سُمنة الأطفال… هل يقع اللوم على الوالدين؟
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
في تقريره الأخير الصادر خلال العام الحالي، أبدى الاتحاد العالمي للسُّمنة قلقه من ارتفاع معدلات السمنة في العالم، خاصة بين الأطفال، وأوضح أن أكثر من 208 ملايين طفل و 175 مليون طفلة، سيعانون من زيادة الوزن بحلول 2035.
وتتعدّد أسباب الإصابة بالسمنة، ولكن إذا استثنينا الأسباب البيئية والوراثية وبعض الأمراض المسببة لها، فمن يكون المسؤول عن سمنة الأطفال؟ وهل يتحمل الآباء مسؤولية بدانة أطفالهم؟
عادات الأكل السيئة تبدأ من المنزلوجّهت العديد من البحوث العلمية أصابع الاتهام إلى الآباء، فالأطفال يكتسبون العادات الغذائية غير الصحية من بيئتهم، وفي هذا الصدد، كشفت دراسة أميركية، شملت أكثر من 24 ألف طفل ونشرتها المجلة الطبية البريطانية في يوليو/تموز 2018، أن النمط الغذائي الصحي للأمهات يرتبط بانخفاض معدلات الإصابة بالسمنة لدى أطفالهن، وأن الأطفال لأمهات يتمتعن بمؤشر كتلة جسم طبيعي، كانوا أقلّ عرضة للإصابة بالسمنة بنسبة 75% مقارنة بأطفال الأمهات اللائي اتبعن نمطًا غذائيًا غير صحي.
وهو ما أكدته دراسة أخرى أجراها مركز الأبحاث الصحية بجامعة كاليفورنيا في 2009، وتوصلت إلى دور الوالدين في إصابة أطفالهم بالسمنة، بعد أن اتضح للباحثين أن الأطفال يميلون إلى تناول ما يأكله الوالدان، ووجدت الدراسة أن المراهقين أكثر عرضة لتناول ما لا يقل عن 5 حصص من الفاكهة والخضروات يوميًا كما يفعل آباؤهم، وعلى العكس من ذلك، فإن 40% من المراهقين المنحدرين من والدين يفضلان الوجبات السريعة، أو يواظبان على المشروبات الغازية، فإنهم يتبعون السلوك نفسه.
وأشار المسح الصحي في إنجلترا لعام 2017، أن الأطفال الذين يعيشون مع والدين يتّسمان بالبدانة تزداد نسبة إصابتهم بالسمنة، بمعدل 3 أضعاف الأطفال الذين يعيشون مع والدين يتمتعان بوزن طبيعي، وشمل المسح 8000 من البالغين و2000 طفل، وللمرة الأولى اعتُمد تحليل العلاقة بين وزن الوالدين والطفل، وإجراء مقارنات لأنماط حياة الأطفال مع والديهم.
وأظهر المسح أن نحو 28% من أطفال الأمهات البدينات عانوا -كذلك- من زيادة الوزن، مقارنة مع 8% من أطفال الأمهات اللاتي لا يعانين من زيادة الوزن، أما فيما يخص الآباء البدناء، فقد قدّر المسح أن نحو 24% من أطفالهم قد أصبحوا من البدناء -أيضًا- مقارنة بنسبة 9% فقط ممن يتمتع آباؤهم بوزن صحي، وحسب المسح فإن حوالي نصف الآباء اعتقدوا أن طفلهم البدين يتمتع بوزن صحي.
وفي 2012، أظهرت دراسة علمية نُشرت في الصحيفة الرسمية للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، أن الضغوط الأبوية المتعددة؛ مثل: المرض العقلي والوضع الوظيفي والضغوط المالية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بخطر إصابة الطفل بالسمنة، وإقباله على الوجبات السريعة.
السمنة إساءة للطفلوينقل موقع "إندبندنت" عن نيك ميتشل، أحد أشهر مدربي اللياقة البدنية حول العالم، تعليقه بأن السمنة هي أسوأ بداية في حياة أي طفل، ويقول "إصابة طفلك بالسمنة ما هو إلا شكل من أشكال الإساءة الموجّهة نحو الأطفال، ولا يختلف عن السماح لطفلك بالتدخين أو تعاطي المخدرات، غير أنه في الحالة الثانية ستعرّض نفسك للمساءلة القانونية".
ويقول المتخصص في أمراض الكبد، دكتور جوزيف غالاتي لموقع "هيلث أون لاين"، إنه يتفهم رغبة الوالدين في توفير الأفضل دائمًا لأطفالهم، ولكن كثيرًا من الآباء يصرّون على إطعام أطفالهم كميات كبيرة، ظنًا منهم أنه في كل مرة يبكي الطفل، فإنه بحاجة للطعام، أو يسمحون لأطفالهم بخيارات غذائية سيئة، كأن يسمحوا للطفل بتناول رقائق البطاطس لإبقائه هادئًا في المتجر، مع التساهل في تقديم الحلوى والوجبات الخفيفة معظم الوقت.
ووفقًا لغالاتي، فإن الطفل الذي يعاني من السمنة في الثانية من عمره تزيد فرصة إصابته بها عند البلوغ بنسبة 50%، وبذلك يهيئ الآباء أطفالهم لحياة صعبة، من خلال مزيج من عادات الأكل السيئة، والقليل من النشاطات البدنية، التي تخلّف وراءها كثيرًا من الأمراض في سن مبكرة؛ مثل: السكر والضغط والكبد والقلب والسرطان.
وفي سبيل الحدّ من تفاقم وباء السمنة بين الأطفال، ثمة مجموعة من "الإستراتيجيات" التي يقدّمها الخبراء والمتخصصون، ويمكن أن يعتمدها الوالدان؛ ومنها:
استبدال حبوب الأطفال المحلاة والوجبات الخفيفة المصنعة ببدائل صحية؛ مثل: الخضروات والفاكهة والبروتينات الخالية من الدهون. الحدّ من تناول السكريات، فلا يُضاف السكر لطعام الطفل قبل عامين، وبعد ذلك يُراعى ألا يزيد عن 10% من السعرات الحرارية اليومية. تقليص الوقت المخصص للأجهزة اللوحية، وتجنّب وضع جهاز التلفاز في غرفة نوم الطفل، لعدم تناول الطعام أثناء مشاهدة التلفاز، إذ أنه حسب الدراسات يعرّض الطفل لزيادة الوزن بمعدل مرة ونصف المرة. تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة ومشاركته بعض النشاطات الرياضية؛ مثل: الذهاب في نزهة على الأقدام، أو ركوب الدراجات لحرق السعرات الحرارية، وعدم تخزينها في شكل دهون. عدم دفع الطفل لتناول كميات كبيرة من الطعام، حتى يتعلّم الاستماع لجسمه، وإنهاء طعامه بمجرد الإحساس بالشبع. ينبغي للوالدين أن يكونا قدوة مؤثرة لأطفالهما، إذ يميل الأطفال إلى تقليد سلوكيات الوالدين واتباع النمط الغذائي نفسه. تعزيز النوم المنتظم وعدم السهر لتفادي تناول الطعام في الليل، ويحتاج الأطفال من عمر 6 إلى 12 سنة، نحو 9 – 12 ساعة نوم كل ليلة، بينما يحتاج المراهقون من سن 13 حتى 18 سنة، ما بين 8 – 10 ساعات يوميًا. يعدّ الطهو المنزلي الغني بالألياف، أحد أفضل الطرق للتحكم في الدهون والسكريات، ويساعد الطفل على اكتشاف العناصر والفيتامينات المهمة لجسمه، بدلًا من الوجبات الجاهزة الغنية بالمواد الحافظة والأملاح والسكريات. يجب الاهتمام بوجبة العشاء، حيث تشير الدراسات إلى أن وجبة العشاء العائلية المنتظمة، لها فوائد عديدة للأطفال؛ مثل: تحسين عاداتهم الغذائية، وتقوية الروابط الأسرية، وتعزيز الصحة العامة، وتقليل خطر الإصابة بالسمنة، وفي دراسة أجريت على 8550 طفلًا في سن 4 سنوات، فإن الأطفال الذين يتناولون العشاء مع باقي أفراد الأسرة بانتظام، ولديهم وقت محدد للشاشات مع الحصول على النوم الكافي، كانوا أقل عرضة للإصابة بالسمنة بنسبة 40%. استشارة اختصاصي التغذية العلاجية عند الضرورة لقياس كتلة جسم الطفل، والحصول على المشورة الغذائية، وينصح الخبراء بعدم اللجوء للنظام الغذائي المقيد بالوقت لإنقاص الوزن، إذ يؤدي إلى اضطرابات الأكل.المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
فضيحة الاتجار بالبشر في صنعاء.. أدلة متزايدة على تورط جهاز الأمن والمخابرات الحوثي في بيع الأطفال
الصورة تعبيرية
تزايدت حالات اختطاف الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، مما قرع ناقوس الخطر بشأن تفشي ظاهرة الاتجار بالبشر. ومع تزايد الحالات الموثّقة، تتصاعد التساؤلات حول دور الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة للجماعة، خصوصاً بعد تلميحات مسؤول أمني كبير إلى تورط الحوثيين، في ظل شهادات أولياء أمور تحدثوا عن تعرضهم لابتزاز مادي وضغوط نفسية في أقسام الشرطة، بهدف إضعافهم وإيصالهم إلى مرحلة اليأس.
