الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
مع إعلان فرنسا استضافة القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في 10 و11 فبراير 2025، بحضور عدد كبير من رؤساء الدول وقادة الأعمال وشركات التكنولوجيا؛ تُثار تساؤلات حول كيفية استفادة الدول الإفريقية من مخرجات هذا الحدث العالمي، في ظل عالم أضحى الذكاء الاصطناعي فيه جزءاً رئيسياً من المنافسة على النفوذ، وأداة لتعزيز التفوق العسكري في ميادين الحروب، وفي ضوء التقدم غير المسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي بالشكل الذي يُثير تخوفات من تفوقه على الذكاء البشري.
وتعاني القارة الإفريقية من التأخر عن اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي، في ظل مواجهة الكثير من التحديات، حيث يُقدر عدد الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت بنحو 900 مليون شخص، ولا يحصل نفس العدد تقريباً على الكهرباء. وثمة توافق على أن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي له تأثير كبير في المجتمعات الإفريقية وحل كثير من أزماتها، حيث إنه يمكن أن يضيف 1.5 تريليون دولار إلى اقتصاد إفريقيا بحلول عام 2030؛ إذا تمكنت القارة من الاستحواذ على 10% من السوق. كما أن العقد القادم في إفريقيا جنوب الصحراء يُوصف بـ”العقد الرقمي”؛ إذ سيتمكن أكثر من نصف السكان من الوصول إلى الإنترنت، وهو ما ستكون له انعكاسات إيجابية. فوفقاً لتقرير نشرته شركة الاستشارات البحثية (Public First)؛ فإن زيادة بنسبة 1% في اتصال الإنترنت يمكن أن تعزز الناتج المحلي الإجمالي بنحو 6%.
وفي ظل هذه المتغيرات، والتوقعات بأن تتطرق قمة فرنسا في فبراير المقبل للتحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في إفريقيا، أُعيد النقاش حول مدى إمكانية أن تكون هذه القمة بداية لوضع إفريقيا على الخارطة العالمية للذكاء الاصطناعي، ونقطة انطلاق نحو مشاركتها في وضع الأُطر المنظمة لهذا المجال.
أهمية القمة:
في ظل مجموعة من السياقات المتباينة المرتبطة بالقارة الإفريقية، وبالنظام العالمي ككل؛ ثمة دلالات تجعل القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في فرنسا تحمل طابعاً خاصاً للقارة السمراء، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1- تنامي الاهتمام الإفريقي بالذكاء الاصطناعي في 2024: تتمثل مظاهر ذلك في ثلاثة محاور؛ أولها إقرار إفريقيا عدداً من المواثيق التاريخية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، منها الميثاق الرقمي الإفريقي، والاستراتيجية الإفريقية للذكاء الاصطناعي، والتي تُمثل أول استراتيجية قارية في هذا المجال، لتعزيز مستقبل إفريقيا الرقمي وتطلعاتها الإنمائية. وثانيها إطلاق عدد من الدول الإفريقية استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي، كما تم تضمينه ضمن التشريعات الوطنية. وثالثها إدراك القادة الأفارقة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد رفاهية؛ مما جعلهم حريصين على المشاركة في فاعليات الذكاء الاصطناعي العالمي، والعمل على جذب الاستثمارات الخارجية في هذا المجال.
2- طرح قمة فرنسا موضوعات جديدة: لعل أهم هذه الموضوعات هو التأثير البيئي للتكنولوجيا المستهلكة للطاقة، وضمان وصول الإنترنت إلى جميع دول العالم. وترتبط هذه الموضوعات بشكل مباشر بالأزمات الإفريقية، خاصةً أنها أكثر القارات تضرراً من تداعيات التغير المناخي بالرغم من أنها الأقل من حيث حجم الانبعاثات. وقد تشهد القمة القادمة تأكيد توصيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، من ضرورة وضع الدول إجراءات موحدة لقياس التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي، وإلزام الشركات التكنولوجية بوضع لوائح للإفصاح عن العواقب البيئية المباشرة للمنتجات والخدمات القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتشجيع هذه الشركات على استخدام الطاقة المتجددة.
3- التطلعات الإفريقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصراعات الداخلية: بينما لا يُعتبر استخدام الذكاء الاصطناعي في المعارك العسكرية حول العالم أمراً جديداً، فإنه مع توظيفه من قِبل إسرائيل في حربها على قطاع غزة ولبنان، اتخذ هذا الأمر بُعداً جديداً؛ نظراً لاختلاف التقنيات المستخدمة من جانب، والقدرة على استهداف أكبر عدد من الأشخاص من جانب آخر. وهذا – مع اختلاف التشبيه- ربما جعل القادة الأفارقة الذين يواجهون أزمات وصراعات داخلية، يتطلعون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في استهداف خصومهم أو مواجهة التمردات الداخلية والجماعات الإرهابية.
4- تنامي التنافس الأمريكي الصيني: يُمثل الذكاء الاصطناعي محوراً جديداً للمنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين للسيطرة على السوق الإفريقية؛ وذلك في ظل ظهور تطبيقات تكنولوجية جديدة للدولتين قادرة على الانتشار في إفريقيا من جهة، وزيادة حدة التوترات الجيوسياسية بينهما من جهة أخرى.
نفوذ تكنولوجي:
مع استمرار تراجع فرنسا في مناطق نفوذها في غرب إفريقيا، وتطلعاتها بأن تقدم نفسها رائداً في الذكاء الاصطناعي؛ تشير التوقعات إلى أن باريس ستحاول استغلال القمة المقبلة لإعادة تعريف العلاقة مع إفريقيا جنوب الصحراء؛ وذلك عبر إقامة شراكات مع الدول الحليفة معها، والبحث عن مناطق نفوذ جديدة خاصةً مع الدول الناطقة بالإنجليزية. وتُعد نيجيريا من الدول المرشحة لأن تعقد باريس معها العديد من الاتفاقيات بشأن الذكاء الاصطناعي في هذه القمة؛ لأنها تُعد الحليف القوي لفرنسا في منطقة غرب إفريقيا وفي المجموعة الاقتصادية “إيكواس”، والشريك التجاري الأول لها في إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك بالتزامن مع تطلعات نيجيريا لأن تصبح مركزاً رئيسياً للبيانات قادراً على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.
وفي ظل التحول الأوسع في السياسة الخارجية الفرنسية في إفريقيا من توسيع حضورها في مناطق مختلفة عن أماكن نفوذها التقليدي، تُعد كينيا من الدول المرشحة لتعزيز التعاون مع فرنسا في مجال الذكاء الاصطناعي، في ضوء ما تشهده العلاقات بين الدولتين من تطور كبير، وخاصةً بعد إعلان باريس أن كينيا أول دولة إفريقية غير ناطقة بالفرنسية سوف تستضيف القمة الإفريقية الفرنسية في عام 2026؛ إذ سبق أن أُقيمت هذه القمة في فرنسا والدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية فقط منذ إطلاقها في عام 1973.
كما تُعد جنوب إفريقيا من الدول التي ستحظى باهتمام خلال قمة الذكاء الاصطناعي؛ نظراً لأنها الشريك التجاري الثاني لفرنسا في إفريقيا جنوب الصحراء وتتمتع بعلاقات قوية معها، فضلاً عن مساعي جنوب إفريقيا لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي وجذب الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع.
وتُعد نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا من الدول التي تهيمن على الذكاء الاصطناعي في المناطق الأساسية للقارة الإفريقية، كما يوجد بها أكبر عدد من الشركات العاملة في هذا المجال في إفريقيا جنوب الصحراء، بما سيتيح لفرنسا تعزيز التعاون معها، والتأسيس لنفوذها الرقمي والتكنولوجي.
مساران رئيسيان:
من المُرجح أن تشهد قمة فرنسا القادمة حضور عدد كبير من الرؤساء الأفارقة أو من يمثلهم، ولاسيما عقب توجيه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الدعوة لمعظم هؤلاء القادة. وقد تتمحور الأجندة الإفريقية في هذه القمة حول مسارين هما:
1- الموقف الإفريقي الجمعي المتمثل في مفوضية الاتحاد الإفريقي، التي من المُتوقع أن تعرض الميثاق الرقمي الإفريقي وكذلك الاستراتيجية الإفريقية للذكاء الاصطناعي، وتؤكد ضرورة دعم إفريقيا لاستخدام أحدث التقنيات الرقمية في القطاعات كافة، ووضع القارة على المسار العالمي فيما يخص تطبيقات الذكاء الاصطناعي وكذلك التوافق حول الاعتبارات الأخلاقية لهذه التطبيقات.
