شاعر أغنية ( الماشي جنب النيل) يرحل باعتداء وتعذيب!!
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
محمد المكي أحمد
الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 قتلت وتقتل مع استمراها مواطنيين سودانيين أبرياء، بينهم نساء ،أطفال ،شباب ،رجال، ومبدعون.
الشاعر والملحن محمد عبد الله أحمد مريخة انضم إلى قائمة المبدعين الذين فقدهم السودان، وأهله في بارا، التي أحبها.
الراحل كتب شعرا جميلا، تغنى به المطرب عبد الرحمن عبد الله، إبن بارا (بلوم الغرب) أي غرب السودان ، كما غنى بعض كلماته المطرب الراحل مصطفى سيد أحمد، والأستاذ عبد القادر سالم، والمطربة نهى عجاج.
سيرة مريخة تقول إنه تلقى تعليمه في المرحلة ” الأولية” ( الابتدائية) ببارا، وفي أم درمان درس المرحلتين (المتوسطة والثانوية) ثم التحق بمعهد الدراسات التجارية بأم درمان.
مثلما كان شاعرا مبدعا، أحب اللغات، كان يتحدث الانكليزية والفرنسية والإيطالية بطلاقة.
في مجال العمل ، التحق بالقطاع الخاص، عمل مع شركة أجنبية تتبع لمصنع سكر كنانة، ومع شركة سودانية ، و في صحف سودانية، و” البريد” في مجال ” التلكس”، و كان أيضا محاضرا في كلية خاصة، و قام بتدريس مادة الدراسات السودانية والإسلامية.
في مجال الشعر الغنائي أبدع بانتاج 36 قصيدة تغنى بها الراحل عبد الرحمن عبد الله ، و3 قصائد تغنًى بها الراحل مصطفى سيد أحمد ( صابرين، كيف أنساك، حتما أضيع) كما غنى بعض كلماته عبد القادر سالم، و نهى عجاج.
للراحل ديوان شعر مطبوع يحمل عنوان “حاطب ليلك” ويحتوي على 34 قصيدة، وهناك دواويين كتبها لكنه رحل قبل طباعتها، كما أنجز الحانا بالعود، بصوته ، وهي أيضا لم تر النور قبل رحيله.
برحيل شاعر أغنية ” السباتة” و” الماشي جنب النيل” و”أغراب” و” المعلم” و”زهور الفل” وغيرها من أروع الأغنيات التي كتبها بعقل وخيال خصب وبدم القلب فقد السودان شاعرا مبدعا ، وإنسانا خاطب الوجدان السوداني وأثرى عالم الغناء الرصين.
زميله في عالم الشعر والابداع الشاعر مدني النخلي كتب نعيا عميق الدلالات ، إذ قال “وداعا ،الجميل ، الشاعر، المهذب، الإنسان، محمد مريخة، هكذا كما عشت بسيطا وهادئا ترحل في هدوء وسلام”.
أصوات من بارا، من الجنسين نعته..
كتب الأستاذ دسوقي خالد كلمات تقطر حزنا ودموعا وفي مستوى وداع شاعر كبير، فقال” اليوم غاب عن القمر الضوء .. و عن الخريف الغمام .. وزهور الفل هجرها العطر .. و صار باهتاً ذهب الرمال .. بصمته المعهود وهدوئه الجميل.. رحل الأخ الصديق الشاعر الإنسان محمد عبدالله مريخة .. بأي حروف أكتب وماذا سأكتب؟ أكتب عن حزني و دموعي .. أم روعة حروفك التي شكلت دواخلنا .. أم الحروف والكلام المعتق بالهاتف الذي كنت به تصبرني على جفاف سنين الغربة .. الأخ مريخة عميق المعرفة بأشياء كثيرة وغزير الثقافة .. عندما يتحدث أتمنى أن لا يصمت، لكن تواضعه يغلبه، ويدخلك في الحديث من زاوية أكثر خضرة .. إنه تواضع الأدباء ..الشاعر والأخ مريخة .. ستبقى عيون الدهشة فينا تتحلق حول (السباتة) (أيها المعلم) ، يلفها رمش ( الإنتظار) يتمثل شوقها لهفة قيس ينادي ( يا غزالي ) .. من هذا الجمال جئت وبهذا الصمت ترحل؟ ستبقى ذكريات ( حديث الأثير ) معك سحابة عطر تسقي بعض جفاف الروح بعد رحيلك ) .
