سماحة مفتي عُمان.. خير ناصرٍ للشعب الفلسطيني
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
د. هيثم مزاحم **
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، المفتي العام لسلطنة عُمان، مشهودٌ له بمواقفه الجريئة وانحيازه الدائم للحق وبموقفه البارز المؤيد للقضية الفلسطينية، فكان دائماً منحازاً لفلسطين وداعماً لشعبها ومقاومتها يوم عزّ الناصرون والمؤيدون، وخصوصاً من قبل الكثير من المفتين وعلماء الدين في الدول العربية.
لم يفوّت الشيخ الخليلي فرصة للإشادة بالمقاومين في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة ولبنان واليمن والعراق، وبالمرابطين في المسجد الأقصى مطالباً بمساندتهم. ولم يتوانَ عن المبادرة إلى ذم التطبيع ومهاجمة المطبعين، بخلاف الكثير من المفتين الرسميين والوُعَّاظ؛ فكلمة الحق وإرضاء الله أهم عنده من إرضاء المخلوق ومسايرة الأنظمة المطبعة.
مواقف سماحة المفتي المميزة والجريئة دفاعاً عن قضايا الأمة الإسلامية، وبخاصة قضية فلسطين، زادت من مكانته الراسخة في الأوساط العربية والإسلامية والعُمانية، وصارت مواقفه حديث وسائل تواصل الاجتماعي و"ترنداً" على حد تعبيرهم.
في مايو 2021، برز موقف الشيخ الخليلي مندداً بمحاولات الاحتلال الإسرائيلي إخلاء حي الشيخ جراح في القدس المحتلة واقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك. وقال سماحته إن "المقاومة الباسلة ببطولتها النادرة، وتضحياتها العظيمة، وخططها الموفقة، غسلت عن جبين هذه الأمة عاراً تلطخت به ردحاً من الزمن، فتمرغت في أوحال الذل، وتساقطت في دركات الهون".
وأشار في منشور آخر إلى أنه "من أسوأ ما وقعت فيه الأمة تخاذلها عن الدفاع عن مقدساتها في أرض الإسراء والمعراج وترك تعاونها على تحريرها".
وقد برز موقف الشيخ الخليلي يوم السابع من أكتوبر 2023، حين كان في مقدمة العلماء المباركين لعملية "طوفان الأقصى"، داعياً إلى مساندة المقاومين في غزة، كي يتخلص الشعب الفلسطيني من ظلم الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
مواقف الشيخ الخليلي الداعمة لطوفان الأقصى أعادتنا إلى موقفه الجريء الذي أعلنه في أغسطس 2020، بعد أيام قليلة من التطبيع بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية، في ما عرف باتفاقيات أبراهام، حيث قال: "إن تحرير المسجد الأقصى والأرض من حوله واجب مقدس على جميع الأمة، ودين في رقابها"، داعياً إلى عدم المساومة عليه في حال عجزت الدول العربية عن تحريره.
وفي ديسمبر 2022، أعلن الشيخ الخليلي تأييده لمشروع طرح في مجلس الشورى العماني، يدعو إلى إحكام مقاطعة الكيان الصهيوني مقاطعة مطلقة في التجارة وغيرها.
وقد سارع الخليلي في مايو 2024، إلى تهنئة المقاومة الفلسطينية لنجاحها في تطوير قدراتها الدفاعية، بعد قصفها مستوطنات إسرائيلية، قائلاً في تغريدة له على موقع إكس إن هذه المقاومة قد "تمكنت من إرعاب عدوها المحتل، وثَنْيه عن مضيه قدماً في عدوانه الغاشم، وردّه على أعقابه".
بعد هجوم "طوفان الأقصى"، كتب الشيخ الخليلي في تدوينة على حسابه الرسمي بمنصة "إكس" يقول: "وفق الله المقاومة الفلسطينية في دفاعها عن حقوقها المشروعة، واستبسالها في مواجهة العدو الغاشم". كما أكد على حق الفلسطينيين في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، قائلاً: "نسأل الله النصر العزيز والفتح المبين".
