يونس المجرفي.. تعلمت ست قراءات متواترة وأسعى لإكمال العشر
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
المسابقات القرآنية: محفز للإتقان وشحذ الهمم -
عندما فاز بجائزة السلطان قابوس للقرآن الكريم، شعر بمزيج من الفرح والفخر، لكن هذا الشعور لم يكن مرتبطًا فقط بالإنجاز، بل كان تذكيرًا بسنوات من الجهد والتفاني فـي حفظ القرآن ومراجعته، هذا شعور الحافظ لكتاب الله يونس بن عبدالله بن سعيد المجرفـي الحاصل على المركز الأول فـي المستوى الأول وهو حفظ القرآن الكريم كاملا، هذه المسابقة التي أعلنت نتائجها فـي مؤتمر صحفـي الأحد الماضي، التي شارك فـيها 1790 متسابقًا ومتسابقة فـي جميع المستويات السبعة.
هذا التقدير لم يكن مجرد تكريم شخصي، بل كان أيضًا مسؤولية كبيرة عند يونس المجرفـي، حيث يقول: «الفوز بهذه الجائزة جعلني أشعر بشكر عميق لله على هذه النعمة العظيمة التي وهبني إياها، فـي الوقت نفسه، شعرت بثقل المسؤولية التي تأتي مع هذا اللقب، فالمجتمع ينظر إلى الحافظ كقدوة، كمن يحمل كتاب الله، وهذا يتطلب أن أكون نموذجًا فـي سلوكي وأسلوب حياتي»، ومن هنا جاءت رغبته فـي أن يترجم هذا الفضل إلى أفعال، ويسعى دومًا لجذب من حوله لتشجيعهم على البدء فـي حفظ القرآن الكريم.
خطوات الرحلة الأولى
رحلته مع القرآن الكريم بدأت منذ الصغر، حيث كان يرافق والده الذي كان إمامًا فـي أحد الجوامع التابعة لديوان البلاط السلطاني، كانت هذه الرحلات اليومية تشكل جزءًا كبيرًا من حياته: «كنت أرافق والدي بشكل مستمر، وفـي بعض الأوقات كنت أرى نفسي فـي مخيلتي إمامًا، وأنا أؤم المصلين، كان لهذه اللحظات تأثير عميق فـي نفسي، وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مشاركاتي فـي حلقات تحفـيظ القرآن خلال الإجازات الصيفـية، حيث كنا نتنافس مع باقي الطلبة فـي الحفظ والمراجعة، هذا التنافس كان له دور كبير فـي تعزيز عزيمتي وحبي لحفظ كتاب الله»، يذكر ذلك بابتسامة تملؤها الذكريات الجميلة.
كان يجد الوقت لحفظ القرآن موازاة مع الدراسة والعمل، وهو ما كان يتطلب منه ترتيبًا دقيقًا لجدوله اليومي: «كنت أخصص وقتًا قبل صلاة الفجر للحفظ، وفـي أيام الإجازات كان الوقت يمتد أحيانًا إلى ما بعد الشروق، كنت أضع جدولًا منظمًا بين الحفظ الجديد ومراجعة ما حفظته سابقًا، وكان الأمر يتطلب مني دائمًا الموازنة بين القرآن وبين الدراسة أو العمل، فلا يوجد شيء يمنع من مواصلة حفظ القرآن إذا كان الشخص يعرف كيف ينظم وقته بطريقة تناسب كل مسؤولياته، أحيانًا كنت أضطر إلى تقليل الحفظ الجديد لتكريس وقت أكبر للمراجعة، خاصة لتثبيت المحفوظ القديم».
رفـيق يشاركك الهدف
لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، فقد واجه بعض الصعوبات والتحديات: «من أكبر التحديات التي واجهتها كان عدم وجود رفـيق يرافقني فـي مشوار حفظ القرآن، عندما لا تجد من يساندك فـي هذه الرحلة، يصبح الحفظ أكثر صعوبة، وتضعف العزيمة أحيانًا، لذا أنصح كل من يرغب فـي حفظ القرآن أن يكون له رفـيق يشاركه هذا الهدف، فهذا يقوي العزيمة ويجعل الطريق أسهل، إضافة إلى ذلك، لم تكن لدي خطة منظمة للحفظ فـي البداية، مما جعلني أضطر إلى التوقف لفترة، إلا أنني بعد ذلك عدت لاستكمال الحفظ من جديد»، يضيف بنبرة من الإصرار.
بركة القرآن جعلتني أتقن
الفرنسية والإسبانية
ومن خلال تجربته العميقة مع القرآن، لم يقتصر تأثيره على الحفظ فقط، بل تعدى ذلك إلى جوانب أخرى من حياته: «القرآن الكريم كان السبب فـي توجيهي لدراسة مختلف القراءات القرآنية، وبفضل الله حصلت على إجازات فـي قراءات متواترة، وهذه هي البركة الأولى التي جنيتها من حفظ القرآن، بعد ذلك، دفعني هذا الحب للقرآن إلى دراسة بعض اللغات الأجنبية، مثل الفرنسية والإسبانية، حتى أنني وصلت إلى مستوى متقدم فـي كلا اللغتين، وأستطيع التحدث بهما بسهولة، هذه الأمور كلها من بركات القرآن الكريم التي لم تكن لتتحقق لولا فضل الله ونعمة القرآن».
