة فى مدینة تدمر فى سوریا تدمیر ا إلى أن دمار ا

إقرأ أيضاً:

الإرهاب يعصف بالتراث.. جماعة الحوثي تدمر الآثار وتعبث بتاريخ وحضارة اليمن.. نهب منظم وحرب لا تميز بين البشر والحجر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

إذا فقدت أثرك ضلت خطاك وتاه مستقبلك.. هذا ما يعانيه اليمن اليوم بعد سلسلة من نهب آثارها وكنوز ها الدفينة؛ وبعد أن كان سعيدا بآثاره وكنوزه أصبح حزينا على فقدها وضياع العلامات على إرثه وتراثه الثقافي فمنذ اندلاع الحرب في اليمن، تعرضت هذه الأرض العريقة لواحدة من أكبر الكوارث الثقافية التي شهدتها في تاريخها الحديث. واليمن، الذي كان مهدًا للحضارات القديمة مثل سبأ وحمير ومعين، أصبح اليوم في مواجهة تدمير منظم لآثاره التي تعدّ شاهدة على تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين. الحرب التي لا تفرق بين أحد لم تقتصر على تدمير الأرواح والمنازل، بل طالت الكنوز التاريخية التي كانت جزءًا أساسيًا من هوية البلاد وثقافتها.

المتاحف والمواقع الأثرية اليمنية كانت من أبرز ضحايا الحرب قبل 10 سنوات، حيث تم نهبها وتدميرها من قبل الجماعات المتطرفة التي حولتها إلى مواقع عسكرية أو استخدمتها في صراعاتها. المتحف الوطني في صنعاء مثالًا، الذي كان يحتوي على قطع أثرية فريدة تمثل حضارات اليمن العريقة، تعرض للسرقة والتدمير على يد جماعة الحوثي، ما أدى إلى فقدان العديد من القطع النادرة. هذا المتحف الذي كان يُعتبر خزينة اليمن الثقافية، أفرغ من محتوياته القيمة، ليكون شاهدًا على ما تعرض له تراث البلاد من نهب ممنهج.

أما حصن كوكبان، الذي كان رمزًا تاريخيًا مهمًا، فقد دُمّر بفعل غارات التحالف العربي بسبب استخدام الحوثيين لهذا المعلم الأثري كموقع عسكري. معالم أخرى مثل قلعة صيرة في عدن وقلعة القاهرة في تعز، تعرضت أيضًا لتدمير جزئي أو كلي نتيجة العمليات العسكرية المستمرة، لتضاف إلى قائمة المواقع الأثرية التي فقدت جزءًا كبيرًا من قيمتها التاريخية.

وكيل الهيئة العامة للآثار في اليمن: المواقع التاريخية تنهار والهيئة تعمل بالتعاون مع اليونسكو لحماية الآثار اليمنية من السرقة والتدمير

محمد السقاف

قال محمد السقاف، وكيل الهيئة العامة للآثار والمخطوطات في اليمن إنه في ظل الحرب المستمرة التي يمر بها اليمن، تواصل الهيئة العامة للآثار والمخطوطات عملها وفقًا لأحكام قانون الآثار اليمني رقم 21 لعام 1994 وتعديلاته بالقانون رقم 8 لعام 1997، ويحدد هذا القانون الهيئة كأحد الأجهزة الحكومية المعنية بحماية التراث الثقافي والحفاظ عليه في جميع أنحاء البلاد وفقًا لنصوص هذا القانون، فإن الدولة تُعد مالكة للآثار التي توجد على سطح الأرض وفي باطنها، كما تشير إلى الدور البارز للهيئة العامة للآثار والمخطوطات في الحفاظ على هذا التراث الذي يمثل جزءًا من هوية الأمة اليمنية.

ومع ذلك، فإن الحرب والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد في هذه الفترة تركت آثارًا سلبية كبيرة على التراث الثقافي في اليمن، هذه الظروف التي لم تكن في الحسبان عند وضع الخطط المستقبلية للهيئة، شكلت معوقات كبيرة في تحقيق الأهداف المرسومة لحماية التراث، فقد تعرضت العديد من المعالم والمواقع التاريخية والأثرية في اليمن إلى التدمير والتخريب، ما أدى إلى إغلاق أكثر من 25 متحفًا في مختلف أنحاء البلاد، بعض المتاحف تم إغلاقها بسبب تعرضها للدمار، بينما تعرضت أخرى للاستهداف بشكل مباشر من قبل الميليشيات المسلحة، وفي بعض الحالات تم تحويل هذه المواقع إلى ثكنات عسكرية واستخدامها كمراكز للتمركز العسكري.

وأشار محمد السقاف في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، إلى أن الحوثيين قد انتهكوا التراث الثقافي في العديد من المواقع الأثرية، بما في ذلك المتاحف والمباني التاريخية، لقد استخدموا هذه المواقع كأماكن لتمركزاتهم العسكرية، وهو ما أدى إلى تعرضها للدمار والتخريب، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية التي تحظر استهداف المواقع الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، مثل اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح.

ويستطرد السقاف قائلًا: "على الرغم من هذه التحديات، تواصل الهيئة العامة للآثار والمخطوطات بذل جهودها لحماية هذا التراث العظيم في ظل نقص الموارد المالية الذي تعاني منه البلاد بسبب الحرب، في هذا السياق تعمل الهيئة بالتعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو لتقييم الأضرار وتحديد أولويات التدخل، ولكن للأسف هذه الجهود تظل جزئية وغير مكتملة بسبب نقص الإمكانيات المالية والفنية اللازمة لإجراء مسح شامل لجميع المواقع الأثرية في البلاد".

وأضاف السقاف أن الهيئة قد بدأت بالفعل في تنفيذ العديد من المشاريع بالتعاون مع المنظمات الدولية، مثل مشروع "النقد مقابل العمل" الذي تنفذه اليونسكو في المدن اليمنية المدرجة على قائمة التراث العالمي مثل شبام، صنعاء القديمة، زبيد، وعدن، ويهدف المشروع إلى توفير فرص عمل للشباب في هذه المناطق وتوفير أفق اقتصادي محسن للفئات الاجتماعية التي تعيش ظروفًا صعبة، ويسعى هذا المشروع إلى تشجيع المجتمع المحلي على الانخراط في حماية المواقع التاريخية والآثارية، مما يساعد على تقليل فرص انضمام الشباب إلى الجماعات المتطرفة أو الانخراط في الأنشطة الإجرامية التي قد تهدد الأمن المحلي.