رصدت مصادر حقوقية عشرات حالات اختطاف الأطفال في مناطق الحوثيين منذ مطلع عام 2025، حيث تركزت معظمها في العاصمة المختطفة صنعاء وضواحيها. ومن بين أبرز الحالات، اختفاء الطفل مؤيد عاطف علي الأحلسي (13 عامًا) في حي نقم قبل صلاة مغرب يوم الجمعة 24 يناير، قبل أن تتمكن أسرته من استعادته في منتصف فبراير، تحت ضغط إعلامي وحقوقي غير مسبوق.
وفي السياق ذاته، اختفى الطفل عبد الجبار محمد هادي (14 عاماً) يوم الخميس 2 فبراير بعد خروجه من منزله في الحي نفسه، ليرتفع عدد حالات الاختفاء في حي نقم وحده منذ مطلع العام إلى خمس حالات لأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً.
ولم يكن حي نقم هو البؤرة الوحيدة لهذه الظاهرة، حيث سُجلت حالات اختفاء أخرى في أحياء متفرقة من صنعاء، منها اختفاء الطفل عمرو خالد (12 عاماً) في 12 فبراير بحي "حارة الثلاثين" قرب جامع الكميم، بعد يوم واحد من اختفاء الطفل شداد علي بن علي شداد (10 أعوام) في سوق بني منصور بمنطقة "الحيمة الخارجية" غربي صنعاء.
ورغم قيام أهالي المختطفين بإبلاغ الجهات الأمنية التابعة للحوثيين، مرفقين تفاصيل دقيقة حول الأطفال المختفين، أكدت المصادر أن الجماعة ما زالت تقيد الحالات ضد مجهول، فيما تتجه أصابع الاتهام الحقوقية والأهلية نحو المليشيا نفسها.
مشاهد تمثيلية
أكدت مصادر مطّلعة لوكالة "خبر" أن الحالات التي تم الإبلاغ عنها ليست سوى جزء من العدد الفعلي، حيث تلقت تقارير عن حالات اختفاء أخرى في أحياء مثل الحثيلي، حزيز، شارع هائل، الصافية، وبيت بوس.
وأشارت إلى أن العديد من الأهالي يصابون بالإحباط نتيجة المراوغة والتضليل الذي تمارسه أقسام الشرطة، والتي تتعمد المماطلة حتى يشعر الأهالي بالعجز عن استرداد أطفالهم.
أحد أولياء الأمور، طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من انتقام الحوثيين، أفاد بأنه عند إبلاغه أحد أقسام الشرطة باختطاف ابنه، استمرت المراوغات لأسابيع، حيث زعم الضباط أنهم يجرون عمليات بحث مكثفة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.
