سوريا ما بعد عائلة الأسد… آمال مفتوحة ومخاطر عديدة
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
التطورات الأخيرة في سوريا استحوذت على اهتمام العالم بأجمعه وهمشت المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة صباح مساء. لقد تنوعت الآراء والتحليلات لما جرى في الأحد عشر يوما، التي أطاحت بأعتى نظام قمعي في العصر الحديث حيث قبض على خناق سوريا الأسد الوالد والأسد الابن لمدة 54 سنة. غالبية الشعب السوري اليوم لا يعرف غير الرئيسين اللذين رفعا شعارا والتزما به «الأسد قائدنا إلى الأبد»، وأضيف إليه مقطع مع انفجار الاحتجاجات الشعبية عام 2011 «الأسد أو نحرق البلد».
وأود أن أدلو بدلوي أسوة بالغالبية الساحقة من الكتاب والمعلقين والمحللين والذين انقسموا إلى قسمين، كما فعلوا عام 2011، فمنهم من رقص فرحا لسقوط النظام، ومنهم من اعتبر أن آخر قلعة من قلاع محور المقاومة والممانعة، سقط وأن الشرق الأوسط الجديد تحت الهيمنة الإسرائيلية قد تحقق الآن. وأنا أميل إلى رأي يجمع بين الموقفين كما فعلت عام 2011 عندما أعلنت أنني مع سوريا لا مع النظام. ففي الوقت الذي سعدت بسقوط النظام الذي لا أجد شبيها له في القمع إلا نظام عائلة كيم الجد والابن والحفيد في كوريا الشمالية. ولكنني في الوقت نفسه أريد أن أنبه لمجموعة من المخاطر والمطبات والألغام التي قد تتكشف في الأيام المقبلة.
– لا احد يستطيع أن يزايد على الشعب السوري في حبه لوطنه. وهذه الملايين التي تدفقت إلى الشوارع تحتفل بسقوط النظام لا أحد يحركها إلا الآلام التي عاشوها، والحسرة على الأحباب الذين فقدوهم في حماة والغوطة ومضايا وداريا والزبداني وحمص وحماه وحلب وغيرها.
من حق ملايين اللاجئين أن يفرحوا بعودتهم إلى ديارهم، حتى لو وجدوها مهدمة، وملايين المشردين الذين بدأوا يعودون ومشاعر حب الوطن والبيت والضيعة والحارة تغمرهم. من حق عشرات الألوف الذين التقوا بأحبتهم بعد أن خرجوا من السجون أن يرقصوا في الشوارع، بعد أن فقدوا الأمل في استنشاق نسائم الحرية يوما، بمن فيهم أكثر من 900 فلسطيني ضحايا شعبة فلسطين في المخابرات، عدا آلاف اللبنانيين والأردنيين. ما كشف إلى الآن من جرائم النظام وفساده، لا يتعدى مقدمة لمجلدات، خاصة ما كان يجري في السجون، وسيتم توثيقها للأجيال القادمة، لتقرأ عن هذه الحقبة السوداء في تاريخ سوريا.
الشيء اللافت أن كثيرا من الذين كانوا مع النظام بدأوا يعلنون براءتهم منه، وكان أولهم سفير النظام في موسكو بشار الجعفري، أول من رفع علم سوريا الجديد القديم (الذي اعتمد عام 1932). كما أن بعثة سوريا في الأمم المتحدة رحبت بممثلة الثورة الجديدة وتسلموا العلم الجديد منها، وكانت الابتسامات على وجوههم جميعا. يجب ألا نكون أنانيين، بالسكوت على جرائم النظام ضد شعبه، حتى لو كان يؤيد فلسطين (وذلك موضوع تساؤلات ليس الآن وقت بحثها).
– لغاية الآن لم نر مجازر ترتكب، ولا عمليات انتقام ولا اقتحامات ولا استهداف للطوائف أو الأقليات. وكان نداء العفو العام على كل من يرمي سلاحه من الجيش والأجهزة الأمنية خطوة صحيحة يجب أن تليها خطوات أخرى سديدة، وأهمها حماية الأملاك العامة والمؤسسات. إن التأكيد على حماية الأقليات والسماح بنصب أشجار عيد الميلاد وممارسة الطقوس الدينية بكل حرية، أمور تبشر بالخير ونأمل ألا تنحرف البوصلة إلى اضطهاد الأقليات الدينية والعرقية، وأن لا نرى تجربة طالبان بعد كل التعهدات التي قطعتها.
