تناول تقرير لصحيفة التايمز البريطانية، نشأة وشخصية "أبو محمد الجولاني" أحمد الشرع، القائد العام لإدارة العمليات العسكرية وزعيم هيئة تحرير الشام في سوريا.

وتحدث التقرير عن زيارة قام بها الشرع إلى حي المزة في دمشق حيث ترعرع، وزيارته لشقة عائلته هناك، كما سرد التقرير قصة حياة الجولاني وانتقاله للقتال في العراق، ثم عودته إلى سوريا، والتحولات التي طرأت على خطابه.



وهذا نص التقرير:
كان المساء قد حلّ عندما وصل أبو محمد الجولاني، حاكم سوريا الجديد، إلى مدخل المبنى السكني الذي نشأ فيه جنوب غرب دمشق.

في وقت سابق من ذلك اليوم، كانت قواته قد دخلت العاصمة السورية منتصرة، واكتسحت كل شيء أمامها، وحررت السجناء من زنازينهم، واستولت على الوزارات الحكومية. لكن الجولاني كان لديه مهمة خاصة، كان يريد العودة إلى منزله.

لقد صعد إلى الطابق العاشر في المصعد، برفقة أربعة حراس مسلحين، وقرع جرس الباب.
سبّب وصوله صدمة لساكنَي الشقة، المهندس الميكانيكي أحمد سليمان وزوجته. لكن وفقًا لما ذكره عامر حارس المبنى، الذي كان شاهدا على الواقعة، فقد كان الجولاني مهذبًا للغاية.

سأل الجولاني قائلا: “هل تمانع في إخلاء هذه الشقة؟ والداي لديهما ذكريات جميلة في هذا المكان، ويرغبان في العودة إليه”.

تغير كل شيء في سوريا في ساعات قليلة من صباح يوم الأحد. بالنسبة لكثيرين مثل الدكتور سليمان وزوجته، كانت لحظة مخيفة. حصل الزوجان على الشقة من نظام الأسد الذي صادر العقار بعد أن أصبحت هوية الجولاني كقائد للمتمردين معروفة، وهروب والديه إلى مصر.

أكدت هيئة تحرير الشام، الفصيل الجهادي الذي يسيطر على سوريا حاليا، أنه لا داعي للخوف على مستقبل أي شخص إلا إذا كانت يداه ملطختين بالدماء. تدّعي الهيئة أن استعادة الحقوق – بما في ذلك حقوق الملكية – سيتم بشكل سلمي.

كان زعيمهم مثالاً يُحتذى به، وقد أكد حارس المبنى أن الجولاني أمهل الدكتور سليمان عدة أيام لحزم أمتعته.

كانت هذه العودة حدثا استثنائيا للرجل الذي كان حتى الأسبوع الماضي العدو الأول للنظام في سوريا. يعمل الجولاني الآن على تعزيز صورته كجهادي معتدل، رغم ماضيه في القتال مع تنظيم القاعدة في سوريا والعراق.

والأمر الأكثر غرابة، أن منطقة المزة، الضاحية الغربية التي انتقلت إليها عائلة أحمد الشرع، وهو اسمه الحقيقي، عندما كان في السابعة من عمره، ترتبط في أذهان كثير من الناس بنظام الأسد. فهي المنطقة التي يعيش فيها كبار المسؤولين ورجال الأعمال الأثرياء، بالقرب من مطار المزة العسكري، وشارع يعج بالوزارات، بما في ذلك وزارة العدل.

لكن ذلك كان مناسبًا بما فيه الكفاية لعائلته من الطبقة الوسطى لتجد مسكنا. أُجبر والده، وهو مهندس نفط، على مغادرة منزل العائلة في هضبة الجولان قبل ولادة ابنه أحمد، عندما استولت إسرائيل على المنطقة في حرب الأيام الستة سنة 1967.

كان والد أحمد الشرع في علاقة غير مستقرة مع النظام، قبل أن يغادر إلى السعودية التي وُلد فيها أحمد سنة 1982.

بعد انتهاء فترة العمل بالخارج، انتقلت العائلة إلى المزة، حيث افتتحت متجرًا صغيرًا ووكالة عقارية، وقد استولى النظام على المتجر خلال المراحل الأولى من الحرب. لا تزال الوكالة تحمل اسم “الشرع للعقارات”، رغم أنها أُغلقت هي الأخرى.



