حرب ١٥ ابريل و الامبريالية (الجديدة) (5 من 6)
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
12 أداة امبريالية… ها هنا الخرطوم
طارق بشري (شبين)
حرب دايمة : رعاة ضد وزارعين و الامبريالية {٤}
في سياقات المتغيرات العديدة و التي لمست البنية الاجتماعية لكل الطبقات الاجتماعية و بخاصه القوي العاملة والطبقة الوسطى و الاقتصادية في مجالات الإنتاج والتوزيع والتبادل التجاري الداخلي والخارجي أثر التطبيق الوحشي النيوليبرالية و بخاصه بعد ١٩٩٢ بيد حكومة المؤتمر الوطني.
وفقا لقاعدة البيانات الفاو (FAOSTAT)تشير دراسة إلى أنه في ذروة الحروب الأهلية في الصومال ثم السودان فيما بعد، نمت صادرات الماشية من هذين البلدين إلى دول الخليج بشكل كبير،على سبيل المثال، صدّر السودان والصومال معًا 9.5 مليون حيوان حي إلى إلى دول الخليج في عام 2017، وهو ما يمثل 80% من قيمة جميع واردات دول الخليج من المواشي في ذلك العام وحده.وتشير الدراسة أكثر لكون أن ٩٠٪ من البروتين الحيواني الذي يتم استهلاكه في دول الخليج يات من السودان و الصومال و تذهب اكثر لتصل الي القول بكون ان ادي الي عسكرة أو تحويل العلاقة بين المزارعين والرعاة إلى علاقة حرب دائمة و مثال ما حدث في نزع (المساليت) المزارعين بقوة سلاح ميليشيا الدعم السريع(بما هم تمثل مصالح الرعاة و علاقتها بدولة الإمارات. هذا وتشير أرقام صادرات الماشية في هذه الحرب المندلعة منذ أبريل ٢٠٢٣ تزايد الصادرات حيث تم تصدير ما قدره ٤.٧ مليون رأس من الماشية.في هذا الاقتصاد الاستخراجي يحتكر الدعم السريع والجيش قطاع الثروة الحيوانية تجارة و تصديرا و إنتاجا حيث يمتلك الجيش اكبر المسالخ في السودان و افريقيا(مسلخ الكدرو).
التداخل الامبريالي و مراكز الدراسات و الفكر الاستراتيجية {٥}
في جدلية التدخل الامبريالي و تمظهره في حرب ١٥ ابريل و ما قبلها. اشرنا فيما سبق من قول إلى عدد من الاليات والادوات و التي تستخدمها أو توظفها المراكز الامبريالية في التأثير و النفوذ السياسي والاقتصادي في الشأن السوداني بهدف استغلال الموارد والمواد الخام اضافة الى فوائض العمل.نعني هنا باداة او اليه اخرى و التي هي مراكز الدراسات و الفكر think tank وبخاصة في المراكز الامبريالية الغربية (امريكا و اوروبا).تاريخيا كان هناك نمو ملحوظ في عدد هذه المراكز. ففي عشرينيات القرن الماضي،لم يتجاوز عددها العشرات. وفي الخمسينيات من القرن الماضي ازدادت إلى المائة أو نحو ذلك من المراكز التي كانت متجمعة بشكل رئيسي في المدن الغربية. والآن، يوجد أكثر من 7,800 مركز في جميع أنحاء العالم(https://shorturl.at/UXQfC).يرتبط النمو الكبير في عدد هذه المراكز الفكرية المعنية بصنع السياسات بنمو موازي و تمدد في سيطرة و هيمنة السوق الحر و النيوليبرالية و التوسع الامبريالي و يبدو اننا في السودان ليس ببعيدين من عين العاصفة الامبريالية و ادواتها الايديولوجية و التي تمثلها هذه المراكز الفكرية.
