يوسف بن علوي يتحدث بجرأة عن الصراع مع إسرائيل وقضايا المنطقة الشائكة
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
فقد أكد الدبلوماسي العماني المخضرم لبرنامج "الجانب الآخر" أن الولايات المتحدة والغرب يقفان مع إسرائيل ويقدمان لها الحماية على نحو يُفشل كل محاولات السلام.
ومع ذلك، فإن ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية يمثل "بداية القصة الحقيقية"، لأنها اللحظة التي يمكن للعرب أن يقدموا فيها الدعم للفلسطينيين، كما يقول ابن علوي.
لقد عُرف ابن علوي بقلة الكلام وندرة الظهور وتجنب الضجيج حتى وهو يعمل على تفكيك مشكلات معقدة بين أطراف إقليمية أو دولية، وكان طوال فترة عمله مرآة لبلاده التي تتجنب الصخب، وقد نجح في أخفاء كثير من مخاطر السياسة خلف ملامحه الهادئة وابتسامته البسيطة.
إسرائيل تتحكم في العربوعلى عكس ما عرف به من كتمان كان ابن علوي صريحا جدا في حديثه، وقال إن الصراع مع إسرائيل لن يكلف العرب إلا 6 أشهر من دعم المقاومة، لكنه أكد في الوقت نفسه أن الواقع مغاير لهذا، إذ تسعى الدول منفردة إلى التصالح مع تل أبيب.
ووفقا للمسؤول العماني السابق، فإن إسرائيل "لا تسمح للعرب بمناقشة القضية الفلسطينية لأنها تسيطر على قرارهم، لأن خططها أبعد من فلسطين".
لذلك، فإن العرب من وجهة نظر ابن علوي "سيكونون في خطر لو لم يكن الجيش المصري موجودا، لأن إسرائيل تريد تنفيذ خططها بالقوة".
إعلانأما الفلسطينيون فلا يملكون سوى تقديم التضحيات من أجل الحصول على حريتهم، ورغم ذلك هم منقسمون على من يحكم أو على الطريقة التي يجب التعامل بها مع الاحتلال، وفق ابن علوي.
وحتى باتفاقات التطبيع الأخيرة التي جرت بين إسرائيل وبعض الدول العربية فإنها -من وجهة نظر ابن علوي- بحاجة لاختبار حتى يمكن معرفة سلبياتها وإيجابياتها.
وبالعودة إلى شخص يوسف بن علوي نفسه فقد ولد ونشأ في مدينة صلالة جنوبي السلطنة، وعمل بالفلاحة قبل أن ينتقل إلى العاصمة مسقط في رحلة بحرية استمرت شهرا ونصف الشهر.
وفي شبابه، انخرط الرجل في "ثورة ظفار" التي شهدتها السلطنة بين 1965 و1975، لكنه ما لبث أن قاتل في صفوف قوات السلطان عندما تغيرت نظرته، وبدا له أن ما يجري تمردا وليس ثورة.
وطوال عمله وزيرا للخارجية اتسم ابن علوي بالكتمان والنأي عن الصراعات التي تنأى بنفسها عن النزاعات والحروب التي تجتاح المنطقة من أقصاها إلى أقصاها.
ومن العاصمة، تنقّل ابن علوي بين دول خليجية عدة، قبل أن يستقر به الحال في الكويت موظفا إداريا في إحدى المدارس ثم موظفا في الجيش، لينتقل بعدها إلى العاصمة المصرية القاهرة ليعمل فيها مذيعا إخباريا.
وعندما اندلعت ما تعرف بـ"ثورة ظفار" في العام 1965 كان ابن علوي ممثلا لها في القاهرة لكنه انتقل إلى جانب السلطان بعد مؤتمر حمرين سنة 1968 على إثر تفرق ثوار ظفار إلى جبهات متعددة تحصل كل واحدة منها على دعم بلد من البلدان.
40 عاما من الدبلوماسيةومع وصول السلطان قابوس بن سعيد إلى الحكم في يوليو/تموز 1970 وتبنيه خيار المصالحة مع ثوار ظفار عاد يوسف بن علوي إلى مسقط ليعمل مبعوثا سلطانيا إلى عدد من الدول العربية.
