زيادة الرواتب بنسبة 100%.. هل تؤثر على واقع السوريين؟
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
دمشق – أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد -أمس الأربعاء- قرارات بزيادة الرواتب والأجور بنسبة 100% لكل العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين، ومنح أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين زيادة قدرها 100%.
وبالتزامن مع هذه الزيادة رفعت حكومة النظام أسعار المحروقات والمشتقات النفطية بنسب متفاوتة تصل أعلاها إلى نحو 150%، فارتفع سعر لتر البنزين المدعوم (90 أوكتان) إلى 8 آلاف ليرة بدلا من 3 آلاف، وسعر لتر البنزين "95 أوكتان" إلى 13 ألفا و500 ليرة بدلا من 10 آلاف، وسعر لتر المازوت المدعوم إلى ألفي ليرة بدلا من 700 ليرة، وسعر لتر المازوت الحر للقطاع الصناعي إلى 11 ألفا و550 ليرة بدلا من 5 آلاف و400 ليرة.
وأدى هذا القرار الحكومي إلى إشعال غضب أصحاب وسائل النقل العامة الذين أعلنوا إضرابات في عدد من المحافظات السورية، ممتنعين عن نقل الركّاب إلى وجهاتهم.
وتشهد الليرة السورية، منذ مطلع العام الجاري، انهيارا متسارعا في قيمتها تخطى معه سعر صرف الدولار حاجز 15 ألف ليرة للمرة الأولى مساء أمس الأربعاء.
زيادة شكليةواستقبل سوريون خبر زيادة الرواتب بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات بالسخرية حينا والسخط أحيانا مشيرين في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى عدم جدوى هذه الزيادة في ظل الارتفاع الكبير والمتسارع الذي تشهده أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.
ودوّن مجد محمد على صفحته في فيسبوك موجها حديثه للجهات المسؤولة "ألغوا زيادة الرواتب وخذوا الراتب كله، وبالمقابل ألغوا قرارات مبارح (أمس)، أساسا نحن اقتنعنا أننا لا نستحق العيش".
واستشرف المستشار الاقتصادي السوري أسامة القاضي، على صفحته الشخصية في فيسبوك، حدوث تضخم جديد بالتزامن مع قرار الحكومة رفع أسعار مادتي المازوت والبنزين، وأشار القاضي إلى تراجع قيمة الموازنة العامة السورية لعام 2023 من 2.7 مليار دولار إلى مليار دولار بالتزامن مع رفع أجور العاملين 100%.
ويقول جعفر (38 عاما)، موظف في القطاع العام في دمشق، للجزيرة نت "راتبي قبل الزيادة 175 ألف ليرة والآن أصبح بعد الزيادة 350 ألفا (22 دولارا)، ولكن قبل شهور قليلة كنت أشتري كيلو البن بـ40 ألف ليرة أما اليوم فأصبح بـ100 ألف ليرة، وإيجار منزلي كان بـ200 ألف ليرة والشهر الماضي ارتفع إلى 450 ألفا".
ويضيف "هذه الزيادة شكلية وفي الواقع غير ملموسة، فنحن 3 أفراد في المنزل وتكلفة أبسط وجبة خالية من اللحوم لا تقل عن 40 ألف ليرة (2.5 دولارا)، وإذا قلنا إننا سنكتفي بوجبتين في اليوم فقط وضربنا ثمن هاتين الوجبتين بعدد أيام الشهر لكان الحاصل مليونان و400 ألف ليرة (154 دولارا)، فكيف يمكنني دفع إيجار منزلي وإطعام أسرتي بعد هذه الزيادة؟".
وارتفع متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية في مناطق سيطرة النظام شهريا، في مارس/آذار الماضي، إلى 6.5 ملايين ليرة وفقا لـ"مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة".
ويعاني السوريون اليوم من أزمة معيشية غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب وبداية الأزمة الاقتصادية في البلاد قبل 12 عاما، ويعيش 90% منهم تحت خط الفقر منذ عام 2021 وفق برنامج الأغذية العالمي.