وانتقد المفتي بعض العلماء والشيوخ المسلمين "الذين أفرزتهم السياسات المنحرفة، والذين لم يكتفوا بتثبيط المجاهدين، بل كالوا التهم للمجاهدين الأحرار في فلسطين". وأكد أن هناك "بوناً شاسعاً بينهم وبين مواقف المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في العالم الغربي، الذين خرجوا بمسيرات مساندة، وأبدوا إعجاباً بالمجاهدين في غزة وأنحاء فلسطين".
وجه مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، رسالة بخصوص القضية الفلسطينية، والحرب في غزة.
وفي مقطع فيديو نشر على حسابه في منصة "إكس"، أكد الشيخ الخليلي أن "قضية الأرض الفلسطينية هي قضية كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض". وأضاف: "إن قضية المسجد الأقصى وقضية أرض فلسطين لها أهمية خاصة تفوق كل بقعة في الأرض ما عدا المسجد الحرام وما حوله من حرمه الآمن، وما عدا الحرم النبوي الشريف".
مواقف الشيخ الخليلي لم تنسَ المقاومة الإسلامية في لبنان ونصرتها للشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر فتح جبهة الإسناد لأكثر من 14 شهراً وتقديم آلاف الشهداء والجرحى، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعدد آخر من قيادات الحزب. فقد عقّب الشيخ الخليل على تفجيرات أجهزة "البيجر" ضد كوادر حزب الله في بيان نشره على صفحته في منصة إكس قائلاً: "إنا لنأسف على هذه الخطوة الجائرة التي أقدمت عليها الصهيونية الغادرة، فرزأت الشعب اللبناني الشقيق". وأضاف: "نسأل الله تعالى أن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يعيذ جميع المسلمين من شرورهم، وأن يقي جميع فصائل المقاومة شر خططهم الجهنمية، وأن يجعل العاقبة عافية وسلاماً للمناصرين للحق، وشراً وبالاً على الغادرين، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين".
وختم الخليلي بيانه قائلاً: "عزاؤنا الحار لأسر الشهداء والمصابين، وكفى بالله ولياً، وكفا بالله نصيراً".
وبعد استشهاد السيد حسن نصرالله سارع مفتي سلطنة عمان، إلى نعيه. وقال وفي منشور على حسابه الرسمي عبر منصة "إكس": "لقد تألمنا كثيراً لنبأ استشهاد الأمين العام لحزب الله القائد حسن نصرالله، الذي كان شوكة في حلق المشروع الصهيوني لأكثر من ثلاثة عقود. وإن هذا الحدث يجعل الأمة تتلقى نبأ استشهاده بكل حزن وألم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون."
وأضاف الخليلي: "نسأل الله العلي القدير أن يثبّت قوى المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني وأعوانه في لبنان وفلسطين وفي جميع بلاد المسلمين، وأن يعقب الله على الراحلين من يسد الثغرات في كل المواقع والمراحل. فهناك رجال بإذن الله قادرون على تحمل هذه المسؤولية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً."
وختم الشيخ الخليلي بقوله: "إننا نرجو من الله أن تكون هذه الأحداث دافعاً لتوحيد صفوف المسلمين وأن يتوقفوا عن كل ما يفرق بينهم، فكم في وحدتهم من قوة وهيبة، وكم في تفرقهم من ضعف وخيبة. وإن أعظم مكسب للعدو في هذه الحرب هو أن تشتعل بيننا النعرات والتحزبات؛ لذا يجب أن ينتبه الجميع. والله المستعان."
مواقف الشيخ الخليلي الجريئة والمستقلة الناصرة للحق وقضايا الأمة تعززها مواقف سلطنة عمان وسلطانها الداعمة للشعب الفلسطيني والرافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان والدول العربية والإسلامية الأخرى. فعندما سئل الشيخ الخليلي "كيف يقوى على اتخاذ تلك المواقف الجرئية؟"، أجاب أن "هذا في نظري يحسب للدولة في السلطنة، يحسب لها أنها تقدّر في عالِم الدين رأيه وموقفه المستقل، إنه نوع آخر من التعاطي العماني المختلف الذي لا يضع نفسه أمام خيارات متقاطعة دائماً، وكأنه ليس هناك خيار إلا المنع والحجب".
