13 ديسمبر، 2024
بغداد/المسلة:
مستقبل الاقتصاد السوري في ظل التحرير بين اعادة الاعمار والعقوبات
حوراء الياسري
الاقتصاد في سوريا صعب ومعقد، ويتأثر بالعديد من الأمور مثل النزاعات، الأوضاع الأمنية، العقوبات، وعمليات إعادة البناء. وهناك بعض المؤشرات المهمة التي تحدد طبيعة الاقتصاد السوري في القريب المنظور
*الاستقرار الامني
عندما تنخفض حدة النزاع في بعض المناطق، قد تبدأ سوريا في التركيز على جهود إعادة البناء، وهذا يحتاج إلى استثمارات كبيرة ومساعدة من الدول الأخرى.
يمكن أن تعمل الحكومة السورية الجديدة على جذب المستثمرين الأجانب، خصوصًا في المجالات المهمة مثل الطاقة والمشاريع الأساسية.
*التأثيرات الاقتصادية في المنطقة
*العلاقات مع الدول القريبة، خاصة مع دول الخليج أو تركيا، يمكن أن تؤثر في الاقتصاد في سوريا.
*العقوبات الاقتصادية
العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على الحكومة السورية قد تستمر في إعاقة الاقتصاد، لأنها تؤثر في التجارةوالاستثمار.
*الأوضاع المعيشية
الأزمة الاقتصادية الحالية تقلل من فرص الحياة لدى الناس، مما يؤثر في استهلاكهم والنمو الاقتصادي.
*اقتصاد الظل ” الكبتاغون “
بما في ذلك تجارة الكبتاغون، يؤثر إلى حد بعيد على الاقتصاد السوري، خاصة في الأوقات الصعبة التي تعيشها البلاد.
هذه التجارة وغيرها من الأنشطة غير القانونية تساهم في دخول عملة صعبة إلى البلاد، وهذا يمكن أن يعطي تأثيرًا جيدًا لفترة وجيزة عن طريق زيادة الأموال المتاحة في السوق المحلي.
يمكن أن يؤثر اقتصاد الظل على الاقتصاد الرسمي بشكل سلبي، حيث تتجنب الكثير من الشركات دفع الضرائب أو الالتزام بالقوانين. وهذا يقلل من إيرادات الحكومة، ويؤثر على نحو سيئ على الخدمات العامة.كما ان تجارة الكبتاغون وتهريب المخدرات تزيد الفساد في الحكومة والأمن. هذا الفساد يمكن أن يضعف الدولة أكثر، ويستمر في الاقتصاد غير القانوني.
بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية وصحية كبيرة. فهي تزيد نسبة الإدمان والجرائم، مما يؤثر سلباً على المجتمع والاقتصاد.
يمكن ان تستفيد الجماعات المسلحة من الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، مما يساعد على استمرار النزاع وعدم الاستقرار. هذا يعرقل جهود إعادة البناء والتنمية الاقتصادية الشاملة.لذا، على الرغم من أن اقتصاد الظل قد يقدم بعض المكاسب المالية السريعة، إلا أن نتائجه على المدى الطويل تعتبر خطيرة وغير قابلة للاستمرار. كل هذه المؤشرات تؤثر بشكل رئيسي على اهم ملف من ملفات الحكومة السورية الجديدة وهو ملف إعادة الإعمار،حيث تشهد العديد من المدن والمناطق في سوريا حاجة ماسة إلى إلى إعادة بناء أساسياتها مثل المنازل والطرق والخدمات العامة.
ان مستقبل إعادة الإعمار في سوريا يعتمد على الاستقرار السياسي والأمني ،والتمويل، كما اسلفنا ليتسنى للحكومة الجديدة ان تحقق تقدمًا في هذا المجال،حيث ان استمرار النزاعات، أو ظهور توترات جديدة،يعيق جهود الإعمار وستتأثر سلبًا. اما بخصوص التمويل قد يكون من الصعب الحصول على هذه الأموال؛ بسبب العقوبات الاقتصادية على النظام السوري.
