أعراس سوريا وزلازلها!
دمشق.. من أبواب متفرقة !!
قراءة أولى للمؤشرات الظاهرة
مدخل :-
………….
> في مجموعة اسفيرية تضم بعضا من أهل الشام والعراق ولبنان كتبتُ مواساةً ونعيا في حق الشهيد حسن نصر الله فلحظتُ (استغرابا) في ( القروب) ثم بدا أنه اكثر من ذلك إذ أنه يتبدى كامتعاضٍ مكتوم سرعان ماانفجر في شكل تعليقات تقدح في الرجل بل وتبتهج لمقتله وتهنئ بذلك !! … بعد استفاهامات وتساؤلات تحسستُ من مكاني الأخدود الشعوري العظيم الذي يقْسم الناس إلى سنة وشيعة وهو اخدود مشتعل بنار الكراهية والحنق فالبعض على جانبي الأخدود يقدمون كراهية نصر الله على كراهية إسرائيل ! والسوريون يرون وجهه في كل براميل بشار المتفجرة والعراقيون يلمحون وجهه في كل برميل بترول تسرقه أمريكا من نفطهم !!!
في حين أن البعض يراه الرجل الوحيد الذي ظل يُدخل اصبعه في عين إسرائيل وهو الذي يُقاتل من أقرب نقطة للعدو إلى أن صعدت روحه إلى بارئها حين انغرس جسده المُسجى في داخل أعماق الأرض حيث تم قصفه هناك
> واذا كان الانقسام في جبهة العداء لاسرائيل حول حسن نصر الله بهذا الاتساع فإنه حول ماحدث في دمشق وسوريا اشنع اتساعا وأوسع ومن العسير في هذه المقالة أن نتتبع رأس الفتق إلى آخره فهو متعرج ملتوٍ يتوه في تضاريس وينبهم في منعرجات رملية تخفي الكثير من تناقضات المصالح ولهذا دعنا نضع عناوين جانبية بتعليقات قصيرة على ظاهر المشهد نشرح فيها حصص وأسهم وأرباح وخسائر كل الأطراف من (زلزال سوريا وعرس دمشق)!!!
> مريم السورية:-
………………….
غضة صغيرة كأنها أخت سيف الدولة الحمداني التي رثى المتنبئ أمها قديما:- ( فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولاالتذكير فخر للهلال ) .. وكانت نساء ضاحية (كايا شهير) الجديدة في استانبول يتعجبن كيف لهذه الشامية الفرعاء أن تعمل خادمة في البيوت؟… كتبت مريم اليوم في ( الاستوري ) هاهي الشمس تنام مرةً أخرى في أحضان الشام وموسم حصاد التوت البري من ريف الغوطة التي يسقيها نهر بردى قد أزف وقد آن لهذه السواعد المتعبة أن ترتاح من غسل الزجاج ومسح البلاط !!!
> السائق أبو أحمد
…………………….
> كان يُصلي الفجر في مسجد السلطان سليم ويُخرج هاتفه السيار ويصيح في أبنائه الثلاث بصوته المبحوح وهم في ميناء (ازمير) يهمون بركوب البحر إلى أوربا بعد أن أُحرقت متاجرهم في (ميدان اسنيورت) ذات جنون شعوبي مقيت، صاح فيهم بلياقة شيخ ستيني أن عودوا من ركوب البحر فدمشق تحتضن أبناءها من جديد!!
> احمد الشرع .. ابو محمد ( الجولاني )
………………..