وخلال هذه الوظيفة حمل الرجل رسائل السلطان الجديد إلى العواصم العربية، والتي كانت تدور كلها حول تقديم صورة عُمان الجديدة التي تريد الاندماج مع محيطها العربي فاستقبلته كافة الدول عدا اليمن الجنوبي في ذلك الوقت.
إعلانومنذ 1971 تنقّل ابن علوي بين عدد من المناصب في الدبلوماسية العمانية، فعمل سفيرا ثم وزير الدولة للشؤون الخارجية سنة 1982 ثم الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية سنة 1992، ليصبح وجه عُمان في كافة المحافل تقريبا.
مفاوضات إيران النوويةومن المعروف أن السلطنة استضافت الاجتماعات السرية الأولى بين الولايات المتحدة وإيران، وهي الاجتماعات التي تطورت لاحقا وأنتجت ما عرفت بـ"خطة العمل الشاملة" عام 2015، والتي انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منها بعد 3 سنوات من تطبيقها.
وكان يوسف بن علوي لاعبا رئيسيا في المفاوضات النووية، لكنه رفض الحديث عن كواليسها، وقال إن هذا "ليس مسموحا به"، مكتفيا بوصف الاتفاق بأنه "من أهم الاتفاقات في العالم كونه سيوقف نشاط إيران النووي إلى الأبد".
وفي حين يبدو الخلاف الغربي الإيراني أيديولوجيا يقول ابن علوي إن مشكلة الغرب مع إيران تكمن فقط في سعيها لتصنيع قنبلة نووية وليس في أي شيء آخر، واصفا حصول طهران على قنبلة نووية بأنه "غير مسموح به".
وبعد 40 سنة في العمل الدبلوماسي قال ابن علوي بوضوح إن كافة القادة الأميركيين والأوروبيين يعلنون صراحة أنهم سيحمون تل أبيب ولن يلزموها بفعل شيء لا تريده.
ورغم أن بلاده لم تكن جزءا منه فإن يوسف بن علوي يرى أن الربيع العربي "لم ينته بعد"، وأن مشكلة العالم العربي "تكمن في أن أغلبيته من الشباب، في حين مناهجه التعليمية لا تزال قائمة على تقديس الأشخاص".
لذلك، فإن خروج الدول العربية من أزمتها السياسية الحالية يكمن في التخلي عن فكرة التقديس التي هي أصل الخلاف برأي الدبلوماسي العماني الكبير الذي يجزم بأن مصير العرب كلهم وليس الخليجيون فقط واحد لا يمكن تجزئته.
14/12/2024المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
من إسرائيل؟!
زكريا الحسني
إسرائيل التي تعد أداة استعمارية متقدمة تتخذ من وجودها في قلب الشرق الأوسط فرصة لإدامة الهيمنة الغربية على المنطقة وتحقيق مصالح القوى الكبرى على حساب شعوب تطمح إلى التحرر والنهوض، لكن في عمق هذه المعركة السياسية يظل السؤال الأكبر هو ماذا يحدث عندما يكون هدف الصراع ليس فقط السيطرة على الأرض؛ بل السيطرة على الذاكرة والهوية.
إن فكر القوى الغربية الاستعمارية يدور حول فكرة تغيير الواقع والتأثير على مسار التاريخ، وهو ما تفعله إسرائيل عبر سياساتها الممنهجة في المنطقة مستغلة اللحظات التاريخية لتزرع الفتنة وتغذي الصراعات الأهلية مما يعيق أي محاولة للنهوض.
لكن رغم كل محاولات التحريف والتشويه يبقى الوعي الجمعي للأمة حيا ويدرك المسلمون أن القدس ليست مجرد مدينة، بل هي جسر بين الأرض والسماء وساحة للثورة الروحية التي لا تهزم وبما أن القدس تمثل جوهر الإيمان الإسلامي فإن أي محاولة لطمس هويتها لن تنجح بل سيزداد تمسك الأمة بها في مواجهة كل محاولات التفريق.
