سوريا انتصرت على شيطانها ونتابع من بعيد احتفالها ونتخيل خيالات جميلة تصل إلى حد بناء الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة فعلا لا قولا، ولكن بالديمقراطية لا بالقمع والتنكيل. لقد كانت دمشق عاصمة العالم، ولا شيء في خيالنا يمنعها من استعادة دورها التاريخي فهي منذورة لقيادة العالم. ولكننا واعون بأن خيالنا يثقل عاهل دمشق وأهلها بمطالب ليست مستعدة لها، إذ يكفيها أن تخفف عبء الاضطهاد على جمهورها في الأمد القريب.
قد تكون دمشق الآن متواضعة لمطالب أهلها فقط، ولا تفكر في تصدير ثورتها إلى أحد، وهذا من حكمة الثورات، ولكن نظن يقينا أن نجاحها مهما صغر يهدد جيرانها بنموذج الديمقراطية المشتهى منذ انطلاق الربيع العربي من تونس واستجابتها له في سنة 2011.
نقل سوريا الغنية بتعددها الإثني والمذهبي والجغرافي في محيط معاد للديمقراطية إلى وضع استقرار في الديمقراطية والتنمية ليست عملية ميسورة. وهي أشق على السياسيين من مشقة الحرب، ولكن هذا هو المصير الوحيد لثورة دفعت فيها أثمان كبيرة؛ أن تعاد سوريا إلى محيطها ودورها بالديمقراطية وبلا لغو الممانعة الذين اكتشفنا زيفه. هل تفلح الثورة السورية في التحول من ثورة الحرية إلى دولة الديمقراطية وتجتنب أخطاء الربيع العربي الأولى؟ سنحاول تفكيك الصورة.
السيناريو الجميل الذي يخيف الكيان
الديمقراطية في سوريا تخيف الكيان وداعميه مثلما ما أخافه وضع ديمقراطي في مصر وبقية أقطار الربيع العربي في لحظاته الأولى، فسعت القوى المعادية للديمقراطية وبأمر صهيوني لا نشك فيه إلى التخريب ببث الفوضى وغالبا باسم الديمقراطية، لذلك فإن الوضع المناسب للكيان هو التخريب من الداخل وسيكون ذلك بأمور كثيرة
في اليوم الثاني للتحرير والفصائل ترتب مدنها تثبت الصور الواردة من حلب المحررة أن إدارة المدن ناجحة وفعالة وتقدم صورة ممتازة لإدارة مدنية ديمقراطية. لم تُفتح بوابات الثأر والعراك الإثني والمذهبي وهذا نصر آخر ينجز خلف المقاتلين. والتوقع أنه إذا تراكمت مثل هذه النجاحات المدنية فإن وضعا ديمقراطيا سيبني عليها بهدوء، بما يبث حالة من الطمأنينة والأمن يفتح على المزيد من السلام المدني الذي يشكل قاعدة العمل السياسي الديمقراطي.
الثابت واليقيني أن الديمقراطية في سوريا تخيف الكيان وداعميه مثلما ما أخافه وضع ديمقراطي في مصر وبقية أقطار الربيع العربي في لحظاته الأولى، فسعت القوى المعادية للديمقراطية وبأمر صهيوني لا نشك فيه إلى التخريب ببث الفوضى وغالبا باسم الديمقراطية، لذلك فإن الوضع المناسب للكيان هو التخريب من الداخل وسيكون ذلك بأمور كثيرة منها:
- بث صورة داعش وأعمالها لتشويه الثورة السورية بين الناس وفي المحيط الإقليمي والغربي. والخشية هنا أن تكون فصائل إسلامية في الثورة ميّالة إلى خطاب الدولة الإسلامية ونموذجها المتخيل، فتجنح إلى خطاب الفتح والأسلمة وفرض الخطاب الشريعي على من يختلف معها.
- تحريك شياطين الخلاف الإثني والمذهبي، خاصة بتحريك الثارات الشيعية المهزومة في كل بلاد الشام.
- إثارة تقسيمات بين من ثار ومن لم يثر ومن سيحكم بشرعية المشاركة في الثورة ومن لم يطلق فيها رصاصة. وهنا سيُخرج كل من قال كلمة ضد بشار رأسه ليطلب وزارة وموقعا، وقد كان هذا الأمر أداة تخريب للربيع العربي. توجد نخب عربية ترغب في دول بها وزير لكل مواطن.
- تحريك قضية الجولان المحتل بغاية المزايدة خاصة من فلول النظام التي لن تندثر بسقوط حزب البعث ورأس النظام. وهي القضية التي لم يطلق فيها النظام رصاصة واحدة منذ العالم 1973، وقد وضع الكيان رجله في ما خلف خط الهدنة لسنة 1974 ليحرك شيطان المزايدة بالتحرير.
