براءة للذمة: في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل الجاوي
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
كتب / أزال عمر الجاوي
بعد أسبوعين تقريباً، تهل علينا الذكرى السابعة والعشرون لرحيل والدي، رحمه الله، الرجل الطيب المتواضع الكريم الزاهد، عمر عبدالله الجاوي.
سبعة وعشرون عاماً مرت كلمح البصر، أشعر فيها بتقصير كبير تجاهه، وتجاه محبيه، وتجاه التاريخ الوطني، حيث عجزت عن جمع تراثه أو، بالأصح، تراث الحركة الوطنية التي كان جزءاً لا يتجزأ منها.
كان والدي، رحمه الله، رجلاً لم يعش لنفسه قط، بل قضى حياته فعلاً وليس مجازاً من أجل الوطن وخدمة الوطن. كان مسكوناً بالهم الوطني من رأسه حتى أخمص قدميه، في حالة اندماج كاملة وهيام روحاني بحب اليمن. أستطيع أن أقسم بالله، كل يوم ولمدة ألف عام، أنني لم أرَ مثيلاً له في عشقه الحقيقي لليمن ولا شيء سواه. حتى أنا، ابنه الوحيد، كنت شيئاً ثانوياً بالمقارنة مع الوطن.
طبعاً، شهادتي فيه مجروحة، لكن كل من عرفه، حتى خصومه (رغم أنه لم يكن لديه خصوم شخصيون بسبب زهده وكرمه المفرط)، يعرف أن ما أقول ربما أقل من الحقيقة.
جمع التراث: مسؤولية مؤجلة
أما عن مسألة جمع تراثه، فإبراءً للذمة، أعترف أن عجزي كان من شقين:
1. شق شخصي:
• تمثل في هجرتي وعدم قدرتي على العودة للقيام بما يلزم تجاه جمع تراثه إضافة الى ضعف قدرتي المادية في حينه.
2. شق سياسي:
• بعد وفاته مباشرة، أُبلغت بطريقة مهذبة أن تراث والدي ليس ملكاً لي شخصياً، وإنما ملك للدولة، وأنها وحدها صاحبة الحق في طبع أو نشر أي شيء من تراثه.
• بالإضافة إلى ذلك، اختفت بعض الوثائق المتعلقة بتاريخ الحركة الوطنية أثناء مرضه وسفري خارج الوطن.
• امتنعت وزارتا الإعلام والثقافة في صنعاء عن تزويدي بأي وثائق أو محتويات متعلقة بالوالد، بما في ذلك محتوى موقع الجاوي الإلكتروني، الذي تم إغلاقه بعد 21 سبتمبر 2024.
مشاريع الكتب المفقودة
كان والدي يعمل على مشروعين توثيقيين كبيرين:
1. الكتاب الأول: تاريخ الحركة الوطنية (شهادات حية)
• يتناول تاريخ الحركة الوطنية منذ منتصف الخمسينيات حتى وفاته.
• اعتمد فيه على تسجيلات صوتية (كاسيت) بدأ تسجيلها منذ الثمانينيات، وكان يفرغها أيضاً على الورق، مدعومة بالوثائق.
• كانت هناك ثلاث نسخ من التسجيلات الصوتية حسب علمي:
• نسخة في المنزل (فقدت أثناء مرضه).
• نسخة لدى الأستاذة الصحفية فادية الزعبي.
• نسخة لدى الأستاذ فيصل الحماطي في براغ.
• للأسف، جميعها ضاعت باستثناء مجموعة بسيطة لا يزال الأستاذ فيصل يحتفظ بها، وقد أطلق بعضها. ورغم مطالبتي له بتزويدنا بما تبقى من التسجيلات التي لم تُنشر، إلا أنه اعتذر، ووعد بنشرها لاحقاً بعد تجاوز بعض الإشكالات الفنية.
2. الكتاب الثاني: مذكرات الجلسات الخاصة مع رؤساء اليمن (شهادات حية)
• تناول فيه جلساته الخاصة مع رؤساء اليمن المتعاقبين، شمالاً وجنوباً، منذ نهاية الستينيات حتى وفاته.
• كان يدون فيها ما يُقال في الجلسات المغلقة ولم يُعلن، حول الوحدة والصراعات الداخلية وأماني وطموحات وأهداف الرؤساء، إضافة إلى الجوانب السلبية.
• كان جزء من هذا الكتاب مسجلاً أيضاً، لكنه اختفى ولم أجد له أثراً.
الوثائق المفقودة والتالفة
هناك ما يقرب من 20 إلى 30 كرتوناً كبيراً من الوثائق التي كانت تضم:
• وثائق لجان الوحدة المختلفة، بما فيها اجتماعات القمة بين رؤساء اليمن (طرابلس، القاهرة، الكويت، وغيرها).
