احتشدت الجماهير المبتهجة في بعض أكبر المدن السورية وأكثرها أهميةً سياسيةً، لتُسقط تماثيل الرئيس السابق حافظ الأسد خلال الأسبوع الماضي، في مشهد يذكّرنا بإسقاط تماثيل الرئيس العراقي السابق صدام حسين في بغداد عام 2003.
قد يجدد سقوط الأسد آمال المتظاهرين المناهضين للحكومة
وفي هذا الإطار، قال هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، في مقاله بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي: "كانت الجماهير تحتفل بالإطاحة المفاجئة بالرئيس بشار الأسد بعد 24 عاماً في السلطة.
Damasco, futura capitale di una Giordania privata della West Bank? After the Fall of Assad, the Middle East Braces for Unrest - Geopolitical Futures https://t.co/GwiStcCjwk
— Germano Dottori (@GermanoDottori) December 11, 2024ورغم أن معظم السوريين مسلمون ملتزمون، فليس لديهم اهتمام واسع بالدوغماتية الدينية. وهناك القليل من القواسم المشتركة بين المجموعات العرقية والدينية المختلفة في سوريا، مما سيحول بينهم وبين التوصل إلى اتفاق حول أسس النظام السياسي والهوية الوطنية المستقبلية. ومما يزيد الوضع تعقيداً، بحسب الكاتب، أن جيران البلاد يضعون أنظارهم على الأراضي السورية وسط حالة عدم اليقين المتزايدة.
عائلة الأسدوحكمت عائلة الأسد سوريا لعقود بقبضة من حديد. وبلغت ذروة قمعها للشعب السوري في نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، عندما نفذ حافظ الأسد انقلاباً عسكرياً أطاح فيه بشريكه في السلطة صلاح جديد.
ووصفت الدعاية الرسمية الأسد بالقائد الخالد، ونُصبت تماثيل له في كل مدينة وبلدة في البلاد.
وأدت ممارسات حافظ الأسد للسلطة المطلقة إلى تدهور مؤسسات الدولة. وقدَّم نفسه على أنه لا يُقهر ودائم.
وكانت قدرته على توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية للشعب السوري تمكنه من استخدام أساليب قمع غير مسبوقة ضد معارضيه، رغم أن نصيب الفرد من الدخل انخفض من 1470 دولاراً في عام 1980 إلى 990 دولاراً في عام 1990.
ولم يُخفف تدهور الموارد المادية في البلاد من تطبيق التدابير الاستبدادية ضد منتقدي سياساته الداخلية والخارجية. كما تفاقم الفساد، الذي كان سمة شائعة للمؤسسات العامة في سوريا، خلال حكم حافظ، حيث اعتبره شكلاً من أشكال الرعاية.
The ouster of Syrian President Bashar al-Assad shattered Iran's network of influence in the Middle East but Israel, the US and Arab powers must now deal with the risk of instability and extremism from the mosaic of forces that replaces him https://t.co/Z5bjQaZrCt 1/12
— Reuters (@Reuters) December 9, 2024وعندما توفي حافظ الأسد عام 2000، خلفه بشار، الذي كان يبلغ من العمر 34 عاماً فقط، في انتهاك للدستور السوري الذي ينص على أن يكون عمر الرئيس 40 عاماً على الأقل.
وقاد التمرد الذي أطاح بالأسد نهاية الأسبوع الماضي "هيئة تحرير الشام"، التي صنَّفتها العديد من الحكومات الغربية كجماعة إرهابية.
وزعيم هذه الجماعة هو أبو محمد الجولاني، الذي له تاريخ طويل في العمل المسلح؛ فقد شارك في القتال ضد القوات الأمريكية التي غزت العراق عام 2003 بعد انضمامه إلى تنظيم القاعدة.
ثم انتقل الجولاني إلى لبنان عام 2006، حيث أشرف على تدريب مقاتلي جماعة جند الشام السلفية الجهادية. ثم عاد إلى العراق عام 2008 للقتال مع تنظيم داعش الإرهابي، واعتقلته القوات الأمريكية لفترة وجيزة.
وبعد الإفراج عنه انتقل إلى سوريا بعد انتفاضة 2011 ضد الأسد. وأسس جبهة النصرة الجهادية العابرة للحدود، وركز على العراق وسوريا والأردن ولبنان.
وبعد أن استعاد الأسد السيطرة على حلب أواخر عام 2016، غير الجولاني اسم الجماعة إلى "هيئة تحرير الشام". واستقر في محافظة إدلب وأسس حكومة الإنقاذ السورية، متخلياً عن عقيدة الجهاد العابر للحدود ليركز على سوريا فقط.