لذا لابد من رفع العقوبات المفروضة على سوريا
لفتح المجال امام الاستثمار الأجنبي الذي سيكون مهمًا لجذب الأموال المطلوبة لإعادة البناء، ولكن يجب تغيير السياسات والظروف الاقتصادية لجذب المستثمرين.
ومنظمات المجتمع المدني الدولية التي توفر الدعم الإنساني ويجب أن تترافق جهود إعادة الإعمار مع تقديم المساعدة الإنسانية للسكان الذين تأثروا بالصراع. وهذا يحتاج إلى تنسيق كبير بين المنظمات الدولية والدول التي تقدم الدعم.
أهم الدول الداعمة لعملية إعادة الإعمار هي روسيا بكل تأكيد بشكل عام، تسعى روسيا لتحقيق مجموعة من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية في سوريا، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية.
تتجاوز طموحات روسيا في الاستثمارات في سوريا الأهداف العسكرية والسياسية لتشمل عدة قطاعات اقتصادية واستراتيجية.
واهم تلك القطاعات هو النفط: تمتلك روسيا استثمارات في قطاع النفط السوري، حيث تعمل شركات روسية مثل “زاروبيج نفط” في مجال التنقيب والإنتاج. تعتبر سوريا بوابة محتملة لتصدير النفط إلى أوروبا.
الغاز: هناك اهتمام كبير بالاستثمار في احتياطيات الغاز البحرية في البحر المتوسط، مما يعزز من إمكانية تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر سوريا.
بعد استقرار الاوضاع، ستتحول سوريا إلى ساحة واسعة لإعادة الإعمار، وقد تسعى روسيا للحصول على عقود لبناء البنية التحتية، وتجديد المحطات الكهربائية، وتنفيذ المشاريع السكنية.
وتمتلك سوريا احتياطات ضخمة من الفوسفات، وهناك استثمارات روسية في هذا المجال، خصوصاً في الاستخراج والتصدير.
كما توجد تجربة مبكرة للاستثمار الروسي في الأراضي الزراعية السورية، حيث تهدف روسيا إلى استغلال الأراضي الخصبة لتصدير المنتجات الزراعية. أما بالنسبة للموانئ، فإن ميناء طرطوس يعتبر ذا أهمية استراتيجية كقاعدة للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، مما يعزز من نفوذ روسيا عسكرياً واقتصادياً. كما تبذل روسيا جهوداً لتعزيز اللغة والثقافة الروسية في سوريا، مثل افتتاح المدارس الروسية، مما يعكس اهتماماً بالاستعمار الثقافي بجانب الاستثمارات الأخرى.
اما الصين هي الاخرى لديها الرغبة في الاستثمار في سوريا، ولكن هذه الرغبة تتأثر بذات العوامل،السياسية والاقتصادية والأمنية. تطمح الصين لتعزيز مبادرة “الحزام والطريق”، من خلال الاستثمار في البنى التحتية والموانئ حيث تمثل موانئ مثل طرطوس واللاذقية أهمية استراتيجية لتوسع الصين في البحر الأبيض المتوسط ، كما يمكن ان تبدي الصين اهتمامًا بالمساهمة في جهود إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية، خاصة في المناطق التي تم تحريرها.
بالرغم من أن سوريا ليست دولة رئيسية في إنتاج النفط، إلا أن هناك اهتمامًا بالاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة. تسعى الصين لإنشاء منطقة صناعية مشتركة في سوريا، مما يدل على رغبتها في تعزيز التجارة والصناعة بين البلدين.
