يعد تنظيم "قوات سوريا الديمقراطية" -المعروف بـ"قسد"- أحد العقد المستمرة في سوريا التي تعوق التوصل إلى إدارة انتقالية تشمل كل البلاد، على الرغم من خلع بشار الأسد من الحكم، إذ ينضوي في التنظيم آلاف المقاتلين الأكراد المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني، كما أنه يضم في صفوفه مقاتلين أتراكا وإيرانيين وعراقيين، مما يعطيه امتدادات إقليمية لا تنحصر في الجغرافية السورية فحسب.

وما أن انهارت قوات نظام الأسد وألقت السلاح أمام تقدم عملية "ردع العدوان"، التي أطلقتها فصائل الثورة السورية المسلحة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حتى ازداد تركيز المعارضة على تنظيم قسد، إذ تمّ انتزاع مواقع مهمة منه، أبرزها تل رفعت شمال حلب على الطريق الواصل بين تركيا ومدينة حلب، بالإضافة إلى منبج عقدة الوصل المهمة بين شمال سوريا وشرقها، ومدينة دير الزور، والتركيز حاليا على عين العرب (كوباني)، آخر المواقع التي يستحوذ عليها التنظيم في محافظة حلب، بالإضافة إلى مدينة الرقة.

الواقع الميداني

بات جليا أن قوات المعارضة التي تعيش أفضل حالاتها بعد تمكنها من إسقاط نظام الأسد عسكريا، تتجه لتركيز ثقلها على تنظيم قسد الذي أثار المخاوف طوال الأعوام الماضية من اتجاهه إلى قيادة مشروع تقسيم مستفيدا من دعم التحالف الدولي.

إعلان

وتفيد المعلومات المستقاة من مصادر في المعارضة بتمكنها من السيطرة مؤخرا على دير حافر شرق مدينة حلب، مما أضعف آمال قسد في الوصول إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود ضمن المدينة، اللذين تطبق عليهما قوات المعارضة الحصار نظرا لتمركز مجموعات تتبع لقسد داخلهما.

من جهة أخرى، تحشد قوات المعارضة باتجاه مدينة عين العرب، والهدف فتح الطريق الواصل بين قوات المعارضة بريف الرقة والحسكة التي سبق أن سيطرت عليها بعد عملية نبع السلام أواخر 2019، مع منطقة غرب نهر الفرات.

وشهدت مدينتا الحسكة والرقة يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري انتفاضة للعشائر العربية -التي تشكل أغلبية السكان في المحافظتين- ضد سيطرة تنظيم قسد، مما أدى لسقوط ضحايا مدنيين، وهو ما زاد من حالة الاحتقان الشعبي ضد التنظيم.

خريطة توضح توزع السيطرة في سوريا (الجزيرة) المسارات السياسية

وعلى وقع التصعيد الميداني، انطلقت المسارات السياسية بين الدول الفاعلة في هذا الملف، والحديث هنا عن تركيا والولايات المتحدة، فقد وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أنقرة الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي، للتباحث مع نظيره التركي هاكان فيدان حول الملف السوري.

ووفقا لمصادر دبلوماسية مطلعة، فإن المباحثات تدور حول إخراج العناصر غير السورية من تنظيم قسد، وتحوّله إلى مكوّن سوري ينخرط في عملية التغيير، ويشارك ضمن العملية الانتقالية التي تناقشها الدول الفاعلة، ومن ضمنها روسيا، بالإضافة إلى نزع يده عن حقول النفط التي يستحوذ عليها.

وتعمل أنقرة على إقناع الجانب الأميركي بمقاربة الحل وتقدم تطمينات حول قدرتها على الاستمرار في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وعدم السماح لداعش بالعودة مجددا، وهذا يسحب ورقة مهمة من يد قسد تستخدمها لاستجلاب الدعم الأميركي.

وتتحدث مصادر كردية عن طرح قسد فكرة إطلاق حوار مع باقي المكونات الكردية، وعلى رأسها المجلس الوطني الكردي الذي كانت ترفض الانخراط فيه طوال السنوات الماضية على الرغم من الضغوط الأميركية. لكن لا يبدو أن هذا المسار له فرص نجاح كبيرة نتيجة شعور مختلف المكونات بحالة الضعف الذي يعاني منها التنظيم بعد فقدانه لكامل مناطق انتشاره غرب الفرات، والانتفاضة الشعبية في الرقة والحسكة ضده.

