لماذا سارعت إسرائيل لاحتلال جبل الشيخ بعد سقوط الأسد؟
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
بالتزامن مع احتفالات السوريين بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري وسيطرة المعارضة على مدينة دمشق، أقدم الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء على جبل الشيخ وعدة مواقع في الجولان السوري المحتل.
وجاءت التحركات بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انهيار اتفاق "فضّ الاشتباك" الموقع مع سوريا عام 1974، وإصداره أوامر للجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة (مساحتها 235 كيلومترا مربعا) التي تنتشر فيها قوات "أندوف" التابعة للأمم المتحدة.
وتعتبر منطقة جبل الشيخ أو ما يعرف بجبل حرمون، التي تقع في الجزء الغربي من سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية منطقة عازلة بين سوريا وإسرائيل، منذ سبعينيات القرن الماضي وما قبلها، إذ جرى تحديد هذه المنطقة العازلة بين الطرفين وفق اتفاق فض الاشتباك، وظلت لنحو 50 عاما خاضعة للاتفاق الذي أبرم حينها، لفصل القوات التي حاربت في أكتوبر/تشرين الأول 1973.
ولذا، فإن التحركات الإسرائيلية الحالية تلقي الضوء على أهمية هذا الجبل وتاريخه.
موقع جغرافي مميزيمثل جبل الشيخ، أعلى قمة في سوريا بارتفاع 2814 مترا، ويقع في منطقة الحدود بين سوريا ولبنان، ويمتد جزء منه إلى فلسطين المحتلة، ويتميز الجبل بتضاريسه الوعرة وثلوجه التي تغطي قممه في فصل الشتاء، ويعتبر مصدرا مهما للمياه في المنطقة، منها نهر الأردن.
إعلانوتمتد سلسلة الجبال -التي يتكون منها جبل الشيخ- على طول حوالي 45 كيلومترا، وتعد أعلى نقطة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ويبدأ جبل الشيخ من بانياس السورية وسهل الحولة في الجنوب الغربي إلى وادي القرن ومجاز وادي الحرير شمال شرق.
ويحدّه من الجهة الشرقية والجنوبية منطقة وادي العجم وهضبة الجولان وإقليم البلان. أمّا من الجهة الشمالية والغربية، فالقسم الجنوبي من سهل البقاع ووادي التيم في لبنان، ويقع القسم الجنوبي الغربي من جبل الشيخ تحت الاحتلال الإسرائيلي، لأنه يقع ضمن هضبة الجولان السورية.
ويضم الجبل 4 قمم، أعلى قمة تسمى شارة الحرمون في سوريا، ويصل ارتفاعها إلى 2814 مترا، والثانية إلى جهة الغرب بارتفاع 2294 مترا، أما الثالثة إلى الجنوب فترتفع 2236 مترا عن سطح البحر، والقمة الرابعة فتقع في جهة الشرق بارتفاع يصل إلى 2145 مترا.
وتُشرف قمة جبل الشيخ على العديد من مناطق سورية كدمشق وبادية الشام وسهل حوران، كما يمكن مشاهدة جزء من الحدود الشمالية الأردنية والفلسطينية خاصة جبال الخليل ومحافظة إربد وبحيرة طبرية، بالإضافة إلى كل من جنوب لبنان وسلسلة جبال لبنان الغربية وسهل البقاع.
(الجزيرة) أهمية إستراتيجيةيمثل جبل الشيخ أهم نقطة إستراتيجية تسيطر عليها إسرائيل، وذلك بسبب موقعه الذي يشرف على 3 دول (سوريا ولبنان وفلسطين) وباعتباره أعلى جبل في سوريا، فإنه يوفر هضبة للمراقبة في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى بعد 40 كيلومترا فقط من دمشق، ستكون العاصمة في مرمى المدفعية الإسرائيلية التي يمكن وضعها على الجبل، إضافة إلى ذلك فإنه يوفر أيضا نقطة مراقبة للمناطق في لبنان التي تعتبرها إسرائيل معقلا لحزب الله، مثل وادي البقاع.