أما بالنسبة للآثار التي تعرضت للتدمير نتيجة الحرب، فيقول السقاف إن هناك مواقع رئيسية في قائمة التراث العالمي مثل شبام وصنعاء القديمة وزبيد وعدن، بالإضافة إلى بعض المواقع الأثرية في مأرب، قد تعرضت لأضرار كبيرة، وتعرضت هذه المواقع التي كانت ذات أهمية تاريخية وثقافية عالية، للدمار بسبب تدمير المباني والتعرض للتمركزات العسكرية في بعض المواقع التي تعد من المعالم التراثية.

 وأوضح السقاف أن الحروب تؤدي في بعض الأحيان إلى استهداف معالم التاريخ بشكل متعمد أو غير متعمد، وهو ما يؤدي إلى خسارة كبيرة على المستوى الثقافي والتاريخي للبلاد.

وعن التأثيرات السلبية لهذه الحرب على التراث الثقافي، أشار السقاف إلى أن الحرب أسهمت في زيادة ظاهرة تهريب الآثار بشكل غير مسبوق، وأصبح العديد من المواطنين في وضع اقتصادي متدهور، مما دفعهم إلى البحث عن وسائل غير قانونية للحصول على المال، مثل بيع الآثار.

وقال السقاف: "ساهم غياب الدعم الحكومي والموارد المالية في تعطيل المؤسسات الأمنية والقضائية في البلاد، مما جعل المواقع الأثرية أكثر عرضة للنبش والتخريب، كما أن هناك عصابات منظمة تعمل على تهريب الآثار إلى خارج البلاد".

وفيما يخص كيفية تعامل الهيئة مع هذه الوضعية، قال السقاف: "على الرغم من هذه التحديات، فإن الهيئة تعمل على وضع خطط استراتيجية لحماية المواقع الأثرية، من أبرز هذه الخطط هو إنشاء قاعدة بيانات شاملة لجميع المواقع الأثرية في اليمن، بما في ذلك أرشفة الصور وتوثيق المواقع باستخدام تقنيات "الجي بي إس"، كما نعمل على وضع خرائط دقيقة للمواقع الأثرية وتحديد أولويات التدخلات لحمايتها".

وأوضح السقاف أن الهيئة تخطط أيضًا لإعادة تأهيل المتاحف والمواقع الأثرية التي تعرضت للدمار، وذلك من خلال استراتيجيات تهدف إلى ترميم المباني الأثرية والحفاظ على معالم التراث الثقافي.

وأشار إلى ضرورة خلق وعي مجتمعي في اليمن بأهمية التراث الثقافي، والعمل على تعزيز التعليم في المدارس والجامعات حول أهمية الحفاظ على هذه المعالم.

وفي نهاية تصريحاته قال وكيل الهيئة العامة للآثار والمخطوطات في اليمن: "نحن نثق تمامًا بأن اليمن، رغم الظروف الصعبة، لا يزال يمتلك الكثير من مقوماته التاريخية والثقافية التي تؤهله ليكون وجهة سياحية مميزة في المنطقة. إذا تم توفير الإمكانيات الاقتصادية الكافية، فإن اليمن قادر على استعادة مكانته الثقافية والتاريخية، ويستطيع أن يكون جزءًا مهمًا من التراث العربي والإسلامي والعالمي. 

نعمل الآن على تعزيز التعاون مع الأشقاء في مصر، حيث إن هناك تعاونًا مستمرًا في تدريب وتأهيل الكوادر اليمنية للمساهمة في الحفاظ على التراث الثقافي في المستقبل".

مدير عام الآثار بمنطقة تعز: المدينة  في خطر وفقدنا  15 قبة وضريحا ونواجه هجوما ممنهجا على التراث الديني

محبوب قاسم

أكد مدير عام الآثار بمنطقة تعز اليمنية محبوب قاسم في تصريحات خاصة لـ"البوابة" أن  التراث الثقافي في اليمن، سواء المادي أو اللامادي، تعرض لدمار كبير منذ بداية الحرب، وشملت الأضرار تدمير المعالم الأثرية، تجريف المواقع، تهريب القطع الأثرية، واستخدام جميع أساليب التخريب الممكنة، وبعض هذه الأضرار نتج عن الأعمال البشرية، مثل عمليات السرقة والنهب، بينما ساهمت الأوضاع التي خلفتها الحرب، مثل غياب الصيانة ونقص الدعم من المؤسسات المعنية في تفاقم الوضع.

وأضاف أن العديد من المدن اليمنية تأثرت بشكل كبير، حيث تعرضت آثارها للنبش، التجريف، والاتجار غير المشروع في البداية، كانت فترة الصراع تسمح للأشخاص ذوي النفوس الضعيفة بالقيام بأنشطة تدميرية، مثل تجريف المواقع الأثرية، وتهريب القطع الثمينة، وحتى حرق بعضها. في مدينة تعز على سبيل المثال، تم تدمير بعض المواقع الأثرية التي كانت تحمل قيمة تاريخية كبيرة. كما تعرض المتحف الوطني في المدينة لحريق أتى على الكثير من المخطوطات والمقتنيات الأثرية المهمة.

تدمير القباب والأضرحة في تعز كان جزءًا من حملة تخريبية لتدمير التراث الديني"

وقال قاسم إن هناك أعمالا تخريبية قام بها بعض المتشددين الدينيين، حيث قاموا بتفجير العديد من القباب والأضرحة، على سبيل المثال، قبة عبدالهادي السودي، التي كانت تعد من أضخم القباب في الوطن العربي، تم تدميرها في عام 2013، كما تعرضت العديد من القباب الأخرى مثل قبة المعيد، وقبة الطفيل، وقبة الشادل للتدمير، بالإضافة إلى تدمير أجزاء من المساجد القديمة، مثل جامع المظفر ومسجد الأشرفية، حيث تعرضت بعض المآذن والمباني الداخلية لأضرار كبيرة.

