كيف يتجنب العراق أخطاء الماضي وسط عاصفة التحولات السورية؟
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
12 ديسمبر، 2024
بغداد/المسلة: مع تصاعد الأحداث في سوريا، يبدو أن بغداد تتجه نحو اتباع سياسة التوازن والحذر في التعامل مع المستجدات هناك.
الوضع الإقليمي المترابط بين العراق وسوريا يفرض على الحكومة العراقية اتخاذ خطوات مدروسة بعناية لتجنب الانجرار إلى مستنقع التوترات الطائفية والسياسية التي قد تنعكس على أمن العراق واستقراره.
في مناطق متفرقة من بغداد، يتحدث مواطنون عن مخاوفهم من أن تؤدي التغيرات في سوريا إلى تداعيات داخلية.
يقول أحمد الخالدي، وهو من سكان منطقة الأعظمية: “التاريخ علمنا أن ما يحدث هناك يعبر الحدود سريعاً. نحتاج إلى قرارات واعية تحمي العراق من أي تأثير سلبي”.
وقال رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم انه يجب “فسح المجال أمام الشعب السوري الشقيق لتقرير مصيره عبر دستور يشرف على إقراره، وعملية سياسية انتقالية وديمقراطية يساهم بصناعتها وتأسيسها، تشمل كل أطيافه و مكوناته، بعيدا عن الإقصاء والتهميش، و باستقلالية تامة، والحفاظ على مقدسات المسلمين من مراقد مطهرة، وعدم تعريض الأقليات للاضطهاد العقائدي والفكري”.
تحليلات سياسية ذكرت أن المواقف الحماسية إزاء التحولات السورية قد تكون فخًا يوقع العراق في أخطاء سياسية.
وقال مصدر سياسي إن الحكومة تركز في الوقت الحالي على دعم الاستقرار في سوريا من خلال الوسائل السلمية. السوداني كان قد أعلن استعداد بلاده لتقديم المساعدة للسوريين في “هذه المرحلة المفصلية”، مشددًا على أهمية عدم تعريض الأقليات للاضطهاد العقائدي.
ويرى مراقبون أن التركيز على المصالح الحيوية المشتركة بين العراق وسوريا، خصوصًا في القضايا الأمنية والاقتصادية، يمكن أن يشكل نقطة ارتكاز لسياسة نأي بالنفس.
في سياق آخر، نقلت تغريدة عن عضو الهيئة العامة في تيار الحكمة بليغ أبو گلل دعوة لتغليب المصلحة الوطنية: “إذا أردنا استقرارًا مستدامًا للعراق لا يتأثر بأي عواصف سياسية من حوله، فإن البداية والأساس الذي ينبغي لنا اعتماده كأحزاب سياسية -ونحن منهم- هو (أن يكون القرار عراقيًا خالصًا). ليس كافيًا أن نقول ذلك، بل علينا أن نعمل عليه في الميدان، وأن يكون هو شغلنا وهمنا، فمن دونه لن تكون هناك دولة ولن ننعُم باستقرار حقيقي”.
وقال الباحث الاجتماعي علاء العامري: “العراق لا يستطيع عزل نفسه تمامًا عن ما يحدث في سوريا، لكن يجب أن يكون تدخله مدروسًا وبعيدًا عن التحزبات الطائفية”.
وفي تغريدة نشرها أحد المحللين السياسيين تقول: “التغيير في سوريا قد يكون زلزالًا سياسيًا، لكن الاستجابة المتعجلة ستكون كارثية. العراق يحتاج إلى أن يكون صوت العقل في المنطقة”.
من جهة أخرى، يواجه العراقيون تحديات داخلية تتطلب يقظة إضافية.
يقول نوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، إن “تحريك الشارع العراقي هو أحد أهداف الأزمة السورية”، لكنه عبر عن ثقته بقدرة العراق على مواجهة هذه التحديات.
أما على صعيد العلاقات الكردية، فتحدث أحد الناشطين الأكراد في تغريدة قائلاً: “واقعية التعامل مع الفصائل الكردية السورية ضرورة استراتيجية. توحدنا سيحمي حقوقنا جميعًا”.
ويرى شيعة العراق ضرورة الابتعاد عن خطابات الطائفية التي قد تتصاعد مع احتدام الأزمة السورية.
وذكرت تغريدة لأحد النشطاء من النجف: “لدينا ما يكفي من الجراح. علينا أن نكون دعاة وحدة، لا وقودًا لخلافات الآخرين”.
أما السنة في العراق، فتتزايد الدعوات بينهم لتحصين مجتمعاتهم ضد استقطاب الجماعات الإرهابية التي تدعي تمثيلهم.