كان دائمًا يؤمن أن تغيير القناعات يمكن أن يكون له تأثير كبير فـي تسريع عملية حفظ القرآن الكريم، يقول: «فـي البداية، كان الكثير منا يظن أن حفظ القرآن الكريم أمر فـي غاية الصعوبة، كيف يمكن للإنسان أن يحفظ 604 صفحات وكل صفحة تحتوي على 15 سطرًا؟ كان هذا يبدو مستحيلا، وكنا نعتقد أنه يتطلب عقلًا خارقًا»، ولكن مع مرور الوقت، بدأوا يفهمون أن الأمر ليس كما كانوا يتصورون، «كما يُقال، الإنسان عدو ما يجهل، توكلنا على الله، واستلهمنا من القدوات التي سبقتنا فـي هذا المجال، وبدأنا فـي تقسيم الحفظ إلى مراحل صغيرة، وكل يوم، كنا نقترب أكثر من هدفنا، بفضل الله، تمكنا من إتمام الحفظ، خطوة بخطوة، حتى أصبحنا حافظين للقرآن».
تثبيت الحفظ
ومع أن الحفظ كان يتطلب جهدًا كبيرًا، كانت له أيضًا تحديات كبيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشكلة النسيان، يعترف قائلاً: «الكثير من الناس يعانون من سرعة نسيان ما حفظوه، وأنا كنت من بينهم، لكن تعلمنا أنه لا بد من أن نثبت الحفظ من خلال المراجعة اليومية، يجب أن يكون لكل حافظ ورد يومي من القرآن الكريم، وهذا يساعد على تثبيت الحفظ، فإذا كنت قد حفظت 10 أجزاء، فالمراجعة اليومية ستكون أقل من شخص حفظ 20 جزءًا، وكذلك من حفظ 30 جزءًا، كلما زاد الحفظ، كلما كانت المراجعة أكبر»، كان يولي أهمية كبيرة فـي تنوع طرق وأساليب المراجعة، «كنت أراجع فـي المسجد، وفـي السيارة، وأثناء رياضة المشي، كنت أتنقل بين أسلوب المراجعة السريعة والبطيئة، حتى لا أمل من الطريقة الواحدة».
ذكريات طريفة مع القراءات
ثم يتذكر إحدى اللحظات التي لن ينساها أبدًا أثناء مسيرته مع القرآن، وهي حادثة طريفة حدثت له مع أحد زملائه: «كان ذلك فـي إحدى الصلوات، حين طلب مني أحد الأصدقاء أن أقرأ لهم برواية شعبة عن عاصم، قرأت لهم، لكن أثناء الصلاة، رد عليّ زميلي وكأنه أخطأت فـي القراءة، كان أسلوبه فـي الرد يشير إلى غضب، لم ألتفت إليه فـي البداية، ولكن بعد الصلاة بدأ ينبهني، وكان يعتزم إعادة الصلاة، عندها جلست معه وبدأت أشرح له بعض تفاصيل علم القراءات حتى هدأت نفسه».
أما الآية التي يجد نفسه يتلفظ بها دون أن يشعر، فهي من آيات نبي الله يونس: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»: «تلك الآية تتردد فـي ذهني دائمًا، وكأنها تخرج من لساني بشكل طبيعي، تحتوي هذه الآية على معاني كبيرة وتذكرني بتواضع الإنسان أمام الله، وهي تلهمني فـي كل لحظة من حياتي».
صعود سلم مستويات المسابقة
كان من المقرر أن يشارك فـي العديد من المسابقات القرآنية التي تقام على مستوى البلدة خلال أيام دراسته، ولكن المسابقات التي أثرت فـي مسيرته كانت تلك التي شارك فـيها لاحقًا، مثل مسابقة السلطان قابوس، بدأت مشاركاته بمستوى حفظ 12 جزءًا، ومن ثم بدأ فـي صعود سلم الفروع حتى وصل إلى المستوى الأول، «المسابقات القرآنية تعد حافزًا كبيرًا للحفظ ولتجويد الحفظ، فهي تشحذ الهمم وتدفع الحافظ إلى تعلم التجويد وإتقان الحفظ، فقبل كل مسابقة، يبدأ المتسابق بمراجعة حفظه بشكل مكثف، ويعرض تلاوته على المتقنين ليأخذ ملاحظاتهم ويقوم بتصحيح أخطائه، ومع كثرة المشاركات، يصل المتسابق إلى درجة الإتقان بفضل هذه المراجعات المستمرة».
