لماذا كانت إسرائيل جاهزة للحدث السوري؟
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
لماذا كانت إسرائيل جاهزة للحدث السوري؟
عثمان ميرغني
التغيير السريع في سوريا أربك المنطقة، وأثار العديد من التساؤلات، والكثير من القلق. فالأمور تبقى غير واضحة، والكل يبحث عن إجابات وتطمينات بشأن المسار الذي ستسير فيه سوريا خلال المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستجد صيغة توفيقية بين الفصائل التي تحاربت في الماضي، أو ستتوصل إلى معادلة للسير بأمان وسط التجاذبات والمطامع الخارجية المحيطة بها.
كيفية إدارة الفراغ الذي حدث بعد الانهيار السريع لنظام الأسد، هي المحك الآن، وبالتالي فإن العالم سيراقب أفعال القادة الجدد، ولن يكتفي بالتصريحات والبيانات والوعود.
إسرائيل كانت جاهزة لاستغلال الوضع، مثلما وضح من خلال عملية التوغل السريع في المناطق الحدودية لوضع اليد على مناطق استراتيجية حساسة، والتدمير الممنهج للقدرات والبنية العسكرية السورية، فيما يشبه عملية نزع السلاح لخلق «منطقة دفاع معقمة»، على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس.
هذا الاستعداد الإسرائيلي لم يأتِ من فراغ، وهو إن جاء في سياق توظيف تداعيات عملية «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، التي استخدمتها حكومة بنيامين نتنياهو لتدمير غزة وقدرات «حماس» و«حزب الله»، وإضعاف محور إيران، فإنه كان في الواقع سابقاً لكل ذلك، وبسنوات عديدة.
في عام 1996 أصدر نتنياهو كتاباً باللغة الإنجليزية تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، أورد فيه ملامح من رؤيته الأمنية لمواجهة ما وصفه بآيديولوجيا الإرهاب، وسياسة الوقاية خير من العلاج، وكيفية التعامل مع الدول التي يراها داعمة للإرهاب. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث بشكل مباشر عن سياسة تغيير الأنظمة، فإنه أشار إلى ضرورة إضعاف وعزل تلك الدول، باستخدام العقوبات والعمل العسكري عند الضرورة. وركّز وقتها على 7 دول في المنطقة بشكل رئيسي؛ هي إيران وسوريا والعراق والسودان وليبيا واليمن ولبنان، الذي ركز فيه على «حزب الله». ومع دعوته للتعاون «بين الديمقراطيات» للضغط الحازم على هذه الدول وغيرها، وعزل الأنظمة لمنعها من الاستمرار في دعم الجماعات التي وصفها بالإرهابية، فإنه لم يستبعد أن يؤدي ذلك إلى زعزعتها في سبيل دفعها لتغيير سياساتها. وكان أكثر وضوحاً عندما أشار إلى أن تغيير سلوك بعض الدول التي ذكر منها إيران والعراق، لن يتحقق إلا من خلال تغيير طبيعة النظام، وهو ما فُهم على أنه إشارة مبطنة إلى تغيير الأنظمة المعنية.
نتنياهو بالتأكيد لم يكن الوحيد بين الساسة والمنظرين في إسرائيل الذين حددوا معالم لسياسات التدخل الاستباقية في الدول ضمن الاستراتيجية الوقائية. فقبل كتابه ذاك بسنوات، وتحديداً في عام 2008، كانت هناك محاضرة أثارت اهتمام المتابعين والمعنيين ألقاها آفي ديختر، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في ذلك الوقت، أمام معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، وتناول فيها «أبعاد الحركة الاستراتيجية الإسرائيلية المقبلة في البيئة الإقليمية» حسب العنوان الذي اختاره. وركز ديختر على 7 ساحات أيضاً هي الإيرانية والسورية والفلسطينية والعراقية واللبنانية والمصرية والسودانية، مقدماً رؤية إسرائيل الاستراتيجية لكيفية التعامل معها وفق سياسة طويلة النفس، والوسائل التي يمكن استخدامها.