وأضاف أن البيوت القديمة في مدينة تعز تعرضت أيضًا لأضرار مباشرة وغير مباشرة، تم تدمير أجزاء كبيرة من هذه البيوت بسبب القصف، بينما تأثرت بشكل غير مباشر بسبب نزوح السكان منها، ما أدى إلى إهمالها وتعرضها للتلف نتيجة الأمطار والعوامل البيئية الأخرى.

على الرغم من هذه التحديات الكبيرة، نحن نعمل جاهدين على وضع خطة للحفاظ على مدينة تعز القديمة، بالتعاون مع منظمة "ألف" لتنفيذ مشاريع تهدف لحماية المعالم التاريخية. كما قمنا مؤخرًا بترشيح 12 معلمًا أثريًا من مدينة تعز القديمة ليتم إدراجها في قائمة التراث العالمي "اليونسكو"، وقد تم إرسال الترشيح إلى الأستاذ محمد جمايح سفيرنا في اليونسكو لتقديمه إلى المنظمة.

حماية التراث الثقافي في ظل الحروب

وأضاف محبوب قاسم: "من الواضح أنه في ظل الحروب والصراعات المسلحة، تتعرض المؤسسات الحكومية المعنية بحماية التراث الثقافي لعديد من التحديات، حيث تفقد هذه المؤسسات قدرتها على أداء مهامها بسبب الظروف الاستثنائية الناتجة عن الحرب، مثل فقدان الإمدادات والموارد. في بعض الأحيان، تكون المواقع المتحفية في مناطق خطرة أو في خطوط تماس بين الأطراف المتصارعة، مما يعرضها للدمار أو السرقة. هذا بالإضافة إلى أن وجود ضعف النفوس في بعض الأحيان يسمح للأفراد بالدخول إلى المتاحف وسرقة القطع الأثرية".

وأردف قائلًا: "من أكبر التحديات التي نواجهها اليوم هو الأزمة المادية التي تعاني منها مؤسسات الدولة، حيث تعمل معظم الهيئات والمؤسسات بدون موازنات كافية. على الرغم من أن بعض المكاتب الحكومية قد تتلقى موازنات محدودة، فإن فروع الآثار والتراث الثقافي تعاني من نقص حاد في التمويل، ولا توجد ميزانيات مخصصة لها. ورغم ذلك، وبفضل الجهود الشخصية والذاتية، تمكنا من تحقيق بعض النجاحات، مثل استعادة بعض القطع الأثرية المهمة."

جهود استعادة الآثار المفقودة

نواصل العمل بجد لاستعادة الآثار المنهوبة من خلال المتابعة المستمرة والجهود الفردية. على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي نواجهها في هذا المجال، إلا أننا نأمل في أن تتحسن الأوضاع قريبًا وأن نتمكن من استعادة ما ضاع من تراثنا الثقافي".

وأكد مدير عام الآثار في منطقة تعز: "هناك تعاون مستمر بين هيئة الآثار اليمنية والمنظمات الدولية لاستعادة القطع الأثرية المهربة. انضممنا إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة باستعادة الآثار في أوقات النزاع، ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقيات لا تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، بسبب الصعوبات الكبيرة التي نواجهها في عملية استعادة الآثار. من أهم التحديات هو غياب الدور الفعّال من قبل الهيئات الدولية في هذا المجال، إذ إننا كحكومة أو مسئولين لا نملك الأدوات اللازمة لمكافحة تهريب الآثار بشكل كامل".

وأضاف: "من المفترض أن يكون هناك لجنة وطنية مختصة بالبحث والتقصي عن الآثار المهربة في الخارج والعمل على استعادتها. لكن، كما تعلمون، استعادة الآثار تتطلب توثيقًا دقيقًا يشمل تصوير القطع ومقاساتها، وهو ما نفتقر إليه في السابق. لم يكن لدينا قاعدة بيانات دقيقة أو محدثة حول القطع الأثرية، وكان التوثيق يعتمد على سجلات بدائية يدويًا، مما جعل عملية التعرف على القطع المهربة أكثر صعوبة."

"رغم ذلك، استطعنا في محافظة تعز إنشاء قاعدة بيانات للقطع الأثرية المتبقية، وكذلك قاعدة بيانات للأشياء التي تم ضبطها من قبل الأجهزة الأمنية أو من المواطنين. في السنوات الأخيرة، تمكنا من استعادة العديد من القطع الأثرية، سواء عبر السفارات أو من خلال تعاون مع دول أخرى. على سبيل المثال، عندما زار الرئيس اليمني إحدى الدول في أمريكا، تم تسليم حوالي سبعين قطعة أثرية. كما تم ضبط بعض القطع في دول عربية، لكنها لم تُعاد إلى اليمن بعد بسبب الفوضى والصراع المستمر. تم الاحتفاظ بها في المتاحف العالمية كأمانة إلى حين استقرار الأوضاع، على أن يتم إعادتها إلى أماكنها الأصلية بمجرد تحسن الوضع."

"وبخصوص توثيق المعالم الأثرية والقطع التاريخية المهددة، نحن في هيئة الآثار نعمل جاهدين على الحفاظ على المواقع الأثرية في تعز والمناطق المحيطة. على سبيل المثال، قمنا بتوثيق عدد من المعالم الهامة في تعز مثل 'جامع الموفر'، 'مدرسة الأشرفية'، 'مدرسة المعتدية'، 'قبة الحسينية'، والمتحف الوطني، حيث تم توثيق حوالي 25 معلمًا أثريًا بواسطة كادر مؤهل لضمان الحفاظ عليها من الدمار".

"إعادة الحياة للتراث: توثيق المعالم الأثرية والقطع التاريخية في تعز لحمايتها من التدمير"

أما بالنسبة للقطع الأثرية، للأسف لم يتم توثيق معظم القطع بشكل علمي دقيق في الماضي، باستثناء بعض القطع النادرة. في عام 2021، حصلنا على تمويل من مؤسسة أمريكية لتنفيذ مشروع توثيق علمي لـ 500 إلى 600 قطعة أثرية، حيث تم توثيقها بطريقة منهجية ودقيقة."

وأكد: "في محافظة تعز، تم حفظ القطع الأثرية النادرة في بنوك آمنة لحين استقرار الأوضاع، بهدف إخراجها وعرضها في المتاحف بعد تأهيلها. أما بالنسبة للمتاحف في تعز، فقد تعرضت للقصف والتدمير جزئيًا أو كليًا. ولكن تم ترميم المتحف الوطني في تعز بالتعاون مع المجلس البريطاني، ويجري الآن ترميم المتحف الموروث الشعبي بتمويل من مؤسسة 'أ.ل.ي.س' عبر برنامج 'W.O.M.S'."

