سوريا بين رمزية السقوط وآمال البناء
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الجاري انهار النظام الذي حكم سوريا بالحديد والنار لعقود في أيام قليلة، رغم أنه بَنى نفسه على أساس الخوف والقمع والتهميش. فبشار الأسد، الذي تسلّم السلطة عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد الذي حكم البلاد منذ عام 1971، قاد نظاما جعل من الدولة أداة لترسيخ سلطته عبر استخدام الأجهزة الأمنية والجيش لقمع أي صوت معارض.
لكن، وكما علّمنا التاريخ، لا يمكن لأي نظام مهما بلغت قسوته أن يصمد أمام إرادة الشعوب. فسقوط الأسد ليس مجرد انهيار لحاكم، بل هو رمز لانهيار منظومة القمع والتسلط التي حاولت أن تجعل من الإرهاب والخيانة تهمة جاهزة ضد كل من يطالب بالحرية، فأين الآن هذه التهم التي رمى بها الأسد معارضيه؟
لطالما لجأ بشار الأسد إلى وصم المعارضة بتهم الإرهاب والخيانة لتبرير قمعه الوحشي، إلا أن سقوطه أظهر زيف هذه الادعاءات. فملايين السوريين الذين انتفضوا ضد الظلم لم يكونوا إرهابيين، بل شعبا يطالب بحقوقه في الحرية والكرامة.
سقوط الأسد ليس مجرد انهيار لحاكم، بل هو رمز لانهيار منظومة القمع والتسلط التي حاولت أن تجعل من الإرهاب والخيانة تهمة جاهزة ضد كل من يطالب بالحرية، فأين الآن هذه التهم التي رمى بها الأسد معارضيه؟
ومع فرار الأسد وعجزه، بل جبنه عن المواجهة، تبين أن النظام الذي ادّعى القوة والاستقرار لعقود كان هشّا أمام أصوات الناس وموجات الغضب الشعبي السوري، فالتهم التي وُجّهت للمعارضين لم تكن سوى ستار لحماية نظام استبدادي وحشي، وقد سقطت هذه التهم مع انهيار النظام نفسه، لتُسجل صفحة جديدة في تاريخ سوريا عنوانها "لا بقاء لطاغية".
لماذا يجب على حكامنا أن يخافوا؟
إن سقوط بشار الأسد يحمل رسالة مباشرة للحكام المستبدين في عالمنا العربي؛ فهذا هو نظام الأسد صاحب السطوة الأمنية والقبضة الحديدية التي لا يمكن اختراقها قتل أكثر من 600 الف وشرد ملايين السوريين في شتى البلاد، ها هو قد سقط الآن، فلا مجال أمامكم سوى السماع لصوت الناس والاعتبار من هذا المصير المحتوم الذي سيأتيكم ولو في قصور يحوطها الحرس من كل جانب..
إن الروايات التي يحيكها المحررون من سجون صيدنايا والسجون المركزية في حلب وحماة وغيرها تتطابق مع الروايات التي يحكيها السجناء المفرج عنهم من سجون أنظمة عربية حاكمة ما زالت تمارس القمع تجاه كل من يعارضها، فإن كانت الأدوات التي تمارسها الأنظمة متطابقة فإن النتيجة لن تختلف كثيرا من بلد لآخر حتى لو تأخرت فهي محتومة.
فعلى المستبدين في عالمنا أن يدركوا أن التغيير قادم لا محالة، وأن الخيار الوحيد لضمان استقرارهم هو الإصلاح الحقيقي والاستماع لصوت الشعوب بدلا من محاولة إسكاته.
إن الرسالة التي يحملها معتقل محرر بعد 40 سنة في أسوأ سجون العالم وأشدها تعذيبا وانتزاعا للآدمية والإنسانية يحمل كذلك رسالة لأولئك المغيبين ظلما وزورا خلف أسوار السجون في كل بقعة من عالمنا العربي والإسلامي؛ مفادها أن الحرية قادمة وبلا أدنى شك في ذلك مهما طال الزمن أو تبين أن السجان قوي فهو ليس كذلك بل ربما يستغرق إسقاطه فقط بضعة أيام.
