بعد تجربتها في إدلب.. هل تستطيع الفصائل حكم سوريا؟
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
(CNN)-- عندما جلس رئيس الوزراء السوري المعين من قبل الفصائل السورية مع مسؤولين من نظام بشار الأسد المخلوع لأول مرة، الثلاثاء، تضمنت الخلفية علم الثورة السورية إلى جانب علم آخر يحمل عبارة "التوحيد" الإسلامي الذي غالبا ما يرفعه الجهاديون.
وأثارت صورة العلمين التي اختارتها الفصائل السورية لأول اجتماع وزاري مُعلن لها، لمناقشة انتقال السلطة منذ سقوط نظام بشار الأسد الجدل، حيث لجأ مشككون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد هذه الخطوة.
ربما قد تكون الفصائل السورية لاحظت ذلك. وفي مقابلة تلفزيونية لاحقة مع قناة "الجزيرة"، ظهر رئيس الوزراء المؤقت محمد البشير، الذي كان يحكم حتى هذا الأسبوع محافظة إدلب الصغيرة ذات النزعة المحافظة نيابة عن المعارضة السورية، بجوار العلم السوري الجديد فقط.
والطريقة التي حكمت بها الفصائل السورية إدلب، في شمال غرب سوريا، تقدم لمحة ثاقبة لكيفية حكمهم للبلاد. ويصف خبراء وسكان في إدلب حكم الفصائل بأنه عملي ويتأثر بالضغوط الداخلية والخارجية، مع جهودهم للنأي بأنفسهم عن الماضي الجهادي وكسب القبول الدولي. ومع ذلك، كان حكمهم بعيدا عن الديمقراطية أو الليبرالية. ويحذرون من أن حكم دولة كبيرة ومتنوعة مثل سوريا سيكون تحديا مختلفا بشكل كلي.
أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية التي قادت هجوم الفصائل السورية للإطاحة بنظام الأسد، اختار الحكم من الظل، وعين البشير التكنوقراطي - لقيادة سوريا في الفترة الانتقالية. وقال إن مسؤوليه اكتسبوا خبرة مهمة أثناء حكمهم لإدلب، لكنه أقر بأن ذلك قد لا يكون كافيا.
وقال الجولاني لمحمد غازي الجلالي، آخر رئيس وزراء في عهد بشار الأسد، خلال اجتماع، الاثنين، لمناقشة نقل السلطة: "لقد بدأت (الفصائل السورية) من لا شيء، إدلب صغيرة وبدون موارد، ولكن الحمد لله تمكنا من القيام بأمور جيدة بالفعل في الماضي. تجربتهم ليست صفرا وهناك (مناطق) نجحوا فيها، ولكن لا يمكننا الاستغناء عن (الحرس) القديم وعلينا الاستفادة منهم".
وفي غضون 13 يوما فقط، انتقل وزراء الجولاني من حكم محافظة إدلب الصغيرة إلى التطلع إلى حكم سوريا بعد أول تغيير للنظام منذ ستة عقود. ويقول الخبراء والسكان الذين عاشوا تحت حكومة الإنقاذ السورية التي قادتها الفصائل السورية، إن مجلس الوزراء محدود الخبرة سيحتاج إلى التكيف بشكل كبير إذا أراد قيادة الفترة الانتقالية بشكل فعال.
وقال الدكتور وليد تامر، أحد سكان إدلب الذي شهد تحول المحافظة تحت حكم الفصائل السورية، وقال إنه تفاعل شخصيا مع الجولاني، وبحكم حكومة الإنقاذ السورية في إدلب، قائلا إن حرية التعبير محمية. لكنه حذر من أن الفصائل ليست مستعدة لحكم بقية البلاد.
وأضاف تامر، رئيس نقابة الأطباء الأحرار في شمال سوريا والذي يصف نفسه بأنه ليبرالي: "لقد انتقلت من حكم إدلب إلى حكم أمة بأكملها ... لا أعتقد أن قدرات الحكومة التي رأيناها كافية لمهمة حكم سوريا بأكملها".