وعليه إن الصراع حول فلسطين ليس مجرد نزاع سياسي أو حدودي، بل هو معركة روحية وجودية تجمع بين الأبعاد الجغرافية والدينية وتدور في فلك تاريخي يمتد عبر الأجيال وبقدر ما تتسلح القوى الكبرى بالأدوات الحديثة للاستعمار يتسلح شعب فلسطين بتاريخ عظيم من الصمود والإرادة التي لا تقهر.
إسرائيل ليست مجرد كيان سياسي، بل قاعدة عسكرية غربية تتصدرها أمريكا وتستخدم كأداة لتحقيق أهداف القوى الاستعمارية في المنطقة فهذه القوى لا تستطيع العيش دون استعمار سواء بصورته التقليدية أو بأساليب جديدة تتماشى مع العصر لكن الفكرة تظل ثابتة وإن تغيرت الوسائل؛ فالمصالح تبقى هي الدافع الأول لكل تحركاتهم.
فهم يدركون أن السيطرة لا تفرض فقط بالقوة العسكرية، بل ترسخ عبر خلق الفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي وزرع الانقسامات حتى ينهك الشرق ويظل تابعا لا قائدا وممزقا لا موحدا وهذه هي السياسة الاستعمارية الجديدة التي لا تحتاج إلى جيوش جرارة؛ بل إلى وكلاء ينفذون وأدوات تبرر وعالم غافل يصدق.
المسألة لا تقتصر على حدود جغرافية فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد أعمق فهي في المقام الأول قضية سياسية واستراتيجية تهدف إلى إدامة الصراع وإشغال الشرق الأوسط بهذا الكيان لمنع أي نهضة شاملة.
الشرق الأوسط يمتلك جميع مقومات القوة ويضم أهم المنافذ المائية؛ مما يجعل السيطرة عليه مفتاحا للهيمنة على الملاحة البحرية وهذا بدوره ينعكس على المشهد السياسي والاقتصادي ويعزز النفوذ على أرض الواقع، في معادلة لا تسمح بظهور قوى إقليمية قادرة على تغيير مسار التاريخ،
هذا الكيان ذو وظيفة محددة تتمثل في إشعال الصراعات المتواصلة وزرع الفتن وذلك عبر نشر الجواسيس وشراء الذمم وكما قال بايدن منذ زمن إذا لم تكن هناك إسرائيل فعلى أمريكا أن تخلق إسرائيل في إشارة واضحة إلى أن وجود هذا الكيان يخدم المصالح الغربية في المنطقة، فهو ليس مجرد كيان سياسي، بل أداة استراتيجية تستخدم لنهب ثروات الشعوب والتعدي على سيادة الدول وإبقاء المنطقة في حالة من الفوضى الدائمة تتيح للقوى الكبرى فرض هيمنتها وكأنها تضع القيود على أمة تملك كل مقومات النهوض لكنها تحاصر حتى تظل أسيرة واقع مرسوم لها مُسبقًا.
وهناك بُعد ديني عميق؛ إذ يُقال إن المعبر من الأرض إلى السماء هو أرض فلسطين، مما يجعل السيطرة عليها مفتاحًا للهيمنة على العالم.
لا يمكن إغفال مكانة القدس فهي ليست مجرد مدينة، بل قلب العقيدة ونبض التاريخ وأحد المقدسات الإسلامية التي تتجاوز حدود الجغرافيا لتسكن في وجدان كل مسلم فهي روح الأمة وقضيتها الخالدة ما بقي فيها نفس يرفض الذل والانكسار.
ولهذا فإن الصراع حولها ليس مجرد نزاع على الأرض، بل هو صراع عقيدة ووجود، حيث تسعى القوى المستكبرة إلى طمس هويتها وسلب قدسيتها، لكنها تبقى راسخة في القلوب كالنور الذي لا ينطفئ وكالعهد الذي لا يُنسى ما بقي في الأمة نبض حي وإرادة تأبى الانكسار.