اليوم التالى فى سوريا ما بعد سقوط نظام بشارالأسد بدأ .وربما تحددت ملامحه من لحظة سيطرة هيئة تحرير الشام وحلفائها ،بسرعة مفرطة مثيرة للدهشة ،على مفاصل المحافظات السورية الكبرى ، دون مقاومة من القوى الأمنية والعسكرية ، التى فوجئت بحجم التسليح الحديث والتدريب الماهر للحشود المهاجمة، وربما لعلم بعض قادتها ،بالترتيبات التى تم اتخاذها لإخراج آل الأسد من سوريا ، وتركهم فرادى بسلاح مهترئ فى الميدان .
والأجواء التى تراقب تلك اللحظات المصيرية فى تاريخ سوريا ،تمتلك الحق فى توجسها وقلقلها وخوفها ،من أن يكون القادم هو أسوأ من الغارب . إذ ليس معروفا فى تاريخ الجماعات الجهادية المتطرفة التى تتولى قيادة الأمور الآن فى دمشق ،إيمانها بالوسائل الديموقراطية ، أو بمقومات الدولة الوطنية المدنية، تلك التى يقتضى استقرارها وتقدمها ،ضمان حقوق كل مكوناتها الثقافية والعرقية والمناطقية والدينية والمذهبية . فضلاعن عدم الخلط بين الدينى والسياسى ، ويجرى فيها تداول السلطة سلميا .
لكن الأمل لايزال قائما ، أن يضع قادة العهد الجديد فى سوريا فى اعتبارهم ،أن الاستقبال الحافل بهم من قبل السوريين ،كان رفضا لما لاقوه من إفقار وقمع للحريات وتهجير فى الداخل والخارج ، وتقسيم للبلاد من سياسات النظام الذى سقط ، وليس ترحيبا غير مشروط بما هو قادم ، لاسيما وسجلات تجاربهم التاريخية الغارقة فى الدماء والانشقاقات والتصفيات المتبادلة داخل تنظيمات القاعدة وداعش والإخوان ،التى خرجوا من عباءتها ، محفورة فى الأذهان .كما أن رهان هؤلاء القادة ،على دعم خارجى ، يتجلى فى رغبة قوى دولية وإقليمية على إعادة تأهليهم لتثبيت نظامهم الجديد ، هو اختيار لا يتجاهل فقط ،أن تلك القوى تسعى للحفاظ على مصالحها وتعزيز نفوذها ،حتى لوتعارضت مع مصالح الشعب السورى، بل هو أيضا تكرار لأخطاء النظام الذى أسقطه .
حينما تصدى فى ربيع عام 2011 ،بجبروت من القوة لاحتجاجات شعبية سلمية ، أضحى الأسد رهين محبسين، هما روسيا والحرس الثورى الإيرانى ،الحلفين اللذين أعاقا انهياره على امتداد أكثر من عقد .وحين فشل نظامه خلال تلك الفترة فى قراءة التغييرات التى طرأت على الواقع الإقليمى والدولى ، فى أعقاب حرب إسرائيل الوحشية على غزة والضفة ولبنان ،حيث غدا الهدف الواضح لحلف إسرائيل الأمريكى والغربى ،ليس شل النفوذ الإيرانى فى الإقليم وإضعافه ،بل إخراجه نهائيا من موازين القوى الإقليمية .وحين صم آذانه عن الاستماع لنصائح الحلفاء بتغيير بعض سياساته ، عجز هؤلاء الحلفاء عن إنقاذ نظامه .
لعله يكون المطلوب الآن تأمل الواقع السورى الجديد كما هو على الأرض ، وعدم الإسراع إلى محاكمته بأفكارمسبقة ، تقتصر على الفهم النظرى لتجارب مماثلة . وفى هذا السياق يصبح من الضرورى،أن يدخل النظام العربى بقوة فى المعادلات الجارية لرسم خريطة لمستقبل سوريا ، تعتمد على كسب ثقة النظام الجديد فى دمشق ،تجعل الحاضنة العربية أقرب إليه من الاندفاع نحو تحالفات دولية وإقليمية ، والاكتفاء بها، وتساهم فى تشجعيه على الابتعاد عن أفكاره التقليدية الإقصائية ، وتحثه على الالتزام بسياسات تمنع الأقتتال الأهلى حول النفوذ والهيمنة على السلطة .
و يقتضى هذا الأمل كذلك ،منح الحاكمين الجدد فى دمشق الفرصةلإثبات قدرتهم على التغير والتجدد ، ورغبتهم الحقيقية فى بناء سوريا جديدة تكتسب رضاء كل أينائها ، وتستعيد ماضيها المجيد فى دولة تنموية حديثة ، لا يعلو فيها أحد فوق القانون والدستور ، وتكون الأمة فيها هى مصدر السلطات .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على فكرة ما بعد السقوط أمينة النقاش
إقرأ أيضاً:
وثيقة للمخابرات السورية تكشف تفاصيل عن سقوط النظام.. ماذا جاء فيها؟
كشفت وثيقة عثر عليها في مقر المخابرات الجوية السورية بدمشق أن قيادة قوات النظام السوري أمرت جنودها بالجاهزية يوم 28 نوفمبر الماضي، بعد يوم واحد من بدء فصائل المعارضة المسلحة هجومها على حلب.
وبحسب الوثيقة التي نقلت "رويترز" بعض تفاصيلها فإن إدارة المخابرات حذرت عناصرها من عقوبات إذا امتنعوا عن القتال.
ونقلت "رويترز" عن ضابط في الجيش السوري أنه رغم التهديد بالعقوبات فقد بدأت الانشقاقات داخل الجيش السوري منذ ذلك الحين.
وبدأت الفصائل السورية المسلحة، بقيادة "هيئة تحرير الشام" يوم 27 نوفمبر الماضي هجوما واسعا على مدينة حلب وتمكنت من السيطرة على المدينة، ومنها على حماة ثم حمص، وصولا إلى العاصمة دمشق.
وتمكنت الفصائل المسلحة من السيطرة على العاصمة والإطاحة بنظام بشار الأسد خلال 11 يوما.
وتشهد سوريا تطورات دراماتيكية منذ فجر 8 ديسمبر، مع إعلان قوات المعارضة السورية دخول العاصمة دمشق، ومغادرة الرئيس بشار الأسد البلاد بعد أن ترك منصبه مع إعطاء التعليمات بإجراء عملية نقل السلطة سلميًا وفقًا لما أعلنته وزارة الخارجية الروسية.
فيما تم تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية للبلاد.
أما عن مصير الرئيس بشار الأسد، أكد مصدر بالكرملين لوكالة الأنباء الروسية "تاس"، أن "بشار الأسد وأفراد من عائلته وصلوا إلى موسكو، بعد منحهم حق اللجوء بناء على اعتبارات إنسانية".
وأكد الكرملين الروسي، أن الرئيس فلاديمير بوتين هو من اتخذ شخصيا قرار منح بشار الأسد اللجوء بروسيا، نافيًا وجود خطط في الوقت الحالي للقائهما.