لماذا كانت إسرائيل جاهزة للحدث السوري؟

عثمان ميرغني

التغيير السريع في سوريا أربك المنطقة، وأثار العديد من التساؤلات، والكثير من القلق. فالأمور تبقى غير واضحة، والكل يبحث عن إجابات وتطمينات بشأن المسار الذي ستسير فيه سوريا خلال المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستجد صيغة توفيقية بين الفصائل التي تحاربت في الماضي، أو ستتوصل إلى معادلة للسير بأمان وسط التجاذبات والمطامع الخارجية المحيطة بها.

فهناك إجماع على أن المرحلة المقبلة أصعب، لأن جراحات سوريا كثيرة ومشاكلها معقدة، والأصابع الخارجية موجودة وتضيف إلى تعقيدات المشهد.

كيفية إدارة الفراغ الذي حدث بعد الانهيار السريع لنظام الأسد، هي المحك الآن، وبالتالي فإن العالم سيراقب أفعال القادة الجدد، ولن يكتفي بالتصريحات والبيانات والوعود.

إسرائيل كانت جاهزة لاستغلال الوضع، مثلما وضح من خلال عملية التوغل السريع في المناطق الحدودية لوضع اليد على مناطق استراتيجية حساسة، والتدمير الممنهج للقدرات والبنية العسكرية السورية، فيما يشبه عملية نزع السلاح لخلق «منطقة دفاع معقمة»، على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس.

هذا الاستعداد الإسرائيلي لم يأتِ من فراغ، وهو إن جاء في سياق توظيف تداعيات عملية «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، التي استخدمتها حكومة بنيامين نتنياهو لتدمير غزة وقدرات «حماس» و«حزب الله»، وإضعاف محور إيران، فإنه كان في الواقع سابقاً لكل ذلك، وبسنوات عديدة.

في عام 1996 أصدر نتنياهو كتاباً باللغة الإنجليزية تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، أورد فيه ملامح من رؤيته الأمنية لمواجهة ما وصفه بآيديولوجيا الإرهاب، وسياسة الوقاية خير من العلاج، وكيفية التعامل مع الدول التي يراها داعمة للإرهاب. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث بشكل مباشر عن سياسة تغيير الأنظمة، فإنه أشار إلى ضرورة إضعاف وعزل تلك الدول، باستخدام العقوبات والعمل العسكري عند الضرورة. وركّز وقتها على 7 دول في المنطقة بشكل رئيسي؛ هي إيران وسوريا والعراق والسودان وليبيا واليمن ولبنان، الذي ركز فيه على «حزب الله». ومع دعوته للتعاون «بين الديمقراطيات» للضغط الحازم على هذه الدول وغيرها، وعزل الأنظمة لمنعها من الاستمرار في دعم الجماعات التي وصفها بالإرهابية، فإنه لم يستبعد أن يؤدي ذلك إلى زعزعتها في سبيل دفعها لتغيير سياساتها. وكان أكثر وضوحاً عندما أشار إلى أن تغيير سلوك بعض الدول التي ذكر منها إيران والعراق، لن يتحقق إلا من خلال تغيير طبيعة النظام، وهو ما فُهم على أنه إشارة مبطنة إلى تغيير الأنظمة المعنية.

نتنياهو بالتأكيد لم يكن الوحيد بين الساسة والمنظرين في إسرائيل الذين حددوا معالم لسياسات التدخل الاستباقية في الدول ضمن الاستراتيجية الوقائية. فقبل كتابه ذاك بسنوات، وتحديداً في عام 2008، كانت هناك محاضرة أثارت اهتمام المتابعين والمعنيين ألقاها آفي ديختر، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في ذلك الوقت، أمام معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، وتناول فيها «أبعاد الحركة الاستراتيجية الإسرائيلية المقبلة في البيئة الإقليمية» حسب العنوان الذي اختاره. وركز ديختر على 7 ساحات أيضاً هي الإيرانية والسورية والفلسطينية والعراقية واللبنانية والمصرية والسودانية، مقدماً رؤية إسرائيل الاستراتيجية لكيفية التعامل معها وفق سياسة طويلة النفس، والوسائل التي يمكن استخدامها.

وإذا كان مفهوماً في نظر الكثيرين اهتمام إسرائيل بمحيطها المباشر وبالدول التي تشعر بقلق إزائها، فإن ورود اسم السودان أثار التساؤلات، وهو ما شرحه ديختر في محاضرته بقوله إنه منذ خمسينات القرن العشرين كانت تقديرات إسرائيل أن هذا البلد بموارده الضخمة، ومساحته الشاسعة، وعدد سكانه، يمكن أن يصبح دولة قوية مضافة إلى قوى الإقليم، وبالتالي رأت أنه لا يمكن أن يُسمح له بذلك. ومن ذلك التقييم عمدت إسرائيل إلى التدخل في أزمتي السودان في الجنوب ثم في دارفور.

رؤية إسرائيل الاستراتيجية حددت الخيارات التي يمكن توظيفها في التعامل مع الدول المذكورة بدءاً من استخدام القوة، وإثارة الفتن الداخلية وخلق الفوضى، مروراً بالتواصل مع الجماعات العرقية والطائفية وقوى المعارضة المستعدة للتعاون مقابل دعمها في الوصول للسلطة، وانتهاء بإنشاء تحالفات مع بعض دول الجوار.

هكذا فإن إسرائيل تعمل دائماً للاستعداد بالخطط والاستراتيجيات الطويلة الأمد، ولا تجلس في انتظار أن تأتيها الفرص، بل تعمل لخلق الظروف التي تتيح لها تنفيذها، في حين أن منطقتنا مستغرقة في الحرائق المتنقلة التي لا تنطفئ بفعل فاعل خارجي، أو بأيادٍ داخلية. وبينما ننشغل نحن اليوم بتداعيات الحدث السوري المفاجئ، ونتخوف مما سيكون عليه اليوم التالي، وما إذا كانت سوريا ستسقط في فخ الفوضى والاضطرابات الداخلية لتلحق بركب دول أخرى في محيطنا، فإن إسرائيل تكون تخطط وتستعد للحدث الآخر المقبل.

نتحدث كثيراً عن الأمن القومي العربي، لكننا لا نملك استراتيجيات موحدة طويلة الأمد لدرء المخاطر، والتحسب للأزمات، ومعالجة الخلافات، والبحث عن مقومات التنمية المشتركة، بلغة المصالح… لا بروح العواطف المتقلبة.

* نقلاً عن الشرق الأوسط

الوسومآفي ديختر إسرائيل إيران الأمن القومي العربي الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو تل أبيب حزب الله حماس سوريا عثمان ميرغني نظام الأسد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آفي ديختر إسرائيل إيران الأمن القومي العربي الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو تل أبيب حزب الله حماس سوريا عثمان ميرغني نظام الأسد

إقرأ أيضاً:

لماذا يتباطأ الغرب في رفع العقوبات عن سوريا؟

كان الشهر الماضي محيّراً بالنسبة للعديد من السوريين، فقد شاهدوا مبعوثين غربيين واحداً تلو الآخر يسارعون إلى دمشق للاحتفال بسقوط الرئيس بشار الأسد، الذي حكم سوريا لفترة طويلة، وأطيح به في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

