#سواليف

الهموم كالغيوم ما تجمعت إلا لتمطر فرجًا فتفاءلوا وأبشروا

#الشيخ_كمال_الخطيب

ما أكثرها الوقائع والأحداث نعيشها ونمرّ بها ونحن لا نعلم حقيقتها، ظاهرها يكون فيه الحزن والألم بينما هي في الحقيقة تحمل الفرح والأمل. ولكننا لا نعلم ذلك إلا عندما تتحقق، وقد قال في هذا ربنا سبحانه: {وعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} آية 216 سورة البقرة.

ولذلك كان لا بد للمسلم أن تكون عقيدته وإيمانه بالقضاء والقدر صادقة، وأن يكون تسليمه لأمر الله تعالى راسخًا لا يتزعزع، وأن يعلم أن ما يختاره الله تعالى له هو الخير ويظل يدعوه ويقول: “اللهم اختر لي ولا تخيّرني”. وما أصدق ما قاله الشاعر المؤمن:

مقالات ذات صلة الأرصاد تحذر 2024/12/13

وكم لله من لطف خفي يدق خفاه عن فهم الذكي

وكم يسر أتى من بعد عسر وفرّج كربه القلب الشجي

وكم أمر تساء به صباحًا وتأتيك المسرّة بالعشي

إذا ضاقت بك الأحوال يومًا فثق بالواحد الفرد العلي

لم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلم أن المفتاح الذي سيفتح مغاليق قلبه للإيمان هي تلك الصفعات وقطرات الدم سالت من وجه أخته فاطمة لما لطمها على وجهها حين دخل عليها تقرأ القرآن وقد أسلمت دون علمه، فلما رأى قطرات الدم وشاهد ثبات أخته على إيمانها، فكانت المفتاح الذي فتح قلبه للإسلام والإيمان.

ولم يكن حمزة رضي الله عنه يعلم أن المفتاح الذي سيفتح مغاليق قلبه للإسلام هي تلك الإساءات والأذى أوقعه أبو جهل على رسول الله ﷺ، فحرّكت في حمزة الحمية والغيرة على ابن أخيه ثم كان إسلامه رضي الله عنه.

ولم يكن أصحاب رسول الله ﷺ الذين هاجروا من مكة إلى المدينة تاركين بيوتهم وأموالهم ولا يحملون معهم إلا عقيدة صادقة في قلوبهم، إنهم لم يكونوا يعلمون أبدًا أن الله سيعوّضهم خيرًا من ذلك، وأنه سيفتح عليهم الدنيا، وسيملّكهم مشارق الأرض ومغاربها، وستُشرع أمامهم عواصم ويركع عند أقدامهم القياصرة والأكاسرة ملوك الدنيا في ذلك الزمان.

قال الأستاذ الفاضل حسان شمسي باشا في كتابه النافع -عندما يشرق الصباح- في تفسير قول الله تعالى {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} آية 7 سورة يوسف. فحبّ الأب شيء رائع في ظاهره لكنه كان سببًا في حسد إخوته له، ثم رمي يوسف في البئر ووجوده في البئر أمر سيء في ظاهره لكنه كان سببًا في دخوله قصر العزيز، وقصر العزيز مأوى حسن في ظاهره لكنه كان سببًا في دخوله السجن، ودخول السجن كان أمرًا سيئًا في ظاهره لكنه كان سببًا في أن يصبح عزيز مصر، ووقوع المجاعة في أرض يعقوب وأبنائه كان أمرًا سيئًا في ظاهره لكنه كان سببًا في لقاء يعقوب مع ابنه يوسف بعد 40 سنة من الغياب، فوراء كل محنة وابتلاء منحة وعطاء.

ولذلك فقد ختم الله تعالى قصة يوسف مع إخوته من يوم أن {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} آية 4 سورة يوسف، إلى أن تحققت الرؤيا {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ*وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} آية 99-100 سورة يوسف، فإنه سبحانه ختم ذلك الفصل بقوله: { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}. إنه لطف الله ويده سبحانه التي كانت تعمل.