عريس أفراح دمشق الأول ، تبدو المعلومات عنه شحيحة جدا فسوى بياناته الشخصية التي تقول أنه من أصول( جولانية) وولد بالسعودية في مطلع الثمانينات ولكن يبدو أن التتبع السياسي لمسيرته يرهق علم الخرائط.. فالثابت علاقته السابقة بالقاعدة ثم بداعش ثم انقسامه ليكون جبهة تحرير الشام والتي ظلت تقاتل بسلاح تركي ثم أنه نجح في توحيد كل الفصائل السورية قُبيل اقتحام دمشق ثم انه قدم لإدارة المشهد قيادات بخلفيات مختلفة بل ومتباينة ، مثل( المهندس محمد البشير) و(رياض حجاب) و(محمد غازي الجلالي) و(هادي البحرة) …. الجولاني الذي أكد شفاهةً عبر لقاء تلفزيوني أنه أحدث قطيعة كلية مع انتماءاته السابقة( القاعدة) وداعش وغيرها مطلوب منه خلال الشهور القادمة ان يُثبت ذلك عمليا على الأرض وعبر الممارسات الناطقة إذ أن تلك الخلفيات تثير حوله شكوكا في غاية التباين أشدها غرابة تقول أنه صنيعة مطابخ استخباراتية تريد أن تخترق به المنطقة بلبوس جديد مثلما اخترقت تلكم المطابخ المنطقة بتنظيم داعش ومزقت به العراق .. كما أن البعض يرى أن الجولاني إنما هو شوط من أشواط تقلبات سوريا بين المحور الشيعي والسني وآخرون يرون أن الجولاني قد يكون شوطا من أشواق السباق المخابراتي الأمريكي التركي أما الذين يتفاءلون بالرجل فيقولون ان الرجل الذي خلع اللثام ثم خلع العمامة ثم ارتدى ( البدلة) فهو براغماتي بامتياز لديه تصوراته الخاصة ومن الصعب تعليبه (كمنتج استخباراتي) أو (سجنه) في محاور بعينها وهو مايشير الى أنه رجل دولة بامتياز يستوعب مرونتها وتكتيكاتها وهذا مااشار إليه بيان حكومة بايدن اليوم ….بل وهذا مااظهرته فترة إدارته للسلطة في إدلب إذ نجح في إدارة التعقيدات وحقق أمنا ورخاء لم يتوافر في كل سوريا … وعلى العموم فإن القول الفصل في ذلك هي اتجاهات سوريا العملية على الأرض تحت القيادة الجديد
> بشار الأسد
……………….
الخاسر الأكبر … وسيقضي بقية عمره في غرفة( صَكّاء) لا أذن لها وشاشة ذكية تنقل له مشاهد كسر اقفال سجن (صيدنايا) وتنقل له كيف عاد آلاف السجناء إلى أحضان أمهاتهم وكيف أن الشبيحة الذين ادخرهم لحمايته هاهم يسرقون قصره ويدوسون على صور (العيلة) غير مُبالين ..
> إيران :-
……………
> ستظل تسير في طريق الهزائم التي ظهرت في مجمل الاغتيالات الداخلية وسط قادتها وانتهت باغتيال إسماعيل هنية الذي هز جدار التماسك الداخلي ثم اغتيال حلفائها في فلسطين ولبنان (السنوار ونصر الله) ثم انسحابها من سوريا ، هذا الطريق الذي ربما لايزال فيه بقية فقد تسحب إيران نفسها من اليمن وتخفف وجودها في العراق وقد يمتد هذا الشرخ فيتحول إلى صدع عميق يشق جسد المؤسسة الحاكمة في إيران فيسقطها كليةً !!