و علي سبيل المثال لا الحصر نشير هنا إلى بعض هذه المراكز الفكرية والبحثية والتي ظلت عبر إصداراتها و مؤتمراتها واجتماعاتها(المعلنه و غيرها) و تشابكها مع السلطة الحاكمة(الكيزان) و مع الوجه الاخر لنخبه تمثل النيوليبرالية( قحت- تقدم)ابان الفترة الانتقالية و ما بعد الانقلاب عليها في ٢٥ أكتوبر و بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل و راهنا. ظلت هذه المراكز تمارس دورا في هندسة المعادله السياسيه و الاجتماعيه الطبقيه السودانيه.مثالا (شاتام هاوس)
جوهر القول هنا أن تدخلات و اقحام هذه المؤسسات و المراكز(الامبرياليه)نفسها في الشأن السياسي في السودان يزداد كثافة عند اشتداد أزمة النظام السياسي الحاكم و عند تلوح ملامح الثورة او الانتفاضة الجماهيرية ( مثلا بعد هبة سبتمبر ٢٠١٣ و ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ وهكذا) و هنا بغرض هندسة المعادله السياسيه بعيدا عن التغيير الثوري. أن طرحها دوما كان إصلاحيا يلملم طيف من النخبة السياسية الليبرالية مع من يرى من النخبة الحاكمة المأزومة سياسيا و اجتماعيا و هنا تلعب دور اسمنت لصيانة عمارة السلطة النيوليبرالية من الانهيار العمودي. تتوزع هذه أدوارها في فضاء المجتمع المدني ومنظماته(جندر و شباب و اتحادات مهنية و نقابات الخ) والمنظمات السياسية (تحالفات و احزاب محدده).
الهبوط الناعم و المعادلة السياسية لتجاوز الأزمة
الدور الامبريالي لأمريكا وبريطانيا
بعد اشتداد أزمة النظام الحاكم بعد انفصال الجنوب - و التي هي منتوج جوهري لمزاوجة الإسلاميين بين الاستبداد المطلق و النيوليبرالية المتوحشة - و قيام هبة سبتمبر ٢٠١٣ لتجاوز وتغيير النظام تدخلت أمريكا عبر مشروعها (الهبوط الناعم) وفق ورقة السفير ليمان(لعب ليمان دورًا حاسمًا في التفاوض والتوقيع على اتفاق عام 1994 بشأن تقرير مصير الأفريكانير في جنوب أفريقيا. و بصفته سفيرا للولايات المتحدة، توسط بمهارة بين الجنرال كونستاند فيلجون، الذي كان يمثل مصالح الأفريكانر، المؤتمر الوطني الأفريقي) و جون تمين - تجدها هنا اغسطس ٢٠١٣ ( المعهد الأمريكي للسلام ( https://shorturl.at/VU6at)كان الهدف هو توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام المتأزم وذلك عبر آلية (حوار الوثبة) و الإصلاح و هذا التدخل الأمريكي استمر باشكال مختلفة بذات الطبعة من الهبوط الناعم حتى عشية ثورة ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ وما بعدها حتى ما يسمى (بالاتفاق الإطاري) قبيل حرب أبريل ٢٠٢٣.صحيح أن اندلاع ث،ره ١٩ ديسمبر تجاوز ما اختطه ليمان في ورقته إلا أنه نعتبر هنا الأدوار اللاحقة للمبعوثين الخاصين بالشأن السوداني في جوهر مهامه هو التا٢صير في المعادله السياسيه بالإبقاء على اللجنه الامنيه و النخبة السياسية و التي لا تمانع السير في ذات السياسات النيوليبرالية(فيما سميت بشراكات الدم) ، هنا وصولا الى هندسة الاتفاق الإطاري