فعن الإمام علي كرّم الله وجهه ورضي عنه أنه قال: “عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء ومع العسر يكون اليسر”. فإذا أصابك أمر وبشيء من البلاء والمصاب، فلا تجزع واصبر فلعل فيه يكون الخير لك. قال شريح القاضي: “إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عز وجل عليها أربع مرات، أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع أن أقول -إنا لله وإنا إليه راجعون- لما أرجو فيه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في دينه”.

الهموم والغيوم

مثلما أنه بعد الألم يمكن أن يكون أمل، ومثلما أن بعد المحنة يمكن أن تكون منحة، ومثلما أن بعد العسر يمكن أن يكون يسر، فإنه وبعد الهمّ يمكن أن يكون فرج.

وإن الهموم مثلها كمثل الغيوم، فالغيوم ما تجمّعت وتكاثرت وتلبدّت واسودّت إلا وأمطرت غيثًا. وإن الهموم ما تجمّعت وتكاثرت وتوالت وتثاقلت إلا وأمطرت فرجًا بإذن الله تعالى.

لقد سمى الله تبارك وتعالى المطر غيثًا ورحمة، فقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} آية 28 سورة الشورى، وقال كذلك: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} آية 57 سورة الأعراف. وإذا كان الغيث ينزل بعد جدب وقنوط، فإن الغوث ومعناه الإعانة والنصرة، يأتي بعد الشدة والهمّ والكرب.

إنها الغيوم إذن تظهر في الأفق البعيد فيبعث الله الرياح تحرّكها وتتقاذفها وتجمّعها مع بعضها البعض حتى إذا اسودّت وأبرقت السماء وأرعدت فإنه حتمًا سيكون المطر والغيث بإذن الله تعالى. وإنها الهموم ما أن ينجلي همّ وإذا بهموم كثيرة تأتي من بعده وتتزاحم، هموم شخصية، هموم الأمة، ابتلاءات في الأنفس والثمرات، كيد الأعداء، خيانة الزعماء، نفاق العلماء، تطاول السفهاء، حتى أنها لثقلها على النفس يصبح صاحبها يقول: “يا رب متى الفرج متى نصر الله”، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} آية 214 سورة البقرة.

فكما أن الغيوم ما تجمعت إلا وأمطرت غيثًا، فإن الهموم ما تجمعت إلا وأمطرت فرجًا وفتحًا مبينًا بإذن الله تعالى. لذلك فإن رياح الشرّ وإن عصفت وزمجرت فإنها لن تخيفنا ولن تقتلعنا لأننا على يقين أن بعدها ستكون رياح تحمل الغيث ويكون معها الغوث والفرج.

يا سيد الرسل وجد في القلوب سرى فاسترسل الشوق يعصرنا ويطوينا

لا شيء نملكه إلا محبتكم نرجو بها نسبًا بين المحبينا

يا أكرم الخلق لا فرح يداعبنا والريح تزأر حمقى في أراضينا

والعين تلمح أعداء لنا مكروا قد أشعلوا النار في ذرى روابينا

يهدمون صروح الخير ما وسعت يد الدمار ليبنوا من مغانينا

فلتعصفي يا رياح الشرّ إن لنا جبال شهب على الساحات تنجينا

الله أكبر ما صلت مواكبكم أو ضجّ ساجدكم بالدمع راجينا

الله أكبر إن الله منتصر للحق في أرضنا فامضوا ملبينا

فلن يخيفنا زمجرة ريحهم ولا قعقعة سلاحهم ولا صخب أعلامهم لأن لنا جبالًا شمّاء نأوي إليها هي عقيدتنا وقرآننا وأمتنا، وقبل ذلك فإنه ربنا سبحانه، وصدق من قال: “الإسلام مثل الخشبة في الماء لا يغرق ولا يحترق”. فما أسخفهم وما أسفه عقولهم أولئك الذين يظنون أن بمقدورهم أن يغرقوا سفينة الإسلام أو أن يحرقوها.

فتفاءلوا وأبشروا

لقد تحدث النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن الزمان الذي تتكاثر فيه على الأمة الهموم وتتوالى عليها الخطوب، لكن عاقبة تجمّع الهموم سيكون بعدها فرج، قال ﷺ: “ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جورًا وظلمًا، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلًا من عترتي، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئًا إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئًا إلا صبه الله عليهم مدرارًا، يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره”.