وعن أهمية هذا الموقع، يقول موسى الجناطي -الباحث المهتم بشؤون الجولان- إن جبل الشيخ يتمتع بأهمية إستراتيجية قصوى لارتفاعه الذي يجعله مركزا للرصد، حيث يشرف موضعيا على كل الأراضي المحيطة، فمن هذا المرتفع يمكن القيام بأعمال المراقبة بالنظر، وبواسطة أجهزة المراقبة البصرية وعشرات الكاميرات ورصد كامل الاتجاهات العملاتية لدمشق والقنيطرة، وكذلك لمناطق نوى ودرعا والصنمين وقطنا وضواحي دمشق الجنوبية.
إعلانويتابع الجناطي في حديثه لموقع الجزيرة نت أنه يمكن أيضا متابعة كل التحركات العسكرية وتصحيح نيران المدفعية وضربات الطيران، كما تسمح محطات الرادار والمراقبة في قمة جبل الشيخ بكشف الطائرات التي تطير على ارتفاع منخفض منذ لحظة إقلاعها.
وفي يونيو/حزيران 1967، احتلت إسرائيل هضبة الجولان بما في ذلك أجزاء من سفوح جبل الشيخ، وبعد الحرب، بنت إسرائيل مراصد عسكرية على الجبل للاستفادة من موقعه الإستراتيجي في مراقبة التحركات السورية.
قوات إسرائيلية في منطقة جبل الشيخ (رويترز) ما هدف إسرائيل من السيطرة على جبل الشيخ؟تبرر إسرائيل تحركاتها الأخيرة بالقول إنها تهدف إلى حماية المستوطنات في الجولان ومنع تسلل المجموعات المسلحة إلى أراضيها. ومع ذلك، تشير التطورات إلى أن الخطوات الإسرائيلية تتجاوز مجرد الدفاع إلى تعزيز نفوذها الإقليمي.
وكان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان طالب في أكتوبر/تشرين الأول 2024 بتوجيه ضربة استباقية لنظام الأسد في سوريا واحتلال جبل الشيخ (جبل حرمون) لمنع أي هجوم مستقبلي على مبدأ "تدفيع الثمن".
وحينها قال ليبرمان "يجب أن يتلقى النظام السوري رسالة تحذير واضحة، مفادها أنه إذا استمر بالسماح باستخدام الأراضي السورية كقاعدة خلفية وكمركز لوجيستي لأعدائنا، سوف ننتزع منهم جبل الحرمون السوري بكل بساطة، ولن نتخلى عنه حتى إشعار آخر".
ليبرمان طالب سابقا بتوجيه ضربة استباقية لنظام الأسد في سوريا واحتلال جبل الشيخ (الجزيرة)لكن الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد خالد المطلق يرى أن اهتمام إسرائيل حاليا بالسيطرة على جبل الشيخ -الذي يطل على دمشق ويحوي على كم هائل من الردارات وأجهزة التنصت وأجهزة الاستشعار عن بعد- يعود لسبب مهم وهو التقليل من الإمكانيات الإستراتيجية للحكم الجديد في سوريا، والحد من القدرات العسكرية الإستراتيجية، لذلك "رأيناهم أخذوا جبل الشيخ وتقدموا، وأخذوا جيبا في القنيطرة"، على حد قوله.
ويكمل -في حديثه للجزيرة نت- بالقول إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتف بالسيطرة الجغرافية، وإنما دمر ما يقارب 250 هدفا خلال يومين وهذا رقم قياسي، مما يعني تدمير البنية التحتية للجيش الذي قد يستفيدون منه في بناء جيش سوري جديد، وهذا أخطر ما في الموضوع، بحسب المطلق.
إعلانومن ناحيته، يوضح الباحث الجناطي أن إسرائيل تهدف من احتلالها جبل الشيخ تأمين استطلاع أكثر عمقا لمناطق في سوريا والأردن وفلسطين، لا سيما أن منطقة جبل الشيخ باتت تعد محورية لـ"حزب الله" الذي طور شبكة من النقاط العسكرية الخاصة ومعابر التهريب غير النظامية.
وينوه الجناطي إلى أنه بعد سقوط نظام الأسد الداعم لـ"حزب الله" وسيطرة قوات المعارضة السورية على الجولان ودرعا وريف دمشق، لم يعد هناك مبرر للتوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية ضمن خط وقف إطلاق النار 1974، ويتعين عليها الانسحاب فورا.