إعلان

وغالبا لا ترغب مختلف المكونات السورية في التقارب مع قسد لاعتبارات سياسية، تتعلق بتجنب إغضاب أنقرة التي ازدادت فعاليتها في الملف السوري بالتوازي مع انحسار دور إيران وروسيا.

خيارات صعبة

وقد استطاعت قسد طوال الأعوام الماضية الاستفادة من دعم وغطاء دولي متعدد، نظرا لكثرة الفاعلين الدوليين المنخرطين في الملف السوري، وتضارب المصالح بينهم. فمن جهة تتلقى الدعم الأميركي وتعتمد على الغطاء الذي توفره القواعد الأميركية لها في المنطقة، كما أنها فتحت قنوات اتصال مع روسيا أيضا بعد أن أسست الأخيرة قواعد ونقاطا عسكرية لها شمال شرق سوريا منذ عام 2019، أبرزها قاعدة القامشلي الجوية.

ووفقا لمصادر عراقية مطلعة، فإن قسد باتت تنشط في تحالف وثيق منذ عام 2022 مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافل طالباني، وهو الآخر مدعوم من إيران، وبالتالي أصبح لقسد تموضع ضمن المحور الإيراني، كما تحظى قوات دفاع عفرين -إحدى الأجنحة ضمن قسد- بعلاقات قوية مع ضباط الحرس الثوري الإيراني، منذ أن كانت هذه القوات تنتشر في شمال حلب وعلى مقربة من بلدتي نبل والزهراء اللتين كانتا تحت سيطرة الفصائل الموالية لإيران.

وبعد المتغيرات التي طرأت على الساحة السورية، باتت قسد أمام خيارات صعبة في ظل الشك حول مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا بعد سقوط الأسد، كما أن موسكو حتى إن احتفظت بقواتها، فإنها لن تنخرط على الأغلب في أي نشاط مستفز للجانب التركي، حيث نقلت وسائل إعلام روسية عن مصادر في السلطة تأكيدات بأنه سيتم التنسيق مع تركيا لضمان أمن القواعد الروسية في سوريا.

من جهة أخرى، أكدت مصادر ميدانية لموقع الجزيرة نت أن قسد تعرّضت لضغوط أميركية من أجل الانسحاب من مدينة منبج شرق حلب ومدينة دير الزور، وبموجب تفاهمات تركية أميركية تمت بعد عملية تفاوض على الأراضي السورية، ومن المتوقع أن يتكرر الأمر ذاته في مدينة الرقة التي تتصاعد فيها حالة التمرد على سيطرة التنظيم.

إعلان

إيران هي الأخرى تعاني من تضييق كبير على نفوذها في المنطقة، وفي سوريا خصوصا، حيث تقوم القوات الأميركية المنتشرة على الحدود العراقية السورية بمراقبة أي تحركات للفصائل المدعومة إيرانيا، وتمنعها من الدخول إلى سوريا، وهذا يجعل التعويل على الدعم الإيراني أمرا غير مجدٍ من الناحية العملية.

ونتيجة تبدل الأوضاع السياسية وتصاعد الضغط عليها، فقد تبنت قسد في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري رفع العلم السوري الموحّد الجديد (علم الثورة السورية)، في خطوة تبدو مؤشرا على إمكانية اندماجها ضمن المرحلة القادمة، والتخلي عن فكرة الإدارة الذاتية، لكن مع الاحتفاظ بمكتسبات سياسية وثقافية واضحة.

ومن المحتمل أن تنحسر سيطرة قسد خلال الفترة المقبلة إلى محافظة الحسكة، وهذا السيناريو متداول بشكل كبير في أوساط التنظيم، مما قد يفرض عليه الاضطرار للانخراط في الحل السوري خلال المرحلة الانتقالية بعد التحرر من سلطة حزب العمال الكردستاني، خاصة أنه يعيش هواجس احتمال انسحاب القوات الأميركية من سوريا عند تسلم دونالد ترامب دفة الحكم رسميا في الولايات المتحدة، فهو يكرر في الآونة الأخيرة تصريحات تؤكد عدم انخراط واشنطن في الملف السوري مستقبلا، وضرورة أن يتولى السوريون إدارة الحل في البلاد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات المعارضة الملف السوری تنظیم قسد فی سوریا

إقرأ أيضاً:

رغم سقوط الأسد.. مصانع الكبتاغون تتجذر في الشرق الأوسط

حوّل النظام السوري السابق اقتصاد البلاد إلى اقتصاد مخدرات يعتمد على عوائد الكبتاغون، ولكنّ انهيار النظام السياسي لا يعني نهاية تصنيعها والاتجار بهذا المُخدّر الصناعي الذي يحظى بشعبية كبيرة، بحسب نتائج تحقيق فرنسي تحدّثت عنه صحيفة "لو فيغارو"، خلص إلى أنّ حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية التابعة لإيران، قد ورثوا إدارة هذه التجارة المُربحة.