– لم نر ولم نسمع ولم نقرأ عن أقليات من خارج الوطن السوري شارك في عمليات السيطرة على المدن الواحدة بعد الأخرى، لا شيشان ولا طاجيك ولا أوزبيك ولا تركمان. الواضح أن هيئة تحرير الشام والجيش السوري الحر في السنوات الأربع الأخيرة منذ اتفاقية عام 2020 عملوا على إنهاء المجموعات الصغيرة وطرد الأجانب وتوحيد المجموعات السورية طوعا أو كرها، حتى كادت الحركة الأخيرة تكون موحدة تماما، وهو ما قتل الحراك الأول بعد أن فاضت البلاد بكل أنواع الإرهابيين والمتطرفين والانتهازيين الذين عوموا البلاد بألف فصيل وفصيل. يبدو أن هؤلاء تعلموا (أو لقنوا) بعض الدروس من أخطاء الماضي وقدموا أنفسهم بعيدا عن التطرف والتعصب- نأمل أن يستمر ذلك التوجه لقيادة سفينة البلاد إلى بر الأمان.
– ما من شك، أن النظام ما كان يسقط بهذه السهولة لولا أن الجيش تخلى عن النظام ورفض أن يدخل في معارك دموية مثل السابق، كما فعل جيش مبارك في مصر، وجيش بن علي في تونس. فمعنويات الجيش كانت منهارة، حيث لا يزيد راتب الجندي عن عشرة دولارات والضابط عن 25 دولارا. وقد حاول الأسد أن يغريهم في أول يوم للحراك 27 نوفمبر، بمضاعفة رواتبهم لكنها خطوة جاءت متأخرة جدا ولم تقنع أحدا.
– لا نشك أيضا أن تركيا لعبت دورا محوريا في ترتيب أمور الجماعات المسلحة وتدريبهم وتسليحهم. لقد أحس أردوغان بالإهانة عندما مد يده لبشار وقبل الاقتراح الروسي للقاء الأسد ثلاث مرات، وكان الأخير يرفض اللقاء. لقد نجحت روسيا بترتيب لقاءات بين وزيري الدفاع التركي والسوري، وبين رئيسي جهازي المخابرات، رفض بشار لقاء أردوغان، دفع الرئيس التركي للتدخل بشكل أوسع في ترتيبات الوضع للجماعات المسلحة في محافظة إدلب، خاصة بعد ارتفاع حدة هجمات حزب العمال الكردستاني.
وبعد عملية أنقرة على مقر شركة صناعات الطائرات والفضاء يوم 23 أكتوبر الماضي. كما أن أردوغان كان يتعرض لضغوطات داخلية كبيرة، أحس بها في الانتخابات السابقة عندما فشل في الحصول على 51 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى. الوجود السوري كان ورقة انتخابية أضرت بأردوغان، سواء اللاجئين السوريين داخل البلاد الذين يصل عددهم لنحو أربعة ملايين، أو الملايين الثلاثة في إدلب الذين يعتمدون أساسا على المساعدات التركية، ما أرهق الأوضاع الاقتصادية في تركيا وهبط بقيمة الليرة إلى مستوى غير مسبوق.
– روسيا أيضا تخلت عن الأسد ولم تعد قادرة على التورط في حرب مدمرة على طريقة عام 2015 بسبب حرب أوكرانيا وقرار الولايات المتحدة السماح لكييف باستخدام أسلحة بعيدة المدى تطال التجمعات السكانية داخل روسيا. كما أنهم غير راضين عن أداء الأسد بعد أن سلموه حلب عام 2016 ومنذ ذلك اليوم لم يقم بخطوة واحدة لتحسين البلاد وتوسيع نسبة المشاركة والمصالحة الشاملة. فبدل إعادة بناء البلاد تخصص ماهر وفرقته الرابعة في انتاج حبوب الهلوسة «كبتاغون» بكميات كبيرة يصدرها للعالم، خاصة منطقة الخليج عن طريق الأردن ما دفع القوات الجوية الأردنية لشن عدد من الغارات على الحدود مع سوريا.