وفي السياق، يشير مراقبون للتحركات الإسرائيلية في سوريا هذه الفترة أن ما يجري اليوم من تدمير ممنهج للمُقدرات السورية على يد الاحتلال “الإسرائيلي” لا يُضعف الدولة السورية المستقبلية فحسب، بل يُعمّق جراحها، ويُهدّد مستقبلها كدولة ذات سيادة، خاصة أن التحرُّكات “الإسرائيلية” الأخيرة لا تقتصر على تدمير البنية العسكرية، بل تكشف عن نية واضحة لسلب مزيد من الأراضي السورية وفرض واقع جديد يخدم مصالح الاحتلال على حساب وحدة وسيادة الدولة.
معارك على سفوح جبل الشيختعود مطامع إسرائيل في احتلال مرتفعات الجولان إلى فترة ديفيد بن غوريون -أول رئيس وزراء لإسرائيل- الذي وصف جبل الشيخ بـ"أبو المياه" والنافذة الإستراتيجية، طامحا إلى احتلاله بالكامل منذ قيام الكيان الإسرائيلي، باعتباره مصدرا مهما وحيويا وخزانا مائيا للمنطقة الممتدة حوله.
وحاولت القوات الإسرائيلية السيطرة على منطقة جبل الشيخ خلال حرب 1948، لكن الحدود ظلت تحت سيطرة سوريا ولبنان في تلك المرحلة، وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1967، وقعت معركة جبل الشيخ الأولى بين الجيش السوري وجيش الدفاع الإسرائيلي.
واحتلت إسرائيل منذ حرب النكسة عام 1967 حوالي 100 كيلومتر مربع من المنحدرات الجنوبية والغربية لجبل الشيخ، وأنشأت موقعا محصنا فيها.
إعلانوحتى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، قسم الاحتلال الخطط الاستيطانية في الجولان إلى 4 مناطق، حيث أعد سفوح جبل الشيخ وشمال الجولان لأغراض سياحية، وبنى على الجبل نقطة للمراقبة العسكرية للإشراف على سوريا، وأقاموا عليه كنيسا لتزوير معالمه.
وتمكن السوريون بعد حرب 1973، من استعادة الموقع وأسر أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين، لكن إسرائيل استطاعت قبيل انتهاء الحرب السيطرة على المكان.
وبعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974، سيطرت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) على الجبل ضمن إطار المنطقة العازلة.
ومنذ حرب يونيو/حزيران 1967، أصبحت حوالي 40 ميلا مربعا (100 كيلومتر مربع) من المنحدرات الجنوبية والغربية لجبل الشيخ جزء من المنطقة التي تديرها إسرائيل، وبقيت الأجزاء التي احتلتها إسرائيل تحت سيطرتها، وهي تعتبر جزءا من هضبة الجولان المحتلة، وأنشأت منتجعات للتزلج في محاولة لتعزيز وجودها المدني هناك.
دبابة إسرائيلية بالقرب من الحدود السورية أثناء اندلاع حرب 1967 بالقرب من جبل حرمون (غيتي) بعد سقوط النظامبعد سقوط نظام الأسد، لم يقتصر التصعيد العسكري الإسرائيلي على السيطرة على جبل الشيخ واحتلال المنطقة العازلة، التي قال مصدر عسكري إن السيطرة عليها ستكون عملية مؤقتة عقب تهديد من وصفها بالمليشيات، فقد قصفت إسرائيل يوم الأحد 100 هدف في سوريا معظمها مستودعات أسلحة، ومراكز للبحوث العلمية، وذلك بحسب إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي أعنف حملة قصف عسكرية بتاريخ إسرائيل ضد سوريا استهدفت غارات إضافية عشرات المواقع السورية يوم الثلاثاء العاشر من ديسمبر/كانون الأول، شملت أنظمة صواريخ أرض-جو متقدمة ومنشآت تصنيع وتخزين الصواريخ الباليستية، وصرحت مصادر عسكرية أن الهدف من هذه العمليات هو تأمين حرية الحركة الجوية الإسرائيلية في الأجواء السورية.
إعلانكما سيطر الجيش الإسرائيلي خلال العملية على مواقع إستراتيجية في جبل الشيخ، ودمر نحو 80% من قدرات الجيش السوري، بما في ذلك الطائرات والمروحيات والدبابات والسفن الحربية، وفق بيانات الجيش الإسرائيلي.