وقال إن إدلب كانت "آمنة جدا" في ظل حكومة الإنقاذ السورية، مضيفًا أن الفصائل السورية لم تفرض أي قيود على السفر والحركة داخل المحافظة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام.
وأوضح: "كانت سوريا ككل مكانا صعبا للعيش فيه، لكن حكومة الإنقاذ السورية لم تتدخل أبدا في الحياة الشخصية. كانت المنتجات متوفرة ولم تُفرض أي قيود على ملابسك أو طريقة حياتك".
وقال عبد اللطيف زكور، أحد سكان إدلب الذي عاش تحت حكم الفصائل السورية، ولكنه انتقل الآن إلى تركيا، لشبكة CNN إن الظروف الاقتصادية في ظل حكومة الإنقاذ السورية كانت "صعبة للغاية". موضحا: "الحياة في المحافظة لم تكن مزدهرة".
وأضاف: "لم يكن هناك ما يكفي من فرص العمل، وظل الكثير من الناس في منازلهم".
فرض السيطرة
عندما وسع الجولاني، الذي يُعرف الآن باسمه الحقيقي أحمد الشرع، نفوذه في إدلب في عام 2017، وقضى على الجماعات الإسلامية المنافسة ودعم مشروعا جديدا لتنصيب حكومة مدنية تتألف من تكنوقراط وأكاديميين محليين، منفصلا عن الأساليب الجهادية الأخرى التي شهدت الإكراه الديني تحت حكم السيف في الأراضي التي استولوا عليها.
وقال جيروم دريفون، المحلل البارز الذي أجرى أبحاثا عن هيئة تحرير الشام لصالح مؤسسة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، لشبكة CNN: "قبل حكومة الإنقاذ، كان هناك العديد من الفصائل المختلفة التي لديها محاكم عدالة وسجون وخدمات اجتماعية خاصة بها، لقد فرضت نفسها على الفصائل الأخرى وتولت مسؤولياتها في الحكم".
وعند إنشائها في عام 2017، أصدرت حكومة الإنقاذ بيانا يحدد أربعة مبادئ، أحدها يقول إن الشريعة الإسلامية هي "المصدر الوحيد للتشريع"، مؤكدة الحاجة إلى "الحفاظ على الهوية السورية والإسلامية للشعب"، حسبما ذكرت الجزيرة.
وعملت حكومة الإنقاذ السورية كحكومة وظيفية، حيث عقدت اجتماعات وزارية معلنة مع مسؤولين مناسبين، وأصدرت بيانات صحفية وأشرفت على 11 وزارة، بما في ذلك العدل والرياضة والتعليم. كما جمعت الضرائب، وأدارت موارد إدلب المحدودة لحكم 4 ملايين شخص، ونسقت مع المنظمات الإنسانية الدولية لتقديم المساعدات إلى 3 ملايين نازح في المنطقة.
ولكن تلك الحكومة لم تكن منتخبة ديمقراطيا، وتم تعيين الوزراء من خلال موافقة مجلس الشورى، أو المجلس الاستشاري، المكون من شخصيات محلية بارزة، تم اختيار بعضهم من قبل هيئة تحرير الشام التي يقودها الجولاني. ولم تشغل أي امرأة مناصب قيادية في حكومة الإنقاذ السورية خلال حكمها الذي دام سبع سنوات.
وقال جيروم دريفون: "إنه حكم إسلامي بطريقة تكنوقراطية. ما أرادوا القيام به هو التحكم في كيفية فهم الدين وكيفية تنفيذه".
ورسم تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2022 صورة قاتمة لما كانت عليه الحياة تحت قيادة هيئة تحرير الشام.
وقال تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول سوريا: "تم اعتقال الناس بعد تعليقات أدلوا بها في محادثات خاصة تتعلق بغلاء المعيشة أو الأمور الدينية". وأضاف: "تم تصنيف هذه التعليقات على أنها قذف وتجديف، حيث أدى هذا الأخير إلى حكم بالسجن لمدة عام واحد". وواصلت السلطات "اعتقال النساء بسبب ارتداء ملابس (غير لائقة)، وعدم الامتثال للحظر المتعلق بالترفيه".