وفي السنوات الأخيرة، أغرقت هذه المخدرات منطقة الشرق الأوسط على نحوٍ غير مسبوق. وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنّ كميات الكبتاغون التي ضبطتها السلطات في بعض الدول بين عامي 2010 و2024، زادت بشكل أكثر من كل أنواع المخدرات الأخرى الموجودة على هذا الكوكب.

وبسبب موقعه الجغرافي، تحوّل العراق إلى أرض خصبة لتجارة المخدرات الاصطناعية، وخاصة في منطقة كردستان حيث من المستحيل احتواء الأعداد الكبيرة من التجار والمُروّجين والمُجرمين من خلال دوريات أمنية بسيطة، فضلاً عن استحالة ذلك مع وجود حدود برّية غير محكمة الإغلاق. ووفقاً لبيانات أممية، فقد زادت الكميات المُصادرة من الكبتاغون بمقدار 34 ضعفاً، من 118 كغم إلى 4 أطنان بين عامي 2019 و2024.

En savoir plus ↓https://t.co/tuaDYfCGqa

— Le Figaro (@Le_Figaro) March 7, 2025 تحوّل في طرق التصنيع والتهريب

ولكن هل سقوط بشار الأسد سيؤدّي إلى القضاء بشكل سحري على تجارة الكبتاغون إلى العراق؟ يُجيب الكاتب في "لو فيغارو" المحلل السياسي الفرنسي فينسنت جولي، بأنّه رغم أنّ ما حصل يُمثّل نهاية حقبة في تاريخ سوريا والشرق الأوسط، إلا أنّه لا يُمثّل سوى فصل واحد في تاريخ تجارة المخدرات في المنطقة. فلن يكون التدمير المُعلن من قبل القيادة السورية الجديدة لعدد قليل من المُختبرات كافياً، بل سنشهد تحوّلاً وتغيّراً في طرق التصنيع والتهريب.

وبرأيه، فإنّه في كثير من الأحيان، يؤدي القضاء على بنية ما إلى انتشار المنظمات الإجرامية الصغيرة التي تسعى إلى الاستحواذ على حصة في السوق. وهو ما تؤكده التقارير عن الاشتباكات الأخيرة عند الحدود السورية- اللبنانية، في فبراير (شباط) الماضي، بين قوات النظام السوري الجديد والعشائر المرتبطة بحزب الله.

Malgré la chute de Bachar el-Assad, qui a transformé la Syrie en une narco-économie dopée au Captagon, cette véritable drogue de guerre, d’abord utilisée par les combattants islamistes, se répand désormais dans la société au Proche-Orient. pic.twitter.com/h8EOKouAW0

— Le Figaro (@Le_Figaro) March 7, 2025 10 مليارات يورو

وفي عام 2011، انزلقت سوريا إلى الحرب. وعلى رماد هذا البلد المُدمّر، تبدأ عائلة الأسد بناء إمبراطورية جديدة من خلال التحوّل إلى التجارة الوحيدة الممكنة في ظلّ العقوبات: إنتاج المخدرات والاتجار بها، هذه الصناعة التي كانت تُولّد نحو 10 مليارات يورو في السوق السورية وحدها.

وفي غضون سنوات قليلة، نجح بشار الأسد في تحويل تصدير الكبتاغون إلى المصدر المالي الرئيسي للبلاد، مما أدّى إلى تصنيفها كدولة مخدرات، حيث كانت الإمكانات متوافرة، فالبلاد تمتلك المعرفة في الكيمياء، والمصانع اللازمة، وحتى القدرة على الوصول إلى طرق الأنهار في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن طرق التهريب الراسخة إلى الأردن ولبنان والعراق. وهذه هي ميّزة المخدرات المُصنّعة، فهي لا تتطلب أي زراعة أو حصاد. كل ما هو مطلوب كمية كبيرة من المواد الكيميائية ومواقع سرّية، أو سلطات مُتواطئة تُساعد في توزيع المخدرات، فتُصبح المهمّة أسهل بكثير.