هذه حروف موجوع أحزنه الرحيل..
لكن ” الهجوم” على الشاعر في بيته و” الإعتداء” الذي أودى بحياته يُعمق المواجع، ويؤكد مجددا أن الحرب والمنخرطين فيها يرتكبون يوميا جرائم متعددة الأشكال ، وهي تقتل الإنسان، تعرضه للاعتداء الغاشم ، للجوع والمرض، وتشرده وتدمر البلد دمارا شاملا.
المعلومة الصادمة تقول إن الشاعر تعرض لهجوم نفذه ( مسلحون ) وجرى “الاعتداء عليه في المنزل، ثم نقلوه إلى مكان في أم بدة بأم درمان ، وجرى ضربه وتعذيبه ، وقد أدت ضربة في الصدر والرأس إلى أن يفقد الشاعر الوعي ، بسبب نزيف داخل الرأس”.
في زمن الحرب تحولت البيوت والأماكن عامة إلى مقابر..
في مدرسة بأم بدة في أم درمان تم دفن جثمان مريخة الذي انتقل إلى رحمة الله في 20 نوفمبر 2024، وكان التواصل مع أهله انقطع لعشرة أشهر بسبب الحرب، وكان عانى كبقية السودانيين في مواقع الحرب وغيرها من أزمة في المأكل والمشرب.
الاعتداء على الشاعر وضربه جريمة من جرائم الحرب ..
لكن رغم الرحيل، سيبقى شعره ، والأغنيات التي تغنى بها مطربون كبار ويرددها سودانيون اليوم وغدا خالدة في وجدان الشعب و قلوب وعقول عشاق حروفه الخضراء ، وهي استمدت جمالها ونضارها من قلبه وعقله ، ومن بارا وصوت “سواقيها ” (مزارعها ) حينما تستيقظ مع آذان الفجر لتعلن بدء انسياب المياه ، لتدُب الحياة في المدينة الخضراء.
نسأل الله أن يتغمد الشاعر والملحن محمد مريخة بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.
العزاء لأخيه أحمد والأسرة والأهل في بارا وكردفان وداخل السودان وخارجه، ولزملاء الفقيد وأصدقائه، ولرافضي الحرب ، المطالبين بوقف آلة القتل والتدمير للسودان وإنسانه المظلوم، ضحية المتصارعين على كراسي ” سلطة” تجلس فوق الأشلاء و الجماجم وشلال الدم .
( إنا لله وإنا إليه راجعون)
modalmakki@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أم درمان
إقرأ أيضاً:
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. غزة التي لا تستريح
#غزة_التي_لا_تستريح
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 8 / 8 / 2022
هذه الأرض لا تستريح أبدا.. كلما حاولت أن تغفو قليلا على أعناق نخلها ضربها الموج ألا استيقظي.. هذه الأرض لا تستريح أبدا، قدرها أن تكون كف الصراع فهي أبدا ليست مخيرة.. زيتونها فصيل، قمحها كتائب، ونوارس البحر طائرات مسيرة.
مقالات ذات صلة تحت ذريعة “حفظ الأمن”.. أطماع وغايات إسرائيلية غير معلنة في سوريا 2024/12/13الريح موجز أنباء، حبل الغسيل، حلقة دبكة بين بنايتين، كرة القدم في الحواري استراحة بين شوطي الحرب، المتبارون متفقون على أن استواء الأرض ليس شرطا للفوز، الباشق على شجرة الكينا متحدث رسمي، والابتسامة بحد ذاتها مقاومة.