> تركيا
…………
ستكون أنجزت لأمنها القومي انتصارات كبيرة وحاصرت المغامرة الكردية وقاومت بنجاح كل محاولات غرز شوكة صدئة مسمومة على حدودها مع سوريا الأمر الذي اجتهدت فيه كثير من المطابخ الدولية وعلى رأسها المطبخ الصهيوني كما أن أردوغان سينجح بعد توفيق ملف اللاجئين السوريين في تركيا من نزع ورقة ابتزاز انتخابية مزعجة كانت تلعب بها المعارضة الداخلية وفي هذا تنجح الاستراتيجية العسكرية والأمنية التركية في الملف السوري مثلما نجحت في الملف الأمني القبرصي وملف أرمينيا إلى حد بعيد وكما نجحت في الملف الليبي وهي تُبعد الأشواك عن حذائها
> إسرائيل :-
……………
تبدو مكاسب اسرائيل الظاهرية متصلة بسقوط الأسد فهي كأنها تُلاحق الحلف الإيراني بالصفعات فتُخرج حزب الله من غزة ولبنان والآن من سوريا بل وقد ينكمش نفوذ المحور الإيراني في اليمن والعراق كما أشرنا عاليه بل أن الأمر يبدو أعمق من ذلك من زاوية قراءة المخطط الإسرائيلي منذ منتصف التسعينات القائل بتفكيك كل جيوش المنطقة التي لم تنخرط حكوماتها في التطبيع وهي خطة خماسية بدأت بالحريق الليبي ومرت بالسودان وتنتهي الآن بدمشق وفق منطوق هذه القراءة ولكن يجب أن نؤكد أن هذه القراءة على ( واقعيتها) ولكنها تبدو مؤقتة في انتظار حركة العوامل الأخرى التي لن تسكن ولن تهدأ وتستكين فالصراع الأمني العربي الإسرائيلي صراع وجودي مستمر وإن يبدو الآن في حالة كُمون سالب !!
> محور المقاومة
…………………..
> الطقس الشتوي الحالي هو ذات مواصفات الطقس السياسي الأمني الذي سيؤدي إلى تساقط الكثير من الأوراق ويخلف حالة تعري على أغصان شجرة المقاومة ولكن هذا قطعا في انتظار خريف جديد وعام فيه تُغاث المقاومة وتنتفض ولكن الأمر يحتاج إلى عصف ذهني جماعي وليس( جمعي) فالظروف التي أنتجت مفاهيم ملحة لبروز منظمة التحرير من قبل وحركة المقاومة من بعد هي ذات ظروف( الحيرة والحوجة) التي ستنتج مفهوما جديدا وأدوات جديدة وذهنا وجلدا جديدا لمفهوم المقاومة
> روسيا
…………
> يبدو أن الدب الروسي بوتين سيقبل المساومة الترامبية مبكرا وهو في ذلك يقدم (سبت) سوريا ليضمن ( أحد) اوكرانيا فترامب يطرح موقفا جديدا أساسه وقف الحرب الروسية الأوكرانية وهذه المساومة ستضمن لروسيا ثلاثة أهداف مهمة أولها أنها سترفع عن كاهل روسيا اثقال كلفة الحرب والتي هي في حقيقتها حرب ضد حلف الناتو، ثم أن ترامب سيحفظ لروسيا بقاءها في الأراضي التي تواجدت فيها بعد الحرب وأنها ستضمن عدم انضمام اوكرانيا لحلف شمال الأطلسي لمدة عشرين سنة قادمة كل هذا مع احتفاظ روسيا بقواعدها في سوريا
> أمريكا
………….
> ستبدو مظاهر كسبها جلية من زاوية كسب اسرائيل بزوال نظام الأسد ولكن مكاسب أمريكا الحقيقية التي لاتزال تبحث عن استمرارها في سوريا هي استمرار حضانتها لآبار البترول وسرقته مثلما فعلت في ليبيا والعراق وهذا مرتبط في سوريا باكتمال ملامح القوى الجديدة الحاكمة في ليبيا ، كما أن ترامب يستطيع أن يدعي بأنه في الطريق للإيفاء بوعده الإنتخابي بوقف الحروب في العالم بوقف حرب المحاور في سوريا ولكنه قطعا بخصوص سوريا فسيبقى مجرد ادعاء معنوي
التحديات والمطلوبات
……………………….
