السيناريو الأكثر احتمالا لمستقبل “سوريا”
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
يمانيون../
عندما تسقط سوريا في ايدي جماعات المعارضة المسلحة دون مواجهة مع الجيش أو إطلاق طلقة واحدة ندرك تماما أن هناك امرا دبر على مستوى دولي فأفضى إلى ذلك.. لكن هل يقدم المستوى الدولي خدمات مجانية؟ أو يخدم احدا غير نفسه والكيان الإسرائيلي؟
إذا انطلقنا من هذه الفرضية.. يمكن أن نصل إلى توقع السيناريو الاكثر احتمال لسوريا على المدى القريب وليس البعيد.
أولا: لا بد أن نرصد ما جرى باختصار.. كان يُعلم منذ سبتمبر أن المعارضة المسلحة تجهز لشن هجوم على حلب.. وقد تم إبلاغ الحكومة السورية بذلك من قبل جهات دولية موثوقة… فجأة يبدأ الهجوم، وخلال أحد عشر يوما تكون قد سقطت حلب وحماه وحمص ودمشق وكل سوريا تقريبا بيد المعارضة بدون مواجهة تذكر.
فور وصول “الفاتحين” إلى دمشق وبالتزامن مع الاحتفالات بسقوط النظام، يجتاح الكيان الصهيوني مساحات شاسعة من سوريا ويصل إلى مشارف العاصمة دمشق وينفذ مئات الغارات الجوية، مستهدفا القدرات الاستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة السورية، ويقول إنه قضى على حوالي 80% منها.
بالتزامن أيضا.. يتم اغتيال عدد من علماء سوريين دوليين بارزين وأكاديميين ومختصين في الذرة وشؤون علمية تقنية متطورة.
في العموم، يفهم أنه تم القضاء على القدرات العسكرية الأساسية لنزع انياب سوريا، وتم وضع العاصمة تحت الإشراف الإسرائيلي المباشر للتدخل والسيطرة عند الحاجة، وتم ضرب الأدمغة التي قد تشكل خطرا علميا وعمليا على الإسرائيلي.
تم تقديم ما سبق، كتمهيد للسيناريو الاكثر ترجيحا وهو أنه قد تم اتخاذ قرار دولي بأنها الجماعات المسلحة الموصوفة “إرهابية” في سوريا.. وذلك على غرار ما حصل مع القاعدة بعد انتهاء مهمتها في أفغانستان، ومع داعش بعد انتهاء مهمتها في سوريا والعراق.. وكلا الجماعتين، عمل المخططون الدوليون على إخراجهما من مكان تجمعهما، ونشرهما في حيز جغرافي واسع جدا، فتت من خلاله جمعهما، وسهل عملية القضاء عليهما..
الجدير بالذكر أنه كان السؤال دوما عن مصير الجماعات المسلحة الأجنبية في سوريا، وكان الجواب دوما، إنه لا يوجد حل له، فلا دولهم تقبل بعودتهم باعتبارهم “إرهابيين” يشكلون خطرا على أمن دولهم، ولا الدول التي هم فيها تقبل ببقائهم للسبب ذاته، ولا حتى دول أخرى يمكن أن تستقبلهم.. فلذلك “المحرقة” هي أفضل إخراج لمصيرهم.
بحسب المصادر فإن المعارضة المسلحة السورية تضم عشرات الفصائل، تختلف مشاربها ومآكلها الفكرية والعقدية والسياسية، من الإسلامية المتنوعة إلى العلمانية، لم يوحدها الا هدف إسقاط النظام، لكن بعد إسقاط النظام، ما هو هدفها؟ بالتأكيد ليست موحدة على هدف، وهذا ما سيشعل الاقتتال بينها.
ما صدر عن هذه الجماعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر عن التناقض، فبعضها داس علم “الثورة” وبعض آخر تهجم على الجولاني، وطالبه بإطلاق سراح سجناء القاعدة، وبعض ثالث توعد بتحرير الكعبة والمدينة..الخ.
ثم جاء الاعلان من الإدارة الانتقالية للجماعات المسلحة في سوريا، بأنه سيكون هناك جمع للسلاح من كافة الفصائل، للانضواء تحت راية وزارة الدفاع والقوات المسلحة.. من اتخذ القرار هي هيئة تحرير الشام، حيث بدأ الحديث بين الجماعات عن تفردها بالقرار دون التشاور مع الجماعات الأخرى، فالجولاني عيّن رئيس حكومة انتقالي ووضع علم الهيئة في جلسة حكومية، وبدأ يتفرد بالقرار الاستراتيجي للبلاد.