كان أحمد الشرع في شبابه هادئًا وخجولًا، ونادرا ما تظهر عليه علامات الفرح، وفقًا لمن عرفوه عن قرب. كان انطوائيا مثلما وصفه سكان المنطقة، بدءًا من الحلاق –في السنوات التي كان فيها طالبًا حليق الذقن– وصولًا إلى الشابة التي كان شقيقها يلعب معها ألعاب الفيديو.

يتذكّر الحلاق، الذي طلب أن يُعرّف فقط باسم محمد، كيف كان يتجاذب أطراف الحديث مع أحمد في أثناء حلاقة شعره، وقال: “كانت آخر مرة ربما قبل 15 سنة. كان خجولاً جداً ومهذباً جداً. وفي يوم من الأيام اختفى، وقد صُدمنا عندما شاهدناه على شاشة التلفاز بعد بضع سنوات باسم أبو محمد الجولاني”.

وكان أحد رجال الأعمال من سكان المزة سابقا، وهو يعيش حاليا في الخارج، يعمل في الحي الذي تقع فيه بقالة عائلة الشرع، وكان أحمد يوصل له المشتريات.

يقول: “كنا نجلس في كثير من الأحيان ونتحدث. لقد أحببته، حيث كان هادئًا وخجولًا، وكان رصينًا”.

وأضاف رجل الأعمال أن أحمد كانت تبدو عليه علامات أيضا علامات الحزن، وكأنه “غاضب من العالم بأسره”.

وقد كشف الجولاني أن الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت سنة 2000، كانت اللحظة التي دفعته لأن يختار طريق الجهاد. وبعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول سنة 2001، انتقل إلى العراق، حيث وصل قبل الغزو الذي قادته أمريكا وبريطانيا في 2003.

اتسمت تلك الفترة بمواقف غريبة من النظام السوري، حيث كان نظاما علمانيًا من الناحية النظرية، ومعاديًا لنظام صدام حسين. لكن مع مرور السنوات، شجعت مخابرات النظام الشباب السوري على الذهاب للقتال ضد الأمريكيين في العراق، ربما بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد، وهما التخلص من الإسلاميين في سوريا، وإشغال القوات الأمريكية وثنيها عن تغيير نظامه.

أتى ذلك القرار بنتائج عكسية، فقد برز الجولاني في صفوف الفرع العراقي من تنظيم القاعدة، والذي كان معروفًا بأساليبه المتطرفة. وفي إحدى المواجهات، اعتقله الأمريكيون واحتجزوه في معسكر بوكا، وهو السجن العراقي الذي ضم عددا كبيرا من الجهاديين الذين أصبحوا لاحقا شخصيات بارزة، ومنهم أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة سابقا.

كان البغدادي هو من أرسل الجولاني في 2011 إلى سوريا لتأسيس جبهة النصرة كفصيل جديد مناهض للأسد، لكن الرجلين اختلفا في عدة مسائل، من بينها الأساليب المتطرفة التي كان يفضلها البغدادي، مثل القتل الجماعي وقطع الرؤوس.

في ربيع 2013، كان الانفصال واضحا تماما. وفي السنوات التالية، عزل الجولاني نفسه عن تنظيم القاعدة أيضًا، ودمج قواته مع جماعات إسلامية أخرى أقل تطرفًا. وقال الجولاني حينذاك إنه يركز فقط تحرير سوريا بمسحة إسلامية.



أما الالتزام بوعوده باحترام التنوع الديني والأيديولوجي في سوريا، فهو أمر مهم جدا بالنسبة لسكان المزة. بالنسبة للبعض، فإن الموقف من الجار الجديد معقّد نوعا ما، ويتخذ شكلاً من أشكال التفكير المزدوج، وهو نمط شائع لدى من تعودوا على العيش في ظل الأنظمة الديكتاتورية.