وإذا كان مفهوماً في نظر الكثيرين اهتمام إسرائيل بمحيطها المباشر وبالدول التي تشعر بقلق إزائها، فإن ورود اسم السودان أثار التساؤلات، وهو ما شرحه ديختر في محاضرته بقوله إنه منذ خمسينات القرن العشرين كانت تقديرات إسرائيل أن هذا البلد بموارده الضخمة، ومساحته الشاسعة، وعدد سكانه، يمكن أن يصبح دولة قوية مضافة إلى قوى الإقليم، وبالتالي رأت أنه لا يمكن أن يُسمح له بذلك. ومن ذلك التقييم عمدت إسرائيل إلى التدخل في أزمتي السودان في الجنوب ثم في دارفور.
رؤية إسرائيل الاستراتيجية حددت الخيارات التي يمكن توظيفها في التعامل مع الدول المذكورة بدءاً من استخدام القوة، وإثارة الفتن الداخلية وخلق الفوضى، مروراً بالتواصل مع الجماعات العرقية والطائفية وقوى المعارضة المستعدة للتعاون مقابل دعمها في الوصول للسلطة، وانتهاء بإنشاء تحالفات مع بعض دول الجوار.
هكذا فإن إسرائيل تعمل دائماً للاستعداد بالخطط والاستراتيجيات الطويلة الأمد، ولا تجلس في انتظار أن تأتيها الفرص، بل تعمل لخلق الظروف التي تتيح لها تنفيذها، في حين أن منطقتنا مستغرقة في الحرائق المتنقلة التي لا تنطفئ بفعل فاعل خارجي، أو بأيادٍ داخلية. وبينما ننشغل نحن اليوم بتداعيات الحدث السوري المفاجئ، ونتخوف مما سيكون عليه اليوم التالي، وما إذا كانت سوريا ستسقط في فخ الفوضى والاضطرابات الداخلية لتلحق بركب دول أخرى في محيطنا، فإن إسرائيل تكون تخطط وتستعد للحدث الآخر المقبل.
نتحدث كثيراً عن الأمن القومي العربي، لكننا لا نملك استراتيجيات موحدة طويلة الأمد لدرء المخاطر، والتحسب للأزمات، ومعالجة الخلافات، والبحث عن مقومات التنمية المشتركة، بلغة المصالح… لا بروح العواطف المتقلبة.
* نقلاً عن الشرق الأوسط
الوسومآفي ديختر إسرائيل إيران الأمن القومي العربي الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو تل أبيب حزب الله حماس سوريا عثمان ميرغني نظام الأسدالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آفي ديختر إسرائيل إيران الأمن القومي العربي الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو تل أبيب حزب الله حماس سوريا عثمان ميرغني نظام الأسد
إقرأ أيضاً:
تدمير أصول الجيش السوري.. ماذا تفعل إسرائيل بدمشق؟
بعد سقوط نظام الأسد خلال الساعات القليلة الماضية قام الاحتلال الإسرائيلي بشن سلسلة مكثفة من الغارات الجوية، بلغت 310 غارات، على مواقع عسكرية متعددة في سوريا مما أسفر عن دمار كبير في البنية التحتية العسكرية.
في محاولة من الاحتلال الإسرائيلي القضاء على قدرات الجيش السوري الحر، لذلك نستعرض إليكم جميع التفاصيل.
تدمير الطائرات ومنشآت عسكرية حيوية
ذكرت القناة "14" العبرية أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت عشرات المقاتلات السورية، من بينها طائرات طراز "ميغ 29"، التي تعد من الأصول الرئيسية لسلاح الجو السوري.
كما شملت الضربات مواقع لإنتاج الصواريخ الباليستية، مستودعات أسلحة، ومنظومات دفاع جوي، وفقًا لهيئة البث الإسرائيلية "كان".
أهداف استراتيجية لضمان حرية العمل الجوي
أشارت المصادر الإسرائيلية إلى أن الهدف الأساسي لهذه الهجمات هو ضمان استمرار حرية العمليات الإسرائيلية في الأجواء السورية.