"أما المخطوطات والقطع النادرة، فهي محفوظة في بنوك آمنة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وخلال الأيام القليلة المقبلة سيتم نقل هذه القطع إلى بنوك أهلية لتتمكن من إجراء صيانة دورية لها. نعمل بشكل مستمر لضمان الحفاظ على هذه القطع الأثرية حتى يتمكن اليمن من استعادتها وعرضها في متاحفه عندما تعود الأوضاع إلى طبيعتها."

"لقد قمنا بتنفيذ جهود توعية مكثفة في محافظة تعز بالتعاون مع المجتمع المحلي والمكاتب ذات الصلة بالقطاع الثقافي، مثل مكتب الأوقاف، مكتب الأراضي، ومكتب الأشغال العامة. وقد تخلل ذلك تنظيم ورش عمل وتنسيق مستمر بين هذه المكاتب لضمان أن كل جهة تعرف دورها ومسئولياتها في الحفاظ على الآثار".

"ومع ذلك، نأمل أن تتوسع هذه الجهود لتشمل التوعية بشكل أوسع، خاصة في المناطق الريفية والمجتمعات المحلية خارج المدينة. هناك حاجة ملحة لتنظيم ورش عمل توعوية وتدريب المجتمعات على كيفية الحفاظ على المعالم التاريخية والآثار القديمة، وذلك بهدف تعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي وحمايته للأجيال القادمة".

"نداء لاستعادة تراث اليمن: دعوة لأبناء الوطن في الخارج لتحمل مسئولياتهم في حماية الآثار المسروقة".

وقال قاسم نحن نأمل أن يولي أبناء اليمن، من الملحقين والسفراء والمسئولين في الخارج، اهتمامًا أكبر بتراث بلدهم، الذي عانى بسبب الحروب والتدمير. لقد تمزق وطننا، وتشرد أبناؤه، وسُرقت آثاره وبيعت في أسواق عالمية. نحثهم على تحمل مسئولياتهم تجاه هذه الآثار، التي نراها تُعرض في المزادات الدولية من حين لآخر. نأمل أن يكونوا أكثر وعيًا بأهمية هذه القطع الأثرية وأن يعملوا جاهدين على استعادتها."

"وأوضح قاسم الآثار اليمنية معروفة جيدًا، وكل من يملك معرفة بها يستطيع التعرف عليها بين غيرها من القطع. نطلب منهم استغلال مواقعهم ووقت وجودهم في الخارج لزيارة المتاحف والمزارات التي تعرض القطع الأثرية اليمنية، والتأكد من مطابقتها للسجلات الرسمية في المتاحف اليمنية. عندما يعثرون على قطعة أثرية يمنية.

دعوة لدعم المجتمع الدولي في حماية التراث الثقافي اليمني"

وفي نهاية تصريحات محبوب قاسم، مدير عام الآثار في منطقة تعز اليمنية والباحث الأثري وجه قاسم عبر "البوابة" نداءً قويًا للمجتمع الدولي والمنظمات المهتمة بحماية التراث الثقافي لتقديم الدعم اللازم لإنقاذ المواقع المتضررة. وقال: "إننا ندعو اليونسكو والمنظمات الدولية والمحلية إلى توفير الإمكانيات والخبرات المطلوبة لحماية هذا التراث الذي يمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية".

وأشاد بالدور الذي يمكن أن تلعبه السفارات والملحقيات الثقافية اليمنية بالخارج في تتبع القطع الأثرية المهربة والعمل على استعادتها، لكنه أكد أن الجهود المحلية تحتاج إلى دعم مالي وتقني كبير لتكون قادرة على مواجهة التحديات الحالية.

صحفي يمني: نهب تحت ستار العلم والتنقيب

 

محمد مجمل

كشف محمد مجمل، إعلامي يمني، في تصريحات لـ"البوابة"، عن حجم الكارثة التي حلت بالتراث الثقافي اليمني جراء الحرب المستمرة منذ 2014، مشيرًا إلى أن التدمير والتهريب المنظم للآثار يشكلان خطرًا جسيمًا يهدد هوية الشعب اليمني الممتدة عبر آلاف السنين.

وأوضح مجمل، أن الحرب أسفرت عن تدمير 64 موقعًا أثريًا لا علاقة لها بأي منشآت عسكرية، مما يكشف عن نوايا متعمدة لاستهداف التراث اليمني. كما أشار إلى أن تهريب الآثار بدأ منذ القرن الثامن عشر مع الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن، حيث كان ميناء عدن مركزًا رئيسيًا لتهريب القطع الأثرية، فيما استولت بعثات أجنبية، مثل بعثة وندل فيلبس الأمريكية عام 1951، على آلاف القطع والنقوش الأثرية.

وأكد مجمل أن تهريب المخطوطات التوراتية والآثار اليمنية إلى إسرائيل يمثل جريمة كبرى، أبرزها تهريب مخطوطة توراتية هامة على يد الحاخام سليمان دهاري الذي استقبله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2016. وأضاف أن هذه الجرائم لم تقتصر على المخطوطات الدينية، بل شملت آلاف القطع الأثرية التي تُباع اليوم في مزادات عالمية.

ودعا مجمل المجتمع الدولي إلى مساندة اليمن في استعادة هذه الكنوز، محذرًا من استمرار استغلال الفوضى لتدمير التراث الثقافي. كما شدد على أن حماية هذا الإرث تمثل مسئولية عالمية للحفاظ على تاريخ الإنسانية جمعاء.

 رشيد الزعزعي: اليمن فقد ذاكرته وهويته فى معركة عبثية ضد التاريخ 

 رشيد الزعزعي

قال رشيد الزعزعي، طالب بكلية الإعلام بجامعة تعز، في تصريحاته لـ"البوابة " "منذ اندلاع الحرب في بلادي، تحوّل اليمن إلى ساحة موت ودمار، وكانت آثارنا وتاريخنا في قلب هذه المعركة القذرة. هذا الوطن، الذي احتضن أقدم الحضارات وأجمل المعالم التاريخية، أصبح اليوم مهددًا في ذاكرته وهويته، يواجه مصيرًا مظلمًا من النهب والتدمير. لقد كان اليمن دائمًا شاهدًا على عظَمة التاريخ الإنساني، لكن معالمه اليوم تحوّلت إلى أطلال، والكثير منها أصبح في عداد المفقود."

