دمشق ليست مجرد مدينة عربية أخرى. لعلها، باعتبار التاريخ، أقدم مدن العرب. ولعلها، باعتبار الجغرافيا، قلب هذه الأمة. ولعلها، باعتبار السياسة الإقليمية العربية، العاصمة الناشز، إن صح التعبير. ولعلها، حسب رأي أطراف في جلسة حوار، المشكلة صاحبة العدد الأكبر من الاعتبارات، إن سمحت دمشق فجعلناها موضوع نقاش.
من العدد الكبير لهذه الاعتبارات، اخترنا لإثراء النقاش عدداً صار بالفعل من المتغيرات الأهم المحيطة بتطورات الوضع الراهن في سوريا، نعرضه بإيجاز مناسب فيما يأتي:
*أولاً: لسوريا موقع استراتيجي ومقام معنوي في الإقليم منذ الفتح الإسلامي، وربما من قبله وبالتأكيد من بعده، من خلال طموحات الدولة الأموية وتوسعاتها، وبخاصة في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، وبالتحديد في جنوب إسبانيا، كل منهما، وأقصد الموقع والمقام، رتب على حكام سوريا التزامات، وفرض سلوكيات بعينها، سواء كانت دمشق خاضعة لنفوذ خارجي أوسع أو هي نفسها صاحبة النفوذ.
*ثانياً: يعتقد المحلل القريب من السوريين، وبخاصة من اختلط بهم في الداخل السوري، أو خارجه أن صبر المواطن السوري نفد، أو بدأ ينفد علماً بأن السوري في الأصل إنسان «قلوق» إن صح التعبير. يعتقد المحلل أيضاً أن السوري إذا اعتنق أو تبنى عقيدة اختار جانبها المتطرف أو الأشد تطرفاً، وربما انتهى الأمر بأن تتصف العقيدة فعلاً بالتطرف، وهي في الأصل غير ذلك. يشهد بذلك بعض مراقبي تطور فكر القومية العربية وتاريخ حزب البعث وموقعهما في التاريخ السياسي العربي.
*ثالثاً: تقع التطورات السورية الراهنة، ولوقت قادم، في قلب تطورات قد تأخذ شكل تحولات في النظام الدولي، وبخاصة ما يشير إلى قرب نهاية نظام الهيمنة، والمعروف بنظام القطب الواحد. تتسم المرحلة الراهنة بصفة السيولة الدولية تحت ضغط الجهود الأمريكية المبذولة، لإضعاف القطب الروسي، ومنع الصين من الصعود إلى مرتبة القطب الأول أو حتى الثاني. لا يضير واشنطن بل لعله يفيدها بأن يلتهب الشرق الأوسط ولروسيا نفوذ فيه.
*رابعاً: في الوقت نفسه، ولوقت قادم، تجري استعدادات على صعد متعددة لتأسيس شرق أوسط جديد. بالفعل توقف النشاط، أو كاد يتوقف، في أنحاء النظام الإقليمي العربي، وربما لأجل غير معلوم. لا يمكن تجاهل واقع خروج دول إفريقيا العربية، ومصر واحدة منها، من التفاعلات التي صارت تتصف بالتفاعلات الشرق أوسطية وأطرافها الرئيسية هي: تركيا وإيران وإسرائيل. أما الساحة الرئيسية لإدارة صراع كفيل بإحياء فكرة الشرق أوسطية الجديدة، فلن يجدوا أفضل من سوريا ساحة مناسبة ليجري على أرضها.
*خامساً: بشكل مؤقت، يمكن تحريك قوات المعارضة المسلحة السورية من حلب وإدلب، وتوجيهها نحو دمشق، ولكن بعد نزع صفة الإرهاب عنها. ولا يمكن لأحد غير الولايات المتحدة وبريطانيا محو هذه الصفة عنها، ولا يمكن لدول المنطقة التعامل معها مستقبلاً، إلا إذا صدر المحو من هاتين الدولتين. من المعلوم أيضاً أن الشك في توجهات القادة الجدد تجاه إسرائيل يبقى قائماً بعد توليهم السلطة في دمشق، ولذلك وقع إبلاغ إسرائيل مقدماً بالتزام الزحف الإسلاموي العسكري الشروط التركية والأمريكية بالتوقف عند دمشق، والسماح لها بانتهاز الفرصة، لتعديل حدودها مع سوريا كما فعلت مع غيرها من الدول المشاطرة لها في الحدود.
*سادساً: الكل مدرك أن استقرار الحكم في سوريا يعتمد في الأساس على مدى اطمئنان الأقليات- وهي عديدة كما هو معروف- على مصالحها في ظل حكم أو هيمنة أقلية أو أخرى.
*سابعاً: تحت الضغط الخارجي سوف يتعين على الدول العربية الشقيقة، الاعتراف بالحكومة التي يختارها الثوار، بمساعدة من دول إقليمية متفهمة أو متقبلة الأبعاد الحقيقية لطبيعة وتفاصيل المعارضة. التوقع الغالب هو أن تقوم تركيا بالدور الأكبر في التحضير لهذا الاعتراف مع حكومة دولة عربية أو أكثر.
*ثامناً: لولا الشلل الذي أصيب به النظام الإقليمي العربي، نتيجة سقوط أنظمة حكم عربية الواحد بعد الآخر، أو ربما سقطوا بسبب هذا الشلل، نقول لولا هذا الشلل لما حدث هذا السقوط المريع، وفي قول آخر، السقوط الهزيل أو الهزلي، للنظام السوري. سقوط رغم هزاله أو هزله يفتح الباب أمام تطورات لا تشي مقدماتها بخير يعوض الشعب السوري عن سنوات طويلة من الاستبداد والعنف، ولا تشي بأمل يعوض الفلسطينيين واللبنانيين ومن يستجد من الشعوب العربية، عن حروب إبادة شنتها إسرائيل، أو تستعد لشنها ضدهم وضد غيرهم من الشعوب العربية.
والآن نتمنى أن يكون حظ السوريين أفضل من حظوظ شعوب عربية أخرى، سقطت حكوماتها ولم ينصلح حالها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
وصول الطائرة السعودية التاسعة لإغاثة الشعب السوري الشقيق إلى مطار دمشق الدولي
وصلت إلى مطار دمشق الدولي بالجمهورية العربية السورية اليوم الطائرة الإغاثية التاسعة ضمن الجسر الجوي السعودي الذي يسيّره مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لمساعدة الشعب السوري الشقيق، وتحمل على متنها المواد الغذائية والإيوائية والطبية.
وتأتي هذه المساعدات تجسيدًا للدور الإنساني الكبير الذي تقوم به المملكة ممثلة بمركز الملك سلمان للإغاثة تجاه الدول الشقيقة والصديقة في مختلف الأزمات والمحن.