وها نحن في بدايات مقدمات فصل الشتاء وحيث ستعصف الرياح وتقصف الرعود وتلمع البروق وتتلبد الغيوم التي ستمطرنا بالغيث والرحمة، فهل بعد كل هذه الإشارات والمقدمات يشكّ عاقل أننا لسنا في فصل الشتاء فصل الغيث أو أن هذه الغيوم لن تمطر مطرًا؟ وها نحن في أيام زمان البلاء والمحن والظلم والجور وتكالب الأعداء وخيانة الزعماء، إننا في زمن فتن كقطع الليل المظلم، وهموم تتوالى ثقيلة مثل الجبال فكذلك يجب أن لا يشكّ عاقل في أن هذه الهموم ستمطر فرجًا بإذن الله تعالى.

وإذا كان المطر سيطفئ لهيب الصيف والقحط والجفاف، فإن الفرج سيطفئ لهيب الهمّ والظلم والقهر، وما أجمل ما قاله ابن الشام الشاعر الصادق أنس الدغيم:

مطر على أبواب بيتك نازل وأكاد أسمعه يقول تفاءلوا

قطرات هذا الماء فوق زجاجنا ما كنّ ماء إنهن رسائل

هذا اللهيب سينقضي ويجيء من بعد اللهيب مواسم وجداول

وها هي مقدمات الشتاء تحمل لنا بشريات كثير خاصة فيما يحصل في بلاد الشام المباركة بخلع وإسقاط وتمريغ أنف طاغيتها وجزّارها بشار الأسد الذي قتل أكثر من مليون سوري وهجّر ثلاثة عشر مليونًا في أصقاع الأرض فقط لأنهم طالبوا بالحرية والكرامة خلال ثورة الربيع العربي مطلع العام 2011.

ها هم الأطفال الذين خرجوا خائفين يمسكون بتلابيب أمهاتهم إلى المهاجر والمخيمات فإنهم اليوم هم من يتقدمون الصفوف لمقارعة الظالم المستبد بشار، تدعمه روسيا وإيران وميليشيات طائفية جاءت من أصقاع الأرض. ها هم الأطفال قد كبروا وأصبحوا شبابًا يسترجعون بيوتهم وقراهم ومدنهم ويعيدون إليها أهاليهم بعد تهجير وتشريد.

واذا كان المطر في قول ابن الشام أنس الدغيم هو رسالة تفاؤل:

مطر على أبواب بيتك نازل وأكاد أسمعه يقول تفاءلوا،

فإننا على يقين بإذن الله تعالى أن ما يجري في الشام يدعو للتفاؤل والاستبشار أن شباب الأمة بخير وأن طواغيتها وإن استقوا بكل جبابرة الأرض فليس لهم مقام. وكم مرة سبق وقلنا أن أعداء الأمة الذين تآمروا مع طواغيتها وأجهضوا ثورات الربيع العربي سنة 2011 فإن عليهم أن يعلموا أن القادم ليس ربيعًا عربيًا وإنما هو شتاء إسلامي غزير وعاصف ومبارك.

إننا بين يدي أن هموم الأمة وأحزانها في غزة وفي الشام ستزول بإذن الله تعالى رغم كثرتها وثقلها، لأن الهموم مثل الغيوم ما تجمعت وتكاثرت وتثاقلت إلا لتمطر فرجًا بإذن الله تعالى، وإن غدًا لناظره قريب فتفاءلوا.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف الشيخ كمال الخطيب ا بإذن الله تعالى رضی الله عنه یمکن أن أن یکون

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: التمكين الدنيوي للظالمين لا يعني رضا الله عنهم فلا تيأس وثق فى الله

قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الثقة بالله سبحانه وتعالى دَيدَن المؤمنين، وهي ركن من أركان الإيمان، وصِلة واضحة جليّة بين العبد وربه. 

ونوه جمعة عبر صفحته الرسمية على فيس بوك أن الثقة بالله تجعلنا نؤمن بما عند الله أكثر من تصديقنا لما بين أيدينا، لأن الله سبحانه وتعالى فعالٌ لما يريد، وهو على كل شيء قدير، رب السماوات والأرض وما بينهما، وهو الذي خلقنا وأحيانا ويميتنا، وهو الذي رزقنا وهدانا إلى سواء الصراط المستقيم.

