في حين كانت روسيا وإيران من أقرب الداعمين لسوريا في السنوات الأخيرة، فقد تعززت علاقات دمشق كذلك مع الصين. ويرى محللون فرنسيون وصينيون أنّه بسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، تكون بكين قد فقدت بدورها داعمها التاريخي في الشرق الأوسط.

وبينما تكتفي الصين اليوم بمُراقبة ما يحدث في سوريا، باهتمام وخوف من الاضطرابات الجارية وتداعياتها على إيران وروسيا، الشريكين الأساسيين لدمشق، يجد خبراء استراتيجيون صينيون في ضعف نفوذ طهران وموسكو، الذي يترك سوريا دون شريك اقتصادي وسياسي قوي، فرصة مُهمّة تفتح لبكين باباً واسعاً للتدخل، وذلك بمُساعدة بعض الدول العربية.

Avec la chute de #Bachar el-Assad en #Syrie, la #Chine perd un appui historique au Moyen-Orienthttps://t.co/3ilHCd4P5H
par @Le_Figaro

— Sebastien Falletti (@fallettiseb) December 12, 2024 استغلال النكسات 

واكتفت وزارة الخارجية الصينية في الوقت الحالي، بالإعراب عن أملها في أن  تعود سوريا إلى الاستقرار في أقرب وقت ممكن، ودعت إلى حلّ سياسي بين جميع الأطراف. وحثّت الأطراف السورية المعنية على اتخاذ الإجراءات اللازمة، لضمان سلامة المؤسسات الصينية والأفراد الصينيين في سوريا.

والصين إحدى الدول القليلة خارج الشرق الأوسط، التي زارها بشار الأسد منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. وفي تلك الرحلة في عام 2023، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ والأسد عن "شراكة استراتيجية" بين بلديهما.

وترى صحيفة "لو فيغارو"، أنّ النكسات التي مُنيت بها موسكو وطهران في سوريا، والفراغ الذي تمّ تركه يُمكن للصين أن تندفع إليه في نهاية المطاف، إذا نجحت في استئناف اللغة مع السادة الجدد لدمشق، التي لا تزال تحت رحمة الاضطرابات.

Syrie : les rebelles annoncent la chute de Bachar al-Assadhttps://t.co/PCDasW789A

— La Tribune (@LaTribune) December 8, 2024 البحث عن الجهاديين الصينيين

وبدورها، رأت صحيفة "لا تريبيون" أنّه في مواجهة سقوط بشار الأسد، كانت ردود الفعل المُتعارضة للمُستشارين الصيني والإيراني، بمثابة بدايات الجيواستراتيجية المستقبلية في هذه المنطقة من العالم. ومع عدم الثقة في وصول المتمردين الإسلاميين إلى السلطة، تُدقق الصين في الدور المُحتمل للمُقاتلين من شينجيانغ، الذين جاءوا إلى سوريا ليتدرّبوا على الجهاد ويُمارسوه.

كما وأرادت أجهزة الأمن الصينية، معلومات عن مقاتلين محتملين من الأويغور، من حركة تركستان الشرقية الإسلامية، الذين يُقاتلون بالقرب من إدلب السورية، هذه المنظمة المُقاتلة التي يشكك العديد من الخبراء في أنها لا تزال تعمل.

Syrie : le régime d’Assad défié par les rebelles https://t.co/yyiJlOeJk7

— La Tribune (@LaTribune) December 1, 2024 تحدٍ سياسي

وتُمثّل المرحلة الانتقالية في مرحلة ما بعد الأسد، تحدّياً كبيراً للسياسة الخارجية للصين. إذ وبعد أن دعمت الأسد وتطبيع دمشق مع الجامعة العربية، فإنّها تُخاطر بالتهميش في سوريا الجديدة. وأنّ "هذا الواقع السياسي الجديد يتطلب نهجاً عملياً من بكين"، حسب إميلي تران، الأستاذة والباحثة في جامعة هونغ كونغ متروبوليتان.

ومن جهته، يرى شي ينهونغ، الأستاذ الفخري في جامعة رنمين في بكين، أنّ التطوّرات الأخيرة في سوريا تحرم بكين من شريك استراتيجي مُهم في منطقة الشرق الأوسط، حتى ولو كان للصين تحالفات أخرى تمّ تشكيلها مع قوى خليجية فاعلة. ويعتبر ينهونغ ما حدث بأنّه "انتكاسة من حيث الهيبة. وهذا يقلل بشكل أكبر من الدور الدبلوماسي للصين في الشرق الأوسط.. ناهيك عن الاستثمارات المفقودة، والتي سيكون من الصعب الحصول على تعويض عنها".