تعلمت 6 من القراءات السبع المتواترة
وبالحديث عن القراءات القرآنية، فهو يعتبر نفسه محظوظًا بفضل الله سبحانه وتعالى، فقد استطاع أن يتقن العديد من القراءات القرآنية ويصبح مجازًا فـي معظم الروايات، يقول: «الحمد لله، لقد تعلمت ست قراءات من القراءات السبع المتواترة، وهي قراءة الإمام نافع المدني، قراءة الإمام ابن كثير المكي، قراءة الإمام ابن عامر الدمشقي، قراءة الإمام أبي عمرو البصري، قراءة الإمام عاصم الكوفـي، وقراءة الإمام الكسائي الكوفـي، وقد بدأت فـي دراسة قراءة الإمام حمزة الكوفـي، وأسأل الله أن يعينني على إكمال باقي القراءات العشر»، وعند سؤاله عن كيفـية تعلمه لهذه القراءات، يذكر أنه بدأ دراسة بعضها فـي سلطنة عمان، بينما سافر إلى مصر لدراسة بعض القراءات وحصل على الإجازات هناك.
أما بالنسبة للمستقبل، فهو يطمح لتحقيق مشاريع قرآنية كبيرة: «أحد المشاريع المستقبلية التي أطمح لتحقيقها هو إكمال ما تبقى من القراءات العشر، وهي قراءة الإمام حمزة، الإمام أبي جعفر، الإمام يعقوب، والإمام خلف العاشر»، ويأمل أن يسهم فـي مرحلة جديدة فـي نشر العلم القرآني من خلال فتح المجال للراغبين فـي الحصول على الإجازات القرآنية، ليتمكنوا من تعلم القرآن الكريم وإتقانه على الطريقة الصحيحة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حفظ القرآن الکریم قراءة الإمام من القراءات
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: نصيب العبد من اسم الله الحسيب يكون بالبذل والعطاء والمساعدة
قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن اسم الله تعالى "الحسيب" لا يسمى به إنسان طالما كان ب"ال"، فلا يقال فلان الحسيب، ولكن يجوز تسمية الإنسان بهذا الاسم بدون "ال"، وذلك لأن "ال" في أسماء الله الحسنى تأتي للكمال المطلق، ولهذا لا يجوز أن يوصف به إنسان، لافتا أن الإنسان دائم الحاجة إلى الله تعالى، فهو سبحانه الذي يسخر له الرزق ويسخر له ما يعينه على تلبية جميع احتياجاته، فقد سخر له الأرض وما عليها، وسخر له السماء وسخر له البحار، وللإمام الغزالي كلمات بليغة تلخص ذلك ردا على ظن البعض أن لبن الأم قد يغني الطفل في حاجاته من دون الله، فقال: " اعلَمْ أنَّ اللبنَ ليس من الأمِّ، بل هو والأمُّ من الله سُبحانَه وتعالى، ومن فَضلِه وجُودِه، فهو وحده حسيب كل أحد وليس في الوجود شيء واحد هو حسيب شيء سواه تعالى".
وبين فضيلته، خلال حديثه اليوم بالحلقة الثانية عشرة من برنامج «الإمام الطيب»، أنه لا يمكن أن يكون شيء حسيبا، بمعنى كافيا لشيء، فهذه نظرة سطحية، لأن جميع الأشياء تتعلق بعضها ببعض، وكلها في النهاية تتعلق بقدرة الله تعالى، فهو سبحانه الذي يجمع بين السبب والمسبب، وهو القادر على إحداث الأثر في الأشياء، وهو فاعل كل شيء في هذا الكون على اتساعه، مضيفا أن الأشاعرة يرون أن الفاعل في هذا الكون منحصر في ذات واحدة وهي الذات الإلهية، وكل الآثار التي تحدث هذه لا تحدث إلا من فاعل واحد وهو الله تعالى، حتى أن النار عندما تلمس القطن مثلا ويحترق، فإن النار ليست هي التي تحرق ولكن الله هو الذي يحدث الاحتراق، فالله تعالى هو خالق الأسباب التي باقترانها بشيء ينتج المسبب.
وأشار الإمام الطيب إلى أن أصل الدعاء في وجه الظالم بـ "حسبنا الله ونعم الوكيل"، موجود في قوله تعالى: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ"، وهذا وعد من الله بأن لا يمس من يقول هذا الدعاء سوء، شريطة الإيمان العقلي والقلبي بأن الله فعلا هو الكافي، لافتا أن الإنسان في حاجة لمثل هذا الدعاء كل صباح حتى يكفيه الله شر الناس والحوادث وغيرها,
واختتم فضيلة الإمام الطيب أن نصيب العبد من اسم الله "الحسيب" يكون بالبذل والعطاء لما فاض عنه، فالحسيب بمعنى الكافي، وهو بذلك يساعد في كفاية الآخرين، كما أنه يعني أيضا "المحاسب"، بمعنى أن يواظب الإنسان على محاسبة نفسه، مصداقا لقوله صلى الله عليه سلم: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا"، فالإنسان يحاسب نفسه دائما في كل وقت، ليعي عواقب ما صنع وما قدم، وإن أخطأ يبادر بالتوبة إلى الله تعالى.