وأضاف في حديثه الإعلامي: "هذا عدا عن وجود توافق واضح في كثير من الأحيان ربما لا ينتبه البعض له، ومن ذلك مثلاً الموقف من العدوان الأخير على غزة، والموقف من الإساءة إلى الرسول الكريم من قبل بعض الشخصيات السياسية الهندية، فالمواقف واحدة في كثير من الأحيان وإن اختلفت طريقة التعبير عنها بطبيعة الحال".
ويفسّر المفتي منطلقه في مواقفه بأنه يبرئ ذمته أمام الله، وأنه يقوم بواجبه باعتباره عالماً عليه مسؤولية تجاه مجتمعه وأمته، كما عبّر الباحث العماني محمد بن سعيد الحجري في مقابلة معه.
وما يدعم مواقف الشيخ الخليلي هو أن المجتمع العماني مجتمع متدين يرى في الشيخ الخليلي الوالد والمرشد. فهو من أقدم المفتين في العالم الإسلامي، وله مكانة في عُمان قلّ نظيرها، فلا يعرف أكثر العمانيين مفتياً غيره في كل حياتهم، وهو أحد أشهر الشخصية العمانية لكثرة اتصالاته بالعلماء والمفكرين العرب والمسلمين، ومشاركاته في المؤتمرات العلمية والاجتماعات الإسلامية.
وفي 2 نوفمبر الماضي، أبدى الشيخ الخليلي شكره واعتزازه بموقف السلطنة الداعي لمحاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب التي يرتكبونها في غزة، مؤكداً أن هذا "موقف الشرف الذي تقتضيه الأخوة الدينية والوطنية".
وكان قد أشاد بموقف السلطنة الذي قضى بإغلاق المجال الجوي في وجه طيران دولة الاحتلال، مؤكداً أن هذا "هو المعهود من مواقف عُمان التاريخية".
ولا ريب أن هناك انسجاماً كبيراً في المواقف المناصرة لفلسطين وضد العدوان الإسرائيلي بين مواقف سماحة المفتي والحكومة والشعب في سلطنة عُمان. فمنذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، سارعت سلطنة عُمان، حكومة وشعباً، إلى مساندة فلسطين، كما أن الجمعيات الخيرية فتحت أبوابها للتبرع للشعب الفلسطيني في غزة.
عُمان أدانت على الدوام من خلال وزارة الخارجية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وطالبت بتقديم مجرمي الحرب الصهاينة إلى محكمة الجنايات الدولية بسبب المجازر التي ارتكبوها في حق عشرات آلاف المدنيين في غزة. كما شهدت المدن العُمانية تظاهرات شعبية ضد الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
حفظ الله المفتي الشيخ العلّامة أحمد بن حمد الخليلي.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قيادي بحماس لـعربي21: تعيين حسين الشيخ نائبا لعباس يعمّق الانقسام الفلسطيني
هاجم عضو المكتب السياسي لحركة حماس، محمد نزّال، خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس باختيار حسين الشيخ نائبا لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية، قائلا: "هذه الخطوة غير قانونية، وتخالف قانون منظمة التحرير نفسها؛ إذ لا يحق للمجلس المركزي تعديل الدستور أو النظام الأساسي، وإنما هذه صلاحية المجلس الوطني".
وشدّد نزّال، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على أن "حسين الشيخ غير مؤهل لهذا الموقع، وهناك العشرات الذي يسبقونه من حركة فتح أو غيرها، إضافة إلى أن تعيينه جاء استجابة لإملاءات خارجية مكشوفة ومفضوحة، وهو الأمر الذي ربما يعمّق الانقسام الفلسطيني".
والخميس، قرّر المجلس المركزي الفلسطيني، في ختام اجتماعات استمرت يومين ضمن دورته الـ32، استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نائب رئيس دولة فلسطين، وأن يعين من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة ومصادقة أعضائها، وله أن يكلفه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، وأن يقبل استقالته.
والمجلس المركزي؛ هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني (أعلى هيئة تشريعية) التابع لمنظمة التحرير، ومخوّل ببعض صلاحياته، ويضم 188 عضوا.
ولاقى تعيين حسين الشيخ في منصبه الجديد رفضا من قِبل أوساط وجهات سياسية وشعبية فلسطينية، بينما رحبت عدد من الدول بالخطوة.