ومن ناحية اخري كانت بريطانيا (سفيرها في الخرطوم عرفان صديق و ما قبله + شاتام هاوس) تبذل دورا في تشكيل المعادلة السياسية عبر جمع ممثلي لنظام الانقاذ و لجنته الامنية و نخبة من الراسمالية السودانيه و النخبة السياسية تمثل ذات التوجه النيوليبرالي(منها على سبيل المثال حمدوك ، البدوي ، الشفيع خضر، خالد عمر يوسف،وجدي ميرغني، أحمد أمين عبد اللطيف، ومو إبراهيم، أسامة داؤود، أنطوني حجار( اجتماعات شاتام هاوس يناير ٢٠١٩) واستمرت بقية الاجتماعات (فبراير 2019 في إثيوبيا ، ( نيروبي مارس ٢٠١٩) أكتوبر ٢٠١٩ الخرطوم و حينها حمدوك(الذي كان مديرا للحوارات السابقة) صار رئيس الوزراء للفترة الانتقالية) و الاجتماع الاخير في لندن نوفمبر ٢٠٢٤(حمدوك و خالد عمر يوسف)
فشل الفترة الانتقالية و النفوذ السياسي الاماراتي و السعودي
أن إجهاض الفترة الانتقالية(٢٠١٩- انقلاب ٢٥ اكتوبر٢٠٢١) يرجع إلى العديد من الأسباب:: الشراكة بين اللجنة الامنية و النخبة النيوليبرالية ممثلة في (قحت)بقيادة حمدوك،عدم معالجة الأزمة الاقتصادية المتوارثة بعد سقوط رأس نظام المؤتمر الوطني، تدهور الأوضاع المعيشية، وتصاعدً في العنف المحلي.عدم قيام المجلس التشريعي و غيره من المؤسسات القضائية والعدلية و المفوضيات المتوقع(في حدود ١٥ مفوضية وفق ميثاق الحرية و التغيير و التداخل في صنع المعادله السياسيه من الخارج فيما رأينا بعض منه أعلاه…الخ.
و تذهب دراسة(dark money how bad companies threatens Sudan’s transitionbad)عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الرابط هنا( https://shorturl.at/6FKKl)الى القول (الترجمة من عندنا):وعلى الرغم من أن ”الإعلان الدستوري“ ينص على أن مجلس الوزراء الذي يهيمن عليه المدنيون هو المسؤول عن إدارة البلاد، إلا أن الجنرالات هم من يتحكمون في مقاليد الأمور إلى حد كبير. فهم يتحكمون في وسائل الإكراه وشبكة واسعة من الشركات شبه الحكومية التي تستحوذ على جزء كبير من ثروة السودان وتعزز سلطتهم على حساب شركائهم المدنيين في الحكومة.
وقد تكشفت هذه التطورات تحت تأثير القوى الإقليمية التي لحد غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث. فقد استغلت ما سميت ”الترويكا العربية“ المكونة من الإمارات والسعودية ومصر الثورة لتهميش خصومهم الإقليميين تركيا وقطر اللتين طالما دعمتا نظام البشير. ويلعب الإماراتيون، بالتعاون مع السعوديين، دورًا نشطًا بشكل خاص في تشكيل العملية السياسية في السودان، حيث يقال إنهم ينفقون بسخاء و يناورون من أجل تنصيب حميدتي الرجل الأقوى في السودان الجديد…تغلغل النفوذ الإماراتي في السياسة السودانية منذ ذلك الحين. فبعد عودتهم من رحلات إلى أبوظبي، اتخذ ممثلو أحزاب قوى الحرية والتغيير المؤثرة والحركات المسلحة مواقف مؤيدة للإمارات والسعودية وحميدتي. ومن المعروف أن الإماراتيين معروفون على نطاق واسع بسخائهم في تقديم مساهماتهم المالية السرية، والتي تتدفق إما مباشرة إلى مختلف الجهات السياسية الفاعلة أو بشكل غير مباشر من خلال حميدتي