من الصعب تغيير صورة الجولاني في الأذهان كإرهابي، وهي الصورة التي كرستها وسائل الإعلام الحكومية، ولكن من الصعب أيضًا محو صورة المقاتل من أجل الحرية الذي أطاح بنظام منبوذ عالميا، والذي انهارت سمعته حتى في قلب حاضنته الشعبية. وهناك بالطبع صورة الفتى الهادئ المجتهد الذي كان قد بدأ بدراسة الطب في شبابه كما يتذكر عدد من سكان المزة.

عبّر كثيرون عن رغبتهم في الحديث عن هذا المأزق الذي تعيشه “سوريا الحرة” الجديدة، ولكن بشرط عدم ذكر أسمائهم. يبقى أن نرى إلى أين سيصل مدى الحرية التي سيتمتعون بها في المستقبل.

تحدث سامر، وهو مهندس متقاعد كان يعرف والد الجولاني، عن استخدام أحمد الشرع اسمه الحقيقي بعد استيلائه على السلطة، بدلًا من كنيته الجهادية، قائلا: “ما نأمله هو أن يخلع قناع الجولاني ويستبدله بأحمد الشرع بشكل جوهري”. مضيفًا أن مناطق مثل المزة تعدّ من المناطق العلمانية، معربا عن أمله في أن يحترم الجولاني ذلك، وقال: “لا نريد أن نصبح قندهار أخرى”.

بعد يومين من استرداد شقة والديه، عاد الجولاني مجددا إلى المسجد الأموي الذي كان يصلي فيه عندما كان شابًا يافعًا.

كان والده متدينًا أيضًا، كما يتذكر رواد المسجد، وكان يتلو القرآن عن ظهر قلب.

يتذكر العديد من المصلين ذلك الشاب المهذب والخجول، لكنهم غير واثقين من خططه المستقبلية في الانفتاح.

يقول أيمن، وهو مواطن في منتصف العمر يرتدي ملابس أنيقة، إنه كان في نزهة مع كلبه عندما رأى الجولاني وشقيقه ماهر وأربعة من حراسه الشخصيين يوم الأحد. أمضوا نصف ساعة في الحديث قبل أن يصعد الجولاني إلى شقته.

أضاف أيمن: “كان يسأل عن الجيران. من منهم مازال في الحي، ومن غادره. التقط أيمن صور سيلفي مع الشرع وشقيقه إحياء للذكريات القديمة.

جارة أخرى يبدو أنها وجدت حلاً لمشكلة كانت تؤرقها، وهي إصرار زوجة ابنها على الطلاق من ابنها، وما يترتب على ذلك من مشاكل قضائية.



قالت: “قد أسأله عن ذلك. فقد كان القضاة فاسدين للغاية، لكنني لا أريد الواسطة”، وهي كلمة عربية تعني استخدام العلاقات بشكل غير مقبول، وهو أمر كثيرًا ما اشتكى منه السوريون في عهد الأسد.

وأضافت: “لا أريد نظامًا يعتمد على الواسطة، رغم أن وجود الجولاني في الجوار قد يعتبر أفضل واسطة ممكنة في سوريا الجديدة”.

لكن أكثر من لديه دافع للشعور بالأسف على زيارة الجولاني لمنطقة المزة هم عائلة سليمان.

يقول حارس المبنى إنهم قرروا الاستجابة لطلبه بإعادة شقة العائلة، ويضيف: “حملوا أغراضهم في السيارة، وانطلقوا ظهر اليوم.. لو كان شخصًا من النظام القديم، لكان قد رماهم من النافذة”.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الجولاني سوريا دمشق العراق العراق سوريا دمشق الجولاني احمد الشرع صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجولانی فی أحمد الشرع فی سوریا الذی کان

إقرأ أيضاً:

الجولاني.. “الرئيس المجرم” مسرحية غربية بدماء سورية

يمانيون/ تقارير

بعد سقوط نظام الأسد في نوفمبر 2024، صعد الجولاني “الشرع لاحقاً” كرئيس “مؤقت” لسوريا تحت شعارات الثورة والوحدة، مدعوماً بتمويل خليجي وتركي، وتغطية غربية. لكن خلف صورة “الثائر المعتدل” تكشف الوقائع عن قائد براغماتي متقلب، صنعته المخابرات الغربية لخدمة أجندات توسعية، مستخدمة ذات الأساليب الدموية التي اتبعتها مع تنظيمي “القاعدة” و”داعش”. هذا التقرير يكشف التناقض الصارخ بين خطاب الشرع الإعلامي المُزيّن، وتاريخه الحافل بالجرائم، وتحالفه المشبوه مع أنظمة إرهابية تدعمها واشنطن وتخدم مشروع الصهيونية.