- سيكون للوضع الاقتصادي المنهار أثر بالغ في تعطيل عملية الترميم والاستنهاض لحين استعادة قيمة العملة باستبدالها أو بتقويتها، والخروج من هامش الاقتصاد التركي خاصة في المناطق المتاخمة. وهذا شيطان خبيث يمكن استعماله لتثوير الناس ضد الفصائل التي قد تكون تملك شجاعة القتال دون خطة فعالة لنهوض اقتصادي سريع دون الخضوع للابتزاز.
من هذه البوابات سيتخذ الكيان (وخط التطبيع العربي المعادي للديمقراطية) مداخل بهدف واضح ألّا تستقر سوريا أبدا، وأن تفتح فيها جبهات تشابك أهلي وصراعات موضعية تمنع كل اتجاه نحو حالة سلام طويلة يتخذها الثوار قاعدة لبناء بلد حر وديمقراطي. إن الفوضى بعد نظام الأسد هدف صهيوني يسمح له بالإملاء وحتى التدخل العسكري المباشر.
لسنا نعلّم من حمل السلاح بشجاعة ما عليه فعله، ولذلك نتخيل أن لهم صورة عن هذه الاحتمالات، فإن وقعوا في أخطاء الربيع العربي الأولى فسيطول عليهم طريق بناء الديمقراطية.
الديمقراطية في سوريا تعد بتغيير استراتيجي
نرى الصعوبات القائمة أمام ترسيخ الثورة على الأرض والتحول الضروري من الثورة إلى الدولة، وهو الأمر الحتمي الذي كلما تأخر خلق صعوبات إضافية. لكن لا بد من ترسيخ فكرة قادمة هي أن الديمقراطية في الطريق
فشل الربيع العربي في مصر وشمال أفريقيا قدم لنا دروسا، محاذير يمكن التعلم منها. وأهم درس هو أن الديمقراطية مخيفة لقوى الهيمنة، وهذا درس قديم يتجدد في كل لحظة حرية ولن تشذ تجربة جديدة في سوريا عن ذلك. وبقين صارم نكت: لقد خُرِّبت الثورة السورية لقطع هذا الاحتمال في بلاد الشام. ولكن الاحتمال يعود ويثير الخوف ثانية لا في الكيان وداعميه، ولكن في الجوار الإقليمي. هل تحسن المعارضة السورية (الدولة الجديدة) الاستفادة من أخطاء من تصدى للحكم في الربيع العربي، إنه درس متاح وقد دفع ثمنه؟
سؤال على طاولة الحكم الجديد كيف ستنقذ الثورة بلدها من الاستدراج للتطبيع مقابل المساعدات، وتنقذ شرف الثورة من أن تكون ضمن أجندة تطبيع وتقسيم المقسم في (أفق إسرائيل الكبرى) بتنا نسمع أيتام البعث والمحرومين من الفستق الإيراني يرددونها كلازمة.
غني عن القول أن كل من تحمس للثورة السورية وتعاطف مع السوريين سيعاني هذه السردية لزمن طويل، كما لو أن نظام بشار قد حارب فعلا ولم يكتف بجملة "في الوقت والمكان المناسبين".
نرى الصعوبات القائمة أمام ترسيخ الثورة على الأرض والتحول الضروري من الثورة إلى الدولة، وهو الأمر الحتمي الذي كلما تأخر خلق صعوبات إضافية. لكن لا بد من ترسيخ فكرة قادمة هي أن الديمقراطية في الطريق، وهي تهدد بقدر ما تعد. الوعد لأهل الأرض، والخوف سيظهر في الجوار ويعبر عن نفسه بالكيد والتخريب.
هنا ستعاني الثورة السورية أكثر من معاناتها نظام بشار المخلوع الهارب، وعلى القيادة أن تنظر مليا في أخطاء مصر وتونس وليبيا وتتجاوزها بحكمة من يحسن قراءة التجارب التاريخية، فالفشل درس مفيد دوما.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الديمقراطية الربيع العربي الثورة الأسد سوريا الربيع العربي الأسد الثورة الديمقراطية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورة السوریة الدیمقراطیة فی أن الدیمقراطیة الربیع العربی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
عبدالله آل حامد: الإعلام العربي شريك في بناء مستقبل يعزز قيم التعايش والتسامح
استضافت أبوظبي، مساء أمس الإثنين، اجتماع الدورة العشرين للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب، بحضور عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، وسلمان الدوسري، وزير الإعلام في المملكة العربية السعودية، رئيس المكتب التنفيذي، ووزراء الإعلام في الدول العربية الأعضاء في المكتب.
ونقل عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، في كلمته الافتتاحية، تحيات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، للمشاركين، وتمنياته بنجاح الاجتماع.
وأكد أهمية العمل الإعلامي العربي المشترك في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة، مشيراً إلى ضرورة تقديم خطاب إعلامي يعكس هوية الشعوب العربية، ويعبر عن طموحاتها، ويعزز قيم التسامح والتعايش.
وأضاف أن لقاء اليوم يأتي من أجل صناعة إعلام عربي مبني على المعرفة والابتكار، يحترم التنوع ويواجه التحديات، ويُبرز إنجازات المنطقة وقصص نجاحها، مؤكداً أن الاستثمار في تطوير محتوى إعلامي احترافي، وتعزيز حضور الإعلام العربي على الساحة الدولية، يعد ضرورة ملحة في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها القطاع الإعلامي عالمياً.
وشدد عبد الله آل حامد على أن تبني التكنولوجيا الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، أصبح عنصراً إستراتيجياً لتطوير الإعلام العربي، مؤكداً أن هذه التقنيات تتيح للمؤسسات الإعلامية تقديم محتوى دقيق، وذي صلة بالجمهور، ما يعزز من تنافسية الإعلام العربي على المستوى العالمي.
وأوضح أن الإعلام اليوم يتجاوز نقل الأخبار ليصبح أداة لتحقيق التنمية المستدامة، مشيراً إلى أهمية تنفيذ الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030، التي تعكس التزام الدول العربية بتسليط الضوء على القضايا التنموية.
وأكد التزام دولة الإمارات بدعم العمل الإعلامي العربي المشترك، مشيراً إلى أن الدولة ستظل شريكاً فاعلاً في تعزيز التكامل الإعلامي بين الدول العربية، بما يسهم في بناء مستقبل إعلامي يعبر عن مصالح الشعوب.
وأشار إلى أهمية إعداد خبراء إعلاميين عرب قادرين على إيصال رسالة إعلامية يفهمها العالم الخارجي، خاصة في ظل وجود تشويه لبعض القضايا العربية على الساحة الدولية.
وأكد عبد الله آل حامد، أن الإعلام العربي يحمل رسالة سامية تتجاوز الكلمة والصورة، ليصبح شريكاً في بناء مستقبل مشرق يعزز قيم التسامح والتعايش، ويغرس بذور الأمل والتفاؤل في نفوس الشعوب، داعياً إلى توحيد الجهود لتحقيق إعلام عربي مستدام يعكس طموحات المنطقة، ويخدم تطلعات شعوبها.
من جهته أكد السفير أحمد رشيد خطابي، الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الإعلام والاتصال بجامعة الدول العربية، أن الدورة العشرين للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب، التي تستضيفها دولة الإمارات، تأتي في إطار تعزيز التعاون الإعلامي العربي لمواكبة التحولات المتسارعة التي تشهدها صناعة الإعلام.
وأشاد بتنظيم الحدث من قبل مجلس الإمارات للإعلام، برئاسة عبد الله بن محمد آل حامد، الذي قدم نموذجاً متميزاً في الاستضافة وحسن التنظيم.
وأشار خطابي إلى أن الاجتماع ركز على تطوير منظومة الإعلام العربي، استناداً إلى توصيات اللجنة الدائمة للإعلام، حيث تم استعراض مبادرات تهدف إلى تحديث ميثاق الشرف الإعلامي، وتطوير الخريطة الإعلامية، ومواجهة التحديات البيئية والتقنية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الشركات الرقمية العالمية لوضع رؤية مشتركة تخدم الإعلام العربي.
وقال إن الاجتماع شهد نقاشات مكثفة حول أهمية تأهيل الإعلاميين وصناع المحتوى في ظل التطورات المتسارعة لتكنولوجيا الاتصال والذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن تعزيز الابتكار والمهنية الإعلامية أصبح ضرورة لمواكبة المتغيرات وتحقيق إعلام عربي متطور ومؤثر.
وأضاف أن من بين القضايا المطروحة أيضاً تعزيز الإعلام التنموي، من خلال إستراتيجيات تدعم التنمية المستدامة، وتسلط الضوء على الجهود العربية في هذا المجال، مشيداً بالدور الكبير الذي تلعبه المنظمات والاتحادات الإعلامية في إثراء النقاش وتقديم مبادرات عملية تخدم الإعلام العربي.
وأعرب خطابي عن شكره لدولة الكويت على دعمها لجائزة التميز الإعلامي لعام 2025 تحت شعار "الشباب والإعلام الجديد"، مؤكداً أن هذه الجائزة تمثل رافداً مهماً لتحفيز الكفاءات الإعلامية الشابة وتعزيز التوجه نحو إعلام أكثر حداثة وتعددية.
وبحث اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب، مستجدات خطة التحرك الإعلامي في الخارج، وموقع اللجنة العربية للإعلام الإلكتروني، ودور الإعلام العربي للتصدي لظاهرة الإرهاب، والخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.
كما ناقش الاجتماع اتخاذ الخطوات الهادفة لاستكمال ملف التفاوض مع شركات الإعلام الدولية، ومواصلة الجهود الرامية لنشر الثقافة الإعلامية البيئية، وتعزيز الجودة والتميز المهني الإعلامي وتعزيز قدرات الإعلاميين العرب.