ونفى نزّال صحة الأنباء التي تداولتها وسائل إعلام حول موافقة حركة حماس على سحب مقاتليها بمجرد وقف إطلاق النار مع ضمان عدم ملاحقتهم، مشيرا إلى أن "كثير مما يُروَّج في هذا الإطار هو محاولات إعلامية لتشويه مواقف المقاومة".
كما نوّه إلى أن "خروج حماس من المشهد السياسي مسألة غير واردة، ولا يمكن لأحد أن يخرجها من المشهد"، موضحا أن "أي سلطة ستحكم قطاع غزة، توجب إجراء انتخابات عامة، حتى يختار الشعب الفلسطيني مَن يحكمه ويدير شؤونه، وحماس جاهزة لذلك، في الوقت الذي يتم التوافق على إجراء الانتخابات في مرحلة ما بعد وقف العدوان الإسرائيلي".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
راجت أنباء عن موافقة حركة حماس على سحب مقاتليها بمجرد وقف إطلاق النار مع ضمان عدم ملاحقتهم.. فما مدى صحة ذلك؟
تعبير "سحب المقاتلين" هو تعبير غامض وغير مفهوم؛ فإذا كان المقصود هو خروج المقاتلين من قطاع غزة فالجواب هو النفي، وهو ما تم إبلاغه إلى جميع الأطراف المعنية؛ فلن يخرج مقاتل من أرضه، وسيبقى المقاتلون يقاتلون، حتى الوصول إلى اتفاق بوقف إطلاق النار. كثير مما يُروَّج في هذا الإطار هو محاولات إعلامية لتشويه مواقف المقاومة.
ورد في المقترح الإسرائيلي الأخير، الذي تسلّمتموه من السلطات المصرية، ولأول مرّة، تعبير "نزع السلاح".. فهل ينسحب موقفكم بعدم خروج المقاتلين إلى عدم نزع السلاح؟
لا يمكن لحركة مقاومة تريد تحرير أرضها، وحماية شعبها، أن تقبل بنزع سلاحها؛ فهذا يعني أنها تخلّت عن مهمتها في تحرير أرضها، والدفاع عن شعبها. وهذا الموقف تم إبلاغه بوضوح إلى السلطات المصرية، التي نقلت الاقتراح.
هناك مَن يرى أن موقف حماس بعدم نزع سلاحها وعدم خروج مقاتليها موقفا متعنّتا، وهو ما يعني أن الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني ستستمر، وهو ما يحمّلكم مسؤولية استمرار الإبادة الجماعية.. فبماذا تردّون؟
منطق غريب ومُستهجن أن يتم تحميل حماس والمقاومة الفلسطينية، مسؤولية الإبادة الجماعية، في وقت يتم تجاهل مسؤولية الاحتلال الصهيوني عن جرائمه ومذابحه المروّعة. إن الذي يتحمّل المسؤولية الكاملة للإبادة هو الاحتلال وشركاؤه وداعموه.
نحن نُصرّ على عدم نزع سلاح المقاومة، وعدم خروج المقاتلين، لأننا لا نريد لهذه المذبحة البشعة أن تستمر.
ما صحة ما يُقال حول وجود اشتراط إقليمي ودولي على خروج حماس من المشهد السياسي في قطاع غزة، ويُقال إن حماس وافقت على ذلك؟
لا بد من تحرير المصطلحات أولا؛ فخروج حماس من المشهد السياسي مسألة غير واردة، ولا يمكن لأحد أن يخرجها من المشهد، أما إدارة قطاع غزة فنحن أصحاب المبادرة منذ عام، بتشكيل هيئة وطنية مكونة من شخصيات ذات كفاءة واختصاص (تكنوقراط) ومستقلة عن الانتماء التنظيمي الفصائلي، وحظيت المبادرة بموافقة السلطات المصرية، والفصائل الفلسطينية الفاعلة، باستثناء حركة فتح، وتم ترشيح أربعين شخصية فلسطينية، على أن تختار مصر العدد المطلوب منها، والذي ربما يصل إلى نحو 15 عضوا يُشكّلون "لجنة الإسناد المجتمعي".