بين العراق وسوريا سيرة دموية مكتملة الإجرام

بدأت حكاية الشرع الجولاني الإرهابية في العراق مع انضمامه لتنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي بين عامي 2004 و2006، وهناك شارك في التخطيط والتنفيذ لهجمات دموية ضد الشعب العراقي، وغالباً ما حملت ذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي، كانت أبرز مجازره التي شارك فيها تلك العملياتُ التي حملت البصمة الطائفية واستهدفت المدنيين العراقيين في الأسواق والأماكن العامة والمساجد والمقامات المقدسة، كتفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، الذي أشعل، بإيعاز وتشجيع أمريكي، فتيل اقتتال أهلي أودى بحياة آلاف العراقيين. في العراق لم يكن الجولاني مجرد مقاتل، بل كان مُجنّداً بارعاً، جنّدته وأعدته المخابرات الأمريكية باحتراف عالٍ لأداء مهام كبيرة، حيث نسّق شبكات تجنيد المقاتلين الأجانب من دول عربية وأوروبية، محوّلاً معسكرات الأنبار وصلاح الدين إلى ورشات لتدريب الإرهابيين على صناعة العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية، ما حوّل العراق إلى ساحة لتصفية حسابات داخلية وتأجيج مشاعر مذهبية وطائفية دائماً ما كان وقودها دماء الأبرياء.

سوريا: من “جبهة النصرة” إلى حكم الإجرام

مع اندلاع الاحتجاجات السورية عام 2011، نقل الجولاني جرائمه إلى سوريا تحت مظلة “الثورة السورية”، وفي أطار متقلب ومتلون كان أحد أبرز تشكيلاته التي طالت زمنياً هي ما يًسمّى “جبهة النصرة”، الذراع المحلي لتنظيم القاعدة. حوّل التنظيمُ إدلب إلى إمارة إرهابية، حافلة بالحقد والدم فأعدم مدنيين بتهم ملفقة ومن بينها “إقامة الحد” و”الردة”، وكان ضحاياها بالآلاف، ودمّر مقامات دينية شيعية، واختطف ناشطين قُضي عليهم بالإعدام المباشر والتصفيات الميدانية، وغالبيتهم قضوا تحت التعذيب. لم يكتفِ “الأمير المتلوّن” بذلك، بل استخدم المدنيين دروعاً بشرية في معارك حلب واللاذقية، ما أسفر عن مقتل عائلات بأكملها. كان أشهرها مجزرته في بلدة القصير بريف حمص عام 2013، حيث أباد العشرات من العلويين كجزء من حملة تطهير عرقي في المدينة، كما وُثّق استخدام قواته للأسلحة الكيميائية في هجوم سرمين 2017، الذي خلف عشرات الضحايا بين مدنيين عُزّل، وغالباً -وفي مشهد مماثل لما يجري اليوم في الساحل السوري- ما كان الإعلام العربي الراعي للإرهاب يجمّل وينمق صورة المجرم الجولاني وتنظيمه ورفاقه، أو يحيل جرائمه الى شماعة الأسد و”شبيحته” كما يحلو للجزيرة وإعلام الجزيرة أن تسميهم.

لم تكن الدماء وحدها عملته، فبين عامي 2015 و2020، نهب آلاف القطع الأثرية من مواقع أثرية كما فعل في مدينة تدمر، وهرّبها عبر تركيا لتمويل عملياته الإجرامية، وفي نفس الفترة، جند مئات الأطفال السوريين بعضهم لم يتجاوز 12 عاماً وأرسلهم إلى جبهات القتال.
رغم تصنيفه إرهابياً من قبلَ أمريكا وأوروبا عام 2022، واستمرار تقارير الأمم المتحدة التي تثبت تورطه في تعذيب السجناء وتهريب المخدرات، إلا أن جرائمه لم تتوقف… فقط تغيّرت الأقنعة، فتحت مسمى “هيئة تحرير الشام” واصل نفس السيناريو: قتلٌ بدم بارد، وتمويلٌ من آثار مسروقة، وعمل لمصلحة استخبارات خارجية وتحالفاتٌ مع جهات إقليمية تُزيّن الوجه الإرهابي باسم “المعارضة”، المفارقة أن نفس الدول الغربية سارعت إلى تبرئته بعد 2024 كجزء من خطّة لـ”إعادة تشكيل” سوريا.