ويرى الخبير الاقتصادي السوري وسام أبو حسون أن زيادة الرواتب والأجور لا تعدو أن تكون "مسرحية هزلية في ظل النظام السوري الذي هو في الأساس نظام طبقي تغيب عنه آليات التنسيق ما بين السياستين المالية والنقدية، فتصبح زيادة الرواتب أداة لامتصاص الغضب الشعبي، فالزيادة الأخيرة في الرواتب هي زيادة في كمية النقد المتداول فقط، والتي سينتج عنها تضخمية ارتدادية نتيجة لازدياد الطلب المترافق مع زيادة الرواتب وعدم وجود أي مرونة مقابلة في العرض السلعي والخدمي، وبالتالي تهالك جديد في القوة الشرائية لليرة السورية".
أما عن دلالة تزامن صدور مرسوم زيادة الرواتب مع قرار حكومة النظام رفع أسعار المحروقات والمشتقات النفطية؛ فيقول أبو حسون للجزيرة نت "إن هذا التزامن يدل على نية النظام في الانتقال إلى سياسة تحرير السوق، وبالتالي تحرير الدولة من آخر التزاماتها تجاه الشريحة الأوسع من السوريين، لا سيما مع إلغاء الدعم نهائيا، واقتصار السياسة المالية على خدمة الطبقة السائدة فقط من رجالات النظام والتجار".
واستبعد الخبير الاقتصادي أن تكون هذه الزيادة كفيلة بتغطية التضخم "لأنها لا تعالج أسباب المشكلة، ولأن أدوات السياسة النقدية المتمثلة بسعر الفائدة وسعر الصرف لم تعد قادرة على ضبط السوق السورية، فسعر الصرف الذي يعتمد بشكل أساسي على الميزان التجاري وقيمة الصادرات -التي ترفع من احتياطيات المصرف المركزي- أصبح منهارا تحت ضغوط العقوبات الاقتصادية والدمار الذي لحق بالقدرة الإنتاجية، وأما سعر الفائدة فإنه مهما تم رفعه فهو لن يكون جذابا لامتصاص أي كتل نقدية من التداول، لأن قيمة الفائدة سوف تتآكل بنسب التضخم العالية".
وعن قدرة النظام على تأمين هذه الزيادة في الرواتب في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد، يقول أبو حسون "الزيادة بصيغتها الحالية لا تتطلب الدعم المالي الخارجي لأنها زيادة غير حقيقية ولا تتحمل عبئها موازنة الدولة التي كانت قد مولت هذا الإنفاق من خلال شطب إنفاق آخر وهو دعم المحروقات، فكل ما يتطلبه الأمر هو فقط ضخ كمية من الليرات السورية المكدّسة في خزائن المصرف المركزي وترك مستوى الأسعار يتوازن عند مستوى أعلى".
وشهدت مواقف النقل العام في عدد من المحافظات في مناطق سيطرة النظام -أمس الأربعاء- ازدحاما شديدا نتيجة إضراب لسائقي عدد من وسائل النقل العام بعد قرار حكومة النظام رفع أسعار مادتي المازوت والبنزين.
وتداول سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تبين الازدحام وارتباك حركة الناس والطلاب في عدد من المواقف العامة في البلاد.
وأعلنت جامعة دمشق (فرع السويداء)، في منشور على صفحتها في فيسبوك، عن تأجيل امتحانات أمس الأربعاء إلى الأحد القادم.
وبحسب وكالة نورث برس المحلية فإن هذا التأجيل جاء على خلفية شكاوى الطلاب الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى مبنى الجامعة بسبب تعطل حركة السير في المحافظة على خلفية الإضراب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الرواتب والأجور أسعار المحروقات زیادة الرواتب أمس الأربعاء النقل العام هذه الزیادة فی عدد من ألف لیرة
إقرأ أيضاً:
في ذكراها الـ14.. هذه محطات الثورة السورية من الشرارة الأولى إلى دخول دمشق
في مثل هذا اليوم قبل 14 عاما، انطلقت الثورة السورية حاملة معها آمال شعب يتوق للحرية والكرامة والتخلص من القبضة الأمنية التي حكم بها نظام الأسد البلاد طوال عقود عدة.