وقال تامر، الذي ذكر أنه تفاوض مع مسؤولي هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ بشأن الأمور الطبية، إن الجولاني على مر السنين تراجع عن دوره في الشؤون اليومية للحكومة ومنحها المزيد من التصرف، ولم يتدخل إلا في قضايا أكبر عرضت نفوذ مجموعته للخطر.
الحكم بالمراسيم
في غياب دستور أو هيئة تشريعية منتخبة، حكمت هيئة تحرير الشام إدلب بالمراسيم، وأنشأت هيكلا مختلطا للمحاكم المدنية الإسلامية التي تضم محامي الدفاع ومدعيا عاما والاستئناف.
وقال دريفون إن الجولاني كان براغماتيا في التكيف مع متطلبات المجتمع الذي حكمه. واستجابة لاستياء الجمهور، تخلص ببطء من التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية، وغض الطرف عن الاختلاط بين الجنسين والتدخين وسمح بالاحتجاجات ضده. تم حل وحدة الأخلاق التي تطبق الشريعة الإسلامية ولكن تم حث النساء على تغطية شعرهن.
وقال دريفون: "لقد كان مشروعا ناجحا في الممارسة العملية لأنه كان هناك أيضا دعم من السكان. كانت الأمور مستقرة، وكان الاقتصاد يعمل بشكل أفضل (عن بقية سوريا) وحتى نوع الاستبداد لم يكن يذكر مقارنة بعائلة الأسد".
لكن كانت هناك استثناءات. ففي العام الماضي، أصدرت حكومة الإنقاذ السورية "مرسوما للأخلاق" يأمر الأطفال بالالتزام بقواعد اللباس الإسلامي والحد من الموسيقى في المرافق التعليمية. وقال دريفون إن الجولاني تدخل لتجميد المرسوم، خشية أن تؤثر الضجة الدولية على تبرعات المساعدات.
ومن القضايا الأخرى، الاعتقال والتعذيب المزعوم للمعارضين الذي تسبب في احتجاجات كبيرة ضد الجولاني في إدلب العام الماضي. وقال الجولاني لشبكة CNN، الأسبوع الماضي إن الانتهاكات في السجون "لم تتم بأوامر أو توجيهات منا"، وإن هيئة تحرير الشام عاقبت الجناة بالفعل.
وقال دريفون إن انتقال سوريا إلى الديمقراطية سيكون عملية طويلة ومعقدة بعد ستة عقود من الدكتاتورية.
وأضاف: "لقد كان شكلا جديدا للغاية من أشكال الحكم (في إدلب)، لا يمكنك أن تتوقع من مجموعة مسلحة تسيطر على منطقة صغيرة للغاية في حالة حرب أن تؤسس نظاما ديمقراطيا اجتماعيا، كان عليها أن تكون واقعية بشأن ما يمكن حدوثه في حالة الحرب. لم تكن هناك ديمقراطية في سوريا منذ خمسة أو ستة عقود. ولن تصبح سوريا ديمقراطية خلال أسبوع واحد".
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: المعارضة السورية بشار الأسد حکومة الإنقاذ السوریة هیئة تحریر الشام الفصائل السوریة فی إدلب
إقرأ أيضاً:
يونيسيف: الذخائر غير المنفجرة تهدد حياة أطفال سوريا
أعرب مدير التواصل لحالات الطوارئ لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ريكاردو بيرس عن القلق المستمر جراء الآثار المدمرة للذخائر غير المنفجرة في سوريا، وذلك مع عودة العائلات السورية إلى ديارها في أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ويأتي ذلك وسط تقارير عن تسبب الذخائر غير المنفجرة بسوريا في مقتل أو إصابة أكثر من 110 أطفال خلال ديسمبر/كانون الأول، وما تمثله من تهديد لتلك العائلات السورية وأطفالها.
وقال بيرس "بينما يتزايد الأمل في أن ينعم الأطفال السوريون بالسلام لا يزال الفتيان والفتيات في البلاد يعانون من الآثار المدمرة للذخائر غير المنفجرة بوتيرة مقلقة".
