خبراء يجيبون لـ "الفجر".. لماذا يتم اغتيال العلماء ورجال الدين في سوريا؟
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
بعد تداول بعض الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عن اغتيال العديد من العلماء السوريين خلال الأيام الماضية.
لذلك بدأ المواطنين يتساءلون هل يتكرر سيناريو العراق مرة ثانية في سورية، في هذا السياق، سلط الباحثان وائل الأمين وأحمد سلطان الضوء على أبرز التحديات التي تواجه سوريا في هذه المرحلة، مشيرين إلى أهمية حماية العلماء والكفاءات، والتصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار، من أجل تحقيق طموحات الشعب السوري في بناء دولة حديثة وآمنة.
من جانبه قال الباحث السياسي السوري وائل الأمين إن سوريا تشهد تحولًا ملحوظًا بعد 13 عامًا من القمع والانتهاكات، مؤكدًا أن النظام السابق استخدم كل وسائل الإبادة والقمع ضد الشعب السوري، مما أدى إلى سقوط آلاف المعتقلين في ظروف مأساوية داخل السجون.
وأضاف الأمين في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن المرحلة الجديدة في سوريا شهدت تحرير أعداد كبيرة من المعتقلين، بفضل جهود الثوار والحكومة الجديدة، في خطوة تعكس تغيرًا إيجابيًا نحو بناء دولة مدنية تحقق العدالة والمساواة.
وفيما يتعلق بالحديث عن استهداف العلماء ورجال الدين في سوريا، نفى الأمين وجود أدلة رسمية أو موثوقة حول حالات اغتيال، مشيرًا إلى أن ما يثار بهذا الشأن قد يكون محاولة لتشويه صورة التحول الجاري في البلاد.
وأكد أن هناك أطرافًا إقليمية ودولية، مثل إسرائيل، تسعى لإضعاف العقول السورية كجزء من مخطط لضرب أسس الدولة السورية، موضحًا أن سوريا اليوم تسعى لأن تكون وطنًا للجميع، بعيدًا عن الانقسامات والطائفية التي أنهكت البلاد.
طلب الباحث السياسي السوري إلى تكاتف الشعب السوري لدعم الاستقرار وإعادة بناء سوريا الحديثة، التي تلبي تطلعات المواطنين بعد سنوات من المعاناة والصراع.
حماية العلماء السوريينأوضح الباحث في الشؤون الدولية والإقليمية أحمد سلطان، أن أهمية حماية العلماء السوريين، خاصة في التخصصات الحيوية والنادرة، وسط التحديات الأمنية الحالية التي تشهدها البلاد.
أضاف سلطان في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الوضع في سوريا مفتوح أمام قوى متعددة تسعى لتقويض جهود بناء دولة مستقرة، مشيرًا إلى أن إسرائيل تأتي في مقدمة المستفيدين من هذا الوضع.
أشار إلى أن استهداف العلماء قد يكون تكرارًا لما حدث في العراق بعد سقوط بغداد، حيث تم تصفية نخبة من العلماء بهدف تفريغ الدولة من كوادرها العلمية وتدمير قدراتها المستقبلية.
أكمل أن انهيار منظومة الأمن في سوريا، بما فيها المؤسسات العسكرية، جعل من الصعب حماية الكفاءات العلمية التي تمثل العمود الفقري لإعادة الإعمار.
وأكد سلطان أن أي تأخير في وضع استراتيجية واضحة لحماية العلماء سيؤدي إلى خسائر بشرية لا تعوض، مما يزيد من تعقيد أزمة الدولة ويطيل أمد معاناتها.
كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه حماية الكوادر العلمية السورية، والعمل على منع تكرار سيناريوهات استهداف العلماء كما حدث في دول أخرى.
واختتم الباحث في الشؤون الدولية والإقليمية، أن العلماء السوريين يمثلون الأمل في إعادة بناء الدولة، داعيًا إلى تكثيف الجهود لضمان سلامتهم ودعمهم ليكونوا حجر الزاوية في مستقبل سوريا.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: سوريا سوريا اليوم
إقرأ أيضاً:
هل خلافات الشارع السوري من تأثيرات الدولة الأمنية؟
قد يتساءل الكثير من المتابعين لما حدث في سوريا في 8 ديسمبر (كانون أول) الماضي، لماذا الشارع السوري اليوم في حالة خلاف شديدة بعد أن تم خلع نظام آل الأسد من الحكم، حول شكل الحكم البديل الذي يرغبون فيه؟ وتتجسد حالة الخلاف هذه من خلال ما ينشر على صفحات الفيس بوك العامة والخاصة، فتعليقاتهم والردود عليها تعطي صورة إلى حدٍّ كبير، عن عِدَائهم لبعض المفاهيم والمصطلحات نتيجة جهلهم بها.
فمعظمهم يدلو برأيه في كل المسائل والقضايا وكأن ما كان متداولاً منذ بدء المظاهرات والحراك الشعبي الذي بدأ سلمياً ثم نتيجة الحرب التي شنها نظام الأسد على الشعب، فتحوّل ما كان سلمياً إلى حراكٍ مسلح ليدافع عن نفسه. فلا نزال نجدهم على الشاشات ومنصات التواصل يحللون ويفتون بكل الحقول في السياسة وأسعار الغاز، في الدين وشعائره، في الموسيقا ووطنية من تظاهر، أو تخوين من خرج من البلاد، والعكس صحيح أيضاً، فطريقة الخلافات والنقاشات ذاتها لم تتبدل، وأغلبهم لا يقرأ رغماً عنه.