> يبدو على عاتق قوى الإنتصار في سوريا عدة تحديات أهمها هي الحفاظ على عظم الجيش السوري والحفاظ على بنياته التحتية والتي بدأت اسرائيل فعليا في تدميرها باستهداف الأسطول البحري السوري ثم على قوى الإنتصار السوري العمل سريعا على توحيد الجبهة الداخلية وفق مُتاحات الحدود الدنيا المعقولة وضمان عدم الاحتراب على مغانم السلطة مابعد بشار واستخلاص البترول السوري من براثن النهب الأمريكي والعمل ببطء وروية للانفتاح الخارجي فسوربا إحدى المفاتيح المهمة لاستعادة التوازن إلى المنطقة ولكن حتما بعد أن تتعافى وتستعيد توازنها الداخلي فالظهر المقروح لايتحمل حتى ارتداء القميص
حسن اسماعيل
١١/ ١٢/ ٢٠٢٤م
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی سوریا
إقرأ أيضاً:
ما الذي تنتظره سوريا؟
بعد يوم واحد فقط من تغيير نظام الحكم في سوريا، شنت إسرائيل أعنف قصف جوي على مواقع الجيش السوري بواسطة 350 طائرة استهدفت نحو 320 هدفاً، ودمرت نحو 80% من قدراته، وذلك يعني عملياً أن سوريا أصبحت دون عتاد عسكري، وأي بلد دون جيش مجهز يصبح في مهب الريح، ولذلك استولت إسرائيل على المنطقة العازلة في الجولان بكامل حريتها وتوغلت قليلاً بعدها.
يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، إن نية إسرائيل واضحة بمنع أي تهديد قادم من سوريا، فأي تهديد كان يتوقعه من بلد في حالة فراغ لم يبدأ التقاط أنفاسه بعد، ولا توجد فيه الآن دولة تملك قراراً يمكن أن يهدد أضعف طرف مجاور.
الغريب في الأمر، أنه لم يحرك ساكناً لدى المجتمع الدولي، إلى الآن المملكة فقط من أصدرت بياناً رسمياً واضحاً ومباشراً يدين ما حدث ويؤكد على ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها. لكن الأغرب من موقف المجتمع الدولي هو أننا لم نسمع موقفاً من إدارة التغيير في سوريا، على الأقل يعبر عن الرفض لما فعلته إسرائيل، على طريقة فليسعد النطق إن لم يسعد الحال، وذلك أضعف الإيمان.
هذا الوضع يتحول من غريب إلى مريب، إذا وضعنا حلقات السيناريو في سياق متصل منذ بدايتها وصولاً إلى الصمت على الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة لسيادة سوريا على أرضها وتدمير قدرات جيشها، في الوقت الذي تسلمت فيه فصائل المعارضة، أو هيئة تحرير الشام تحديداً زمام الأمور.
بكل تأكيد فإن إدانة العدوان الإسرائيلي لن تكون محل خلاف لدى السوريين مهما كانت الاختلافات بينهم، والإدانة وحدها لو جاءت لا تعني بحال من الأحوال تهديداً لإسرائيل، هذه الحقيقة تعرفها إسرائيل قبل أي طرف آخر، لكنها تمثل موقفاً وطنياً وأخلاقياً، فلماذا لم يتخذه القائمون على أمر سوريا الآن؟
المسألة ليست مجرد رغبة لاستحضار نظرية المؤامرة بخصوص ما يحدث دون سبب أو مبرر، لكنه سيناريو يُجبر أي متابع على إثارة التساؤلات، سقوط المدن السورية تباعاً كأحجار الدومينو بسرعة قياسية وصولاً إلى دمشق على أيدي فصائل مسلحة كانت وزعيمها مصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، مغادرة مفاجئة للرئيس السابق وتنصل حلفائه من دعمه، اختفاء دور الجيش أو عدم وجوده فعلياً، انقضاض إسرائيلي سريع وشرس على بنية الجيش وانتهاك للأراضي السورية، صمت دولي وداخل جهاز إدارة المرحلة، فماذا يحدث بالفعل، وماذا تم ترتيبه في سورية، وهل نكتشف ذات يوم، لا قدر الله، أن سوريا تخلصت من كابوس لتدخل مرحلة كابوس أسوأ وأخطر، لا سيما والأمر واضح بالنسبة لمخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي يراد لإسرائيل أن تكون القوة الأبرز فيه، وتحقيق حلمها التأريخي بالتوسع في الأرض العربية.
هل نحن إزاء تغيير إيجابي حقيقي في سوريا يبعث التفاؤل بمستقبلها، أم أن هناك فصلاً جديداً من المخطط التدميري للمنطقة؟