لم تعلن الجماعات المسلحة المنضوية في المعارضة عن موقفها من قرار تسليم السلاح بعد، ولكن خبراء يوكدون أن بعضها لن يقبل، وهذا ما قد يؤدي إلى حدوث اشتباكات ومعارك، قد تتحول إلى حرب أهلية، يتقاتل فيها الموحَدون اليوم على إسقاط النظام. وهذا يعني أن التدمير والتآكل، سيضعف هذه الجماعات، وتظهر أمام المجتمع الدولي وأمام مشغليها اللوجستيين، أنها غير قادرة على الإمساك بالحكم والسيطرة على الأمن في البلد. حينها سيتولى المخَططُ الدولي تقديم فريقه للحكم، فريق يتأنق ربطات الأعناق والبدلات الحديثة ويدخن السيجار، باعتباره “المنقذ الديمقراطي” المدعم من الغرب المحافظ على الحقوق والحريات. في ذلك الوقت لن تجد الجماعات المسلحة حاضنة اجتماعية كما حصل عند دخولها إلى دمشق بالأمس، بل ستكون الحاضنة تحولت إلى الفريق الغربي الذي سيوفر لها ما عجزت عنه هي. وستقدم المعونات للفريق ليثبت قدرته على تحقيق “المعجزات” بمعاونة الغرب وحلفائه.. والنماذج موجودة في دول عربية أخرى، ضربها “ربيع التغيير”.
الفريق الحاكم المحسوب على الغرب، ستكون مهمته تأمين مصالح الغرب والكيان الصهيوني أولا، ولا يعني أن الحكام الجدد الآن لا يؤمنون، بل تأمين عن تأمين يفرق، خصوصا وأن حكام اليوم “الإسلاميين”، سيكونون محرجين في توقيع اتفاقيات تطبيع مع الإسرائيلي.
إشارة أخرى.. الكل يعلم أن الدعم العربي لحكام “الإسلام السياسي” الجدد في سوريا غير مريح بالمطلق لبعض الدول العربية التي يوجد فيه إسلام سياسي ويشكل خطرا على أنظمتها، مثل الجارة الأردن والجارة الأبعد قليلا مصر والإمارات وغيرها.. ووجود هؤلاء الحكام في السلطة لا يتماشى مع مصالح هذه الدول فلذلك هذه الدول لن توفر الدعم المطلوب، لا ماديا ولا معنويا لهم، خشية أن يستقووا عليها، ويشكلوا خطرا على أنظمتها كون فيها من الإسلام السياسي ما فيها. ولهم في مصر وتونس عبرة.
حمى الله سوريا وأهلها وصانها من كل اذى.
قناة العالم – د. حكم امهز
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الجماعات المسلحة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
“الإيكونوميست”: الغرب يخلط الأوراق بشأن عقوباته على سوريا
سوريا – أفادت مجلة “الإيكونوميست” في تقرير مطول نشرته، امس الجمعة، إن شهر ديسمبر كان محيرا بالنسبة للعديد من السوريين فقد شاهدوا المبعوثين الغربيين يندفعون إلى دمشق احتفاء بسقوط بشار الأسد.
وتضيف المجلة “ومع ذلك، أثناء مغادرتهم يصر هؤلاء المبعوثون أنفسهم على أنه من السابق لأوانه تخفيف العقوبات المعقدة المفروضة على الاقتصاد السوري، ويبدو أن أمريكا وأوروبا حريصتان على مقابلة حكام سوريا الجدد ولكن ليس على مساعدتهم”.
وتوضح “الإيكونوميست” أنه وفي السادس من يناير أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن تغيير بسيط ولكنه كان محل ترحيب، حيث أصدرت ترخيصا يسمح للشركات بالتعامل مع الحكومة السورية الجديدة وتزويد البلاد بالكهرباء والوقود، علما أن الترخيص صالح لمدة ستة أشهر ولا يزيل أي عقوبات.
وتبين المجلة أن الترخيص بالتعامل مع الحكومة السورية الجديدة وتزويد البلاد بالكهرباء والوقود كان له تأثير فوري.
وذكرت أنه وبعد يوم من إعلان وزارة الخزانة الأمريكية، قال مسؤول سوري إن قطر وتركيا سترسلان محطات طاقة عائمة إلى الساحل السوري، ومن المتوقع أن تولد المراكب 800 ميغاواط وهو ما من شأنه أن يعزز إنتاج الكهرباء في سوريا بنسبة 50٪ ما سيخلف ارتياحا كبيرا في بلد توفر فيه الدولة أقل من أربع ساعات من الطاقة يوميا.
كما دخلت دول الخليج في محادثات بشأن تمويل الزيادة التي طرأت على رواتب موظفي القطاع العام والتي تعادل 400% بما أن الحكومة السورية المؤقتة تعهدت بذلك منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، على الرغم من عجزها عن تحقيق ذلك من دون مساعدة.
وتشير المجلة إلى أن “هذه بداية جيدة، ولكن إذا كان لسوريا أن تتعافى من عقد من الحرب الأهلية فسوف تحتاج إلى أكثر من مجرد إعفاءات تدريجية ولكن حتى الآن يبدو أن هذا هو كل ما يبدو أن العديد من صناع السياسات الغربيين على استعداد لتقديمه”.
وتفيد “الإيكونوميست” في السياق بأن “تاريخ العقوبات الأمريكية على سوريا يعود إلى عام 1979، عندما صنفت البلاد على أنها دولة راعية للإرهاب، وفي العقود اللاحقة أضافت واشنطن كومة من الإجراءات الأخرى لمعاقبة نظام الأسد لإرساله مقاتلين إلى العراق، والتدخل في السياسة اللبنانية، وقتل عدد لا يحصى من السوريين”.
ووفق التقرير “يجب أن تظل بعض هذه القيود قائمة إذ يجب أن يظل الأسد ورفاقه منبوذين إلى أجل غير مسمى.. ولكن من الصعب أن نقول إن هذا البلد هو الآخر يجب أن يظل منبوذا”.
ويرى مؤيدو نهج البطء والتدرج بأنه ينبغي على أمريكا وأوروبا أن تستعينا بالعقوبات كوسيلة للضغط من أجل تشكيل حكومة قائمة على المشاركة في سوريا، بيد أن رفع هذه العقوبات لن يتسبب بخسارة أمريكا وأوروبا لهذه الوسيلة بما أن بوسعهما إعادة فرض العقوبات في أي وقت.
وعلى الرغم من أن الشمول هدف جدير بالثناء إلا أنه هدف اسفنجي، فإذا كان صناع السياسات في الغرب يريدون أن تكون الحكومة الجديدة شاملة، فيتعين عليهم أن يوضحوا بالضبط ما يعنيه ذلك.
أوروبا
تقدم أحد الدبلوماسيين الأمريكيين بحجة إجرائية لتعليل ذلك لأن جو بايدن لم تعد أمامه في السلطة سوى أيام قلائل، لذا فعليه ترك القرارات المهمة بشأن سوريا لمن سيخلفه، بيد أن دونالد ترامب سيحتاج لوقت حتى يعين المسؤولين ويحصل على موافقة مجلس الشيوخ على تعييناته، أي أن سوريا قد لا تكون أولوية بالنسبة له، ما يعني أن واشنطن قد تحتاج لأشهر قبل أن تصدر تخفيفا كبيرا للعقوبات المفروضة على دمشق.
أما أوروبا فقد تكون حركتها أسرع من أمريكا إذ في الثالث من الشهر الجاري، التقى وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا بأحمد الشرع حاكم سوريا الحالي في دمشق، ومن هناك أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بأنه من المبكر رفع العقوبات عن سوريا، غير أن الدبلوماسيين الألمان تداولوا سرا مقترحا يقضي برفع العقوبات فعليا.
وهنا فإن الاتحاد الأوروبي قد يبدأ برفع العقوبات المفروضة على بعض القطاعات المهمة مثل قطاع المصارف في سوريا والخطوط الجوية التابعة للدولة، وذلك لأن العودة لربط المصارف بالشبكة العالمية يمكن أن يسهل على السوريين الموجودين في أوروبا إرسال الحوالات إلى سوريا والتي أصبحت شريان الحياة بالنسبة لكثيرين في الداخل السوري، ومن المتوقع للاتحاد الأوروبي أن يناقش هذا المقترح الألماني في اجتماع لوزراء الخارجية الذي سيعقد في وقت لاحق من هذا الشهر.
وهنالك جدل آخر قد يقوم حول هيئة تحرير الشام التي ترأست العملية العسكرية التي أطاحت بالأسد، بما أن كلا من واشنطن وبريطانيا والاتحاد الأوروبي صنفوا الهيئة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وكذلك فعلت هيئة الأمم المتحدة، ويعود تاريخ بعض هذه التصنيفات إلى أكثر من عشر سنوات، أي عندما كانت هيئة تحرير الشام تعرف باسم “جبهة النصرة” وكانت وقتئذ فرعا من فروع تنظيم القاعدة في سوريا، إلا أنها تخلت منذ ذلك الحين عن الفكر الجهادي وتبنت الآراء المعتدلة التي نراها اليوم.
غير أن رفع العقوبات عملية معقدة وشائكة، إذ بوسع وزير الخارجية الأمريكي أن يخرج الهيئة من قائمة التنظيمات الإرهابية، لكن قد تترتب عوائق سياسية على ذلك، وقد توافق دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 بالإجماع على هذا القرار، في حين أن إخراج الهيئة من قوائم الإرهاب لدى الأمم المتحدة قد يستغرق وقتاً يزيد عن سنة، وحتى لو حلت هيئة تحرير الشام نفسها كما وعد الشرع، لن ترفع العقوبات عن سوريا عقب ذلك مباشرة.
لذا ينبغي على حكومات الدول الغربية أن تجعل كل تلك الأمور أولوية بالنسبة لها، لأنه يمكن للإعفاء الذي يمتد لستة أشهر أن يسمح للجهات المانحة بإرسال بوارج الطاقة إلى سوريا، غير أن المستثمرين يحتاجون لتأكيدات أكبر وتطمينات أقوى قبل أن يتعهدوا ببناء محطات طاقة جديدة، وفي حال بقيت العقوبات مفروضة على دمشق، فإن سوريا ستبقى دولة تعتمد على إحسان غيرها من الدول، وفق المجلة التي أكدت أنه “ينبغي للغرباء أن يكونوا أكثر وضوحا بشأن كيفية رفع القيود ومتى”.
المصدر: “الإيكونوميست”