• وثائق بخط اليد، مثل:
• قصاصات ورقية (على ظهر باكيت سيجارة) بخط يد الرئيس سالمين أثناء جدال في طرابلس حول اسم دولة الوحدة.
• المسودة الأولية لاتفاق الكويت، مكتوبة بالقلم، وعليها تعديلات وملاحظات، ربما بعضها بخط يد الرئيس الراحل عبدالفتاح إسماعيل.
• جميع اتفاقيات دولة الوحدة (باستثناء اتفاقية عام 1990)، وكذلك دستور دولة الوحدة، بخط يد والدي، رحمه الله.
• وثائق فترة حصار السبعين والمقاومة الشعبية، منها:
• وثائق المرتزق بوب دينارد ومراسلاته الشخصية لصديقاته في أوروبا، مع بعض الصور الخاصة له معهن، التي استُولي عليها من أحد المواقع القريبة من بيت بوس في حدة.
• وثائق خاصة بـحزب العمل وحزب التجمع.
• وثائق المؤتمر الوطني الأول المنعقد في صنعاء عام 1991، ووثائق تأسيس التكتل الوطني للمعارضة في تلك الفترة.
• وثائق تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومؤتمراته.
• وثائق لجنة الحوار ووثائق متعلقة بالإعداد لوثيقة العهد والاتفاق.
• وثائق مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة، الذي تأسس بعد حرب صيف 1994.
• مقتطفات من قصائد مبعثرة بالفصحى والعامية، حاولنا جمع جزء منها. وقد كان الجزء الأكبر مع والدنا الفقيد عبدالله حسن العالم، رحمه الله.
• مقالات وبيانات وأخبار ومراسلات بخط يد الوالد.
للأسف، ظروف التخزين أدت إلى تلف الجزء الأكبر من هذه الوثائق، ما يُعد خسارة كبيرة للتاريخ الوطني.
خاتمة
رغم كل ما مر، ما زال الأمل قائماً في جمع ما تبقى من تراث والدي وإعادة توثيقه.
أسأل الله أن يوفقني في رد بعض الجميل لذكراه العطرة، وللوطن الذي أحبّه حتى آخر يوم في حياته.
المصدر: موقع حيروت الإخباري
إقرأ أيضاً:
سامية صلاح جاهين: سعيدة بإنصاف تاريخ والدي بتغريم هذه الشركة بحكم قضائي ..خاص
أعلنت سامية صلاح جاهين، ابنة الشاعر والفنان الراحل صلاح جاهين، عن سعادتها بصدور حكم قضائي بتغريم إحدى شركات الاتصالات مليون جنيه مصري لصالح الأسرة، وذلك بعد استخدامها في عام 2022 ثلاث أغنيات من تأليف والدها دون الحصول على إذن مسبق. والأغاني التي تم استغلالها هي: "الدنيا ربيع، يا واد يا تقيل، وخلي بالك من زوزو"، وقد تم تنفيذ قرار المحكمة والتعويض للأسرة.
في سياق متصل، تحتفي دار الأوبرا المصرية وقطاع الفنون التشكيلية بإرث صلاح جاهين الفني، حيث يتم تنظيم فعاليات خاصة تخليدًا لذكراه، وتقديرًا لدوره الكبير في إثراء الحركة الإبداعية في مصر.
كما قررت وزارة التربية والتعليم تخصيص فقرة يومية في الإذاعة المدرسية بجميع المدارس المصرية، تتناول سيرة صلاح جاهين وإسهاماته الفكرية والإبداعية، بهدف تعريف الأجيال الجديدة بإبداعاته وتأثيره العميق في الثقافة المصرية.
من جانبها، وجهت سامية صلاح جاهين شكرها إلى وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، على الجهود المبذولة للحفاظ على إرث والدها الإبداعي، مؤكدة أن هذه المبادرات تسهم في إبقاء ذكراه حية وتعريف الأجيال الجديدة بعطائه الفني والأدبي.
تقديم سيرة ذاتية
وحول إمكانية تقديم عمل يتناول السيرة الذاتية لوالدها، أكدت أنها ليس فكرة جيده و لا افضل هذة الفكرة ، سامية صلاح جاهين ، مشيرة إلى أن أعماله هي أفضل تجسيد لسيرته الحقيقية
وأوضحت أن تقديم السيرة الذاتية في عمل فني قد يؤدي إلى حدوث أخطاء تاريخية أو ترويج معلومات غير دقيقة عن حياته.
وأضافت أن أعظم تكريم لصلاح جاهين هو بقاؤه دائمًا في ذاكرة الجمهور، واستمرار تداول أعماله التي لا تزال تلامس وجدان الناس حتى اليوم.