Do not believe what the Iranians and Hezbollah are spreading. They have lost their criminal ally in Syria and are now resorting to lies and exaggerations to gain the world's sympathy so they can continue producing Captagon in Syria.#Syria pic.twitter.com/6W8xOjHxEQ

— Rami Seid (@RamiSeid38099) March 9, 2025

وبعد أن استولت الفصائل المسلحة على العاصمة دمشق، ومن أجل إظهار مصداقيتهم، قام أسياد سوريا الجدد بتدمير المختبرات ومواقع التصنيع التي تمّ العثور عليها في كلّ مكان: في المصانع، والفيلات، والمباني المهجورة. وأظهرت مقاطع فيديو تمّ تداولها غُرفاً مليئة بتصنيع الحبوب، إلى جانب آلات ومخزونات ضخمة من منتجات الكبتاغون، وكل ما يلزم لإخفائها داخل سلع قانونية. كما تمّ العثور على شحنات في قاعدة جوية عسكرية تابعة للنظام السابق.

Captagon : « La Syrie de Bachar al-Assad était un narco-Etat » https://t.co/NfUVFfw15w

— Public Sénat (@publicsenat) December 14, 2024 حزب الله والحشد الشعبي

وبحسب خبراء المُبادرة العالمية لمُكافحة الجريمة المُنظّمة العابرة للحدود الوطنية، التابعة للأمم المتحدة، فإنّ حزب الله اللبناني أصبح بالفعل وبشكل مُستقل ثاني أكبر مُنتج لهذه المخدرات. وهو ما يُشكّل فرصة مالية ضخمة لم يتردد الحزب، الذي قضت عليه إسرائيل في سبتمبر (أيلول) الماضي، من مواصلة استغلالها لتمويل إعادة الإعمار واستمرارية نشاطه.

وأما بالنسبة لكردستان العراق، حسبما نقلته يومية "لو فيغارو" الفرنسية، فقد عانى الإقليم من زيادة الاتجار بالكبتاغون، وخاصة عن طريق أكراد إيران، والعراق يُواجه اليوم مشكلة مزدوجة: فبعد أن كان في الماضي مُجرّد ضحية للاتجار، أصبح الآن لاعباً كاملاً في هذه العملية. والسبب وراء تفاقم المشكلة هو أنّه لم يعد مُجرّد نقطة عبور، بل بات هناك أيضاً مواقع تصنيع على الأراضي العراقية، بدأت في محافظة الأنبار الحدودية مع سوريا.

Le captagon, cette drogue illicite qui a transformé la Syrie en narco-État.
L’avenir de ce trafic reste incertain dans un pays dont l’économie a été alimentée par des milliards de dollars de contrebande et une forte demande des pays voisins.https://t.co/Gb2nNnz2eP [Rediff]

— Marc Gozlan (@MarcGozlan) March 9, 2025

وتنقل عن أحد سكان كردستان العراق، قوله إنّ الكبتاغون وصل أولاً من إيران بمُشاركة الميليشيات التابعة لها، مثل الحشد الشعبي، وعبر حزب الله اللبناني، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي كان موجوداً في سوريا، وسط دوامة من الولاءات التي سيطرت عليها تجارة المخدرات على حساب السكان الذين وقعوا فريسة للإدمان أو انجرّوا إلى الاتجار بها.

مقالات مشابهة

  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • من التمرد إلى الاتفاق.. هدية فلول الأسد للثورة السورية
  • حسين: العراق يؤيد اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية ويتمنى ان ينعكس بالخير على سوريا
  • وزير الخارجية السوري يبدأ زيارة رسمية للعراق
  • الجولاني يكرر ما كان يفعله الأسد.. مجلس سوريا الديمقراطية: دستور المرحلة الانتقالية غير شرعي
  • مجلس سوريا الديمقراطية: الشرع يكرر ما كان يفعله الأسد
  • رغم سقوط الأسد.. مصانع الكبتاغون تتجذر في الشرق الأوسط
  • البحرين ترحب باتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربيّة السّورية
  • الإمارات ترحب باتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية
  • الاتحاد الأوروبي: اتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية يمهّد الطريق أمام تعزيز استقرار وازدهار سوريا