وأشار الزعزعي إلى أن المتحف الوطني في صنعاء، الذي كان يضم قطعًا أثرية لا تُقدّر بثمن، تعرض للنهب المنظم. وأضاف:

"كانت تلك القطع هي روح تاريخنا وذاكرتنا، لكنها اليوم ضاعت بين أيدي اللصوص في الداخل والخارج. هذا المتحف الذي كان بمثابة مرآة تعكس عظمة ماضينا العريق، بات شبحًا يُطارد حاضرنا ومستقبلنا."

وتابع: "حصن كوكبان، رمز الصمود اليمني وأحد أهم معالمنا التاريخية، دُمر بالكامل نتيجة القصف الجوي. للأسف، تحول هذا المعلم التاريخي إلى هدف عسكري بسبب استخدام الحوثيين له كقاعدة، مما أدى إلى تدميره بطريقة مؤلمة لا تُبرر".

وأضاف الزعزعي أن قلعة صيرة في عدن وقلعة القاهرة في تعز تعرضتا لمصير مشابه، قائلًا: "هذان المعلمان التاريخيان، اللذان كانا شاهدين على حضارة اليمن، محيا من الوجود بفعل الحرب. التاريخ يُمحى أمام أعيننا وكأن حضارتنا لا تستحق البقاء".

وفي حديثه عن مدينة براقش الأثرية في محافظة الجوف، قال: "هذه المدينة التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام لم تنجُ من الخراب. سورها الأثري، الذي كان يُمثل شاهدًا على حضارات عظيمة، أصبح في عداد الدمار. الحرب لم تترك مكانًا إلا وطالته يد العبث."

وأوضح الزعزعي في حديثه لـ"البوابة " أن التدمير لم يقتصر على المواقع الأثرية فقط، بل طال التراث المحفوظ في المتاحف اليمنية. وقال:

"آلاف القطع الأثرية اليمنية التي كانت تمثل فخرًا لنا، نُهبت وبِيعت في مزادات عالمية. المؤلم أننا وجدنا آثارنا تُعرض في دول مثل إسرائيل، الولايات المتحدة، هولندا، وبريطانيا، بعيدًا عن أرضها. هذه القطع ليست مجرد تحف؛ إنها جزء من هويتنا، واليوم تُعامل كسلع تُباع في مزادات بلا أي احترام لجذورها."

وأكد الزعزعي أن اليمن يواجه اليوم حربًا أشد قسوة من الحرب العسكرية، وهي الحرب ضد ذاكرته وهويته. وقال:"آثارنا التي كانت تمثل رموز عظمتنا أصبحت ضحية الإهمال، التخريب، والسرقة. كل ما نملكه الآن هو ذكرى ماضٍ يكاد يختفي أمام أعيننا."

واختتم الزعزعي تصريحاته قائلًا: “يا للأسف، هذا ما وصلنا إليه. آثارنا وتاريخنا وهويتنا أصبحت في خطر حقيقي. صراعات سياسية وعسكرية لا ترحم، أضاعت ماضينا وتهدد ما تبقى منه. إذا لم يتحرك العالم لحماية تراثنا، فقد نخسره للأبد. نحن بحاجة لوقفة حقيقية تُنقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان”.

بنيامين نتنياهو مع مجموعة من الأشخاص، بينهم يهود من اليمن، يحملون مخطوطة توراة قديمة، تم تهريب هذه المخطوطة إلى إسرائيل مع بعض اليهود اليمنيين الذين نُقلوا من اليمن في عملية تم التفاوض عليها مع الحوثيين. المخطوطة تُعد، ويُقدر عمرها بما يقرب من 800 عام​تماثيل أسود اليمن بيعت في إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة

 

تمثال الاعتراف العلني والتوبة البرونزي عمره 2200 عام تقريبا وعرض فى مزاد بونهامز الشهير

 

تمثال برونزي لرجل من الألفية الأولى قبل الميلاد، بيع في مزاد بلاكاس في 3 يوليو 2023

 

قطعة أثرية عرضت للبيع في مزاد اليكترونيفهد حجري بيع في مزاد قاعة ارتيميس متحف ضمار بعد أن تعرض للقصفالمتحف الوطني بتعز بعد تعرضه للدمار 

 

 

 

مستشار رئيس الجمهورية اليمني للشئون الثقافية ووزير الثقافة السابق في حوار خاص مع «البوابة»: الآثار اليمنية في خطر.. والتعاون الدولى أساسى للحفاظ عليهامروان  دماج

 

في ظل النزاع المستمر في اليمن، يعاني التراث الثقافي والآثار اليمنية من تهديدات خطيرة، ما يضع البلاد أمام تحديات كبيرة لحماية هويتها التاريخية.

 مروان دماج، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الثقافية ووزير الثقافة السابق، كان له دور بارز في جهود الحفاظ على الآثار اليمنية، ورصد التهديدات التي تواجهها المتاحف والمواقع التاريخية في ظل الوضع الراهن.

في هذا الحوار، يناقش دماج التحديات الكبيرة التي تواجه حماية الآثار اليمنية أثناء النزاع المسلح، مثل التدمير الممنهج للمواقع الأثرية، والتهريب المتزايد للآثار، وكذلك الجهود التي تبذلها الحكومة اليمنية بالتعاون مع المجتمع الدولي لاستعادة هذه الآثار وحمايتها من البيع غير القانوني في المزادات الدولية.

كما يتناول دماج كيفية تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية، إضافة إلى الحاجة إلى تحسين الإطار القانوني المحلي والدولي لمكافحة تهريب الآثار وحماية التراث الثقافي من المزيد من النهب والتدمير.

إلى جانب ذلك، يكشف دماج عن التحديات المؤسسية والمالية التي تواجه الجهات المعنية بحماية التراث، وضرورة تعزيز البنية المؤسسية في هذه المؤسسات لتتمكن من أداء دورها بفعالية في ظل الظروف الحالية.