بدأت الاحتجاجات التي انطلقت في دمشق في 15 آذار /مارس ومن ثم درعا في 18 من الشهر ذاته سلميةً، لكن سرعان ما قوبلت بالقمع الدموي، ما أدى إلى تصاعد الأحداث وتحولها إلى صراع طويل الأمد.
وعلى مدار أكثر من عقد، مر السوريون بمراحل مفصلية مليئة بالتحديات والآلام، حتى حققت الثورة هدفها أخيرا في 8 كانون الأول /ديسمبر عام 2024، بإسقاط نظام بشار الأسد، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 عاما من حكم عائلة الأسد.
شرارة الثورة
في 15 آذار /مارس عام 2011، خرج السوريون للتظاهر في مدينة دمشق مطالبين بالإصلاحات السياسية والعدالة، مستلهمين من الثورات العربية التي سبقتهم، ما أدى إلى اعتقالات في صفوف المتظاهرين.
وفي 18 آذار /مارس من العام ذاته، بدأت المظاهرات في درعا بعد اعتقال وتعذيب أطفال كتبوا شعارات مناهضة للنظام، ما أدى إلى مقتل الشاب محمود الجوابرة أو قتيل على أيدي قوات النظام في الثورة السورية.
وسرعان ما امتدت الغضب الشعبي الذي فجرته الأحداث في درعا التي عرفت بمهد الثورة السورية، إلى العديد من المدن بينها دمشق وحمص وحماة وإدلب ودير الزور وغيرها.
رد نظام الأسد بالعنف المفرط، حيث أطلقت قوات الأمن والجيش الرصاص الحي على المتظاهرين، وبدأت حملات اعتقالات واسعة في صفوف المدنيين، في محاولة لكبح جماح الثورة التي اتسعت رقعتها وتصاعدت وتيرتها بسبب تشبث النظام بالخيار الأمني رافضا لإجراء إي إصلاحات.
في تموز /يوليو عام 2011 وتحت تصاعد العنف من قبل النظام، انشق بعض الضباط عن الجيش وأسسوا ما عرف باسم "الجيش السوري الحر" بقيادة العقيد رياض الأسعد، لتتحول الثورة بشكل تدريجي منذ ذلك الحين إلى العسكرة لمواجهة عنف النظام.
التصعيد والعسكرة
مع استمرار القمع الوحشي، بدأ النظام باستخدام "البراميل المتفجرة"، وقصف المدن بشكل عشوائي، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا، وأسفر عن موجات نزوح ولجواء واسعة.
وفي 21 آب 2013، ارتكب النظام إحدى أبشع جرائمه عندما قصف الغوطة الشرقية بالسلاح الكيميائي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 مدني أغلبهم من الأطفال.
في هذه الفترة، دخلت أطراف دولية وإقليمية على خط الصراع، حيث تدخلت إيران وميليشاتها على الأرض لدعم النظام، بينما دعمت دول أخرى المعارضة.
وفي أيلول /سبتمبر عام 2015، بدأت روسيا التي انضمت إلى داعمي النظام بشن ضربات جوية مكثفة على مناطق المعارضة، ما رجح كفة المعركة لصالح النظام الذي كاد يسقط حينها على وقع ضربات المعارضة.
المأساة الإنسانية والتهجير القسري
شهدت هذه المرحلة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، ففي أواخر 2016، سقطت حلب الشرقية بيد النظام بعد حصار وتجويع وقصف استمر لأشهر، لتبدأ بذلك سلسلة من موجات التهجير القسري من عدة مناطق مثل الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص.
بحلول عام 2019، كان أكثر من 13 مليون سوري قد هُجّروا من ديارهم سواء داخل البلاد أو كلاجئين في دول الجوار وأوروبا، وذلك بعد انكفاء المعارضة ومحاصرها في شمال غربي البلاد، في حين امتلأت سجون النظام الوحشية بالمعتقلين الذين فقد كثير منهم الحياة تحت أبشع أنواع التعذيب التي مارسها النظام بحقهم.