وقال خالد الراوي، أحد أعيان مدينة الموصل: “تعلمنا بالطريقة الصعبة أن الإرهاب لا يحمل خيرًا لأي طرف. الحذر الآن هو مسؤوليتنا جميعًا”.
و يبدو أن العراق يسير على حبل مشدود، يتطلب منه توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على مصالحه الحيوية والتعاطي مع التغيرات الإقليمية بسرعة وحسم. الأيام القادمة قد تحمل معها اختبارات جديدة للحكومة العراقية، في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: فی سوریا أن یکون
إقرأ أيضاً:
دلالات تقديم قسد تنازلات للحكومة السورية
شهدت العلاقات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق تطورات إيجابية متلاحقة منذ مطلع شهر أبريل/نيسان الجاري، حيث تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية، مطلع الشهر المذكور، يتضمن انسحاب قسد من الأحياء المتمركزة فيها ضمن مدينة حلب منذ عام 2013، وهي الأشرفية والشيخ مقصود والهلك، مع إجراء عملية تبادل للأسرى، وتم بالفعل تنفيذ مرحلتين من الاتفاق.
وفي 12 أبريل/نيسان الحالي، توصلت الحكومة السورية وقسد إلى اتفاق جديد برعاية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، يتضمن انسحاب قوات قسد وكل الفصائل المنتسبة لوزارة الدفاع المنتشرة في محيط منطقة سد تشرين بريف حلب.
كما تضمن انتشار الأمن الداخلي السوري العام في المنطقة إلى جانب قوات الأمن التابعة لقسد وتسمى بالأسايش، مع تولي لجنة مشتركة الإشراف على المنطقة، ليضع هذا الاتفاق حدا لمواجهات طاحنة شهدتها هذه الجبهة منذ سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024.
يأتي ذلك بينما بدأت أعمال اللجنة الوطنية المتخصصة بمتابعة تنفيذ الاتفاق على دمج قسد في المؤسسات الحكومية السورية، والذي تم توقيع إطاره العام بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، مطلع مارس/آذار الماضي.
وتجدر بهذا الصدد الإشارة إلى السياقات والدوافع التي أثرت على قرار قسد، ودفعتها لتقديم تنازلات جديدة لحكومة دمشق، وتخليها عن الخيار العسكري والاكتفاء بالحديث عن اللامركزية ضمن إطار سوريا الموحدة.
تجري القوات الأميركية منذ أواخر مارس/آذار الماضي عملية إعادة انتشار في المنطقة، تتضمن تقليص قدراتها العسكرية في الجزيرة السورية ونقلها باتجاه العراق إلى قاعدتي عين الأسد والحرير في الأنبار وأربيل.
إعلانوأكدت مصادر ميدانية في المنطقة لموقع الجزيرة نت أن 5 قوافل عسكرية أميركية على الأقل غادرت سوريا باتجاه الأراضي العراقية، وتحمل معها عتادا عسكريا وتحصينات أسمنتية، حيث تم إخراج أسلحة دفاعية للمرة الأولى من المنطقة.
وبحسب المصادر، فإن القوافل غادرت من حقل العمر النفطي، وحقل كونيكو للغاز في دير الزور، وقاعدتي تل البيدر وخراب الجير في الحسكة.
وتتزامن عملية إعادة انتشار القوات الأميركية مع التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتجاه إيران، وهذا ما يفسر تركيز القوات في العراق، ونقل عتاد عسكري إلى قاعدة في المحيط الهندي يتضمن قاذفات إستراتيجية من طراز بي 2.
وتشير المفاوضات بين إدارة ترامب وإيران في سلطنة عمان، التي وصفتها وسائل إعلام أميركية بأنها حاسمة، إلى أن أولوية واشنطن في المرحلة الحالية هي الملف الإيراني.
تصاعد التأثير التركي
أدلى قائد قسد، مظلوم عبدي، بتصريحات عقب توقيع اتفاقية سد تشرين، أكد فيها أن الاتفاق ساهم في تجنب شروط تركية مسبقة، وأشار إلى أن أنقرة باتت تستخدم لغة أكثر اعتدالا في بياناتها، مما يوحي بأن قسد تحاول تجنب الضغوطات السياسية والعسكرية التي تمارسها تركيا.
وبعيد توقيع الاتفاق الأولي بين قسد ودمشق مطلع مارس/آذار الماضي، أكد مسؤولون أتراك أن أنقرة ستبقى تراقب تنفيذ الاتفاق، كما استمرت الهجمات المدفعية والصاروخية التركية على مواقع قسد قرب منطقة سد تشرين.