وبعد ثلاثة أسابيع من المماطلة، طلبوا منه دفع مبلغ 100 ألف ريال يمني (700 ريال سعودي) تحت ذريعة تغطية تكاليف التحريات والوقود، ليكتشف لاحقاً أن العملية برمتها كانت مجرد تمثيلية، خصوصاً بعد أن تم استدعاؤه لغرض الحديث معه، وأمامه سُلّم طفل لمواطن قالوا إنه والد الطفل وكانت دورية ليلية قد عثرت عليه في أحد الأحياء على مداخل صنعاء، غير أن مشهد التسليم كان بارداً وغير مقنع، حد قوله، مما أثار الشكوك حول تورط الحوثيين في هذه الجرائم.
تواطؤ أمني وابتزاز ممنهج
تزايدت هذه الظاهرة بشكل خطير خلال السنوات الماضية، حيث تصدرت صنعاء وإب قائمة المحافظات الأكثر تضرراً، تليهما حجة، وذمار، والمحويت. وقد وثقت منظمات حقوقية أكثر من 10 حالات اختطاف لأطفال بين 10 و14 عاماً، بينما رفض بعض الأهالي الإبلاغ عن حالات أخرى خوفًا من التوبيخ والابتزاز من قبل أقسام الشرطة، التي تتهمهم بالإهمال بدلاً من التحقيق الجاد في الجرائم.
وتساءلت المصادر الحقوقية: كيف تفشل أجهزة الاستخبارات الحوثية في كشف شبكات الاختطاف، بينما تدّعي باستمرار تفكيك خلايا تجسس لصالح أمريكا وإسرائيل ودول التحالف العربي؟
وأشارت إلى أن عمليات الخطف تتم في الشوارع والأحياء المليئة بالكاميرات، ومع ذلك لا تُستخدم هذه التسجيلات للوصول إلى الجناة، مما يعزز الشكوك حول تواطؤ الحوثيين أو توفيرهم غطاءً لهذه الشبكات.
شبكات سرية وغطاء رسمي
في تصريح خاص لوكالة خبر، ألمح مسؤول أمني كبير في وزارة الداخلية بصنعاء إلى وجود شبكة اتجار بالبشر، غير مستبعد أنها تعمل بسرية تامة تحت إشراف شخصيات نافذة في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
وأوضح المسؤول الأمني، أن هذه الشبكات تتبع آليات ممنهجة، حيث تُخضع الأطفال لجلسات نفسية وتثقيفية بهدف استغلالهم في أعمال محددة، مثل التجنيد القسري، أو تشغيلهم ضمن شبكات التسول، أو حتى بيع أعضائهم.
وأكد أن العصابات تقوم في الأسابيع الأولى بقياس ردة فعل الأهالي والرأي العام، ومن ثم تقرر إما إعادة الأطفال إلى أماكن معينة والتخلي عنهم، أو استكمال استغلالهم وفقاً للمخطط المرسوم لهم.
ورغم رفض المسؤول تأكيد تورط الحوثيين المباشر في هذه الشبكات، إلا أنه ألمح إلى أنهم يستفيدون منها، سواء عبر تجنيد الأطفال أو استغلالهم بطرق أخرى.
ضغط إعلامي واستعادة مختطفين
نجح الضغط الإعلامي والحقوقي في استعادة ثلاث حالات اختطاف على الأقل في صنعاء، أبرزها الطفل مؤيد الأحلسي، الذي تفاعل معه الناشطون بشكل واسع، مما أجبر الخاطفين على إعادته.
كما أثارت قضية الطفل اليمني صقر، الذي ظهر في تسجيل مصور في السعودية وهو يتعرض للضرب من زعيم عصابة تسول يمني، غضباً واسعاً، مما دفع السلطات السعودية إلى التدخل، وإلقاء القبض على الجاني، وضمان رعاية الطفل.
ويرى مراقبون أن هذه الاختطافات قد تكون ذات أهداف مزدوجة، إما بهدف تجنيد الأطفال قسرياً في الجبهات القتالية، أو استغلالهم في تجارة الأعضاء البشرية، غير مستبعدين إرسالهم إلى دول الخليج للعمل ضمن شبكات التسول.
وفي ظل الانهيار الأمني الذي تشهده مناطق سيطرة الحوثيين، يظل الصمت الرسمي وعدم تقديم أي توضيحات حول مصير المختطفين دليلاً واضحاً على التورط المباشر للجماعة، التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم.