الوطن غفور رحيم

عانت مصر الآمرين فى حربها الممتدة ضد الارهاب الذى سدد لها ضربات غادرة ابرزها نجاحه فى اغتيال السادات ومحاولة اغتيال مبارك فى اديس أبابا و استهداف ممنهج للسياح و الأقباط، سقط فى تلك المعارك الضروس ما يزيد على 20 ألف مصرى بالاضافة إلى خسائر اقتصادية فادحة صنفت الجماعة الاسلامية رأس الحربة الخطيرة بسبب تطرف أفكار منظرها» ابو الأعلى المودودى « قدم كلا من الشعراوى والغزالى مبادرة للخروج من الأزمة لكنها باءت بالفشل بسبب ضغط الإعلام فدفع اللواء عبد الحليم موسى ثمناً باهظاً ليصبح اسطورة رأس الذئب الطائر فلم يقترب أحد من هذا الملف إلا ضابط صغير لكنه مخضرم ومشهود له بالكفاءة عمل بجد و صمت أبعد الإعلام عن الكواليس حتى لا تجهض الفكرة فى مهدها.

كان اللواء احمد رأفت الشهير بالحاج مصطفى رفعت أول قيادة أمنية كبيرة تتحدث إلى قرابة 4000 معتقل فى فناء السجن دون حراسة مسلحة ، شخصيته الحصيفة كسبت معركة القلوب بعدما نجح بدمائه خلقه فى ترويض الوحوش الكاسرة بحسن المعاملة الراقية ولم يشعرهم أبدًا بأنهم الطرف الأضعف أو المنهزم توطدت الثقة و الاحترام المتبادل فأثمر عن بيان مفاجئ و غير مسبوق تعلن فيه الجماعة وقف عملياتها القتالية و خطابها المحرض على العنف من جانب واحد دون قيد أو شرط .جاءت المراجعات فى وقت قاتل عقب 11 سبتمبر ارتعدت فرائض الدول التى كانت تساعد الارهابيين قدّمت رؤوسهم قرباناً لرضا واشنطن لكن حنكة رأفت أثبتت أن مصـر فى عدائها وسلمها ، لها سمات خاصة .
حقن مهندس المراجعات دماء المصريين و أضحت هذه المبادرة الفريدة مثال يحتذى به عالمىاً تبنته غالبية الدول العربية والحركات الإسلامية فى المنطقة. لذا لم يكن مستغربا أن يحمل جثمان الراحل العظيم قادة الجماعة التاريخيين و أعينهم تفيض من الدمع ، وفى هذا المقام أتذكر مقطع من خطبة بليغة للملك الحسن 1988 حين قال لعناصر البولساريو  “أعلم أن هناك أسر أكبادهم منقسمة بين شطرين، قلوبها تبكى و تدمي، لأن منها من هو هنا و منها من هو هناك، فأقول لمن ضلوا الطريق و ابتعدوا عن السبيل عليهم أن يتقوا الله فى الوطن و الرحم، و أن يعلموا أن الوطن غفور رحيم و الله تعالى أرجو أن يهدى الضالين. 
أعتقد أن مبادرة الوطن غفور رحيم لا يمكن أن تنطبق على جماعة الاخوان بسبب اختلاف تركيبتها عن تركيبة الجماعة الإسلامية التى هى بالاساس جماعة دينية عقدية أما الأخوان فهم حركة سياسية تمتطى تجارة الدين للاستيلاء على الحكم كما ان ارتباطاتها الخارجية المشبوهة و بنيتها الفكرية و التنظيمية المعقدة تمنعها من إجراء اى مراجعات فكرية جذرية حقيقية بالاضافة إلى أن تم تجربة الصلح بين الجماعة وكافة الانظمة منذ الملك فاروق الى مبارك و كلها باءت بالفشل لكن هذه المبادرة تستهدف من ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم انفسهم والغربة القاسية و أيقنوا أنهم ضلوا الطريق مثل هؤلاء من يجب أن يفتح لهم ابواب الوطن لاسيما وأن هناك ارادة سياسية واضحة بدأت منذ فترة بقوائم العفو الرئاسية التى شملت اسماء معارضين بارزين واستراتيجية حقوق الإنسان و نقاش قانون الحبس الاحتياطى واخيراً حذف ثلة معتبرة من قوائم الارهاب 
سيدى الرئيس فى ظل هذه الفوضى العارمة فى سوريا الان ووصول داعش لسدة الحكم و استغلال اسرائيل سقوط الدولة بتدميرها ما تبقى من مقدرات الجيش السورى وانتهاك سيادتها باحتلال مساحات شاسعة من أراضيها اصبح فرض عين على كل وطنى مخلص ان يثمّن موقفكم البطولى بعد ان قدر الله ان يجعلكم سبباً فى انقاذ مصر من شفا حفرة من نار الفوضى و الاحتراب الأهلى و سيسجل لكم التاريخ ايضا بحروف من نور بصيرتكم الثاقبة بالعفو الشامل عن كل المصريين الذين لم تتطلخ أيديهم بالدماء من كل الاطياف السياسية و هنا أتذكر حديثكم المستمر عن حتمية صلابة الجبهة الداخلية وان اعداءنا لن يستطيعوا مواجهتنا عسكرياً وإنما سيحاولون زعزعة استقرارنا لاسيما مع استمرار الازمة الاقتصادية التى تؤثر بلا شك على قطاعات كبيرة من الشعب ، لذا علينا سد كل الذرائع لدحر المؤامرة التى تحاك لنا بليل و ذلك بجعل مصر الكبيرة تتسع للجميع سيدى أثق تماماً فى حكمتك و اخلاصك بالعبور بسفينة الوطن إلى بر الأمان و الله والوطن من وراء القصد.

المصدر: بوابة الوفد