وتعزز الموقف التركي في الملف السوري إثر التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال استقباله رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض خلال الأسبوع الثاني من أبريل/نيسان الجاري، حيث طلب من نتنياهو حل المشاكل مع الرئيس التركي والتصرف بعقلانية تجاه تركيا.
تتجسد أهمية موقف ترامب بأنه جاء عقب تصعيد إسرائيلي تمثل بغارات جوية على قواعد في حماة وحمص قام خبراء أتراك باستكشافها تمهيدا لإقامة قواعد عسكرية بالتنسيق مع الحكومة السورية.
إعلانوتتزايد المؤشرات على تنامي الدور التركي في سوريا، مما ينعكس سلبا على نفوذ قسد، فقد أكد نوح يلماز نائب وزير الخارجية التركي في تصريحات جديدة قرب انطلاق آلية تنسيق إقليمي أعلن عنها سابقا، وتضم تركيا والعراق وسوريا ولبنان والأردن، مشيرا إلى أن مركز التنسيق سيكون في سوريا.
ومن المتوقع أن تركز الآلية الإقليمية الجديدة على منع عودة ظهور تنظيم الدولة، وإدماج الجيش السوري ضمن مكافحة الإرهاب، مما يعني تقديم بديل للولايات المتحدة عن تنظيم قسد، حيث دافعت واشنطن طيلة السنوات الماضية عن دعهما لقسد بأن هذا الدعم موجه لمكافحة الإرهاب ولمواجهة خطر تنظيم الدولة.
ضعف موقف العمال الكردستاني
طرأت خلال الأشهر الأخيرة متغيرات على موقف حزب العمال الكردستاني الذي تحدثت تقارير عديدة في وقت سابق عن دوره بتعطيل التفاهم بين قائد قسد مظلوم عبدي وحكومة دمشق، خاصة أن الحزب لديه تنظيمات تنشط في مناطق سيطرة قسد وأبرزها شبيبة الثورة وقوات تحرير عفرين.
وأشار معهد واشنطن للدراسات ضمن تقرير أصدره في فبراير/شباط الماضي أن تركيا نجحت في المرحلة الأولى من العمليات ضد حزب العمال الكردستاني، والتي تضمنت إضعافه عبر العمليات الأمنية والهجمات بالطائرات المسيرة، بالإضافة إلى العمليات الأخرى شمال العراق.
وسلط التقرير الضوء أيضا على نجاح المرحلة الثانية من إضعاف الحزب، حيث تمت إعادته إلى طاولة المفاوضات وهو في موقف ضعيف، وحاليا يتم التفاوض على تفكيكه من خلال وساطة سياسيين أكراد بالإشارة إلى دور قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بزعامة آل بارزاني.
وفي أواخر فبراير/شباط الماضي، دعا عبد الله أوجلان الزعيم المؤسس لحزب العمال لإلقاء السلاح، وحل الحزب، مشيرا إلى أن الأسباب التي أدت لتأسيسه لم تعد موجودة.
من ناحية أخرى، فإن الضغوطات التي تتعرض لها إيران من أجل تقليص نفوذها وخاصة في العراق، تؤثر على موقف العمال الكردستاني، فقد وفر حلفاء إيران في العراق للحزب الدعم في السنوات السابقة من خلال إدماج بعض التشكيلات المرتبطة به ضمن الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا، والحديث هنا عن وحدات حماية سنجار، كما تؤكد التقارير التركية أن طهران تدعم العمال الكردستاني بالتجهيزات العسكرية وخاصة الطائرات المسيرة.
إعلانوفي الوقت الراهن، تمارس إدارة ترامب ضغوطات قوية على الحكومة العراقية من أجل حل الفصائل المسلحة التي تنشط خارج نطاق مؤسسات الدولة، وإنجاز الدمج الحقيقي لفصائل الحشد الشعبي الذي يعد هيئة حكومية إلا أن الفصائل المنضوية تحتها تحتفظ ببنيتها التنظيمية المستقلة. بالإضافة إلى ذلك، جاء إنهاء الإعفاء الأميركي الممنوح للعراق بخصوص استيراد الغاز من إيران لحرمان الأخيرة من موارد مالية، وإضعاف حضورها في المشهد العراقي.
تراجع موقف حزب العمال الكردستاني، ينعكس فيما يبدو، على المنطقة عموما وليس سوريا فقط، حيث تتقدم المباحثات بين حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي التركي والحكومة التركية، فقد استضاف الرئيس التركي أردوغان في أبريل/نيسان الجاري وفدا من الحزب الكردي في القصر الرئاسي في سياق استكمال مسار السلام بعد دعوة أوجلان لإلقاء السلاح.