ومع ذلك، يواجه الاستثمار الصيني في سوريا تحديات كبيرة مثل العقوبات الأمريكية والأوضاع الأمنية غير المستقرة، مما يحد من إمكانية تنفيذ المشاريع الكبيرة في الوقت الحالي. بشكل عام، ترى الصين في سوريا فرصة لتعزيز نفوذها الاقتصادي في الشرق الأوسط، لكن تنفيذ هذه الخطط معقد ويعتمد على تطورات الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة.
وكما نتوقع أن تتبوأ دول الخليج الكبرى دورًا بارزًا في استثماراتها في سوريا من خلال ملف اعادة الإعمار من خلال امتلاك دول مجلس التعاون الخليجي وبالخصوص السعودية والامارات خبرات غنية في مجال إعادة الإعمار، مما يمكنها من المساهمة في البناء والتطوير للبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والموانئ والمطارات والمنشآت العامة والمساكن.
اما في مجال الاستثمارات في الطاقة والموارد الطبيعية واهمها النفط والغاز هناك اهتمامًا متزايدًا من دول الخليج لاستغلال احتياطيات النفط والغاز، خاصة بعد تحرير المناطق من السيطرة السابقة.
واما الخدمات والسياحة يمكن أن تُعيد سوريا إحياء مكانتها كوجهة سياحية تاريخية، مما يفتح آفاقاً استثمارية لدول الخليج، التي تمتلك خبرات واسعة في تطوير المنتجعات والفنادق.
وبخصوص الخدمات المالية يتطلب بناء قطاع مالي قوي في سوريا جذب البنوك والشركات الخليجية، التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تمويل مشاريع الاستثمار.
ومن المتوقع أن تقدم دول الخليج مساعدات اقتصادية تهدف إلى تعزيز الاستقرار، مما يسهم في جذب الاستثمارات الجديدة وتحسين بيئة الأعمال.
ويمكن أن يكون تعزيز النفوذ الإقليمي عبر الاستثمارات هدفاً استراتيجياً، حيث تسعى دول الخليج لمواجهة أي تأثير إيراني أو غيره في سوريا بعد انتهاء حكم الأسد.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الاستثمارات تعتمد بشكل كبير على الاستقرار السياسي الجديد في سوريا، ورفع العقوبات الدولية، بالإضافة إلى الوضع الأمني. كما أن الهدف النهائي لدول الخليج قد يكون تعزيز نفوذها الإقليمي وتحقيق توازن القوى في المنطقة.
واما دور العراق في الاقتصاد السوري في المستقبل القريب سيكون متنوعًا ومعقدًا بسبب العلاقات الجغرافية والسياسية والاقتصادية بين البلدين.
حيث لوحظ في السنوات الأخيرة ان التبادل التجاري بين العراق وسوريا محدود نسبيًا. وتشير البيانات إلى أن صادرات سوريا إلى العراق في عام 2023 لم تتجاوز 58 مليون دولار، بينما كانت صادرات العراق إلى سوريا حوالي 27 مليون دولار. هذا يدل على أن التجارة ليست لها تأثير كبير على الاقتصاد السوري في الوقت الحالي، ولكن قد تكتسب أهمية في المستقبل مع تطورات الوضع السياسي.
واما العلاقات المصرفية والاستثمارية توضح المؤشرات ان العلاقات المصرفية بين البلدين غير موجودة نتيجة العقوبات المفروضة على سوريا، مما يعيق الاستثمارات العراقية المباشرة في سوريا. ومع ذلك، هناك بعض الخطط الاستثمارية العراقية الطموحة لمستقبل العلاقات، مثل تصدير الطاقة والاستيراد من البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا.
وبسبب النزاع المستمر في سوريا، يمكن أن يؤدي أي تحسن في الوضع السياسي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع العراق، خصوصًا في مجالات مثل الطاقة والزراعة. الأوضاع غير المستقرة في سوريا قد تؤثر على تكاليف النقل والشحن، مما ينعكس على أسعار السلع المستوردة بين البلدين.