ولمقاربة هذا الاختلاف والنقاش حتى نصل لأسبابه لا بد أن نتنبّه إلى جهلهم وخوفهم، والجهل يضاعف الخوف، وهي مجاميع بشرية كأنها تولد اليوم ولا تزال تحبو غير مبصرة طريقها، يقودها جهلها لأسباب كثيرة، فهي تجهل حتى ذواتها وصحة مفاهيمها، فلا يحق لها أن ترفض شعارات تُرفع في مظاهرة أو اعتصامٍ، أو ترد في مقال هنا ومنشور هناك، من دون أن تعي معناها الحقيقي، وضرورتها كمفاهيم أكثر حيوية وديناميكية في تقدّم المجتمعات، لا معناها الذي يُروّجُ له مَنْ يُعادي تطور المجتمعات!
فالطرف الذي يتمسك الإسلام السياسي، يجهل ما هي العلمانية، ويأخذ تفسيراً سطحياً لها من رجل فكر أو دين، ما زالا يفكران على طريقة العصور الوسطى، ولذلك لن يقبل بهذا الشعار وسيتهجم على كل من يطالب بنظام حكم علماني، حتى أنه يجهل أنها نظام حكم سياسي، ولا تعني البتة حكم الملحدين، كما نقرأ في تعليقاتهم وردودهم، ولا يمكن أن يتقبل قسم كبير منهم بحكم مدني ديمقراطي، فهو يخاف على ثورته وعلى عودة النظام المخلوع من خلال فلوله.
غياب الحياة السياسيةوفي حقيقة الأمر ثمة أسباب جلية وراء كل ذلك الاختلاف الذي هو من حيث الشكل ضروري لكنه من حيث الجوهر لا ينتج عنه أي شيء، فكل هذا الجهل وعدم وجود وعي في حقل سياسي أو ديني أو اجتماعي، سببه الأساسي غياب الحياة السياسية التي فرضها النظام المخلوع منذ أن حكم الأسد الأب بعد حركته التصحيحية الجائرة وإن ترك لها شكلاً صورياً تجسد بالجبهة الوطنية التقدمية التي ساهمت بِصَمْتِها على دمار البلد، منذ عهد الأسد الأب وتفاقم ضرر صمتها في عهد المخلوع. فوعي الإنسان بشتى أنواعه، هو وعي مكتسب وتراكمي، تسهم فيه بشكل أساسي المؤسسات الثقافية والإعلامية والتعليمية.
كما أن ما ضاعف من تأثير غياب الحياة السياسية، تغوّل السلطة الأمنية التي هيمنت وابتلعت مؤسسات الدولة، فأصبحت هي الدولة، ما يعني أيضاً هيمنتها على خطاب مؤسسات الثقافة والإعلام والتعليم، ومع الأسف لم تتنبه قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب القائد، كما كان يسمي نفسه، للدولة والمجتمع، إلى تلك الهيمنة، رغم جرأة صوت المفكر الراحل د. طيب تيزيني، الذي طالب بتفكيكها عام 1992 في إحدى فعاليات الملتقى الفكري الذي كان يعقده مكتب الإعداد في فرع حزب البعث الاشتراكي بحمص، والذي كان يرأسه الراحل خضر الناعم، هذا الملتقى الذي تنبهت السلطة الأمنية لخطورة ما يُطرح فيه، وإلى ما يفعل هذا الرجل المتنوّر الذي كان هاجسه وديدنه دعم الهيئات الثقافية الحكومية والأهلية، وفعالياتها، فدفعت به وعينته عضواً في مجلس الشعب في قائمة الجبهة، فتوقف الملتقى، وبدأ التّكلس سمةً، لكل الفعاليات الثقافية من بعده.
تجدر الإشارة إلى أن الراحل د. تيزيني كان قد أعاد مطالبته بتفكيك الدولة الأمنية بعد بداية الحراك الشعبي عام 2011 عندما دعت السلطة المخلوعة للقاء تشاوري في شهر تموز، بثّت وقائعه على الهواء مباشرة صوت وصورة، وكانت الناس في سوريا قد استبشرت خيراً وقتذاك من سوية هذا الحوار وجرأته وعمقه، لكن بعد أيام قليلة عادت السلطة الأمنية لتغلق آذانها ولتتأبط سلاحها وتوجهه إلى صدر الحراك الشعبي وإطلاق تهم التخوين له مع كل رصاصة تطلقها ضده!!
خطاب إعلامي هشّأمّا الضلع الثالث الغائب في عملية زرع الوعي وتنميته لدى جيل الشباب الذي لا يعرف تلك المفاهيم بدقتها فظل الخوف منها لجهله بها، فهو غياب الإعلام الخاص بكل وسائطه.
ليس أخيراًلا شيء ينهي الخلاف بين السوريين وبالأحرى يضع حوارهم الحاد على السكة الصحيحة سوى عودة الحياة السياسية التي سبق وأن شهدتها البلاد في خمسينيات القرن المنصرم عقب رحيل الاحتلال الفرنسي، حيث التنافس بين الأحزاب تحت قبة البرلمان، سمة تلك المرحلة، فوحدها ستقلص المسافات بينهم وتعيد لنسيجهم الاجتماعي قوته وعزيمته في بناء سوريا جديدة لكل أبنائها اعتماداً على دستور جديد، وقانون عصري للأحزاب التي يمكن أن تنشأ وليس للأحزاب الهرمة التي ساهمت في دمار البلد، وإعادة إحياء "لجان إحياء المجتمع المدني" التي كنا قد شهدنا حراكها بين عامي 2000 و2011. فهي القادرة على خلق علاقات صحّية بين الناس بتنوع شرائحهم بعيداً عن لغة الإقصاء.