فالجناح المدني للدولة السودانية مفلس لكنه غير راغب في مواجهة الجنرالات الأقوياء الذين يسيطرون على شبكة مترامية الأطراف من الشركات….و يبدو هنا من بين دول الترويكا العربية تلعب الإمارات دورا نافذ في تشكيل المعادله السياسيه و ذلك تقاربها السياسي مع قوى (قحت )و الجنرال حميدتي و بعض من كبار الرأسماليين السودانيين كما سمتها الدراسة و هذا التداخل لا ينفصل من استراتيجيات رأس المال الخاص والدولة الإماراتية…
تداخل المصالح أو أكثر –حمدوك و الامارات
جدلية الامبريالية و الامبريالية الجديدة وفق تعريفنا الذي اتفقنا عليه خلال المقال في مسألة النفوذ السياسي و الأيديولوجي و الاقتصادي (الجيوسياسي و الجيواقتصادي و الجيواستراتيجي) رأينا كيف تتشابك في الشأن السوداني(وفق التشكيلة الاجتماعية الطبقية تحت الهيمنة والسيطرة للراسمالية الطفيلية و حزبها المؤتمر الوطني و لجنته الامنية عشية ثورة ديسمبر و الحرب الراهنة).اضافة ليما سردنا نشير هنا الى مسألة اخرى في هذا التداخل الامبريالي الجديد(الإمارات) و هي تعكس نوع من تضارب المصالح - في تمظهرها العام - بين حمدوك بصفته رئيس تنسيقية(تقدم) و في ذات الوقت رئيس المركز الأفريقي للتنمية والاستثمار( الاماراتي).وفقا لصفحته الرسمية على النت :أقام مركز الإمارات للسياسات،في 12 نوفمبر 2023، حفلَ توقيع مذكرات تعاون مع خمسة مراكز تفكير وبحث دولية، تضم مكتب أبحاث الصناعة والأساسيات الاقتصادية الهندي (BRIEF)، معهد الشؤون الخارجية لجمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية (IFA)، ومركز الحوار والبحث والتعاون (CDRC) من أثيوبيا أيضاً، ومعهد كازاخستان للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة جمهورية كازاخستان (KazISS)، والمركز الأفريقي للتنمية والاستثمار (CADI)....وتمضي الصفحة الرسميه و تقول :وقّع مذكرة التعاون عن مكتب أبحاث الصناعة والأساسيات الاقتصادية الهندي، رئيسه التنفيذي، السيد محمد ثاقب؛ …….. أما المركز الأفريقي للتنمية والاستثمار فقد مثّله في حفل التوقيع، رئيسه التنفيذي، الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني السابق.فما هو الهدف الاستراتيجي للمركز الاماراتي…..مركز الإمارات للسياسات هو مركز تفكير أُسِّس في مدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر 2013، أي خلال الفترة التي شهدت اضطرابات ما يسمى "الربيع العربي"، ليدرس مهدِّدات الدولة الوطنية في المنطقة العربية والخليجية، سواء أكانت نابعة من الداخل أم من التفاعلات الإقليمية والدولية؛ وليستشرف مستقبل المنطقة، وتأثير المشاريع الجيوسياسية المختلفة فيها؛ وليرسم خريطة توزيع القوة في العالم والمنطقة وموقع دولة الإمارات في هذه الخريطةhttps://epc.ae/ar/about-us/about-epc.