لاحظت أن الأمهات في غزة كريمات جدا لا يتركن “وجبة” تشتهيها أنفس أبنائهن إلا ويطهينها في أقرب وقت، يجلبن مقاديرها من السوق، يحضرنها بحب، ويقدمنها بارتقاب، إنها ليست الأمومة وحدها، ولا هي واحدة من سجايا أهل البحر الحنون فقط، إنه الخوف من الموت، أن يغادروهن في أي لحظة محمولين على الأكتاف وفي البال “طبخة”.. في غزة تحضير الموت أسرع من تحضير “الدقة”.
كما لاحظت أن الأطفال في كل الدنيا يعدون الخراف قبل النوم لينعسوا، يحلمون بلعبة جديدة، بنسخة جديدة من “البلاي ستيشن”، بآخر جيل من الهواتف المتحركة، إلا أطفال غزة يعدون الشهداء في الحي ويفزعون، يحلمون ألا يموتوا.. وألا يكبروا فوق الكراسي المتحركة.
هذه الأرض لا تستريح أبدا، فكما اصطفى الله أحدا من العباد ليحمل رسالته فقد اصطفى قطعا من البلاد لتحمل رسالته كذلك، وكما أن هناك أولي العزم من الرسل فإن هناك أولات العزم من المدن أيضا.. النواة ستكبر وتنتشر وتنتصر، لا بد أن تفلق القشرة، تولد الحياة من الموت، لا يمكن البناء على لا شيء، لا بد من نواة، لا بد من أكتاف تحمل أركان عرش النصر، محمد كان شخصا صار أمة، عيسى كان فردا صار أمة، هذا وعد الله لمن يصطفيهم، إن الله لا يخذل مدنه كما لا يخذل رسله.
دخان القنابل الذي يتصاعد في سماء غزة كالفطر الأسود يقطعه الغزيون بزفيرهم ويطهونه بسخرية وصمود، لا يثيرهم تناثر الزجاج من نوافذهم، فمن يريد أن يرى المستقبل لن يخيفه انكسار زجاج نافذة، ومن يريد أن يبني وطنا لن يؤلمه انكسار طوبة، ومن يقف في وجه عدوه لن يرتدي نظارة شمسية ويخشى عليها أن تخدش.. هم قبلوا أن يكونوا كف الصراع وذراعه، قبلوا أن يتحملوا الوجع كي لا يأتيهم الأوجع.. يتحملون طوفان الموت ونزف حمالات الجرحى وقوائم الأمهات الثكلى، لكنهم لن يتحملوا قهقهة الشقيق قبل العدو إذا ما بترت ذراع المقاومة وصار الوطن أكتع.. لقد قبلوا أن يتحملوا الوجع كي لا يأتيهم الأوجع.
الغزيون لا يلتفتون إلى غير فوهات بنادقهم وفوهات خنادقهم، لا تلهيهم بيانات الشجب والاستنكار العربي، فهي مكتوبة بلعاب النفاق، لكن الخيانة السرية في اللقاءات الثنائية مكتوبة بدم “الرفاق”.. الغزيون لا يلتفتون كثيرا إلى بيانات بعض وزراء الخارجية العرب لأنهم يعرفون بالسنتيمتر طول حبل الكذب، لأنهم يرشون فوق الموت سكّرا ويتظاهرون بالغضب، ويوزعون البيان على إعلامهم بأن زعيمنا قد شجب، يدعون إلى اجتماع طارئ من باب رفع العتب، وحتى يكوي “بذلته” و”يشحن بالتتن غليونه” يكون الذي ضرب قد ضرب، الغزيون لا يلتفتون كثيرا إلى هذه البيانات، لأن بعض هؤلاء الوزراء يباركون الموت من قلوبهم ويمارسون دور الأشقاء الحكماء أمام شعوبهم، الغزيون لا يلتفتون كثيرا إلى هذه البيانات، فرشقات القسام الليلية هي بيان الشعب المقتضب.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#165يوما
#الحرية_لاحمد_حسن_الزعبي
#أحمد_حسن_الزعبي
#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن
#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي