صراع عالمى على الساحة السورية
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
المساومات هى لغة المصالح التى تحكم العلاقات السياسية، هكذا على ما يبدو كان أحد أسباب سقوط نظام بشار الأسد، فتناول الحالة السورية يجب أن يكون من ضمن منظور الأحداث الإقليمية والعالمية التى فى مجملها هى حالة من المخاض المتعسر والصعب نتيجة الصراع الشرس ما بين نظام عالمى يرفض التراجع بقيادة أمريكا والغرب ونظام آخر قادم بقوة بقيادة مجموعة بريكس وتتقدمه كلٌ من الصين وروسيا.
فقد أشار المحللون إلى العلاقة بين الملفين السورى والأوكراني، لما يمثله الملفان من تأثير فى صراع النفوذ ما بين النظامين، فالملف الأوكرانى هو ورقة ضغط من الغرب على روسيا التى بدأت استفاقتها منذ سنوات وساهمت فى تشكيل مجموعة بريكس التى ترى أمريكا ونظامها العالم الخطر الحقيقى الذى يهدد وحدانية وجودها بقيادة النظام العالمي، وهنا تأتى أهمية جزيرة القرم التى استولت عليها روسيا فى 2014 كمرتكز هام لطريق الحرير الصينى والتى ستكون البوابة التجارية مع معظم دول الاتحاد الأوربى عن طريق روسيا، ومن ثم يأتى موقع سوريا ذات الأهمية الجيوسياسية فى المنطقة والتى استخدمتها روسيا فى السنوات الأخيرة فى مواجهة مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذى يديره النظام العالمى القائم بقيادة أمريكا والذى يهدف إلى إعادة تموضع إسرائيل لضمان امنها وقوتها تحسبًا لأى متغيرات فى المستقبل القريب والبعيد، من هنا جاءت المساومة على الملفين لفك الاشتباك بين روسيا والغرب.
هنا يلزم تسليط الضوء على عدد من التساؤلات، ما مصير إسرائيل عندما تتراجع أمريكا ومعها النظام العالمى القائم الذى يمثل الضامن الأمنى لها؟ هل يحدث صدام عسكرى بين النظامين القائم والقادم؟ فى حال المساومات السياسية بين النظامين فما هى أنواع تلك المساومات وعلى ماذا تكون؟ هل سيعاد تدوير الربيع العربى مرة أخرى فى دول المنطقة؟ ماذا سيكون وضع مصر مستقبلًا ومساحة تموضعها فى النظام العالمى القادم؟ والسؤال الأخير من سيحكم سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
أولًا. مصير إسرائيل فى حال تراجع الضامن الأمنى لها والمتمثل فى النظام العالمى القائم بقيادة أمريكا، سيكون مرهونًا بنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على تفتيت دول المنطقة والسيطرة على الممرات والدروب التجارية والملاحية مع الثروات والموارد، ومن ثم تحويلها إلى مرتكز تجارى وسياسى يجعل مصير شعوب المنطقة مرتبطًا بوجودها، وإن لم ينجح المخطط فستسمر إسرائيل فى حالة خطر وجودى لأنها جسم أيدلوجى وسياسى غريب عن ثقافة المنطقة.
ثانيًا. من المستبعد أن يحدث صدام عسكرى بين النظامين، لكن من الوارد حدوث صراعات بالوكالة فى مناطق النفوذ، لأن الصدام العسكرى يعنى دمار أجزاء كبيرة من العالم، لكن الصراعات ستمثل وسائل ضغط لتحسين المساومات والاتفاقيات.
ثالثًا. بالطبع سيحدث مساومات بين النظامين ستتمثل فى مساحة تموضع وتأثير كلٍ منهما بين أقطاب نفوذهما، بجانب كيفية إعادة هيكلة المؤسسات الأممية الحاكمة مع تغيير القوانين والأدوات طبقا لنفوذ وتأثير كل قطب، وستكون المعاملات التجارية هى الأكثر تعقيدا ومشقة لانها ارتبطت عبر عقود طويلة بعملة الدولار، ولذا سيكون الصراع ما بين العملات المشفرة التى تحاول أمريكا إحلالها مكان الدولار، وما بين عملة موحدة تعتزم مجموعة البريكس طرحها وفى كل الأحوال سيصبح الذهب هو الغطاء لأى منهما.
رابعًا. اعتقد ليس من الوارد إعادة تدوير الربيع العربى مرة أخري، بل سيكون هناك تدوير لبعض أدواته المتمثلة فى الإرهابيين، لاستخدامهما فى الضغط من اجل تحسين المساومات والاتفاقيات التى تخدم تموضع إسرائيل فى المستقبل.