و في منشط اخر لهذا المركز بقياده حمدوك أقيم في 18 أبريل 2024، وقع الاتفاقية كل من المؤسس والمدير التنفيذي للمركز الأفريقي للتنمية والاستثمار في أفريقيا (ACCORD) الدكتور فاسو غوندن والرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة المركز الأفريقي للتنمية والاستثمار سعادة الدكتور عبد الله حمدوك، وتشير الاتفاقية إلى جهود تعاونية لتعزيز المصالح المشتركة في تعزيز السلام والتنمية في جميع أنحاء أفريقيا.و هذا المركز (ACCORD) من أهدافه الاستراتيجية :التأثير على التحول في النموذج من سياسات الاحتجاج إلى سياسات التفاوضhttps://shorturl.at/N0zy6.يتعاون حمدوك هنا مع مركر من أهدافه الاستراتيجية في افريقيا نفي الثورة و بما هي مواكب الاحتجاج و التظاهر السلمي… الخ و في سبيل تعزيز مشاريع التسوية والتفاوض مع السلطات الاستبدادية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی هذه المراکز دول الخلیج فی السودان
إقرأ أيضاً:
كيف ينظر الليبراليون لمخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين؟.. الامبريالية "الشرسة" تهديد للمبادئ الليبرالية وللحضارة الإنسانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فاجأ الرئيس ترامب كلًا من المعجبين والمنتقدين عندما قال الثلاثاء الماضي إن الولايات المتحدة يجب أن "تتولى" غزة "على المدى الطويل" وأن الفلسطينيين البالغ عددهم 2.2 مليون عليهم أن يغادروا إلى مصر والأردن أو مواقع غير محددة. ومن الواضح أن هذا المخطط المجنون أثلج صدور غلاة الصهيونية واليمين الإسرائيلي المتطرف، بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير اللذين اعترضا من قبل على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
المخطط الترامبي يتجاوز في خطورة أبعاده النهج الإمبريالي للدول الاستعمارية في القرن التاسع عشر إلى النهج ما بعد الاستعماري وما بعد الاستيطاني، أي الإجلائي والإحلالي، الذي يستهدف طرد أبناء القطاع واستثماره في إطار اقتصادي ونهب ثرواته في البحر المتوسط، متجاهلًا حقيقة أن قطاع غزة ليس قطعة أرض يمكن لـ"مقاول" الاستيلاء عليها، واستغلالها في سياق الاستثمار العقاري، بل قلب نابض بالحياة في وطن مقدس يملأ اسمه سمع وبصر العالم أجمع وأن هذا القطاع عنوان بارز للهوية الوطنية الفلسطينية، التي ترتبط بالهوية العربية الجامعة للأبعاد الوطنية والقومية في ذات الوقت.
ولوضع مخطط ترامب في سياق ما يدور في العالم الآن لابد من الذهاب إلى أبعد من المشهد العربي وفحص المشهد الدولي وردود أفعال المفكرين وصانعي السياسات، خاصةً المدافعين عن الليبرالية الغربية. ومن الملاحظ في هذا السياق عودة مصطلح الامبريالية حاليا حتى لدى بعض من كانوا يدافعون عنها في الغرب. لقد كان مصطلحا مرفوضا وكريها لدى الليبراليين، وحتى النيوليبراليين، لارتباطه بزعماء عارضوا سيطرة الدول الكبرى على الشعوب والموارد، أمثال عبد الناصر وقيادات أخرى ضمن حركة عدم الانحياز. وظل المصطلح مستخدما في أدبيات اليسار الماركسي والقومي. لكن عاد بقوة الآن ومنذ وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض، وهي عودة تذكر بما كان دائرا حول هزيمة الامبريالية في حرب فيتنام، وأصبح مفكرون وسياسيون من قلب المعسكر الليبرالي، يدعون إلى "ثورة" تصحيحية للنظام الدولي الليبرالي المتأزم وإنهاء الدور الأمريكي المتزعم لهذا النظام.
ويرون أن الأمر لن يقف عند المشروع الإحلالي للفلسطينيين في الشرق الأوسط ولكن خطط ترامب المتعطشة للسيطرة سوف تنتقل سريعا نحو قضايا عديدة كالتجارة، والتحالفات، والقانون الدولي، والبيئة، وحقوق الإنسان والديمقراطية، وغيرها من القضايا الجوهرية.