 

التحول المفاجئ

بعد سيطرة الجماعات التكفيرية المسلحة على حلب وحمص ومن ثم دمشق تحت مظلة وغطاء الطيران الحربي الصهيوني، غيّر الشرع جلده بين عشية وضحاها: استبدل بالسلاح البدلة، ورفع شعارات الاعتدال، وقصّر كثيراً من طول شعر لحيته “القاعدية”، وبيّت حقده أو أجله أو كما يصف بعض السوريين نفّه على مكث بعيداً عن الكاميرات، لأنه بحاجة لدعم دولي يبرر الانتقال من نمطية الإجرام السابق الى صورة الزعيم الثوري الجديد، لكن الأمر لم يطُل، فسرعان ما شرعت قواته بهدم قرى العلويين في الشمال الغربي واستباحتها، بينما طال صبر الأهالي ثلاثة أشهر تصديقاً لوعود المجرم على أمل تحقيق وعوده بالأمان والسلم الأهلي والعيش المشترك للجميع، دون جدوى.

ودون انتظار كشفت الجماعات التكفيرية عن سلوكها الإجرامي بمجرّد حادثة عرضية قد تحمل مبرراتها المنطقية لكن ما يُسمى حكومة سوريا الجديدة اتخذت منها فرصة لتصفية حساباتها مع الأبرياء، وشنّ تصفية عرقية وحشية هزت ضمائر العالم، ولم تهز أنظمة الدول العربية المتماهية كلياً مع المشروع الصهيوني في المنطقة، والذي أثبت الجولاني أنه جزء منه وضليع، وأن ثمن صعوده الى السلطة منح الصهيوني جائزته المنتظرة من سوريا.
في سياق ارتداء ثوب الشرعية على الشرع عقد عدة مؤتمرات حاول عبرها بطريقة ناعمة ضم البقية من الخصوم الشركاء في السلاح إلى حكومته الجديدة، لكنه إكراهٌ على الدمج أكثر من شراكة سياسية فعلية تحمل أوجه الشراكة التأسيسية. من بين هذه المؤتمرات ما عقده في فبراير 2025، في “مؤتمر مصالحة” استثنى الأكراد والعلويين، وفرض توصياته خلال 48 ساعة فقط، ما كشف نواياه الحقيقية: إضفاء الشرعية على حكمه دون تمثيل حقيقي.
وعلى أي حال فإن القرائن تشير إلى تمويل سعودي-قطري تحت إشراف أمريكي، بهدف إحلال نموذج بديل يُنهي النفوذ الإيراني ويُسهّل التطبيع مع العدو الإسرائيلي.

قبل أيام في مارس 2025 بينما كان الشرع يلتقي قادة أوروبا، كانت جماعاتُه المسلّحة ترتكب مجازر بحق العلويين العزّل من السلاح في اللاذقية في مجازر مروّعة ترقى فعلياً الى جرائم تصفية عرقية باعتراف وإقرار المجرمين أنفسهم، ورغم أن التوجيهات صدرت لهم بعد تصوير أو على ألأقل نشر هذه المذابح إلا أن نهم الدواعش والتكفيريين كان أكبر من قدرتهم على التحمل، فنشروا مئات المشاهد التي تحمل أطناناً من الحقد والشماتة الخارجة عن الطبع الإنساني والفطرة السليمة، وبدلاً من ذلك قاموا بإخلاء الجثث قبل وصول بعثة الأمم المتحدة.
أهم الدروس في ما يجري اليوم في الساحل السوري هو أن العقيدة التكفيرية الإجرامية مستمدة من الفكر الصهيوني المجرم، وأن الأخير تفنن وبرع في صناعة وهندسة العقل التكفيري المجرم ليجني ثماره على أكثر من صعيد وفي غير مجال. تصريحاته عن “معاقبة المُقربين” كانت مجرد مسرحية لتنظيف الصورة، تماماً كما فعل عندما غيّر موقفه من “إسرائيل” بين لقاء وآخر.