وكانت صور "قيصر" التي سربها المساعد أول فريد المذهان رئيس قسم الأدلة القضائية بالشرطة العسكرية في العاصمة السورية دمشق، أكبر عملية تسريب أثبتت التعذيب الوحشي الذي كان النظام يمارسه ضد المعتقلين.
وتضمنت الصور التي أدت إلى فرض الكونغرس الأمريكي في كانون الأول /ديسمبر عام 2019 قانون "حماية المدنيين السوريين" الذي ههدف إلى فرض عقوبات اقتصادية على النظام وأفراد مرتبطين به. وعرف القانون باسم قانون "قيصر" في إشارة إلى جهود مسرب الصور المروعة.
الصمود والمقاومة
رغم كل ذلك، لم يفقد السوريون الأمل، فقد استمر كفاحهم في الشمال السوري، وأصبحت إدلب آخر معاقل المعارضة بعد حملات النظام على معاقل المعارضة واحدا تلو آخر.
وعلى الصعيد السياسي، لم تنجح أي من المبادرات الدولية في إنهاء الصراع بسبب تعنّت النظام وداعميه أمام الحل السياسي، فضلا عن شروع العديد من الدول في العمل على إعادة تدوير نظام بشار الأسد ودمجه بالمنظومة الدولية.
لكن مع تفاقم الأزمات الداخلية، والانهيار الاقتصادي غير المسبوق في مناطق سيطرة النظام، بدأت حالة السخط تتصاعد حتى داخل المناطق التي كانت خاضعة له، وظهرت احتجاجات جديدة في السويداء ذات الغالبية الدرزية في 2023.
النصر وإسقاط النظام
في أواخر 2024، تصاعدت الضغوط على النظام جراء الانهيار الاقتصادي الكبير وتحول رؤوس النظام إلى تجارة "الكبتاغون" وهو أحد أنواع المخدرات من أجل تأمين مصدرا ماليا، بينما بقي السوريون في مناطق سيطرة النظام يرزحون تحت وطأة الفقر وغياب الأمن وأبسط الخدمات والاحتياجات المعيشية.
كما ساهمت الأحداث التي تلت السابع من تشرين الثاني /أكتوبر عام 2023 في إضعاف داعمي النظام مثل إيران وحزب الله بسبب الضربات الإسرائيلية، في حين غرقت روسيا التي تمتلك قاعدتين عسكريتين على الساحل السوري في حربها المتواصلة مع أوكرانيا.
حتى جاءت اللحظة الفارقة في 27 تشرين الثاني /نوفمبر عام 2024 عندما أعلنت الفصائل السورية المسلحة في إدلب بدء عملية عسكرية واسعة تحت مسمى "ردع العدوان" ما أدى إلى انهيارات واسعة في صفوف النظام.
وخلال أقل من 48 ساعة، تمكنت فصائل المعارضة من بسط سيطرتها على محافظة حلب في 29 تشرين الثاني /نوفمبر من العام ذاته، ما قلب موازين القوى وأنهى التفاهمات الدولية التي أبقت الملف السوري في حالة من الجمود لأكثر من 7 سنوات.
في أعقاب ذلك، واصلت فصائل المعارضة بالتقدم إلى المدن وبسط سيطرتها عليها المحافظات السورية واحدة تلو الأخرى لينتهوا بعد 11 يوما في العاصمة دمشق.
وفي 8 كانون الأول /ديسمبر عام 2024، أعلنت الفصائل الثورية سيطرتها على دمشق بالكامل وسط انهيار مفاجئ لقوات النظام وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد وعائلته إلى روسيا التي منحته حق "اللجوء الإنساني" بأمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي 29 كانون الثاني/ يناير 2025، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تعيين قائد قوات التحرير أحمد الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية، بجانب العديد من القرارات الثورية التي قضت بحل حزب البعث العربي الاشتراكي ودستور عام 2012 والبرلمان التابع للنظام المخلوع.
وشرع الشرع في إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، منجزا العديد من الاستحقاقات التي وعد بها عقب توليه منصب الرئاسة، بما في ذلك المصادقة على الإعلان الدستوري الذي من شأنه أن ينظم المرحلة الانتقالية التي حددت بموجب الإعلان بمدة 5 سنوات.