وأطلق الاحتلال الإسرائيلي اسم "سهم باشان" المستوحى من التوراة على العملية العسكرية التي يشنها في سوريا، ودمر خلالها معظم القدرات العسكرية للجيش التابع للنظام المخلوع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاحتلال الإسرائیلی أکتوبر تشرین الأول المنطقة العازلة منطقة جبل الشیخ على جبل الشیخ هضبة الجولان السیطرة على على الجبل بعد سقوط فی سوریا
إقرأ أيضاً:
لماذا يخشى المصريون الانقلاب على الثورة السورية وسرقتها؟!
منذ سقوط بشار الأسد، وانتصار الثورة السورية في دخول معظم المناطق السورية، والتعليقات لا تتوقف، والنصائح كذلك للسوريين تخرج من كل محب لهم ولثورتهم، أو من كل راكب للموجة، فمن أسوأ آثار السوشيال ميديا أنه حول كل من في يده موبايل، وفتح قناة على اليوتيوب، أو صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى خبير يلقي بنصائحه في كل شيء، فيما يعرف وما لا يعرف، فالمهم المشاهدات، والمهم الأرباح، وهما دافعان دفعا الكثيرين لخوض غمار الأمر، ولو على حساب الناس والحقائق، وتحولت أفراح الناس ومصائبهم لتريند، ومادة مغرية بالحديث.
ولذا كان تعجب كثير من السوريين، من كم المصريين الذين تحدثوا في الشأن السوري، قبل سقوط بشار وبعده، وتحليلاتهم وتخميناتهم، وكان العجب من أشخاص لا يعرفون أسماء مناطق في سوريا، ولا يعرفون نطقها الصحيح، لو أنهم قرأوا الاسم لأول مرة، فما بالك بالحديث عن واقع ملتبس، والقليل تكلم عن علم، أو عن تحليل لأحداث وفق معطيات معينة، حلل من خلالها، بناء على تخصصه، وربما لفت المصريون انتباه الناس، لما تتمتع به قنواتهم على اليوتيوب، والصفحات العامة، من كثرة المتابعين، سواء من المصريين أو بقية الدول العربية، ولما تحلوا به من طرافة، فجعل الناس تتندر على من تحدثوا بالفهلوه المصرية التي لا تتناسب مع الحدث الخطير.
لكن بعد سقوط بشار، بدأ عدد من المصريين ينصحون ونصائحهم وإن لم تكن عن علم بالواقع السوري، لكنها ناتجة عن تجربة مريرة عاشها المصريون جراء الانقلاب على ثورتهم، فهو نصح المكلوم، وتجربة المتألم، الذي يتمنى أن ينجح آخرون في ثورتهم، فلعل ذلك أن يكون عونا له على محنته، أو إسهاما في إنهائها، أو تخفيف غلوائها وجرائمها.
بعد سقوط بشار، بدأ عدد من المصريين ينصحون ونصائحهم وإن لم تكن عن علم بالواقع السوري، لكنها ناتجة عن تجربة مريرة عاشها المصريون جراء الانقلاب على ثورتهم، فهو نصح المكلوم، وتجربة المتألم، الذي يتمنى أن ينجح آخرون في ثورتهم، فلعل ذلك أن يكون عونا له على محنته، أو إسهاما في إنهائها، أو تخفيف غلوائها وجرائمها.ومعظم النصائح الحالية من المصرييين، من تخوفهم أن تنقلب الثورة السورية إلى كابوس كما حدث في الثورة المصرية، عن طريق انقلاب، يأتي رويدا رويدا، بتغفيل الثوار، أو الاستيلاء على المؤسسات، وترك الثورة عارية مجردة من كل وسيلة تحميها، أو تؤازرها، كما حدث تماما مع الثورة المصرية.
بالطبع هناك من يتحدث عن الشأن السوري، متكهنا بأشياء لا دليل لديه عليها، لكنها من باب الحديث في المجال الواسع، حمال الأوجه، فهو يلقي بعدة تكهنات، فإن حدثت واحدة منها، وقتها يعلن: أنه بحنكته وخبرته، قد حذر من قبل، وهو ما نراه عند بعض اليوتيوبر، فربما تجد الشخص منهم يقول الشيء ونقيضه، وعندما يحدث نقيض ما قال، يخرج ليعلن أن ما حدث هو ما قاله بالفعل، معتمدا على سذاجة من يتابعونه، أو على أنهم جماهير ذاكرتها أشبه بذاكرة السمك، فهؤلاء بقدر تفاهة ما يقومون به، بقدر ما للأسف تجد لهم متابعين، وهو ما يراهن عليه المؤيدون للثورات المضادة.