وأكد بيرس في حديثه من دمشق للصحفيين بجنيف "في ديسمبر/كانون الأول الماضي وحده، قُتل أو أصيب 116 طفلا بسبب الذخائر غير المنفجرة، أي بمعدل 4 أطفال يوميا"، مشيرا إلى أن تنقلات السكان الجديدة حاليا "تفاقم المخاطر".
وأوضح المسؤول الأممي أن اليونيسيف ترى أن هذا الرقم أقل من الواقع "نظرا إلى الوضع الإنساني على الأرض"، بعد شهر من سقوط نظام الأسد في أعقاب نزاع مدمر دام 14 عاما.
وتتزايد تلك المخاوف لا سيما حيال الأطفال، باعتبارهم معرضون بشكل خاص لهذه الذخائر غير المنفجرة، التي قد يحتكون بها عن طريق الخطأ أو غالبا ما يظنون أنها ألعاب أو أشياء غريبة.
إعلانوأوضح أنه "منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني، اضطر ما لا يقل عن ربع مليون طفل على الفرار من منازلهم، بسبب تصاعد النزاع، لافتا إلى أن "مخاطر الذخائر غير المنفجرة دائمة ولا يمكن تجنبها".
وقال بيرس إن البلاد "لم تتخلص من مخلفات الحرب المدمرة بما في ذلك حوالي 320 ألف ذخيرة غير منفجرة"، موضحا أن هذا الخطر يؤثر على 5 ملايين طفل يعيشون في مناطق شديدة الخطورة، تنتشر فيها الذخائر غير المنفجرة والألغام المضادة للأفراد.
وأوضح أنه خلال السنوات التسع الماضية تم تسجيل ما لا يقل عن 422 ألف حادثة تتعلق بالذخائر غير المنفجرة في 14 محافظة بعموم البلاد، "وأسفر نصفها عن خسائر فادحة يبن الأطفال"، مشيرا إلى أن ذلك سبب رئيسي لوفيات الأطفال في سوريا حاليا ومنذ سنوات.
نصائح مهمة لأهلنا السوريين، من مخاطر الألغام ومخلفات الحرب. #الخوذ_البيضاء #سوريا pic.twitter.com/gRNkkjAVTj
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) December 11, 2024
وتدعو اليونيسيف المجتمع الدولي إلى الاستثمار للقضاء على هذه المخلفات القابلة للانفجار، وقال المتحدث باسم المنظمة في جنيف جيمس إلدر "نتحدث عن عشرات ملايين الدولارات. إنه ثمن متواضع".
وكان نظام الرئيس الأسد بدأ نهاية عام 2011 بزراعة الألغام على طول الشريط الحدودي مع لبنان وتركيا من دون أن يترافق ذلك مع تحذيرات ملائمة لحماية المدنيين، وفق تقرير بثته الجزيرة.
كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وفي وقت سابق مقتل ما لا يقل عن 3521 مدنيا، بينهم 931 طفلا، بسبب انفجار الألغام الأرضية منخفضة التكلفة من حيث التصنيع، إضافة إلى إصابة أكثر من 10 آلاف إنسان خلال تلك الفترة.
وبرزت محافظات ملوثة بنسب أعلى من غيرها بالذخائر العنقودية والألغام، مثل حلب وإدلب وحماة وحمص والرقة ودير الزور والحسكة، وبدرجة أقل دمشق ودرعا والسويداء.
إعلانوقد أظهرت مشاهد خاصة للجزيرة أواخر الشهر الماضي فرق الهندسة بإدارة العمليات العسكرية على إزالة وتفجير الألغام والذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب في مناطق الساحل بسوريا، التي كانت مزروعة خلال المعارك السابقة.
وقال مسؤول في فرق الهندسة إنهم يعملون بالتعاون مع ضباط تابعين للنظام السابق على تحديد أماكن وجود الألغام لتفكيكها وإزالتها، موضحا أن أعمال الكشف عن الألغام ما زالت مستمرة لإتلاف غير الصالحة للاستخدام أو تخزينها في مستودعات آمنة.