وأعلن الجولاني أن هدفه يتركز حول القضاء على نظام الأسد وإقامة حكم إسلامي في سوريا، مؤكداً أن عضويته في القاعدة وعلاقته بتنظيم داعش أصبحت من الماضي.
وعزز سيطرته الاستبدادية على إدلب وهمّش جماعات المعارضة الأخرى، سواء كانت دينية أو علمانية.
وأكد الكاتب أنه لا ينبغي أن تكون التطورات الأخيرة مفاجئة بالنظر إلى تاريخ سوريا المضطرب. بعد استقلالها عام 1943، أصبحت سوريا ساحة للمنافسة حيث تنازعت مصر والعراق والأردن وتركيا وبريطانيا للسيطرة عليها.
ورغم كل الصعاب، تمكن حافظ الأسد من جعل سوريا قوة إقليمية، لكن بشار، الذي كان يخشى أن يؤدي الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 إلى الإطاحة به، تحالف مع إيران التي هيمنت على النظام السياسي السوري بعد انتفاضة 2011.
For nine years, Syria was a key symbol of Russia’s return to Great Power status. Putin is now withdrawing empty handed, while his propaganda downplays the significance of the defeat. Yet again, Russia opts to retreat rather than escalate pic.twitter.com/unqILRHDgC
— Business Ukraine mag (@Biz_Ukraine_Mag) December 8, 2024ومع بدء التمرد الشهر الماضي، انهارت قوات النظام المحبَطة التي كانت تقاتل حرباً لأكثر من 13 عاماً. وواصل المتمردون هجومهم بعد الاستيلاء على حلب، واستولوا على حماة رغم الغارات الجوية الروسية المكثفة، وتوجهوا جنوباً نحو حمص التي استولوا عليها دون قتال.
وفي محافظة السويداء، أطلقت الطائفة الدرزية حملة منفصلة أدت إلى فرار مسؤولي النظام دون مقاومة كبيرة. ورفع المتمردون هناك علم الدروز ذي الألوان الخمسة بدلاً من علم الانتفاضة السورية.
وفي درعا، التي شهدت احتجاجات عام 2011 التي أطلقت الحرب الأهلية، استولت فصائل المعارضة على المنطقة الحدودية مع إسرائيل والأردن بعد انسحاب الجيش.
وصلت القوات المتمردة في درعا، التي تعمل تحت قيادة مختلفة، إلى دمشق بينما كانت كتائب الجولاني ما تزال تطهر حمص من قوات النظام. ومع استمرار المتمردين في تقدمهم، تجنبوا التوغل في الساحل الذي يسيطر عليه العلويون، أو المنطقة الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي والمعروفة باسم روجافا، أو محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
ورغم تصريحات الجولاني بأنه يريد توحيد سوريا، يقول الكاتب، إن المشهد السياسي في البلاد شديد الاستقطاب، ومن المحتمل أن تنقسم الفصائل التي أطاحت بنظام الأسد قريباً وتتصارع فيما بينها.
التداعيات على المنطقةورجح الكاتب أن يستغل جيران سوريا الوضع السياسي والأمني المتغير هناك. وبعد ساعات قليلة من سقوط النظام، استولى الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من جبل الشيخ. وأخبر سكان خمس قرى بالقرب من خط وقف إطلاق النار لعام 1974 بالبقاء في منازلهم أو إخلائها بسبب احتمال اندلاع القتال.
وزار رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو المنطقة وأعلن أن اتفاقية 1974 التي ألزمت إسرائيل بالانسحاب من المنطقة لم تعد ذات صلة. وشنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات على عدة مواقع عسكرية في دمشق الكبرى، بزعم احتوائها على أصول عسكرية استراتيجية. وفي الشمال، قصفت القوات الجوية التركية مواقع كردية وسط تقارير عن اشتعال القتال مجدداً.
ورجح الكاتب استمرار حالة عدم الاستقرار والفوضى وغياب النظام في سوريا لفترة طويلة، مما يهدد جيرانها.
قد يلهم سقوط نظام الأسد أيضاً الجماعات المسلحة في دول عربية أخرى. على سبيل المثال، قد يحاول المسيحيون والمسلمون السنة في لبنان نزع سلاح حزب الله، الذي تلقى بالفعل ضربة موجعة من إسرائيل، مما يهدد بجر لبنان إلى موجة جديدة من الصراع الطائفي.
وسيعلو صوت المسيحيين الذين يطالبون بنظام فيدرالي في لبنان. أما في العراق، فقد يجدد سقوط الأسد آمال المتظاهرين المناهضين للحكومة، الذين قُمعت حركتهم في عام 2019 على يد ميليشيات مدعومة من إيران.