ما هي التحديات التي تواجه حماية الآثار اليمنية في ظل النزاع المسلح، وكيف تؤثر هذه التحديات على التراث الثقافي في البلاد؟

تعدّ اليمن من أغنى الدول من حيث التراث الثقافي والتاريخي، حيث تحتوي على العديد من المواقع الأثرية والمتاحف التي تمثل جزءًا مهمًا من تاريخ الحضارات القديمة في المنطقة. ولكن، منذ اندلاع النزاع المسلح في البلاد، تعرضت العديد من المتاحف والمواقع الأثرية للدمار أو التضرر بشكل بالغ، مما يشكل تهديدًا كبيرًا لهذا التراث الثقافي.

اليمن بها 25 متحفًا تضررت وبحسب التقارير المتوفرة، تعرضت خمسة متاحف في اليمن للدمار الكامل نتيجة القصف المتبادل، ومن أبرزها متحف تعز الذي تعرض للقصف من قبل جماعة الحوثي، كما تضرر متحف زنجبار بشكل كبير، حيث تم نقل ما تبقى من القطع الأثرية في متحف زنجبار إلى خزائن البنك الأهلي في عدن لحمايتها.

ومن بين الآثار التي تضررت أو فقدت جزء كبير منها، هناك رقائق أثرية هامة تمثل جزءًا من التراث اليهودي في اليمن، بما في ذلك نسخة قديمة من «التوراة» التي كانت ضمن مقتنيات متحف تعز، هذه المقتنيات التي تشمل مخطوطات دينية وتاريخية، تُعدّ من أندر القطع الأثرية في العالم.

إضافة إلى المتاحف، تعرضت بعض المواقع الأثرية في اليمن للدمار، ومن أبرزها مدينة برراقش التاريخية، التي كانت عاصمة دولة معين القديمة وأحد أهم المراكز التجارية بين الهند ومصر واليونان في العصور القديمة، المدينة التي تعد واحدة من أقدم الممالك اليمنية تعرضت لدمار واسع نتيجة الاشتباكات.

تهريب الآثار

المعلومات المتوفرة تشير إلى أن بعض الجماعات المسلحة، بما في ذلك الميليشيات الحوثية، قد تكون ضالعة في تهريب الآثار من اليمن، يُعتقد أن الميليشيات تستهدف المصادر الأثرية في المناطق التي تسيطر عليها وتعمل على تهريب القطع الثمينة إلى خارج البلاد لبيعها في الأسواق السوداء، وهذا يشمل القيادات الوسطى في هذه الجماعات، التي يُعتقد أنها تعمل على استغلال هذا الوضع لتحقيق مكاسب مالية.

من جانب آخر، تكشف التحليلات أن الجماعة الحوثية لديها موقف معادي تجاه جزء كبير من التاريخ اليمني القديم، هذا الموقف يأتي في إطار خلفيتها الثقافية والسياسية، حيث يعتبر الحوثيون أن الحضارة اليمنية القديمة للقصف تعزز الهوية الوطتية للدولة ما يتعارض مع أيديولوجياتهم السلالية والعنصرية، ويُعتقد أن هذا الموقف يعزز الرفض الحوثي لحفظ وحماية الآثار اليمنية القديمة، ويسهم في تسريع عمليات تهريب الآثار والاستيلاء عليها.

الواقع الحالي يضع التراث الثقافي في اليمن في خطر شديد، ويجعل من حماية الآثار مهمة صعبة للغاية أمام الأجهزة الأمنية المتضررة من النزاع، كما أن غياب الحماية الفعالة من قبل السلطات المعنية يساهم في ازدياد تهريب الآثار، ما يهدد فقدان جزء كبير من الهوية التاريخية للبلاد.

إلى جانب العمليات العسكرية والتدمير المباشر للمواقع الأثرية، يعاني التراث اليمني من تحديات إضافية تتمثل في التهريب المستمر للآثار، والذي قد يكون مرتبطًا بالجماعات المتطرفة الأخرى مثل القاعدة، مما يزيد من تعقيد عملية الحماية.

كيف تساهم العصابات المحلية والجماعات الخاصة في تهريب الآثار اليمنية، وما تأثير ذلك على الحفاظ على التراث الثقافي في البلاد؟

تتعرض الآثار في اليمن للعديد من التحديات، أولها الموقف المعادي من قبل جماعة الحوثي، التي ترفض تاريخ اليمن وتراثه الثقافي خلال النزاع، ظهرت هذه الأصوات، وإن لم نتمكن من معرفة مدى تأثيرها بشكل كامل، إلا أنها موجودة ولها تأثير في بعض الحالات، إضافة إلى ذلك هناك الجماعات الخاصة التي تنشط في جمع الآثار بغرض الاتجار بها، حيث تتواجد عصابات محلية غالبًا ما تكون هي اليد الأولى التي تستهدف المواقع الأثرية.

وفقًا لما ورد من معلومات خلال متابعة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، تبين أن معظم عمليات النبش والحفر العشوائي في المناطق الأثرية يتم تنفيذها من قبل أبناء تلك المناطق، وهو ما يفاقم المشكلة، كما ظهرت روابط مع عصابات دولية تعمل في تهريب الآثار، ما أدى إلى انتقال العديد من القطع الأثرية اليمنية إلى الدول المجاورة، حيث تم العثور عليها في متاحف تلك الدول.

ومن المعضلات الأخرى التي تواجه حماية الآثار في اليمن، هي تشكيل مجموعات أثرية خاصة تكمن المشكلة هنا في أنه يصعب رصد هذه المجموعات أو توثيقها بشكل كامل، مما يجعل من الصعب تتبع حركة هذه القطع الأثرية رغم أنها تظهر أحيانًا في بعض الأسواق أو المتاحف المجاورة.

ما هي الإجراءات التي تم اتخاذها للتصدي لتهريب الآثار، وكيف تسعى الجهات المعنية لاستعادتها وحمايتها من البيع في المزادات الدولية؟

ظهرت مؤخرًا قطع أثرية يمنية في مزادات دولية في أوروبا وأمريكا، قمنا بزيارة ثلاثة مزادات رئيسية في الولايات المتحدة، وتم توقيع  اتفاقية مع الولايات المتحدة، ما ساعد في إغلاق باب بيع الآثار اليمنية في أمريكا، ومع ذلك ظهرت بعض القطع الأثرية المهمة في أوروبا، بما في ذلك الوعل البرونزي الذي عُرض في باريس، بالإضافة إلى النصب التذكاري الهام الذي تم تهريبه من معبد «أوام»، هذا النصب الذي يعود إلى معبد الشمس في مدينة «مأرب»، هو قطعة مسجلة لدينا ومحفوظة في السجلات المتحفية، تم مخاطبة الشرطة الدولية للتحفظ عليه، وقد تم اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ عليه، ومع ذلك هناك العديد من القطع الأثرية التي ظهرت في المواقع الإلكترونية المتخصصة في بيع التحف والآثار، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا.