– يجب ألا نغفل عن أن العلاقات بين النظام وإيران أيضا كانت متوترة بسبب الاختراقات الأمنية واستهداف كل المواقع الإيرانية في سوريا، وعدم دعمه حزب الله خلال مشاركته في إسناد جبهة غزة. ولا نشك في أن حزب الله كان أيضا منزعجا من مواقف النظام بسبب هذا الابتعاد لدرجة أن الأسد لم يعز في استشهاد حسن نصر الله إلا بعد ثلاثة أيام موجها رسالة للمقاومة اللبنانية وليس للحزب. إذن كان الأسد معزولا وعلاقته ليست جيدة لا مع روسيا ولا مع إيران ولا حزب الله. وبعد الهدنة بين لبنان وإسرائيل يبدو أن قيادة هيئة تحرير الشام رأت أن الوقت قد حان للتحرك.
وأخيرا أود أن أؤكد أن التحديات التي تواجهها القيادات الجديدة كبيرة، خاصة أن إسرائيل استغلت الفراغ الأمني والعسكري وتقوم بتدمير كل إمكانيات سوريا الدولة.
نتفق أن الأولوية للبناء وعودة اللاجئين والمهجرين وبناء المؤسسات وتنظيم البلاد. لكننا سنحكم على المرحلة الجديدة من خلال الممارسة لا من خلال الشعارات. نريد أن نرى بناء سوريا الحديثة على أسس الحرية والديمقراطية والتعددية وحماية الأقليات والحرية الدينية واحترام حقوق الإنسان وإنصاف المرأة، وقبل هذا وبعده نريد أن نرى دولة القانون والدستور الشامل الذي يتوافق عليه أبناء وبنات الشعب السوري العظيم.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الثورة سوريا الاحتلال المعارضة الثورة الجولاني مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بعد أن
إقرأ أيضاً:
آخر رئيس وزراء يكشف الساعات الأخيرة لنظام الأسد وقرارات بشار التي دمرت الدولة (فيديو)
#سواليف
كشف #رئيس_وزراء #سوريا السابق #محمد_الجلالي عن تفاصيل #الساعات_الأخيرة التي سبقت #سقوط #نظام_بشار_الأسد في سوريا ومغادرته البلاد.
وعلى الرغم من قصر مدة رئاسته للحكومة السورية والتي كانت أقل من 3 أشهر، إلا أن ما أدلى به الجلالي من تفاصيل تتعلق بعقلية بشار الأسد وطريقة إدارته للبلاد تكشف كيف أن #انهيار #مؤسسات البلاد ومنها #الاقتصاد_السوري كان نتيجة مباشرة لقرارات الأسد.
وفي حوار مطول مع منصة “مزيج” التابعة لقناة “العربية”، روى الجلالي كيف كانت تحركات بشار الأسد في الساعات الأخيرة قبل انهيار النظام والانسحابات المتوالية وحالة الانهيار التي عاشها #الجيش_السوري بسبب تدني رواتبهم والتغييرات الميدانية المتسارعة التي كان يشاهدها وزير الدفاع ويُخبر بها بشار الأسد.
مقالات ذات صلة الحكم على ترمب بالإفراج غير المشروط بقضية شراء الصمت 2025/01/10قصف جسر الرستن
وفي تصريحاته كشف آخر رئيس للوزراء عن طلب محافظ حمص الذي اتصل به ليصدر أمرا بقصف جسر الرستن لإعاقة تقدم المعارضة إلا أن رئيس الوزراء السابق رفض الامتثال للطلب نظرا لما يمثله الجسر من أهمية بالغة للناس والاقتصاد، لتأتي المفاجأة بأن الجيش السوري قام بقصف الجسر بعد ساعتين من رفض رئيس الوزراء للعملية.