وكما يمكن أن يسهم الاستقرار الأمني في سوريا في تعزيز التجارة مع العراق، خاصة في المناطق القريبة من الحدود. وقد يكون لهذا تأثير إيجابي على الاقتصاد السوري من خلال زيادة الاستيرادات والصادرات وتعزيز الاستثمارات المشتركة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الاقتصاد السوری فی إعادة الإعمار إعادة البناء على الاقتصاد الاستثمار فی بین البلدین دول الخلیج جهود إعادة فی سوریا من خلال یمکن أن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن أن تلتقي إيران مع إسرائيل ضد تركيا في سوريا؟
عندما أطاح الثوّار في سوريا بنظام الأسد، نسفوا بذلك هيكلاً عمل الإيرانيون على بنائه منذ ما يقارب النصف قرن، وأتاح لهم إختراق العالم العربي وبث الطائفية والفرقة والخلاف والاقتتال والدمار في المنطقة، حيث تحوّلت سوريا الى منصّة إنطلاق لمشروعهم التوسّعي تحت شعار مقاومة إسرائيل وإخراج الأمريكيين من المنطقة.
وعليه، ليس هناك مبالغة في القول إنّ إيران كانت أكبر الخاسرين في سوريا بعد أن كانت سياساتها قد ادّت الى تدمير البلاد بشكل كامل، وقتل قرابة مليون سوري، وتشريد أكثر من نصف سكّان البلاد، حوالي 12 مليون في كل أنحاء الأرض. لكن، وبدلاً من أن يعترفوا بالهزيمة، ويعيدوا التفكير في سياساتهم، ويتصالحوا مع الشعب السوري، ويعتذروا عن مجازرهم ويعوّضوا السوريين، بدؤوا بالبحث سريعاً عن طرق لتخريب المرحلة الانتقالية في سوريا ودفعها الى مزيد من الخراب.
المشكلة أنّهم لم يخفوا ذلك كما ناقشتُ في المقال السابق في عربي 21، لكن الجديد انّهم يريدون أن يكون التخريب مشتركاً بالتعاون مع الولايات المتّحدة ومع إسرائيل بالتعبيّة كي يعيد ترميم العلاقة ويحمي نظامهم بعد أن إنهارت استراتيجية الدفاع المتقدّم التي كانوا يتّبعونها. ويقترح الإيرانيون حالياً أن يتم دعم الأقليات في سوريا مع تحديد المكّون الكردي المسلّح كهدف لأنّه يرتبط بكل من أمريكا وإسرائيل وباستطاعة مثل هذا الدعم للميليشيات الكردية الإرهابية أن يؤمّن كذلك أجندة مشتركة لإيران مع الولايات المتّحدة ضد تركيا.
إنّ إيران كانت أكبر الخاسرين في سوريا بعد أن كانت سياساتها قد ادّت الى تدمير البلاد بشكل كامل، وقتل قرابة مليون سوري، وتشريد أكثر من نصف سكّان البلاد، حوالي 12 مليون في كل أنحاء الأرض.ولكن وكما هو معلوم، فقد شدّد ترامب خلال دورته السابقة على ضرورة إنسحاب القوات الامريكية من سوريا، وهو يرى أنّ دعم هذه الميليشيات الكردية الانفصالية أمر غير صائب وغير مجدي ويقوّض المصالح المشتركة مع دولة قوية في المنطقة كتركيا. ولأنّ التوقعات تشير الى انّ ترامب لا يزال متمسكاً بموقفه وأنّه سيسير في هذا الإتجاه ما أن يستلم السلطة في هذه الدورة، عملت ميليشيات "واي بي جي" الكردية حثيثاً للبحث عن كفيل آخر، وقد تقاطع ذلك مع جهود إسرائيل وإيران لتقويض موقع ودور تركيا.