وقد جاء الرد على مخطط ترامب بالرفض القاطع من قبل الحكومتين الأردنية والمصرية، ومن قبل اللجنة الوزارية الخماسية التي عقدت في القاهرة مطلع فبراير الجاري، وضمت وزراء خارجية السعودية، ومصر، والأردن، والإمارات، وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام للجامعة العربية. وجاء الموقف قويا وخطوة في الاتجاه الوطني الصحيح، داعما للرفض الرسمي والشعبي، الأردني والمصري، لنهج التهجير والإحلال.
وتثير خطط ترامب سؤالًا في الأوساط الغربية: هل يريد المواجهة مع الدول العربية بشأن الترحيل القسري للفلسطينيين، أم يريد الاستقرار الإقليمي من خلال الدبلوماسية؟
يقول صانعو السياسات والقرار الأمريكي الذين يبحثون عن مبررات لخطط ترامب إنه يبحث عن تعزيز النفوذ الأمريكي الدولي حيث أنه يستوجب في القرن الواحد والعشرين السيطرة على ممرات التجارة. كان مفكرو العلاقات الدولية يرفضون لعقود "الجغرافيا" باعتبارها عفا عليها الزمن، مفترضين أن العولمة قد أطرت العالم. ومع ذلك، مازالت الجبال والصحاري والبحار مناطق استراتيجية فاعلة في تعطيل التجارة والتأثير على الاقتصاد. وفي نفس هذا الإطار يبدي ترامب اهتمامه بجرينلاند كموقع استراتيجي على الطريق التجاري الناشئ في المحيط المتجمد الشمالي، كما يريد السيطرة على قناة بنما ونقاط التفتيش البحرية الرئيسية. ويتبع نفس النهج في الشرق الأوسط لتأمين الممرات التجارية من المنافسين مثل إيران وروسيا. ولهذا السبب يشكل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أهمية مركزية في رؤيته، كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ولسحب الهند نحو أمريكا بعيدا عن الكتلة الاقتصادية الصينية الروسية. بالنسبة لحماس وإيران، يشكل ذلك الممر الاقتصادي تهديدا وجوديا. ورأت حماس أن ذلك يؤدي إلى تعجيل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتقويض قضيتها.
لكن معارضو الرؤية الترامبية الغربيون يحذرون من كونها تؤشر إلى تحوّل خطير في النظام العالمي يهدد التجارة الحرّة التعدّدية، والتعاون الأمني ويفسح المجال لهيمنة أمريكية منفردة على النظام العالمي مع انحسار سريع للحقبة الأنجلو-أمريكية التي كانت تجمع الغرب (أمريكا وأوروبا) في معسكر واحد؛ يعني أن النظام الليبرالي الدولي أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى من داخله، والمتضرر لن يكون الفلسطينيون والعرب بل الدول والشعوب الغربية؛ لذلك، تعلو أصوات الليبراليين الآن بضرورة الوقوف في وجه مخططات ترامب ومساندة الموقف العربي والفلسطيني مع التشديد على إعادة صياغة مسؤوليات النظام الليبرالي تجاه القضايا المصيرية بعد أن أصبحت أمريكا تبحث عن فناء نشط وتوسيع سيطرتها واستمالة حلفاء جدد لمخططاتها.
تلك معالم المشهد الدولي الآن، وخاصة في أوروبا -معقل الرؤية الليبرالية-التي تشدد على ضرورة الوقوف ضد مخططات ترامب في الشرق الأوسط ومناطق العالم لحماية الفكرة الجوهرية للديمقراطية المبنية -في نظرهم- على أسس تقدمية تعزز جهود الاستقرار والتعاون الاقتصادي والنزعة التكافلية في وجه الامبريالية الأمريكية "الشرسة" وتهديداتها للمبادئ الليبرالية العالمية وللحضارة الإنسانية بشكل عام لمنع "هشاشة" حداثة القرن الواحد والعشرين وحروب محتملة تنذر باستخدام أسلحة الدمار الشامل ودمار البيئة والأوبئة الصحية وكوارث إنسانية لا حدود لها.