الذين ينصحون ويلحون في النصح للسوريين مخلصين في نصحهم، هم من يطلق عليهم المثل المصري: من لسع من الشوربة، ينفخ في الزبادي. ولأنهم أصحاب تجربة مروا بها، وقد كان لديهم من الثقة ما جعلهم يصمون آذانهم عن أي نصح، من تجارب سابقة مر أصحابها بنفس السيناريو، خاصة في دول يحكمها العسكر، فأذكر أن باحثين جزائريين حذروا الإسلاميين في مصر، من عشرية سوداء مثلما حدثت معهم، وأن الأحداث في مصر قبل الانقلاب العسكري في يوليو 2013 لا تؤدي سوى لنفس ما حدث عندهم. وعندما وقع الانقلاب، كان الشيخ عباسي مدني رحمه الله مريضا، وقد خرج من جلطة أصابته، فطلبني للقاء، وأخبرني أنه لا يقابل أحدا، ولكنه طلبني لأبلغ رسالته للإخوان في مصر، وأنه يوصيهم بأمرين، الأول: إياكم وترك الميادين، والثاني: إياكم وحمل السلاح.
كل تغيير له مقاومة، أدرك ذلك الثوار أم لم يدركوا، ومن غفل عن أدوات الثورة المضادة، والتي تتلون بتلون الزمان والمكان والأشخاص، فهو معرض للعودة لأسوأ مما كان عليه، وهو ما حاولته الثورات المضادة في كل مكان عملت فيه، بألوان وحيل مختلفةلست هنا بمعرض تخويف أو تحذير السوريين من نفس مصير المصريين، بل أسوق هنا دوافع نصح من مروا بتجارب مماثلة، ويخشون على هذه التجربة التي ستكون ملهمة للكثيرين بلا شك، وإن كان لدى من يقلل من شأن تخوف المصريين مبررات لذلك، بأن مصر كان فيها جيش يحكم، ولم ينسحب، بل كانت الشرطة هي المنسحبة، وهناك حزب وطني، وليس هناك في سوريا حزب بعث بقي، والحقيقة أن هذا ما توهمه المصريون في ثورتهم، وظنوا سقوط النظام، ولم يكن سوى سقوط واجهته، أو رأسه، الذي سرعان ما ترك رؤوسا تدير بعده المشهد، ولأن هناك مصالح إقليمية ودولية متعلقة بعدم تمكين الشعوب، قامت بكل جهد حثيث لاستعادة هذه المنظومة وبأسوأ مما كانت عليه قبل ثورة يناير.
ليس مطلوبا من السوريين أن تصغى أسماعهم وأفئدتهم لكل ما يقوله المصريون وغيرهم، ولكن ليس مطلوبا أيضا الثقة الزائدة بالنفس، أو بأن سوريا غير مصر، وأن الإسلاميين في مصر لم يتوافقوا ولذا تم الانقلاب عليهم، فقد توافقوا في تونس وتم الانقلاب عليهم أيضا، وفي مصر كان هناك جيش، فمن كان مع قيس سعيد وهو أضعف من يقوم بانقلاب على مستوى العالم العربي والإسلامي؟!
فكل تغيير له مقاومة، أدرك ذلك الثوار أم لم يدركوا، ومن غفل عن أدوات الثورة المضادة، والتي تتلون بتلون الزمان والمكان والأشخاص، فهو معرض للعودة لأسوأ مما كان عليه، وهو ما حاولته الثورات المضادة في كل مكان عملت فيه، بألوان وحيل مختلفة، وليس معنى ذلك أن الثورة المضادة قدرا مقدورا، بل هي مما يحذر منه، ولا يغفل عنه، فمن أدرك ذلك وتيقظ له، وفوت كل فرصة لها، وأقام بنيانه الجديد على أسس قوية، ومجتمع قوي متماسك، كان إلى النجاح أقرب وأجدر.
[email protected]