2- الموقف الأُحادي للزعماء الأفارقة الذين ستُتاح الفرصة لهم من خلال خطاباتهم داخل القمة لتأكيد ضرورة تكييف الذكاء الاصطناعي مع الواقع الإفريقي، وأن تكون أنظمته قادرة على عكس التنوع واللغة والثقافة والتاريخ للقارة السمراء. كما سيكون هناك تنافس بين الدول الإفريقية على عقد مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون مع الدول الكبرى والشركات التكنولوجية.
تحديات الاستفادة:
على الرغم من حالة الزخم التي تصاحب قمة فرنسا القادمة، خاصةً فيما يتعلق بالتطلعات لضمان العدالة الرقمية والتقليل من التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي، من المُتوقع أن تُعزز مخرجات هذه القمة استمرار الهيمنة الغربية على التكنولوجيا وحرمان إفريقيا من الأدوات والقدرات اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي ومواصلة شعوبها أداء دور المستهلك للتكنولوجيا المُصممة في مكان آخر. وفي هذا الإطار، هناك مجموعة تحديات قد تُعرقل استفادة إفريقيا من مخرجات القمة القادمة، وتعوق قدرتها على دعم الابتكار المحلي في الذكاء الاصطناعي بشكل خاص، ومنها التالي:
1- ضعف البنية التحتية للتكنولوجيا في إفريقيا: تواجه معظم دول القارة مشكلات في البنية التحتية التكنولوجية، وانخفاض أعداد المتصلين بشبكة الإنترنت، ونقصاً في المهارات والكوادر القادرة على التعامل مع التحول الرقمي، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية التي تعوق توفير الموارد المالية اللازمة لوضع أسس صناعة وطنية في مجال الذكاء الاصطناعي؛ مما يجعلها في اعتماد دائم على الشركاء الدوليين وشركات التكنولوجيا الغربية.
2- تكريس الاعتماد على تكنولوجيا الدول المقدمة: مثل هذه التحديات قد تعطل مشاركة إفريقيا في وضع أُطر تنظيمية تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي المحلي، وذلك من خلال عرقلة وصول التكنولوجيا والإنترنت إلى جميع الدول الإفريقية، والحرص على استمرار اعتماد هذه الدول على التكنولوجيا الرقمية الخاصة بنظيرتها المتقدمة، والحد من قدرات نمو الشركات المحلية الإفريقية، مع تزايد دور الشركات متعددة الجنسيات التابعة للدول المتقدمة، وامتلاكها أدوات وقدرات التلاعب بالسوق الإفريقية، فضلاً عن حصر إفريقيا في دور تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي بالبيانات. ويؤدي هذا التدفق أُحادي الاتجاه للبيانات إلى إدامة دورة من التبعية الاقتصادية، وتعميق الفجوة التكنولوجية بين إفريقيا والعالم، وتعزيز الهيمنة الثقافية والأيديولوجية الغربية.
3- تأثير توجهات ترامب: مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، من المُتوقع أن تنعكس توجهاته على مخرجات قمة فرنسا المقبلة، من تخفيف الرقابة على تطوير الذكاء الاصطناعي، وعدم الاكتراث بالجانب الأخلاقي؛ بما قد يترتب عليه التقليل من معالجة التهديدات التي تشكلها التكنولوجيا على الحقوق المدنية والسياسية والخصوصية، وما يتعلق بالتأثيرات البيئية للذكاء الاصطناعي التي تُعد أحد الجوانب الرئيسية لهذه القمة، خاصةً أن ترامب يُشكك في قضية التغير المناخي ويصفها بأنها “مجرد خدعة”.