ولذلك، سعينا إلى تطوير آلية لرصد وتتبع الآثار اليمنية في الخارج، واتخاذ إجراءات أولية لتسجيل هذه القطع ومن ثم البحث في إمكانية استعادتها.

تحديات عديدة

ما هي التحديات التي تواجه حماية التراث الثقافي في اليمن أثناء النزاعات، وكيف ساعد التعاون الدولي في الحفاظ على الآثار اليمنية؟

في حالات كثيرة كما نواجه في حال الحروب، تصبح مسألة حماية التراث الثقافي مسألة ثانوية بالنسبة للمجتمع الدولي، حيث تركز الدول التي تعاني من النزاعات على تحديات أخرى مثل الصحة والتعليم، غالبًا ما تكون مسألة الحفاظ على الآثار والتراث الثقافي في هذه الظروف غير أولوية، ومع ذلك حاولنا جلب قضية الآثار إلى طاولة الاهتمامات الدولية.

وجدنا اهتمامًا خاصًا من الدول التي عملت في اليمن لعقود طويلة، حيث أبدت بعض المعاهد التي قامت بمشاريع دراسات ومسح وتنقيب في اليمن تعاونًا ملحوظًا، كما ساعدنا هذا التعاون في تجديد بعض الأنشطة والمشاريع، بما في ذلك ترميم بعض المتاحف والتدريب بالتعاون مع دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى أن المنظمات الأوروبية التى عادت لتنشط في اليمن بالتعاون مع وزارة الثقافة.

> كيف يمكن تحسين القوانين الوطنية والدولية لحماية الآثار اليمنية ومنع تهريبها، وما دور التعاون بين الدول في تحقيق هذا الهدف؟

في اليمن يوجد قانون خاص بالآثار ينظم المهام المتعلقة بالشرطة السياحية، ويجرم بيع الآثار، كما يمنح القانون خصوصية لبعض الجماعات المحلية في الحفاظ على التراث الثقافي، ويمنع تداول الآثار بشكل غير قانوني، على الرغم من أن القانون اليمني يحتاج إلى تطوير، إلا أنه في وضعه الحالي قادر على تمكين الأجهزة الأمنية والقضائية والنيابات، بالإضافة إلى الهيئة العامة للآثار ووزارة الثقافة، من متابعة الآثار ومواجهة الجرائم المنظمة المتعلقة بالتراث الثقافي.

أما على المستوى الدولي فتعاني اليمن، كما تعاني العديد من الدول الأخرى التي لديها آثار تاريخية من التحديات المرتبطة بالاتفاقيات الدولية، على وجه الخصوص تواجه اليمن صعوبة في تطبيق اتفاقية «اليونسكو» لعام 1970، والتي تهدف إلى مكافحة تهريب الآثار، على الرغم من الجهود المبذولة ما زال هناك العديد من الملاحظات التي يجب معالجتها لتطوير هذه الاتفاقيات وتعزيز التعاون الدولي، نحن نشارك الدول الكبرى مثل مصر والعراق واليونان في موقفها المطالب بتعديل هذه الاتفاقيات، خاصة تلك المتعلقة بإعادة الآثار الوطنية إلى بلدانها الأصلية.

تسعى هذه الدول إلى أن يكون هناك ضغط دولي لتعديل اتفاقية «اليونسكو» لعام 1970، لتوفير آليات أكثر فعالية في مواجهة تهريب الآثار وحماية التراث الثقافي، كما يجب أن تتعاون الدول التي تواجه مشاكل مشابهة في الحفاظ على آثارها المنهوبة، مثل العراق ومصر والأردن وليبيا، مع الدول الأخرى لبناء تحالفات قوية يمكن أن تسهم في تحديث الاتفاقيات الدولية الخاصة بالآثار، هذا التعاون سيساعد في منح الدول المتضررة حقوقًا أكبر في استعادة تراثها الثقافي وحمايته من النهب والتهريب.

وما هي التحديات التي يواجهها اليمن في توثيق الآثار المهرّبة واستعادتها، وكيف يمكن تعزيز التعاون مع المتاحف الدولية لحل هذه المشكلة؟

نحن نعاني خلال فترة الحرب في اليمن التي استمرت لمدة عشر سنوات، لكننا نملك سجلات متحفية موثوقة ومعتمدة في جميع المتاحف اليمنية.التحدي الكبير لا يكمن هنا بل في الآثار الموجودة في المواقع الأثرية والقطع التي تم تهريبها، والتي لا توجد قيد لهافي الأرشيف اليمني أو السجلات المتحفية، أغلب هذه القطع تم تهريبها إلى الخارج ومن الصعب تتبعها لأن الوثائق المتعلقة بها غير مكتملة، يتم استخراج هذه الآثار من المواقع الأثرية مباشرة دون أن يتم توثيقها أو تصويرها مما يعقد عملية استعادتها أو المطالبة بها.

ومن المهم أن نركز على توثيق الآثار اليمنية الموجودة في المتاحف خارج اليمن، سواء كانت في المتاحف العربية التي أصبحت تعرض قطعًا أثرية يمنية بشكل متزايد أو في المتاحف الدولية، ونواجه تحديات كبيرة في هذا الصدد خاصة فيما يتعلق بالمخطوطات، أما بالنسبة للتحف الأثرية، فإن الخطوة الأولى هي تكوين فريق متخصص لرصد الآثار اليمنية في المتاحف من أجل توثيقها وجمع المعلومات عنها، وهو ما يسهل عمل الباحثين والدراسين اليمنيين الذين يمتلكون خبرة كبيرة في مجالات البحث والتنقيب، ويحتاج هؤلاء الباحثون إلى تعزيز التعاون مع الجهات الدولية المعنية بتوثيق وحماية التراث الثقافي.