#انهيار_النظام داخليا
وبحسب الجلالي، فحتى موظف المقسم العسكري لم يعد يرد على الهاتف وغالبية الحراس الذين يقومون بحماية رئيس الوزراء هربوا من مقر عملهم، ووزير الداخلية الذي خرج على وسائل الإعلام مهددا متوعدا اتصل هاتفيا ليقول لرئيس الوزراء: “كل شيء انتهى، أنا سأغادر مكتبي وانطلق للساحل!”، فيما جموع أنصار الأسد خاصة فئة الموظفين الكبار والعائلات المنضوية تحت حكمه، فرت بشكل جماعي بين المحافظات السورية خاصة من محافظة حمص إلى بلدات الساحل السوري، مما يدل على انهيار النظام داخليا قبل أن يهزم عسكريا مع تقهقر الجيش.
ووفق ما جاء على لسانه لمنصة “مزيج”، أفاد الوزير السابق بأنه قرر الاتصال ببشار الأسد ليخبره عن “الخوف الهستيري” الذي يحس به أنصاره وموظفوه وأن هناك 20 ألف سيارة تقل أنصاره المذعورين.
وأضاف الجلالي أن إجابة الأسد كانت: “أين سيذهب هؤلاء؟”، متابعا بالقول إنه قال له إنه يجب أن يتم دعم هؤلاء الهاربين بالغذاء.
وفي هذا السياقّ، أكد رئيس الوزراء أنه اضطر للقول له إن “المشكلة ليست بالغذاء، الناس تحتاج إلى من يطمئنها”، فرد عليه الأسد: “غدا سنرى” (بكرا منشوف).
وصرح آخر رئيس وزراء في عهد الأسد بأنه اتصل هاتفيا بوزير الدفاع فلم يرد، أما وزير الداخلية الذي كان يتحدى بقوله إنه سيظل بمكتبه حتى اللحظة الأخيرة فقد اتصل برئيس الوزراء في الساعة الثالثة فجرا أي قبل مغادرة الأسد للبلاد بثلاث ساعات، ليعلمه أن كل شيء انتهى وأنه سيغادر مكتبه وحثه على الهروب قائلا (لحق حالك واهرب).
وأوضح أن آخر محاولاته للاتصال ببشار الأسد باءت بالفشل، حيث لم يكن يعلم أحد أنه كان يرتب حقائبه للمغادرة.
مكتب خاص يستولي على صلاحيات الحكومة
وكشف آخر رئيس وزراء في عهد الأسد عن عقلية وقرارات بشار الأسد وكيف تم تحطيم اقتصاد البلاد من خلال سيطرته وتفرده وقراراته التي يصدرها هو والمحيطون به وجميعهم من خارج الحكومة، التي بدت بدون أي صلاحيات.
وقال إنه فوجئ بعد عمله رئيسا للوزراء، أن هناك مكتبا داخل مبنى مجلس الوزراء وظيفته نقل القرارات والأوامر التي أصدرتها الحكومة إلى بشار الأسد كي يبدي موافقته عليها، فإذا أرسلت له الموافقة تم إصدار القرارات.
وذكر الجلالي: “في هذا المكتب تُعرض القرارات على بشار الأسد قبل توقيعها”.
دولارات السوريين
وذكر الجلالي أن الإجراءات التي كانت تتخذ في سوريا من قبل نظام الأسد كانت “تخنق الاقتصاد أكثر” وأن بشار الأسد كان يتكلم عن الدولارات التي في جيوب السوريين ويريد الاستيلاء عليها.
وعن حادثة الدولارات، أكدها الوزير أن بشار الأسد قال له ذات مرة إن “الناس تملك دولارات لذا يجب أن نضغط عليهم ليظهروها.. يعني الاستيلاء على أموال السوريين”.
ومن قصص تدخل بشار الأسد باقتصاد البلاد، كان الدكتور الجلالي وزيرا للاتصالات في إحدى حكومات الأسد ورفع أكثر من مذكرة بضرورة إلغاء ما يعرف برسم التعريف للهاتف الجوال.
وبعد عدة مذكرات أرسلها الجلالي إلى بشار الأسد لضرورة إلغاء هذه الرسوم، اتصل أشخاص من القصر الجمهوري وقالوا له: “الأسد يقول لك لا ترسل مذكرات من جديد.. هذا الموضوع يجب تطبيقه وعليك أن تخرج على الإعلام، للتحدث عن فوائد تطبيقه”.