واضاف: لا ينبغي أن يدخل الشك إلى قلب أحدٍ من المؤمنين في ربه، فإن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن هدايةً للعالمين إلى يوم الدين، وبيّن لنا فيه سننًا إلهيةً جرت عبر التاريخ، لا لمجرد الاستماع إلى القصص، بل للاهتداء بها، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾، وقال: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

وبين ان القرآن الكريم نزل هدىً للمتقين، وعمىً على الكافرين. وقد خصّ الله قصة موسى عليه السلام بذكرها في مواضع كثيرة من القرآن، حتى شغلت جزءًا كبيرًا من قصص الأنبياء، لما فيها من عبرٍ وحكم وهداية تُصلح حياة الأفراد والأمم.

ماذا يحدث عند قراءة يس 7 مرات يوميا؟.. علي جمعة: اغتنموها لهذا السببحكم الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل.. الإفتاء توضحساعة الإجابة يوم الجمعة.. اعرف وقتها وفضلها

ولفت الى ان من هذه الهداية: أن الله تعالى وصف موسى عليه السلام بالقوة؛ فقد كان قويّ البنية، كما قال تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾، ضربة واحدة أنهت حياة عدوه، وهي ليست ضربة بل "وكزة"! مما يدل على شدة قوته.

ولم يكن موسى قويّ الجسد فقط، بل كانت له نفسية قوية، وهيبة في الناس، فقد احتمى به الناس { فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ}. ولما ذهب إلى مدين سَقَى لبنات شعيب مع رعاء الناس في وسط الزحام.

ومع هذه القوة الظاهرة والباطنة، كان موسى عليه السلام يخاف، فقد ورد الخوف في كل مراحله:

• بعد القتل: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾

• بعد التحذير وعند الخروج: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾

• عندما أمره الله بالذهاب إلى فرعون: ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾، ﴿ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾

• وعند مواجهة السحرة: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى﴾، فقال له ربه: ﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾

وبين ان موسى، رغم قوته الجسدية والنفسية والإيمانية، كان خائفًا، لأن العدو (فرعون) كان طاغية فاجرًا، يحكى عنه أنه كان يقتل بالنظرة، ويقول: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، فقال الله فيه وفي من كان مثله من الجبابرة الطغاة على مر التاريخ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾.

وقد قرر القرآن قاعدة عظيمة تُورث الثقة بنصره في قلوب المؤمنين، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾

فالخطاب تحول من الغائب ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ إلى الخطاب المباشر ﴿مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾، ليخاطب المؤمنين إلى يوم الدين.

هذه الآية تؤكد أن التمكين الدنيوي للظالمين لا يعني رضا الله عنهم، فهو القادر على إزالتهم في لحظة، ويخاطبك ربك قائلاً: "لا تخف".

وإن وقع الخوف في قلبك، فلا تيأس، فقد خاف موسى وهو كليم الله.

فكن ككليم الله موسى في الثقة والتصديق بأمر الله ولا تخف، واجعل حياتك لله: اجعله هو مقصودك.. وناصرك.. واعتمادك.. وذكرك.. وتوجهك، حتى لو لم يكن معك أحد.

فالنبي يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، وربما ليس معه أحد، فعامل لله، وثق بالله، ترى من عجائب قدرته ما يدهشك.

مقالات مشابهة

  • هل السحر حقيقة.. وماذا نفعل حتى لا نصاب به؟.. مستشار المفتى السابق يجيب
  • مجمع البحوث الإسلامية: لا تقل هذه الكلم .. تطردك من رحمة الله
  • لماذا يجب قراءة آخر آيتين من سورة البقرة قبل النوم؟.. 7 عجائب
  • دعاء لكشف الهم والغم.. مكتوب ومجرب
  • نور على نور
  • حكم القصاص في الإسلام وجزاء العفو.. دار الإفتاء توضح
  • كان الله في عون الوالدين
  • علي جمعة: التمكين الدنيوي للظالمين لا يعني رضا الله عنهم فلا تيأس وثق فى الله
  • ماذا يحدث عند قراءة يس 7 مرات يوميا؟.. علي جمعة: اغتنموها لهذا السبب
  • حكم قراءة البسملة في الصلاة.. الإفتاء تحدد 4 أحكام صحيحة