كيف يمكن للجهات الأمنية والدولية التعاون لمكافحة تهريب الآثار واستخدامها لتمويل الجماعات المسلحة والإرهابية، وما دور وزارة الثقافة في هذا المجال؟

تعد الآثار مصدرًا رئيسيًا لتمويل الجماعات المسلحة خلال الحروب، حيث تستخدم هذه الجماعات الآثار كوسيلة للحصول على الأموال اللازمة لتمويل أنشطتها في اليمن، لمسنا هذا الواقع بشكل واضح، حيث تم العثور على آثار مهربة من خارج اليمن، والتي يتم استخدامها لتمويل بعض الجماعات الإرهابية، كما إن رصد هذه الأنشطة وتقديم الحقائق الكاملة عنها يقع على عاتق الجهات الأمنية، بالإضافة إلى التعاون مع الجهات الدولية المعنية بمكافحة تهريب الآثار واستخدامها في تمويل الإرهاب أو أنشطة الجماعات المسلحة.

ومن خلال وزارة الثقافة لاحظنا وجود نشاط ملحوظ في تهريب الآثار واستخدامها لأغراض إرهابية أو لتقوية أنشطة الجماعات المسلحة، ومع ذلك تقدير حجم هذا النشاط وتفاصيله يتطلب تقارير خاصة تُعدها الأجهزة الأمنية، والتي يجب أن تقوم بتتبع هذه الظاهرة بشكل دقيق والعمل على الحد منها ومواجهتها.

تعزيز القدرة

ما هي الخطوات التي يتخذها اليمن لتعزيز قدرته على استعادة آثاره المفقودة، وكيف يمكن أن يسهم التعاون مع دول الجوار والدول الكبرى في حماية التراث الثقافي اليمني؟

الخطوة الأولى في حماية الآثار اليمنية في الخارج هي تشكيل فريق مختص قادر على رصد وتتبع الآثار اليمنية الموجودة في المتاحف أو المزادات أو في المجموعات الخاصة، هذه خطوة أساسية لبناء قدرة اليمن على استعادة آثاره المفقودة، وقد تم الاتفاق على البدء في تنفيذ هذا المشروع قريبًا، مع خطة للبدء في العمل عليه خلال العام المقبل، وقد تم تقديم هذا المقترح إلى المعاهد الأمريكية العاملة في اليمن، ويتم العمل حاليًا على اعتماده.

إضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى توقيع اتفاقيات ثنائية مع دول الجوار في المنطقة، هذه الاتفاقيات ستعزز التعاون في الحفاظ على التراث الثقافي اليمني، بالإضافة إلى التعاون في الدراسات والأبحاث الأثرية من المهم أن نشرك الدول المجاورة، التي أظهرت اهتمامًا كبيرًا بالآثار ولديها متاحف كبيرة تحتوي على قطع أثرية يمنية، توقيع اتفاقية تعاون معها سيتيح لنا الاستفادة من مشاريع مشتركة في مجالات الدراسات والبحوث، وتنظيم الأنشطة الثقافية، وتصنيف وتوثيق الآثار المعروضة في هذه المتاحف، كما يتعين علينا توسيع التعاون مع الدول الكبرى في أوروبا وأمريكا لضمان استعادة الآثار اليمنية وحمايتها.

كيف يمكن تحسين البنية المؤسسية في المؤسسات المعنية بحماية التراث الثقافي في اليمن؟

تحمل الجهات الحكومية اليمنية، سواء الأمنية أو الهيئة العامة للآثار أو وزارة الثقافة، مسؤوليات كبيرة في حماية التراث الثقافي، لكن المسؤولية الأساسية تكمن في الحاجة إلى وضع استراتيجيات قوية تعمل بها هذه المؤسسات، وخاصة الهيئة العامة للآثار للأسف، تفتقر هذه المؤسسات إلى الإمكانيات الكافية، إذ تعاني من نقص حاد في التمويل، حيث كانت تحصل دائمًا على موارد ضئيلة جدًا من الحكومة، وقد زاد الوضع سوءًا نتيجة الحرب مع انشغال الحكومة بأولويات أخرى بعيدة عن هذه القضايا.

ومن المهم جدًا أن نعمل على تعزيز البنية المؤسسية داخل الجهات المعنية بحماية التراث الثقافي، كما يجب تعزيز التعاون مع الجهات الدولية وبناء شراكات استراتيجية، وهو أمر بالغ الأهمية لليمن في هذه المرحلة.

وخلال عملي في الفترات الماضية لمست أهمية تعزيز الشراكات مع المجتمع الدولي، خاصة مع الدول التي عملت في اليمن لفترات طويلة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الأخرى، بالإضافة إلى ذلك يمكن الاستفادة من الاهتمام المتزايد الذي تظهره الصين ودول أخرى في تعزيز التعاون الثقافي، كل هذا يتطلب أولًا الاستعداد الكامل من جانبنا، وقدرة على بناء وتنفيذ مشاريع مشتركة تحقق النجاح في الحفاظ على التراث الثقافي اليمني.

مقالات مشابهة

  • حرق التاريخ فى نار التطرف.. مبادرة عالمية تحذر: القطع الأثرية المنهوبة تسهم فى تمويل الإرهاب
  • حروب الخراب.. كنوز لبنان الأثرية.. الغارات الإسرائيلية تدمر مواقع تاريخية مدرجة ضمن التراث العالمي
  • الإرهاب يعصف بالتراث.. جماعة الحوثي تدمر الآثار وتعبث بتاريخ وحضارة اليمن.. نهب منظم وحرب لا تميز بين البشر والحجر
  • محمود حامد يكتب: حروب الإبادة الثقافية.. كارثة تواجه المجتمع الدولى
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. حروب الخراب.. آثار العالم تناديكم.. الشعوب عمروها.. والأعداء دمروها
  • السودان يطلب من سويسرا مساعدة تتعلق بالقطع الأثرية المسروقة 
  • آثار عين شمس: الحفاظ على المواقع الأثرية والمناطق التراثية مسؤولية وطنية
  • بعد الحرب الأخيرة|كيف يساهم علم الآثار الفضائي في حماية مواقع السودان الأثرية؟
  • اكتشافات المقابر القديمة بالقرم تسلط الضوء على حياة السكيثيين القدماء