آمال وطموحات
أملي أن تكون سوريا نموذجا حقيقيا لربيع عربي ناجح، موحدة لا طائفية، عادلة لا استبداد بها تفتح المجال للجميع دون تمييز بين طائفة وطائفة أو دين ودين أو حزب وحزب، بل سوريا لكل السوريين تعيد بناء ما هدمه الطغيان والاستبداد في الإنسان والبنيان لأكثر من نصف قرن من الزمان.
سقوط بشار الأسد يحمل رسالة واضحة لجميع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي إذ أصبح من الضروري أن تعيد هذه الأنظمة بناء جسور الثقة مع شعوبها من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الظلم عن المظلومين، وفتح المجال أمام الحريات الأساسية
إن ما حدث في بلدان الربيع العربي ابتداء من انطلاق الشرارة الأولى له في تونس مرورا بمصر وليبيا واليمن وما يحدث حاليا في فلسطين عامة وغزة خاصة والسودان يحمل للقائمين على الأمر في سوريا رسالة مباشرة واضحة لا تحمل إلا معنى واحدا:
نجاحكم في إدارة النموذج هو طوق النجاة لنا جميعا، ومهما تحالفت ضدكم ذات القوى التي أفشلت ثوراتنا ومكّنت العسكر من رقابنا وزجت بالثوار في السجون أو أرغمتهم للخروج من البلاد.. فكونوا على قدر هذه المسؤولية التي تقدمتم لها، فنجاح الثورة في سوريا سيقول لذاك المعتقل الذي يقبع في زنزانة انفرادية ربما منذ 10 سنوات؛ إنه ما زال هناك أمل في الخروج من هنا نحو دولة واعدة حرة مصانة فيها الكرامة والعدالة وبها من الحرية ما يكفي ويزيد.
ختاما أقول إن سقوط بشار الأسد يحمل رسالة واضحة لجميع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي إذ أصبح من الضروري أن تعيد هذه الأنظمة بناء جسور الثقة مع شعوبها من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الظلم عن المظلومين، وفتح المجال أمام الحريات الأساسية.
فالنهاية التي شهدها نظام الأسد بعد أكثر من عقد من القمع هي درس مؤلم، ولكنه ضروري. فالشعوب لا تنسى، وإن تأخرت، فإن إرادتها ستنتصر. والمصير المحتوم لأي نظام قائم على الاستبداد هو السقوط، إلا إذا اختار الإصلاح الحقيقي والتغيير الجذري وكما قيل: السعيد من وعظ بغيرة والشقي من وعظ بنفسه، فليكن لكم في الأسد العبرة وفي سوريا المثال والأسوة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الأسد استبدادي الثورة سوريا الأسد استبداد الثورة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بشار الأسد
إقرأ أيضاً:
سوريا.. تشييع جثمان مازن حمادة الذي فضح سجون الأسد وقضى فيها
يمن مونيتور/ وكالات
شيع مئات السوريين اليوم الخميس جثمان الناشط السوري المعارض مازن حمادة الذي عثر على جثته قبل أيام مع عشرات الجثث، التي تعود لسجناء من سجن صيدنايا سيئ الصيت، أعدمهم النظام قبل سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وانطلق التشييع من مستشفى المجتهد قرب حي الميدان الدمشقي عند التقاطع مع شارع خالد بن الوليد، وعرفت هذه المناطق المظاهرات المناهضة لحكم الأسد منذ بدء الاحتجاجات عام 2011.
وردد المشيعون هتافات الثورة، لتُسمع في شوارع دمشق الرئيسية وساحاتها، على مرأى من الجميع. بأصوات مبحوحة، وبكاء حاضر، يحمل المشيعون صورا لشهداء ومغيبين سوريين، لتخليد ذكراهم، يهتفون “دمّ الشهيد.. مو نسيانينو”، و”أم الشهيد كلنا ولادك”.