الشرع والغرب أٌقل من تحالف وأكثر من خدمة

سارع الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عن “سوريا الجولاني” رغم أدلة المجازر، ووقائع المذابح المتوالية في أكثر من مدينة ومنطقة سورية، جاء الرفع ضمن صفقة تضمن تقليل تدفق اللاجئين إلى أوروبا. الغرب أجرى تمثيلية بارعة استخدم هذه الورقة ببراعة انطلت على الكثير وفق وعود كاذبة بحقوق الأقليات، بينما يواصل ارتكاب المجازر بحقهم ليلاً ونهاراًً. في حين واصلت السعودية وقطر وتركيا -التي تمول الجماعات التكفيرية المسلحة في سوريا منذ 2011- لتصبح اليوم راعياً رئيسياً لها، وتحاول عبر الضخ والدعم المالي والغطاء الإعلامي تقديمهم كثوار ورجال دولة ونظام حقيقي، لكن هذه المهمة متعبة ومنهكة للغاية بسبب السلوك الإجرامي الدموي الذي يشكل جزءاً محورياً من عقيدة الجماعات التكفيرية، والتي لم تتحمل أشهراً قليلة من تمثيل مهمة الـ دولة والنظام والجيش ضمن تشكيلات الأجهزة الرسمية لما يُعرف بسوريا الجديدة، هذا كله لا يمكن فصله عن خطة أمريكية لخلق “محور سني” موالٍ للغرب، يُضعف إيران ويرسّخ التطبيع مع العدو الإسرائيلي، أما بندقيته فقد تأكد ألف مرة في غضون ثلاثة أشهر وحسب أنها لن تتوجه صوب العدو الإسرائيلي، ولن تكون كذلك مهما توغّل العدو في الأراضي السورية، وقد أوغل فعلاً في عمق أراض جنوبي سوريا.

الشرع الجولاني ليس إلا واجهة جديدة لمشروع استعماري قديم، يجري إعادة تشكيل سوريا وفق رؤية غربية-خليجية، تخدم بروية -وربما باستعجال- المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة، بدءاً من تُحويل البلاد إلى دولة فاشلة تُدار بالميليشيات أو صوملتها كما يروق للمحلل السياسي الكبير الأستاذ ناصر قنديل تسميتها. وجرائم الجماعات المسلحة ضد العلويين والشيعة، وتحالفه مع أنظمة إجرامية مثل تركيا والسعودية، وتلاعبه بالخطاب السياسي، كلها أدلة على أنه “صنيعة غربية” بامتياز.
السوريون يدفعون الثمن، والعالم يتفرج على مسرحية دموية تُكتَب بدايتها في واشنطن ويمولها بالسلاح والمال والإعلام للأسف أنظمة الخليج المتخمة بالمال والنفاق وكل ما لا يمت لهوية شعوبنا بصلة.

نقلا عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • تظاهرات في القامشلي وكوباني شمال شرق سوريا تنديداً بالم,جازر التي ترتكبها عصـ.ابات الجولاني ضد أبناء الطائفة العلوية
  • وفد من دروز سوريا يزور إسرائيل لأول مرة منذ 50 عاما وسط انتقادات
  • ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟
  • سوريا.. القلم الأخضر بيد أحمد الشرع عند توقيع الإعلان الدستوري يثير تفاعلا
  • مفاجآت في الإعلان الدستوري السوري.. ماذا تضمّنت مسودة أحمد الشرع للمرحلة الانتقالية؟
  • سوريا.. أحمد الشرع يستقبل وفدا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (صور)
  • الجولاني.. “الرئيس المجرم” مسرحية غربية بدماء سورية
  • من هو صديق الشرع العلوي الذي برز اسمه بعد أحداث الساحل ؟
  • فرصة كي يثبت الشرع أنه ليس "الجولاني"…
  • من هو صديق الشرع العلوي الذي برز اسمه بعد أحداث الساحل؟