قد يسمح الإعفاء لمدة ستة أشهر للمانحين بإرسال زوارق الطاقة

 ولكن مع رحيلهم، يصرّ نفس المبعوثين على أنه من المبكر للغاية تخفيف شبكة العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري، ويبدو أن أمريكا وأوروبا حريصتان على لقاء حكام سوريا الجدد، ولكن ليس على مساعدتهم.
في السادس من يناير (كانون الثاني)، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن تغيير صغير. فقد أصدرت ترخيصاً يسمح للشركات بإجراء أعمال تجارية مع الحكومة السورية الجديدة، وتزويد البلاد بالكهرباء والوقود. ولا يرفع الترخيص، الذي يسري لمدة 6 أشهر، أي عقوبات. ومع ذلك، فإنه من المفترض أن يسمح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى البلاد، ويبدو أن هذا الترخيص كان له تأثيرات فورية.
وتقول مجلة "إيكونوميست" إنه بعد يوم واحد من إعلان وزارة الخزانة، قال مسؤول سوري إن قطر وتركيا سترسلان محطات طاقة عائمة إلى الساحل السوري. ومن المتوقع أن تولد البارجات 800 ميغاواط، ما من شأنه أن يعزز إنتاج الكهرباء في سوريا بنسبة 50%، وهو ما يبعث على الارتياح في بلد لا توفر الدولة فيه سوى 4 ساعات من الطاقة يومياً. كما تجري دول الخليج محادثات لتمويل زيادة بنسبة 400% في أجور القطاع العام، وهو وعد مبكر من قِبَل الحكومة المؤقتة، ولكنها لا تستطيع تحمله دون مساعدة.

 

 

General licenses are not enough; they barely work, and there is absolutely no justification for Syria to remain under sanctions triggered by the ancien Assad regime.

Let alone adding new restrictions on the caretaker or the future interim government on who to engage with:… pic.twitter.com/AoE3Z2k55B

— Karam Shaar كرم شعّار (@Karam__Shaar) January 7, 2025


وفي رأي المجلة أن هذه بداية طيبة، ولكن إذا كان لسوريا أن تتعافى من عقد من الحرب الأهلية، فسوف تحتاج إلى أكثر من الإعفاءات الجزئية. ولكن حتى الآن، يبدو أن هذا هو كل ما يبدو أن العديد من صناع السياسات الغربيين على استعداد لتقديمه.
وتعود العقوبات الأمريكية على سوريا إلى عام 1979، عندما وصفت البلاد بأنها دولة راعية للإرهاب. وفي العقود اللاحقة أضافت واشنطن مجموعة من التدابير الأخرى لمعاقبة نظام الأسد على إرسال الجهاديين إلى العراق، والتدخل في السياسة اللبنانية، وقتل عدد لا يحصى من السوريين. ولكن هل من الممكن أن تستمر هذه القيود؟ يتعين على بعض هذه القيود أن تظل قائمة، إذ يجب  أن يظل الأسد وأعوانه منبوذين إلى أجل غير مسمى. ولكن من الصعب أن تبقى  البلاد بأكملها كذلك.
ويعتقد أنصار نهج "التباطؤ" أن أمريكا وأوروبا ينبغي لهما أن يستخدما العقوبات كوسيلة ضغط للدفع نحو تشكيل حكومة شاملة في سوريا. ولكن رفع العقوبات لن يضيع هذا النفوذ: إذ يمكن إعادة فرضها دائما. وفي حين أن الإدماج هدف جدير بالثناء، فإنه هدف هش. فغالبا ما عيَّن الأسد النساء والأقليات الدينية في حكومته. كما استخدم قنابل الغاز المسيل للدموع ضد شعبه. وإذا كان صناع السياسات الغربيون يريدون أن تكون الحكومة الجديدة شاملة، فسوف يحتاجون إلى توضيح ما يعنيه ذلك بالضبط.

 

 

Hypocrisy on steroids.

For over a decade the West ostensibly fought against Al-Qaeda & ISIS terrorist groups — but now we have embraced them, and given them the keys to a whole country.

Backing a new regime in #Syria dominated by terrorist jihad groups Al-Qaeda & ISIS, taking… https://t.co/gnfNE0IEc7 pic.twitter.com/TBFP6RVMcF

— Peter Cronau (@PeterCronau) January 10, 2025


ويقدم أحد الدبلوماسيين الأمريكيين حجة إجرائية، قائلاً إنه لم يتبق لجو بايدن سوى أيام قليلة في منصبه، وينبغي ترك القرارات الجسيمة بشأن سوريا لخلفه. ولكن دونالد ترامب سوف يحتاج إلى الوقت لترشيح المسؤولين والحصول على تأكيد من مجلس الشيوخ ــ وقد لا تكون سوريا أولوية، وقد يستغرق الأمر شهوراً قبل أن تقدم أمريكا الإغاثة ذات المغزى.

وقد تتحرك أوروبا بشكل أسرع. ففي الثالث من يناير(كانون الثاني)، التقى وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني أحمد الشرع، الحاكم الفعلي لسوريا، في دمشق. وقالت أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، إنه من السابق لأوانه رفع العقوبات. لكن الدبلوماسيين الألمان يتداولون في السر اقتراحًا من شأنه أن يؤدي إلى ذلك.
من المحتمل أن يبدأ الاتحاد الأوروبي بتفكيك العقوبات على عدد قليل من القطاعات الرئيسية، مثل البنوك السورية والخطوط الجوية الوطنية، وخصوصاً أن إعادة ربط البنوك من شأنه أن يسهل على السوريين في أوروبا إرسال التحويلات المالية، وهي شريان حياة للعديد من الأشخاص . ومن المتوقع أن يناقش الاتحاد الأوروبي الاقتراح الألماني في اجتماع لوزراء الخارجية في وقت لاحق من هذا الشهر.
وسيحصل نقاش منفصل حول هيئة تحرير الشام، التي قادت الهجوم الذي أطاح بالأسد. وتصنفها أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي جميعًا على أنها منظمة إرهابية، وكذلك تفعل الأمم المتحدة. ويعود بعض هذه المحظورات إلى أكثر من عقد من الزمان، إلى وقت كانت فيه هيئة تحرير الشام لا تزال تُعرف باسم جبهة النصرة، وهي فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا. ومنذ ذلك الحين، تخلت عن الجهاديين وخففت من آرائها.
ولكن رفع العقوبات سيكون صعباً. فقد يلغي وزير الخارجية تصنيف أمريكا، لكن هذا محفوف بالمخاطر السياسية. ويتعين على الدول الأعضاء السبعة والعشرين في الاتحاد الأوروبي أن تتفق جميعها. وقد يستغرق شطب الجماعة من قائمة الأمم المتحدة أكثر من عام، وحتى إذا حلت هيئة تحرير الشام نفسها، كما وعد  الشرع، فإن رفع العقوبات عنها لن يكون بالأمر السهل.
وخلصت المجلة إلى أن على الحكومات الغربية أن تجعل كل هذا أولوية. وقد يسمح الإعفاء لمدة 6 أشهر للمانحين بإرسال زوارق الطاقة، لكن المستثمرين سيحتاجون إلى ضمانات أقوى قبل أن يعدوا ببناء محطات طاقة جديدة. 

 

مقالات مشابهة

  • لماذا يدين المؤرخون الأمريكيون «إبادة إسرائيل للمدارس»؟
  • ما هي أفضل الشواطئ الأوروبية التي يمكن زيارتها خلال فصل الشتاء؟
  • حتى لو كانت السعودية.. “الحوثي”: سنقف الى جانب أي دولة عربية تتعرض لعدوان من “إسرائيل”
  • احرق شجرة الميلاد في صيدا... وقوى الامن كانت بالمرصاد
  • رداً على حيدر إبراهيم: لماذا كانت الصحوة الإسلامية في جمهورية زرياب ثورية؟
  • هل يمكن أن تلتقي إيران مع إسرائيل ضد تركيا في سوريا؟
  • الاغنية الشعبية || «البوابة» تفتح التساؤل: هل يمكن لهذا الفن العظيم أن يظل ويصمد عبر الزمن؟ لماذا لم تعد المجتمعات قادرة على صنع ثقافة شعبية جديدة؟
  • لماذا يتباطأ الغرب في رفع العقوبات عن سوريا؟
  • حكومة مدنيه في اراضي الدعم السريع هي الوحيدة التي ستحفظ وحدة السودان، فمم وًلماذا تخافون ؟
  • دعاء يوم الجمعة للأحباب.. أفضل الأدعية المكتوبة التي يمكن ترديدها