شمال غزة تحت نار الإبادة والتطهير العرقي.. وقائع وشهادات جديدة
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي أسلحة حديثة وغامضة، تترك الجثث مشوهة أو تختفي بلا أثر، كما تُلقى أطنان المتفجرات فوق الأحياء السكنية، فتُحوّلها إلى ركام، بينما تتناثر الأشلاء في الشوارع، تبقى مئات الجثث والمفقودين تحت الأنقاض، دون إمكانية لإجلائهم أو حتى دفنهم.
65 يومًا من الحصارمنذ أكثر من شهرين، تفرض إسرائيل حصارًا خانقًا على محافظة شمال غزة، بما يشمل جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، هذا الحصار المميت ترافقه غارات جوية وقصف مدفعي متواصل، تسبب في تدمير شامل للبنية التحتية والمرافق الحياتية.
منع الاحتلال إدخال المساعدات الغذائية والطبية والوقود اللازم لتشغيل المستشفيات، مما خلق واقعًا مأساويًا لسكان الشمال، الذين يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والماء، مع ارتفاع أسعار المواد المتاحة إلى أضعاف مضاعفة.
نزوح جماعي تحت القصفيروي أحد الناجين من الحصار، قصص النزوح القسري من أحياء الشمال، يقول: “أجبرنا الاحتلال على ترك منازلنا تحت وابل من القصف والنيران، لجأنا إلى مراكز إيواء مؤقتة، مثل المدارس، لكن حتى تلك الملاجئ لم تسلم من الاستهداف، مما دفعنا إلى الفرار مجددًا”.
وعن معاناته أثناء عبور الحواجز الإسرائيلية، يضيف: “على الحواجز، يُذل الرجال بالفحص والتدقيق، ويتم اعتقال بعضهم دون معرفة مصيرهم، بينما النساء والأطفال يمرون بعد تفتيش دقيق لمتاعهم”.
تعطيل الخدمات الإنسانية والطبيةدمر الاحتلال سيارات الإسعاف والدفاع المدني، وأعاق عمل الطواقم الطبية، مما جعل الآلاف من المصابين والمحتاجين بلا رعاية.
يقول يوسف فارس، الصحفي المقيم في شمال غزة: “منذ بداية الحصار، توفي العديد من السكان في منازلهم دون أن تُعرف حالتهم إلا بعد أيام”.
أكد الدفاع المدني الفلسطيني أن عمله معطل منذ أسابيع، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني، حيث تُترك العائلات المحاصرة بلا خدمات طبية أو إنقاذية.
سياسة التجويع والتفريغ السكاني
يعمل الاحتلال بشكل منهجي على تفريغ الشمال من سكانه، باستخدام القصف المتواصل وحصار التجويع، حسب الأمم المتحدة، منع الاحتلال 86 محاولة لإدخال مساعدات غذائية إلى المناطق المحاصرة.
أوضح يوسف، "أن إسرائيل تهدف إلى تطهير شمال غزة عرقيًا، حيث تم تفريغ مخيم جباليا ويتم الآن إخلاء بيت لاهيا”.
شهادات تصف جحيم الحصار
تختتم الحاجة عائشة أبو سلطان، إحدى النازحات من مخيم جباليا، بحديث يعكس مرارة الواقع: “ما شهدناه في 2024 يفوق كل ما مررنا به في النكبة عام 1948، حياتنا تحولت إلى جحيم بلا أمل في الخلاص”.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الدفاع المدني الفلسطيني الاحتلال الاسرائيلي التطهير العرقي المساعدات الغذائية النزوح القسري نزوح جماعي شمال غزة تحت الأنقاض أطنان المتفجرات الحرب على غزة شمال غزة
إقرأ أيضاً:
الإبادة مستمرة.. توقفت حرب وأشعل الاحتلال حروباً أخرى في غزة
الثورة /
بينما يشهد العالم تلكؤ الاحتلال الصهيوني في تنفيذ البروتوكول الإنساني المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار، تشتد معاناة الغزيين، وتتفاقم آلامهم، وتشتد أوجاعهم التي خلفتها الحرب الصهيونية الإجرامية التي امتدت لأكثر من 15 شهراً متواصلة.
صحيح أن شلال الدم والقتل قد توقف، لكن الغزيين بعد وقف إطلاق النار يشهدون حروباً أخرى يتفنن الاحتلال الصهيوني في شنها عليهم دون رحمة أو رادع، وكان ذروتها مع دخول المنطقة في حالة من عدم الاستقرار الجوي والمنخفضات المتتالية، التي كشفت عورة الخيام التي باتت الملاذ الوحيد لمئات آلاف الأسر في قطاع غزة.
وحذرت حركة “حماس”، في أكثر من تصريح وبيان صحفي، وعلى لسان كثير من مسؤوليها والناطقين باسمها من مغبة استمرار الاحتلال الصهيوني في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، عبر عدم التزامه بتنفيذ البنود المنصوص عليها وخاصة فيما يتعلق بما يعرف بــ”البروتوكول الإنساني”.
ويوم الجمعة الماضي، قال الناطق باسم الحركة عبد اللطيف القانوع، إن الاحتلال لا يزال يماطل في تنفيذ “البروتوكول الإنساني”، خاصة فيما يتعلق بالإيواء والخيام ومعدات رفع الأنقاض، والوقود ومتطلبات الترميم.
وبين أن حركته طالبت الوسطاء بمضاعفة جهدهم والضغط على الاحتلال وإلزامه بتنفيذ “البروتوكول الإنساني”، مؤكداً التزام “حماس” بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار لتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، وفق تعبيره.
الاتفاق والواقع.. بون شاسع
وينص الاتفاق على إدخال الاحتلال 600 شاحنة مساعدات يوميا، بينها 50 شاحنة وقود، وإدخال مستلزمات الإيواء من خلال توفير 60 ألف وحدة متنقلة و200 ألف خيمة، وإدخال المولدات الكهربائية وقطع غيارها، وألواح الطاقة الشمسية والبطاريات، ومواد إعادة إعمار القطاع، إضافة لإدخال معدات إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل المرافق الصحية والمخابز والبنى التحتية، وتسهيل حركة المرضى والجرحى والحالات الإنسانية عبر معبر رفح.
ووفق معطيات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي بحصوص المساعدات الإنسانية فإن الاحتلال وخلال 20 يوماً من سريات الانفاق وبدلاً من إدخال 12 ألف شاحنة مساعدات، أدخل 8,500 شاحنة فقط، وصل منها 2,916 شاحنة إلى شمال قطاع غزة، بدلًا من 6 آلاف.
وبين أن غالبية الشاحنات التي تم إدخالها تحمل أغذية وسلعا ثانوية، في وقت يعاني قطاع غزة نقصا حادا في مستلزمات الإيواء وإعادة الإعمار.
ووفق “الإعلامي الحكومي” فإن الاحتلال الذي كان عليه إدخال 200 ألف خيمة و60 ألف “كرفان”، لم يدخل سوى 10% من عدد الخيام، فيما لم يدخل أي “كرفان”، ما تسبب في جعل آلاف العائلات تواجه الشتاء القاسي دون مأوى مناسب.
وفيما يخص الوقود والكهرباء، فبدلاُ من إدخال الاحتلال 50 شاحنة وقود يوميا، يدخل الاحتلال فعليًا 15 شاحنة فقط، ما تسبب في استمرار وتفاقم أزمة الكهرباء وشلل واسع في عمل المستشفيات والقطاعات الخدماتية.
ووفق المعطيات الرسمية فقد واصل الاحتلال منع إدخال الأجهزة الطبية والمستشفيات الميدانية، ورفض إخراج الجرحى والمرضى، ما أدى إلى وفاة 100 طفل مريض، ووفاة 40% من مرضى الكلى بسبب توقف جلسات الغسيل الكلوي.
وفوق كل ذلك منع الاحتلال إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة 55 مليون طن من الركام، ما أعاق انتشال جثامين الشهداء، وفتح الشوارع وإزالة الأنقاض.