هذه الهيئة هي المخولة بإدارة القطاع في المرحلة الانتقالية في جميع الجوانب المدنية (إغاثيا، خدماتيا، صحيا، وما إلى ذلك)، ونحن ننتظر ترجمة ذلك إلى أرض الواقع خلال الفترة المقبلة.
ولكن هذه إدارة مدنية بينما الحديث يجري عن سلطة تنفيذية تتولّى الحكم في قطاع غزة..
أي سلطة ستحكم قطاع غزة، توجب إجراء انتخابات عامة، حتى يختار الشعب الفلسطيني مَن يحكمه ويدير شؤونه، وحماس جاهزة لذلك، في الوقت الذي يتم التوافق على إجراء الانتخابات في مرحلة ما بعد وقف العدوان الإسرائيلي.
هل من جديد بالنسبة لعملية المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها مصر وقطر، خاصة بعد الزيارة الأخيرة لوفد قيادي من حركة حماس إلى القاهرة؟
عملية المفاوضات لا تزال مستمرة، ونحن نتعاون مع الوسيطين (المصري والقطري) تعاونا كاملا، وأبدينا إيجابية ومرونة عالية، ولكن نتنياهو وعصابته الحاكمة في الكيان الصهيوني، يماطلون ويسوّفون ويراوغون، وهم لا يريدون الوصول إلى أي تفاهمات واتفاقات، وما يريدونه باختصار هو أن يتسلّموا أسراهم، ويواصلوا عدوانهم الإرهابي على قطاع غزة، ودون انسحاب من المناطق التي احتلتها. ولذلك، هم يضيفون في كل جولة من جولات التفاوض شرطا تعجيزيا، بهدف عرقلة المفاوضات وتعطيلها.
إذا كان الأمر كما تصفون، فلماذا تواصلون مفاوضات "عبثية" لا يريد العدو الوصول فيها إلى اتفاقات؟
نحن في معركة متعدّدة الأبعاد: عسكرية، وسياسية، وإعلامية، وحقوقية، وإنسانية. والعملية التفاوضية جزء من المعركة السياسية، التي تفضح رواية العدو الكاذبة، وتحاصره سياسيا وإعلاميا.
واستمرار المعركة التفاوضية، لا يتعارض مع استمرار المعارك الأخرى، ولعل الجميع قد شاهد وتابع، عبر المقاطع المرئية التي يبثها الإعلام العسكري، العمليات العسكرية البطولية التي نفّذتها كتائب القسام، خلال الأسابيع القليلة الماضية، في بيت حانون، والشجاعية، وحي التفاح، وخان يونس، ورفح، التي جندلت العشرات من القتلى والجرحى من الجنود والضباط الصهاينة، وهذه العمليات جاءت بعد أن نعى البعض المقاومة الفلسطينية، وأنه تم القضاء عليها حسب مزاعمهم.
نتنياهو يقول إنه يريد أن يضغط عسكريا على حركة حماس، حتى تستجيب لشروطه الظالمة، لكن الواقع أن حماس هي التي تضغط عليه الآن، وهي التي تكبّده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وحماس تقوم بواجبها الميداني وتكبد الاحتلال خسائر فادحة.
رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد أكثر من مرة أن الحرب على غزة مستمرة لحين القضاء على حماس.. كيف ترون ذلك؟
من الواضح أن المجرم الإرهابي بنيامين نتنياهو منفصل تماما عن الواقع؛ فهو منذ عام ونصف وهو يتحدث عن أن هذه الحرب هدفها القضاء على حركة حماس، وفي كل مرة يزعمون أنهم قضوا على حركة حماس تخرج كتائب عز الدين القسام لتلقن العدو درسا قاسيا في الميدان، وهو ما يعني أن ما يقوله نتنياهو هو مجرد ذر للرماد في العيون، وهو للاستهلاك الإعلامي، ولمحاولة رفع معنوياته جيشه المنحدرة والمتدنية، ورفع معنويات مجتمعه الساخط عليه، وبالتالي لا قيمة مطلقا لما يقوله نتنياهو.