وتشهد المنطقة العربية حالة من الترقب للاضطرابات المحتملة مع متابعتها للتطورات الدراماتيكية في سوريا، فغالباً ما يمتد تأثير الاضطرابات في سوريا إلى باقي أنحاء الشرق الأوسط، مما يجعل الاستقرار الإقليمي معتمداً على ما سيحدث هناك في المستقبل.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية بشار الأسد لسوريا الجولاني هيئة تحرير الشام داعش سقوط الأسد الحرب في سوريا الجولاني هيئة تحرير الشام داعش حافظ الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
لماذا تتردد واشنطن في رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط الأسد؟
وقال كبير مسؤولي مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية تيم ليندركينغ إن "هناك عقوبات فرضناها على سوريا وقيادتها، وهذه العقوبات لن ترفع بين عشية وضحاها، لن نتعجل كما فعلت بعض البلدان".
وفي حديثه لحلقة (2025/5/1) من برنامج "من واشنطن"، أضاف ليندركينغ "نرى لدى بعض شركائنا تعطشا لإعادة فتح السفارات ورفع الأعلام، لكننا ببساطة لم نصل بعد إلى تلك المرحلة، ونتبع نهجا حذرا في التعامل".
وعلى النقيض من الموقف الأميركي، أعلنت بريطانيا مؤخرا إزالة 12 كيانا سوريا إضافيا من قائمة العقوبات، شملت مؤسسات سيادية مهمة، مثل وزارتي الداخلية والدفاع، وعدة أجهزة أمنية واستخباراتية كانت تعتبر سيئة السمعة خلال حكم عائلة الأسد.
ولم يكن هذا الإجراء البريطاني الأول من نوعه، إذ سبقه إعلان في مارس/آذار الماضي برفع العقوبات عن 24 كيانا سوريا آخر، تمثل قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والتعامل المالي، وعلى رأسها المصرف المركزي السوري.
تباين مواقف
وبشأن هذا التباين في المواقف، أوضح مراسل الجزيرة في لندن محمد المدهون، أن وزراء الحكومة البريطانية عبروا بوضوح عن قناعتهم بأن استقرار سوريا يمثل مصلحة بريطانية مباشرة، وأن رفع الكيانات السورية من قائمة العقوبات يستهدف تحقيق هذا الاستقرار الإقليمي وتعزيز الأمن القومي البريطاني.
إعلانوفي تحليلها للموقف الأميركي، كشفت مساعدة وزير الخارجية الأميركية السابقة لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، وجود انقسام حاد في الرؤى داخل الإدارة الحالية بشأن التعامل مع سوريا.
وأكدت ليف -في حديثها لـ"من واشنطن"- أن "لأميركا مصلحة في استقرار سوريا"، موضحة أن الخلاف داخل الإدارة الأميركية يدور بين تيارين:
التيار الأول يرى الرئيس أحمد الشرع "إرهابيا" جاء مع "مجموعة إرهابيين"، وأنه لم ولن يتغير. التيار الثاني يدعو إلى اختبار هذه الفرضية والانفتاح على التعامل مع الوضع الجديد.
رؤية الجالية السورية
بدوره، قدم رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأميركي، محمد غانم، رؤية من داخل الجالية السورية الأميركية، مشيرا إلى أن الحكومة السورية حققت تقدما ملموسا في تلبية الشروط الأميركية.
وأقر غانم بأن الجانب الأميركي لا يزال ينظر بريبة وشك كبيرين تجاه بعض الشخصيات في النظام الجديد، "لا بسبب سلوكه، لكن بسبب الماضي".
وكشف عن تطور إيجابي في المفاوضات، إذ أشار إلى أن المسؤولين الأميركيين الذي يتولون الملف السوري يدركون أهمية دمشق الإقليمية، وأن المقترح الحالي على طاولة المفاوضات يتمحور حول "تعليق للعقوبات لفترة طويلة" بدلا من النهج السابق القائم على "مقاربة الخطوة بخطوة".
وتصدر مطلب الكشف عن مصير مواطنين أميركيين اختفوا في سوريا قائمة الأولويات في الشروط الأميركية لرفع العقوبات، خصوصا الصحفي أوستن تايس الذي اختفى عام 2012 في أثناء تغطيته للأحداث هناك.
وفي هذا السياق، استضافت الحلقة ديبرا (والدة تايس) التي عبرت عن ثقتها "الكاملة والقوية" بإدارة الرئيس دونالد ترامب، مشيرة إلى أنها تعتقد أن الرئيس ترامب يشعر بأن إعادة أوستن إلى الوطن أمر مهم.
الصادق البديري1/5/2025