مأساة لا تصفها الأرقام
ولا يمكن للغة الأرقام أن تصف ما أصاب الناس الذين يعيشون في خيام مهترئة لا تصلح للعيش، علاوة على مواجهة منخفضات جوية قاسية ضربت قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة.
“أبو خليل” من سكان مدينة غزة، دمر بيته كلياً، وعمل خلال الحرب في تجهيز الخيام للنازحين نظراً لمهارته في ترتيبها وتنسيقها بشكل جيد، لكنه ورغم مهارته وقع في فخ المنخفض الجوي الأخير.
“لا يمكن للخيام المتوفرة لدى الناس اليوم، أن تواجه هذه الأجواء العاصفة، فهي خيام في غالبها باتت مهترئة، وغير صالحة للسكن، علاوة على ضعف تثبيتها بسبب طول مدة نصبها، وعدم توفر خيام جديدة وما تحتاجه كثير من الخيام من مستلزمات لتجديدها وترتيبها بشكل أفضل لمواجهة الظروف الجوية الراهنة” يقول “أبو خليل”.
تلقى “أبو خليل” خلال الأيام الماضية مئات الاتصالات من معارف وزبائن يطلبون منه القدوم لإعادة تأهيل خيامهم، لكن الواقع الذي يجعله يقف عاجزاً، هو عدم توفر ما يلزم هذه الخيام لإعادة تأهيلها وترتيبها عند الناس، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ أكثر من 20 يوماً.
ويؤكد أبو خليل أن واقع الناس والنازحين لم يتغير بل ازداد سوءاً بعد سريان وقف إطلاق النار، “صحيح أن القتل توقف والحرب لم تعد متواصلة، لكن حروباً أخرى شنها الاحتلال على الناس أبرزها ما يتعلق بإيوائهم ومعيشتهم، خاصة في ظل الظروف الجوية الصعبة التي يعيشونها”.
جريمة الإبادة مستمرة
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يرى أن السياسات الصهيونية الحالية في قطاع غزة تشكل جريمة إبادة جماعية تستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لإنقاذ الفلسطينيين من هذه السياسات القاتلة والتهجير القسري.
وأكد، في تصريحات صحفية، أن الاحتلال يفرض أوضاعًا معيشية كارثية على الفلسطينيين في قطاع غزة، مما يهدد حياتهم ويقوض مقومات بقائهم الأساسية.
وبين أن جريمة الاحتلال لم تقتصر على القتل الواسع والدمار الكبير الذي شهده القطاع على مدى أكثر من 15 شهرًا، بل استمر في تنفيذ سياسات تؤدي إلى موت المدنيين تدريجيًا من خلال قتل بطيء.
وأوضح أن مئات المرضى والمصابين في غزة يواجهون خطر الموت بسبب حرمانهم من السفر لتلقي العلاج، حيث تم السماح فقط لعدد قليل منهم بمغادرة القطاع منذ وقف إطلاق النار.
وبين أن دولة الاحتلال تواصل منع إعادة بناء المستشفيات المدمرة، وتحظر دخول المعدات الطبية الأساسية والأدوية، إلى جانب منع إدخال مواد البناء والمستلزمات الضرورية لإيواء اللاجئين الذين فقدوا منازلهم.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن القيود الصهيونية تشمل منع إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي، ما يزيد من تعقيد الوضع الصحي والبيئي في القطاع.
إذن – وباختصار دون إخلال – فإن الحرب بمعناها الظاهري قد توقفت، لكن الاحتلال لا زال يسعر حروباً أخرى، تحيل حياة الفلسطيني إلى جحيم قد يراه الناس لا يطاق، لكن الفلسطيني لا يشعر بها إلا أنها الجنة، فهو الذي عندما صدحت حنجرته بالهتاف والنشيد للوطن قائلاً “حتى نارك جنة” لم يكن مجرد شعار بل كان أسلوب حياة يصنع من خلاله صموداً أذهل العالمين ولا يزال.
*المركز الفلسطيني للإعلام