نحن معنيون باستمرار عملية المفاوضات، ولكن حتى الآن ما يزال موقف نتنياهو متعنتا ومتعسفا ومُتشددا، لأنه يطرح أمورا لا يمكن للمقاومة الفلسطينية، ولا حتى للشعب الفلسطيني، القبول بها، وأهمها أنه يريد أن يأخذ أن أسراه دون أي مقابل، ودون أن يوقف عدوانه على الشعب الفلسطيني، ودون أن ينسحب من قطاع غزة، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا، وبالتالي فتعثر المفاوضات حتى الآن إنما يأتي بسبب تعنت نتنياهو وعدم رغبته بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني ووقف الحرب عليه.
لقد قدّمنا عروضا كثيرة على الصعيد السياسي، وأبدينا مرونة فائقة وعالية في هذا المسار، ونعتقد أننا نحاصر الاحتلال الآن سياسيا ونحاصره عسكريا، وفي النهاية لا مجال أمام نتنياهو إلا أن يقبل بما تطرحه المقاومة الفلسطينية، وبما تطرحه حركة حماس في أروقة وكواليس المفاوضات.
لكن ماذا لو فقدت حركة حماس ورقة الأسرى الموجودة بيدها؟
قتل الأسرى هو ما يعمل عليه نتنياهو؛ فقد قُتل عشرات الأسرى منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على أيدي قواته، وهذا الأمر يدفع ثمنه نتنياهو وسلطات الاحتلال، وإذا وصلنا إلى مرحلة قتل جميع الأسرى الصهاينة فإن مَن يتحمل وزر ذلك هو الاحتلال.
وسواء كان الاحتلال يتعمد أن يفقدنا هذه الورقة أو لا، فإن خيار المقاومة العسكرية بالنسبة لحركة حماس هو خيار مستمر، وهو أحد الأسلحة التي نتمسك بها في مواجهة الاحتلال من أجل العمل على رضوخه في النهاية؛ فنتنياهو لن يستمر طويلا؛ فهو يواجه معارضة متنامية على المستوى السياسي والعسكري والأمني والشعبي، فضلا عن أنه لا يمكن تكون هناك حربا مفتوحة دون نهاية.
حركة حماس تستخدم كل ما تملك من أوراق وأسلحة في مواجهة الاحتلال الذي لم يترك لها أي خيار آخر سوى المواجهة بما تملك وبما تستطيع، وبما يتوفر لها من مقدرات، والتي قد تتناقص لكنها أبدا لن تنتهي؛ لأن حماس هي حركة مقاومة الاحتلال، ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى.
هاجم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حركة حماس، مُستخدما لفظا نابيا، هو الأول الذي يستخدمه علنا، ولكن تجاهلت حماس ذلك.. فما تعليقكم؟
حماس لا تريد الانحدار إلى المستوى الذي انحدر إليه عباس مضمونا ولغة، علما أن هذه ليست المرّة الأولى التي يستخدم فيها ألفاظا نابية بحق حماس علنا، بل إنه في شهر رمضان المبارك عام 2014، التقى وفدا من حماس برئاسة الأخ خالد مشعل في العاصمة القطرية الدوحة، وتلفّظ بلفظ ناب تجاه الوفد، وكاد اللقاء أن ينفجر، لولا حكمة وفد حماس. وعند خروج الوفد في نهاية اللقاء، لحق به عزام الأحمد وماجد فرج، اللذان اعتذرا للوفد، متذرّعين بأن عباس "صائم"، وهو ما يجعله متوتّرا.
حركة حماس استنكرت خطوة محمود عباس باختيار حسين الشيخ نائبا لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية.. فما هو السبب في ذلك؟
هذه الخطوة غير قانونية، وتخالف قانون منظمة التحرير الفلسطينية نفسها؛ إذ لا يحق للمجلس المركزي تعديل الدستور أو النظام الأساسي، وإنما هذه صلاحية المجلس الوطني.
يُضاف إلى ذلك أن حسين الشيخ نفسه غير مؤهل لهذا الموقع، وهناك العشرات الذي يسبقونه من فتح أو غيرها، إضافة إلى أن تعيينه جاء استجابة لإملاءات خارجية مكشوفة ومفضوحة، وهو الأمر الذي ربما يعمّق الانقسام الفلسطيني.