وأشار الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي في "لو فيغارو"، سيباستيان فاليتي، إلى أنّ زيارة الأسد العام الماضي للصين لم تخلُ من دوافع سليمة وأمنية مُتعثّرة، إذ أراد الرئيس السوري السابق الانضمام إلى "طرق الحرير الجديدة"، والحصول على الدعم الاقتصادي، فيما كانت بكين تتطلع إلى استثمار فرص إعادة إعمار سوريا المدمرة، مع احتياجات البنية التحتية المُلحّة.

La Chine appelle au respect de la souveraineté de la Syrie face aux attaques israéliennes

- Pékin appelle "toutes les parties concernées" à agir dans "le meilleur intérêt" du peuple syrien et à trouver une solution politique pour restaurer la stabilitéhttps://t.co/wizvwj9J0L

— Anadolu Français (@aa_french) December 9, 2024 ملء الفراغ لمصالح اقتصادية

ويرى فاليتي أنّ رحلة بشار المؤسفة إلى روسيا، تضع نهاية مُفاجئة للعلاقات المتينة بين بكين ودمشق، ولكن ليس للنفوذ الصيني المُتنامي في الشرق الأوسط.

ومثل القوى الأخرى، فإنّه يجب على الصين أن تتكيف بخفة مع الوضع الجديد غير المؤكد الذي بدأ في الظهور في سوريا، وأن تستمر في التأثير على حقبة ما بعد الأسد، بسبب ثقلها الاقتصادي والدبلوماسي. كما أنّه لن يكون بمقدور أسياد دمشق الجدد أن يتجاهلوا عضواً دائماً في مجلس الأمن، له قيمة في موازنة الضغوط الغربية، ومُزوّد للبنية التحتية.

ورغم الخسارة الصينية الفادحة، فإنّ الخسارات الأثقل التي مُنيت بها موسكو وطهران تترك فراغاً يصعب ملؤه في سوريا يُمكن لبكين أن تندفع إليه في نهاية المطاف إذا نجحت في استغلاله، حسبما تراه إميلي تران، المُتخصصة في الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط، وذلك بشرط الإبحار بمهارة، والاقتراب من الحُكّام الجُدد في دمشق.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصين روسيا سوريا بشار الأسد سقوط الأسد الصين روسيا الحرب في سوريا فی الشرق الأوسط فی سوریا

إقرأ أيضاً:

هل يملك ترامب رؤية واضحة لقطاع غزة؟

واشنطن ـ لم ينتظر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عودته للبيت الأبيض حتى ينخرط، هو وفريقه، في العمل على حل أزمة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بل يلعب مبعوثه لسلام الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف دورا رئيسيا في المفاوضات غير المباشرة الجارية بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة.

وقبل شهر، فاجأ ترامب الدوائر الأميركية المتابعة لأزمة غزة ببيان حاد توعد فيه الشرق الأوسط كله "بالجحيم" إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى المحتجزين قبل تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري، وبعدما تعهد ترامب بإحلال "السلام" في الشرق الأوسط، في تلميح إلى أنه سينهي الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، دون أن يذكر كيف.

وقال ترامب "لن يكون هذا جيدا لحماس ولن يكون جيدا، بصراحة، لأي شخص، سوف يندلع الجحيم، ولا داعي لقول المزيد، لكن هذا هو الأمر، لم يكن ينبغي أن يحدث هذا أبدا"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى.

وفي حديث للجزيرة نت، ذكر خبير ملف سلام الشرق الأوسط والأستاذ بالجامعة الأميركية في واشنطن غريغوري أفتانديليان أن "إدارة ترامب القادمة لا تملك رؤية واضحة لغزة سوى التأكد من أن حماس لن تحكم القطاع مرة أخرى، وترغب (الإدارة) في وقف إطلاق النار بمجرد توليها السلطة في 20 من الشهر الجاري، لكن ليس من الواضح ما هو الكيان السياسي الذي تفضله".

إعلان صعوبة تحديد رؤية ترامب

وبدورها، استبعدت خبيرة السياسة الخارجية الأميركية عسل آراد إمكانية تحديد رؤية واضحة من الإدارة الجديدة بشأن غزة، نظرا للطبيعة العامة غير المتوقعة للرئيس ترامب، ومع ذلك، أوضح ترامب نفسه أنه يريد إطلاق سراح الرهائن قبل أن يتولى منصبه رسميا وهدد برد كبير إذا لم يحدث ذلك".

واعتبرت آراد، في حديث للجزيرة نت، أن سجل ترامب خلال فترة حكمه الأولى قد "يشير إلى أن إدارته الثانية قد تبارك احتلال وضم الأراضي في غزة، وإذا اتبعت فترته الرئاسية الثانية مسار الفترة الأولى، فلن يكون قلقا بشأن القانون الدولي، ومن المرجح أن يسمح لإسرائيل بالتصرف مع الإفلات من العقاب في غزة، مثلما فعلت إدارة جو بايدن".

واتفق رئيس برنامج العلاقات الدولية بجامعة سيراكيوز، بولاية نيويورك البروفيسور أسامة خليل، مع الطرح السابق، وقال "ستتماشى سياسة إدارة ترامب تجاه غزة مع تفضيلات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في نهاية المطاف، فإن إسرائيل ستحاول منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وعرقلة أي جهود لإعادة الإعمار.

وتابع أنه من غير المرجح أن يكون هناك أي ضغط كبير من واشنطن للسماح بدخول المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة، وبدلا من ذلك، ستؤيد إدارة ترامب إبقاء إسرائيل على منطقة أمنية داخل القطاع وحقها في الضربات المستهدفة، وسيؤيد ترامب أيضا إعادة توطين إسرائيل وضمها الضفة الغربية".

اختيارات ترامب لأنصار إسرائيل

وتعكس اختيارات ترامب لكبار مساعديه في ملف قضايا الشرق الأوسط وجود تقارب كبير يصل لدرجة التطابق بين رؤية مرشحي ترامب، وبين السردية الإسرائيلية للصراع.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط إلى أن "تصريحات ترامب، إضافة للعديد من ترشيحاته للمناصب العليا، تشير إلى أنه سيكون أقل استعدادا بشأن دولتين لشعبين بين النهر والبحر".

إعلان

وأضاف ماك أن المؤشرات على سياسة ترامب قاتمة حقا، خاصة أن اختياره لمنصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، حاكم ولاية أركنساس السابق مايك هاكابي، أمر محبط في ظل نفي هاكابي أن الفلسطينيين أمة وشعب، كما أنه ينظر إلى القدس الشرقية والضفة الغربية على أنهما أجزاء من أرض إسرائيل، وليس هناك مجال للتفاوض بشأنهما".

وكان وزير الخارجية المرشح من قبل ترامب السيناتور ماركو روبيو قد أكد باستمرار دعمه القوي لإسرائيل، وأدلى بالعديد من التصريحات البارزة بشأن غزة، داعيا إلى القضاء على حركة حماس في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فضلا لمعارضته جهود وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

في حين دعا النائب مايكل والتز، مرشح ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، في تصريحات صحفية، لتقديم كل الدعم الذي تحتاجه إسرائيل، وطالب والتز إسرائيل "بإنهاء المهمة" في معالجة التهديدات الأمنية التي تتعرض لها.

ترامب ومستقبل حكم غزة

لم يعرض ترامب، ولا كبار معاونيه، أي تصور لمستقبل إدارة قطاع غزة، ويصور بعض الخبراء عدم القدرة على التنبؤ بما سيقدم عليه ترامب كقوة سياسية، ورصيد دبلوماسي، يمكن من خلاله الضغط بشدة على أطراف النزاع، ولم يستبعد مراقبون أن ينصاع ترامب لرغبات نتنياهو خاصة ما يتعلق بضم أجزاء من قطاع غزة لإسرائيل.

ومن جانبه، أشار تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن، والمحاضر بجامعة جورج واشنطن، في حديث للجزيرة نت، إلى احتمال موافقة ترامب على "بقاء إسرائيل في شمال غزة، ومنع السكان السابقين من العودة إلى ديارهم".

مقالات مشابهة

  • عقوبات جديدة.. كيف تؤثر على إمدادات نفط روسيا للصين والهند؟
  • هل يملك ترامب رؤية واضحة لقطاع غزة؟
  • إسبانيا تعلن مساندة تركيا في سوريا
  • صحيفة: إيران تبيع نفطها المخزن في الصين لدعم ميليشياتها بالشرق الأوسط
  • لماذا ساعدت الصين الحوثيين سراً في الهجمات على سفن الغرب بالبحر الأحمر وماهي الصفقة بينهما .. تقرير أمريكي يكشف التفاصيل
  • تقرير أمريكي يتحدث عن دعم الصين للحوثيين ظمن خيارات الشراكة الناشئة بين بكين وطهران ... ومستقبل علاقة الحزب الشيوعي بعمائم الشيعة
  • تقرير أمريكي: دعم الصين للحوثيين جزء من الشراكة الناشئة بين بكين وطهران (ترجمة خاصة)
  • مجلة أمريكية: الصين ساعدت الحوثيين سراً في الهجمات على سفن الغرب بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • هل يصبّ سقوط الأسد في مصلحة الصين؟
  • بعد الجدل.. إيران تكشف هوية ومصير العجوز "الغامض" في سوريا