خامسًا. ليس خفيًا على احد أن مصر كانت هى الهدف الأكبر لمخطط الشرق الأوسط الجديد عن طريق إسقاط جيشها ومن ثم إسقاط الوطن، وهذا كان كفيلًا بإسقاط كل المنطقة وتحقيق هدف المخطط بكل سهولة ويسر، لكن الجيش المصرى وأجهزة الدولة نجحوا فى إدارة المعركة بشكل لم يتوقعه قادة المشروع، حتى وصلت مصر إلى مرحلة أنها تمثل خطرًا على المشروع وليس العكس.
سادسًا. الذى سيحكم سوريا بعد سقوط نظام الأسد هى رؤية إقليمية عالمية تتماشى من المتغيرات القادمة التى ستحكم منطقة الشرق الأوسط الجديد، فالمسلحون الموجودون حاليًا بقيادة أبو محمد الجولانى ليسوا سوى مرحلة مؤقته فرضتها الظروف السياسية، فالداخل السورى متنوع فى تكوينه الأيدلوجى والقبلى والاثنى الذى يصعب معه الاستقراء السياسى لما هو قادم، فهل يكون نظام حكم ذاتى لعدد من المناطق؟ أم حكم فيدرالي؟ أم يتدخل المجتمع الدولى والإقليمى لخلق نظام قوى يجمع سوريا تحت مظلته؟ كل ذلك يتوقف على المدة الزمنية الذى سيستغرقها النظام العالمى القائم والقادم فى صراعهما.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: بین النظامین ما بین
إقرأ أيضاً:
إجراءات ما بعد الوفاة.. هل من نظام وطني يُراعي إنسانية الموقف؟
شذا بنت سالم المسكرية
فقدان الأحبة من أصعب التجارب التي يمر بها الإنسان، لحظة يتوقف فيها الزمن للحظة، ثم يستمر دون أن ينتظر أحدًا. في تلك اللحظات المؤلمة، تواجه العائلات تحديات مُعقَّدة؛ حيث تتداخل مشاعر الحزن مع الأعباء الإدارية والتعقيدات التنظيمية، بين أوراق، وتصاريح، وزيارات متكررة للمؤسسات المختلفة. وفي خضم كل ذلك؛ قد تضيع إنسانية الموقف وسط روتين الإجراءات التي لا تعطي للحزن حقه، ما يدفعنا للتأكيد على أنه لا ينبغي الاستهانة بتبعات هذه المواقف، فهي ليست مرهقةً فحسب، بل قد تؤدي إلى أخطاء أو حتى حالات تزوير!
لكن، ماذا لو تمكَّنَّا من تخفيف هذا العبء؟ ماذا لو استخدمنا التكنولوجيا لإعادة لمسة الإنسانية إلى هذه اللحظات الصعبة؟ في هذه المقالة نطرح بكل تجرُّد رؤية تهدف إلى إنشاء نظام وطني متكامل يربط بين المؤسسات المختلفة ويُسهّل إجراءات ما بعد الوفاة؛ مما يجعل الأمر أقل تعقيدًا، بل تجربة تحفظ كرامتهم، وتمنحنا المساحة للحزن والتذكر، دون أن نشعر وكأننا نسارع لطي صفحة من حياتنا بالقوة، وسط طوفان من الإجراءات التي تزيد من وطأة الفقد.
نتخيل نظامًا رقميًا موحدًا يربط بين المستشفيات، وشرطة عُمان السلطانية، والبنوك، وصناديق التقاعد، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة الإسكان والتخطيط العُمراني، عبر منصة رقمية واحدة. هذا النظام لا يقتصر على تسهيل الإجراءات وحسب، بل يضمن الشفافية والكفاءة وحفظ الحقوق.
وبتفعيل هذا النظام يتم إلغاء الوثائق الرسمية مثل بطاقة الهوية، وجواز السفر، ورخصة القيادة بمجرد تسجيل وفاة الشخص، بجانب تجميد الحسابات البنكية والأصول المالية تلقائيًا، وفق منظومة الرقم الوطني الموحَّد لكل مواطن (الرقم المدني نموذجًا)؛ لضمان حفظ الحقوق وتفادي أي استخدام غير قانوني لها. وإخطار الجهات المعنية مثل البنوك، وشركات التأمين، وصناديق التقاعد، والجهات الحكومية المختلفة للتعامل الفوري مع المستحقات. ويُنسق النظام مع البنك المركزي العُماني لضمان تنفيذ عمليات التجميد وإدارة الأصول بدقة وسرعة. وكل هذه العمليات تتم رقميًا، بما يحفظ حقوق الورثة ويجنب التعقيدات القانونية. وهذا التكامل بين المؤسسات يُسهم في تقديم تجربة أكثر إنسانية، ويُخفِّف من الأعباء الإدارية عن كاهل العائلات في هذه الظروف الصعبة.
ربط الأصول تلقائيًا: الشفافية أولًا
نقترح أن يشمل النظام حصرًا شاملًا لجميع الممتلكات من أسهم، وعقارات، وقروض، وأموال نقدية، ويتم تحديث السجلات بشكل فوري لتجنب التأخير أو التضارب، كما يضمن ربط الأصول بطريقة رقمية تمنع أي تلاعب أو تزوير.
التعامل مع الجوانب الثقافية والمناطق البعيدة
يأخذ النظام في الاعتبار الخصوصية الثقافية المحلية، من خلال فرق متخصصة وخطوط ساخنة لتقديم الدعم، كما يتيح الوصول إلى الخدمات عبر الهواتف المحمولة، حتى في المناطق ذات الاتصال المحدود، لضمان شمولية الخدمة لجميع الأسر.
ولا شك أن تبنِّي أفضل الممارسات التقنية المُطبَّقة في الدول المتقدمة يفتح آفاقًا واسعة لتحسين النظام الوطني لإدارة ما بعد الوفاة بشكل شامل وفعّال؛ مما يسهم في تحقيق كفاءة أعلى، وتقليل التعقيدات، وتقديم تجربة أكثر إنسانية للأسر في أصعب أوقات حياتهم. وفي هذا الإطار، يمكن تنفيذ عدد من الحلول التقنية المبتكرة، والتي تشمل ما يلي:
شهادات الوفاة الرقمية: إصدار شهادات الوفاة بشكل إلكتروني يتيح إبلاغ الجهات المعنية فورًا، مما يعزز الكفاءة ويسرّع في إنجاز الإجراءات المرتبطة بها. المنصات الرقمية المترابطة والإشعارات المركزية: تحديث البيانات تلقائيًا بين مختلف الجهات الحكومية؛ بمجرد تسجيل الوفاة في خطوة واحدة، مما يساعد على توفير الوقت والجهد. نقل الأصول تلقائيًا: تطوير أنظمة متكاملة تتيح نقل الأصول بشكل تلقائي عند تسجيل الوفاة، بما في ذلك الحسابات البنكية وملكية العقارات، لتسريع الإجراءات وتقليل التدخل اليدوي. تقنية سلاسل الكُتل "البلوك تشين" في الميراث: لإنشاء سجلات آمنة وغير قابلة للتلاعب في ملكية الأصول. تحديث النظام القانوني: إجراء تحديث شامل للأنظمة القانونية للاعتراف بالوصايا الرقمية، مما يتيح إمكانية إنشاء هذه الوثائق وتخزينها وتنفيذها إلكترونيًا. بطاقة رقمية: تُمنح للورثة المعتمدين؛ مما يضمن الاعتراف الرسمي بحقوقهم، مع إصدار بطاقة تفويض/ توكيل للأوصياء أو حاملي الوكالات القانونية، وذلك يُمكِّنهم من إدارة شؤون الميراث نيابة عن الورثة، ويجب أن تظل هذه البطاقة سارية المفعول حتى يتم الانتهاء من جميع الإجراءات المتعلقة بالميراث.وتطبيق هذا النظام من شأنه أن يعزز الشفافية، ويحدّ من التعقيدات الإدارية، ويوفر آلية واضحة ومعتمدة لتنظيم أمور الورثة والممثلين القانونيين. كما أن توظيف هذه الحلول سيُحدث نقلة نوعية في إدارة ما بعد الوفاة؛ مما يضمن الكفاءة والشفافية مع تخفيف العبء الإداري عن العائلات في أصعب لحظات حياتها.
رؤية للمستقبل: نحو نظام إنساني فعّال
مقترح النظام الوطني لإدارة ما بعد الوفاة، ليس مجرد مشروع تنظيمي، بل بادرة تحمل في طيَّاتها بُعدًا إنسانيًا عميقًا. هو التزام مجتمعي بأن نقف بجانب بعضنا في أصعب الأوقات. أن نحفظ كرامة الفقد، ونمنح العائلات وقتًا للحزن بدلًا من الغرق في فوضى الإجراءات، هذا النظام يهدف إلى تبسيط الإجراءات، وضمان الحقوق، إنه وعد بأننا -كمجتمع- قادرون على تقديم العون، حيث يكون العجز والضعف في أشد حالاته.
فهل سنشهد هذا التغيير قريبًا؟ لقد حان الوقت لنرتقي بتجربتنا الإنسانية، ونقول وداعًا للتعقيدات التي تُثقل القلوب، ونُرحب بنظامٍ يحترم ضعف اللحظة ويُسهِّل رحلة الوداع.