ولذلك، فقد تواصلت إسرائيل مع المليشيات الكردية منذ العام 2019 على الأقل وذلك وفقاً لتصريح نائب وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك تزيبي هاتوفلي متزامنة مع تعهد من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدعم الميليشيات الكردية في وجه ما اسماه الغزو التركي. وبخصوص إيران، كشف وزير الدفاع التركي يشار جولّير في مقابلة مع صحيفة ملييت التركية في مايو 2024، عن أنّ بلاده كانت تزود إيران بأماكن تواجد عناصر حزب العمّال الكردستاني عند تنفيذهم عمليات في تركيا وعبورهم الى الجانب الإيراني وذلك من أجل إستهدافهم، لكنّ طهران كانت تمتنع عن الإستهداف متذرّعة بأنّه لا يوجد مقاتلين على أراضيها في الأماكن التي تم تحديدها، الى أن فاجأهم الجانب التركي بصور جوّية لاحقاً تثبت بطلان الإدعاءات الإيرانية.
بعد الإطاحة بنظام الأسد في شهر ديسمبر من العام الماضي، تسارعت وتيرة التصريحات الإسرائيلية الداعمة للميليشيات الكردية والمهاجمة لتركيا، وكان ذلك مؤشراً على أن الجانب الإسرائيلي سيتولى مهمة دعم الميليشيات الكردية في حال إنسحاب القوات الأمريكية، حتى أنّ اللوبي الإسرائيلي مارس نفوذه مؤخراً مما دفع اعضاءاً من الكونجرس باعداد مشروع قانون ينصل على سلسلة من العقوبات التي يمكن فرضها على تركيا في حال فكّرت في اغتنام الفرصة ومهاجمة الميليشيات الكردية.
وبموازاة ذلك، خرج مهدي خان علي زاده، وهو مسؤول إيراني يشغل منصب مدير موقع قناة "برس تي في" الحكومية ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة له، والمستشار الأول للرئيس التنفيذي للقناة، ليقول أنّه "يجب على إيران أن تتعاون مع الولايات المتحدة في سوريا، تمامًا كما فعلت من قبل في العراق، وذلك من خلال دعم وحدات حماية الشعب الكردية ]ميليشيات "واي بي جي" الإرهابية[". سأله المذيع عندها: "ضدّ من؟"، فأجاب مهدي: "ضد تركيا".
مثل هذا المقترح هدفه اضاعف سوريا الجديدة ما بعد الأسد من خلال توظيف واستخدام ودعم الأقليات وتقويض دور ونفوذ تركيا الإقليمي. المسؤول الإيراني ليس لديه حرج في أن يقول ذلك بشكل علني، فبعد أن كانوا ولا يزالوا يدعمون الطائفية والمذهبية والعنصرية علناً من خلال بعض الأقليات المذهبية، يفعلون نفس الشيء الآن باستخدام الأقليات العرقيّة.
المقطع التلفزيوني الخاص بمهدي تمّ تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي العربية والتركية على وجه الخصوص ما دفع الإعلامي الإيراني علي علي زادة الى القول في تغريدة له أنّ هذا التصريح أعطى خصوم إيران دليلا إضافيا لاتهام إيران وقائدها بالنفاق، ودليلا إضافيا على أنّ إيران تتعاون مع أمريكا لضرب الحكومات الإقليمية في وقت يدعو قائدها الى الوحدة الإسلامية والى إخراج أمريكا من المنطقة، مشيراً الى أنّ هكذا تصريحات تحرق مصالح إيران وتجعلها دولة مكروهة بشكل أكبر في الإقليم، ناصحاً المسؤولين الإيرانيين أن يناقشوا مثل هذه الأمور خلف الأبواب المغلقة وفي مراكز الأبحاث والدوائر الخاصة وليس على التلفزيونات.
لكن في الأول من يناير 2025، تم بث مقابلة متلفزة أخرى مع محمد حسين عادلي، وهو سياسي إيراني و دبلوماسي سابق، وخبير اقتصادي، واستاذ جامعي، قال فيها أنّه" خلال الـ20 عاماً الماضية، كان لدينا ]إيران[ خلافات مع الولايات المتّحدة الأمريكية في المنطقة، لكن كان لدينا أيضاً مصالح مشتركة مثيرة للإهتمام مع الولايات المتّحدة الأمريكية، كاسقاط نظام طالبان في أفغانستان وصدّام في العراق، الأمر الذي أفضى الى نوع من التعاون. لذلك، نحن لدينا اليوم الكثير من المصالح المشتركة مع الولايات المتّحدة في المنطقة. يضيف عادلي "خذ في عين الإعتبار أنّ العلاقة بين إيران والولايات المتّحدة الامريكية قد تمّ اخذها كرهينة من قبل عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، ويجب علينا ألاّ ندع هؤلاء اللاعبين يحدّدون شكل ودرجة العلاقة التي تربط بين إيران والولايات المتّحدة الأمريكية".
بعد الإطاحة بنظام الأسد في شهر ديسمبر من العام الماضي، تسارعت وتيرة التصريحات الإسرائيلية الداعمة للميليشيات الكردية والمهاجمة لتركيا، وكان ذلك مؤشراً على أن الجانب الإسرائيلي سيتولى مهمة دعم الميليشيات الكردية في حال إنسحاب القوات الأمريكيةفي 3 يناير، قالت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية، إن وزير الخارجية، جدعون ساعر، أجرى محادثة هاتفية مستفيضة مع مسؤولة العلاقات الخارجية في القوات التي تقودها ميليشيات "واي بي جي" الكردية، إلهام أحمد. وخلال محادثاتهما، إدّعت إلهام أنّ هناك اعتقالات تعسفية بحق الأكراد وإعدام لمواطنين أكراد من قبل الحكومة السورية الجديدة ، على حد زعمها. وأشارت الصحيفة، إلى أن الحوار بين إسرائيل وهذه الميليشيات موجود منذ فترة، لكنه بات أقوى بعد سقوط نظام الأسد.
وبالتوازي مع التنسيق الإسرائيلي، نشرت تقارير إعلامية في 5 يناير خبر لقاء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني مع المدعو مظلوم عبدي، قائد ميليشيات "واي بي جي" الكردية المنضوية تحت قسد والتي تعتبر فرعاً من حزب العمّال الكردستاني الإرهابي، وذلك في السليمانية في العراق.
تبع ذلك تعليق متلفز لنائب وزير خارجية إسرائيل في 7 ينابر 2025، قال المسؤول الإسرائيلي فيه أنّ على المجتمع الدولي ان يجعل مطلب حماية الأقليات في سوريا على رأس المطالب أثناء لقائهم مع قادة سوريا الجدد. وبالنسبة الى الأكراد، أشار الوزير الإسرائيلي الى أنّه يجب ان نأخذ بعين الاعتبار أنّ تركيا تحتل 15% من شمال سوريا وأنّ للأتراك ميليشياتهم وهم يهاجمون الأكراد واستقلاليتهم ويقتلونهم ويقصفونهم. على المجتمع الدولي أنّ يدعو تركيا الى وقف هذا العدوان والقتل.
ما يمكن استنتاجه من كل هذا هو أنّ إيران تأخذ خيار التعاون مع واشنطن في سوريا ضد تركيا بعين الإعتبار على غرار التعاون الذي أنشأته مع واشنطن في أفغانستان والعراق، وحقيقة إيران وإسرائيل تريدان أيضاً نفس الهدف لأسباب مختلفة يعني أنّ تقاطع المصالح بينهما قائم، والاجماع على دعم ميليشيات "وا بي جي" هو بمثابة عامل ميسّر لهذا التقاطع تماماً كما كان عليه الأمر في محاربة "الإرهاب". هل ستنجحان في ذلك؟ سؤال سيبقى مفتوحاً إلى حين.