ختاماً، تتفق دول العالم المتقدم على أهمية مشاركة إفريقيا في القمم والمؤتمرات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، بيد أنها تختلف حول دور هذه المشاركة في صياغة مخرجات تقلل من الفجوة الرقمية وتعمق الصناعة المحلية؛ الأمر الذي يفرض على الدول الإفريقية العمل الجمعي عبر تقديم رؤية رقمية مشتركة تسمح للقارة بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي من خلال الفرص والإمكانات المتاحة، والاستثمار في البنية الأساسية مثل: مراكز البيانات والإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية والتعليم؛ وذلك من أجل أن يصبح الذكاء الاصطناعي قوة مؤثرة في تشكيل المستقبل الإفريقي، وليس أداة للاستعمار الرقمي الجديد.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الجارديان: سحب باريس لقواتها من تشاد يعكس انحسار النفوذ الفرنسي في إفريقيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
سلطت صحيفة (الجارديان) البريطانية الضوء على بداية سحب فرنسا لقواتها من تشاد واصفة الخطوة بأنها تعكس استمرار انحسار النفوذ الفرنسي في القارة السمراء.
وقالت الصحيفة، في مقال للكاتب إرومو إجبيجول، إن فرنسا بدأت بالفعل في استدعاء كوادرها العسكرية من تشاد حيث يتواجد ما يقرب من 1000 جندي فرنسي هناك وهو ما يشكل ضربة قوية للنفوذ الفرنسي في أفريقيا الذي بدأ يتقلص إلى حد كبير.
ولفت المقال في سياق متصل إلى أن السنغال كذلك طالبت برحيل القوات الفرنسية من أراضيها متعللة بأن تواجد قوات أجنبية في البلاد لا يتوافق مع السيادة الوطنية.
وأشار إلى تصريحات المتحدث العسكري الفرنسي جولوام فيرنيه التي أكد فيها مغادرة طائرتين من طراز (ميراج) أمس الثلاثاء، تشاد ووصولهما إلى قاعدة عسكرية في شرق فرنسا، لافتا إلى أن المزيد من العتاد العسكري الفرنسي المتواجد في العاصمة التشادية سيبدأ في مغادرتها حسب جدول زمني متفق عليه.
ولفت المقال إلى أن مغادرة القوات الفرنسية لتشاد تأتي بعد قرابة أسبوعين من إعلان الجانب التشادي نهاية التعاون العسكري مع فرنسا والذي استمر لعقود طويلة.
وسلط المقال الضوء على تصريحات وزير خارجية تشاد عبد الرحمن كولامالا التي يقول فيها أنه على الرغم من نهاية التعاون العسكري بين بلاده وباريس؛ إلا أن تشاد حريصة على استمرار علاقات إيجابية وبناءة بين الطرفين في مجالات أخرى ذات منفعة متبادلة لصالح الشعبين التشادي والفرنسي على حد سواء.
وأوضح المقال أن تشاد ظلت لفترة طويلة تشكل الحليف الوحيد للغرب في منطقة الساحل الإفريقي، مشيرا إلى أن المجالس العسكرية التي تولت الحكم في عدد من دول المنطقة منذ عام 2020 بدأت تنظر بازدراء للتواجد العسكري الفرنسي في بلادهم.
وأشار كذلك إلى أن الانقلابات العسكرية في عدد من الدول الأفريقية الحليفة لفرنسا تواكبت مع تزايد مشاعر النفور والرفض للتدخل الفرنسي المستمر في شئون البلاد، موضحا أن مالي وبوركينا فاسو قامتا منذ عدة سنوات بترحيل الدبلوماسيين الفرنسيين وفرضت حظرا على وسائل الإعلام الفرنسية في البلاد.
كما انسحبت القوات الفرنسية من النيجر العام الماضي في أعقاب انقلاب عسكري أطاح بالرئيس محمد بازوم وهو أحد حلفاء باريس في القارة الإفريقية.
ولفت المقال في الختام إلى أن تشاد بدأت تبحث عن شراكات جديدة مع دول أخرى مثل روسيا ودولة الإمارات العربية، موضحا أن رحيل القوات الفرنسية من تشاد يشكل نهاية حقبة امتدت لعقود من التواجد العسكري الفرنسي في منطقة الساحل.