مازن حمادة معتقل سوري سابق هرب من الجحيم إلى هولندا، ثم ظهر في مقابلة تلفزيونية يفضح وحشية النظام السوري وتعذيبه للمعتقلين.
مازن كان يشرح كل شيء حدث بالتفصيل لكن عندما تم سؤاله "ما شعورك تجاه الذين عذبوك ؟ " توسعت حدقة عينه ، نزلت دمعته وأجاب : pic.twitter.com/lFgVi9N5oc
— ناصر بن عوض القرني (@NasserAwadQ) December 3, 2024
الثورة والنصر
وأقيمت صلاة الجنازة في جامع عبد الرحمن بن عوف قرب المستشفى، وانطلق موكب التشييع هبوطا باتجاه محطة الحجاز في شارع النصر، المطلّة على شارع الثورة لتكتسي الأماكن بمسمياتها.
كما مرّ التشييع قرب قصر العدل، وأصوات المتظاهرين تطالب بالقصاص من رموز النظام القاتل، مرددين “والله لنأخد بالتار، من ماهر ومن بشار”، “الشعب يريد إعدام الأسد”.
اعتقال فرحيل ثم عودة مفاجئة
واعتقل النظام مازن حمادة مع بداية الثورة عام 2011 عدة مرات قبل أن يطلق سراحه بعد سنوات من الاعتقال والتعذيب ليتوجه إلى أوروبا ويحصل على اللجوء في هولندا، وعاد إلى سوريا مجددا منذ 4 أعوام ليجدد النظام اعتقاله قبل العثور على جثته الاثنين الماضي.
حمادة المنحدر من محافظة دير الزور شرق سوريا وكان يعمل في شركة نفط أجنبية قبل اعتقاله عام 2011، اشتهر بعد تقديم شهادته أمام عدسات وسائل إعلام وكذلك في أفلام وثائقية ومؤتمرات عن المعتقلين والمختفين قسريا في سجون الأسد شرح فيها ظروف الاعتقال والتعذيب الوحشية والمسالخ البشرية الموجودة في سجون الأسد، كما كان مساهما في إجراءات دولية لمحاكمة نظام الأسد.
وأمضى حمادة ما يقارب 3 سنوات في سجون الأسد، وبعد إطلاق سراحه عام 2014، قدم شهادته التفصيلية في أنحاء العالم على التعذيب الذي تعرض له في سوريا قبل أن يستقل الطائرة فجأة عام 2020 عائدا إلى دمشق، حيث اختفى فور وصوله إلى المطار.
وبعد تقديم شهادته الشهيرة أطلق ناشطون عليه لقب “الميت المتكلم” وأعادوا ذلك، لأنه نجا من الموت الذي يهدد أي معتقل في سجون الأسد، وكذلك لتعابير وجهه الجامدة والحزينة والآثار النفسية التي خلفها فيه التعذيب في سجون النظام.
وقالت الصحفية ورد نجار تعليقا على العثور على جثة مازن حمادة: “قتلوا مازن حمادة عدة مرات.. مات قلبه وعقله وشعوره كل على حدة.. والآن بعد سقوط الطاغية وجلاديه، انتشرت صورة جثة مازن فأدركنا أنه مات جسدا ولكن لم ولن تموت ذكراه فينا بل وحتى سنخلّدها للأجيال القادمة”.
وتبقى قصة قرار عودة حمادة إلى سوريا مجددا بعد ما تعرض له من تعذيب في سجون الأسد لغزا لم يقدم أي من المقربين له حتى اليوم إجابة شافية عنه، فبينما يقول بعضهم إنه عاد إلى سوريا لزيارة عائلته بعد حصوله على “الأمان” وتطمينات من نظام الأسد بأنه لن يمسه، أشار البعض إلى أنه كان يعاني حالة اكتئاب حادة عند اتخاذه القرار وهذا ما ظهر في مقاطع فيديو وأكثر من بث مباشر ظهر فيها قبل عودته إلى سوريا.