وأفادت القناة "12" العبرية بأن الغارات استهدفت مستودعات أسلحة قرب مطارات دمشق الدولي والمزة وهلالة العسكريين، خشية وصولها إلى أيدي المعارضة السورية المسلحة أو الجماعات المسلحة الأخرى.
تعزيز الأمن الإسرائيلي في الجولان
وفي سياق متصل، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إسرائيل تسعى لإنشاء منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود مع الجولان، بهدف تعزيز الأمن وحماية المستوطنات.
وأوضح دميتري غيندلمان، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن القوات الإسرائيلية بدأت بالفعل في إقامة منطقة "عزل" إضافية على الجانب السوري من جبل الشيخ.
تدمير شامل للمقدرات العسكرية السورية
حسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، شنت الطائرات الإسرائيلية نحو 310 غارات جوية على مواقع مختلفة في سوريا، مستهدفة مطارات، مستودعات أسلحة، أنظمة دفاع جوي، ومراكز أبحاث علمية.
وأكد عبد الرحمن أن الضربات الجوية دمرت بالكامل أهم المواقع العسكرية وأصول الجيش السوري، مشيرًا إلى أن المواقع المستهدفة كانت خالية من العناصر البشرية.
أشار إلى أن الضربات طالت أيضًا منشآت استراتيجية مثل الرادارات ومحطات الإشارة العسكرية، مما يعكس رغبة إسرائيل في القضاء على أي تهديد مستقبلي محتمل.
توغل إسرائيلي قرب دمشق
ذكرت مصادر أمنية أن الجيش الإسرائيلي توغل بعمق 25 كيلومترًا جنوب غرب العاصمة دمشق، ووصل إلى منطقة قطنا. يأتي هذا التحرك ضمن "إجراءات محدودة ومؤقتة"، حسب ما زعمت إسرائيل في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، حيث أوضحت أنها تهدف إلى "حماية مستوطنات الجولان المحتل".
وفي الداخل الإسرائيلي، انتقد رئيس المعارضة يائير لبيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واصفًا إدارته للأحداث في سوريا بأنها "تصرف غير مسؤول وخطير".
واتهم لبيد الحكومة الإسرائيلية بمحاولة التفاخر بدورهم في سقوط نظام الأسد، محذرًا من أن تصريحاتهم قد تثير غضب المعارضة السورية والعالم العربي على حد سواء.
إدانة مصرية قوية للتصرفات الإسرائيلية
من جهتها، أدانت مصر بأشد العبارات استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة والمواقع القيادية المحيطة بها، واعتبرته انتهاكًا صارخًا لسيادة سوريا ومخالفة واضحة لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أكدت القاهرة أن هذه الممارسات الإسرائيلية تتعارض مع القانون الدولي، وتستغل الوضع الراهن في سوريا لفرض أمر واقع جديد. وطالبت مصر مجلس الأمن والقوى الدولية باتخاذ موقف حاسم لضمان سيادة سوريا على أراضيها ووقف الاعتداءات الإسرائيلية.
بدورها، اعتبرت إيران دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة في الجولان السوري انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة.
وأوضح الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن هذا العدوان يمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي وتحديًا لاتفاقيات الأمم المتحدة التي تنص على حياد المنطقة.
الأمم المتحدة تؤكد الانتهاك الإسرائيلي
وفي سياق متصل، أكدت الأمم المتحدة أن إسرائيل انتهكت اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 بسيطرتها على المنطقة العازلة. وشددت المنظمة الدولية على أهمية احترام الاتفاقيات الدولية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
مطالبات بموقف دولي حازم
مع تصاعد التوتر في الجولان السوري، باتت الأنظار تتجه إلى مجلس الأمن والقوى الكبرى لاتخاذ خطوات جدية للحد من التصعيد وضمان احترام سيادة الدول وحدودها المعترف بها دوليًا.
نفي إسرائيل
نفى المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاجاري، ما تردد حول وصول القوات الإسرائيلية إلى عمق 25 كيلومترًا من العاصمة السورية دمشق.
وأكد، في تصريح لوكالة "رويترز"، أن الجيش لم يتجاوز حدود المنطقة العازلة، التي تخضع لاتفاقيات دولية لضمان حياديتها.