#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 106 من سورة يوسف: “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ”.
لطالما تساءلت متعجبا كلما قرأت هذه الآية: كيف يمكن للمرء المؤمن بالله أن يشرك به، فالشرك كان مرحلة من مراحل التخلف المعرفي البشري، عندما كان الأقدمون يرون جبروت مظاهر الطبيعة كالشمس والقمر والنجوم والعواصف والزلازل والبراكين .
لكن من لديهم عاهة فكرية أسمها الإلحاد، والتي تعني قصور عقولهم عن فهم ما هو غير مرئي أو محسوس، فأنكروا وجود الله وكان تفسيرهم أن كل شيء وجد بالصدفة، وهؤلاء ليسوا مشركين بل منكرين لوجود الله.
الحقيقة انه يمكن التوصل إلى فهم الآية من تحليل أفعال وأقوال بعض من يعتبرون أنفسهم من المؤمنين،
كونهم ملتزمون باتباع الدين وأداء العبادات، لكن شركهم ينكشف عندما يمتحنون بموقف دنيوي فارق، يكشف مدى رسوخ قناعاتهم بألوهية الله، وهذه القناعة هل أن مشيئة الله هي فوق كل مشيئة، وأن كل شيء بيده أم أن بعض البشر قادرون على فعل ما لايريده وتدبير ما لا يحبطه.
الشرك هو جعل انداد لله، يخططون ويرسمون وينفذون باستقلال عن إرادة الله، والاعتقاد بأن بعض مجريات الأحداث وصيرورتها هي من كيد البشر وتدبيرهم وليست مقدرة من الله، وما نجاحهم بتنفيذ مكائدهم الا بسبب امتلاكهم القوة والنفوذ، فيستنتجون من ذلك بأن هؤلاء متفلتون من أمر الله، ويمكنهم فعل ما يريدون.
في عصرنا الراهن، كثير من المسلمين يعتقدون أن 99 % من الأمر بيد أمريكا، أي لا يبقون لله (حاشاه) إلا واحدا بالمائة، وكثير من هؤلاء يعتقدون أنهم متقون وصادقون بإيمانهم، ولا يعلمون أنهم مشركون، لأنه تعالى قال “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” [يوسف:21].
وفي الأحداث الأخيرة بعد سقوط نظام الأسد الفاجر، رأينا بعضهم بسبب ذلك الشرك، لم يتركوا لله دورا في التدبير، ولم يفطنوا الى أن الله ينتصر لعباده المؤمنين المظلومين ولو بعد حين، فأحالوا أسباب نصر الله للثوار الى أنه مؤامرة من تدبير الشيطان الأكبر، وانساقوا وراء تضليل شبيحة النظام الهالك، الذين قالوا ان تدمير قدرات الجيش العسكرية من قبل الكيان اللقيط هو مساعدة للثوار.
ما هذا السخف في الاستنتاج؟.
الحقيقة معكوسة تماما، فالغارات الجوية تمت بعد انهزام النظام، وذلك انتهازا لفرصة الفوضى، بحجة الخوف من أن تصبح الأسلحة (الاستراتيجية) في يد إسلامين، فلم تستهدف عندما كانت في يد النظام البائد، لأنها لم تستخدم يوما ولن تستخدم ضد الكيان بل ضد الثائرين فقط.
صحيح أن تدمير الأسلحة تلك يشكل خسارة كبيرة للبلد والأمة، لكن من لا يشرك بالله شيئا ولا يقنط من روح الله، يوقن أنه تعالى قادر على الإمداد والتعويض، مثلما أمد المحاصرين في القطاع عندما أخلصوا النية لله، فلم تقدر عليهم كل قوى الشيطان الأكبر وآلاته الجهنمية وأعوانه.
ان من شهد النصر السريع للثوار، يجب أن يزداد يقينه بالله ولا ترعبه القوى الكبرى ولا الصغرى، لأن الله محيط بالكافرين جميعهم ، كبيرهم وصغيرهم، ومحبط كيدهم مهما كان عظيما، ولنا في آلاف الأمثلة على تدبير الله الأمور للأمة منذ تشكلت والى اليوم خير إثبات على ذلك، بدءا من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين مختبئين في غار ثور والمئات من الكفار محيطون بهم، فلم تكن نجاتهم صدفة ولا هي من باب مهارة التخفي، بل أعمى الله العيون عنهم بقدرته تعالى، وانتهاء بانتصار ساحق بالمعارك رغم الفارق الهائل في قوة الأعداء.
المؤمن الذي لا يشرك بالله، يعلم أن النصر من عنده تعالى، يكرم به عباده المسلمين الصادقين، إن حققوا شرطين: أعدوا ما استطاعوا من قوة، ثم استعانوا بالله. مقالات ذات صلة كفى هروبا من الواقع المرّ نحو التساؤل.. اين المشروع العربي ؟ 2024/12/12
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
معنى الاستئناس في قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾
أجابت دارالإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحد المتابعين عبر صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، جاء مضمونه كالتالي: ما معنى الاستئناس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾؟.
وقالت دار الإفتاء إن الزيارة بصفة عامة مستحبة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَن طِبتَ وَطَابَ مَمشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلًا» "سنن الترمذي".
وأوضحت أنه يجب شرعًا الاستئذان قبل الزيارة، ويكون بإعلام أهل البيت حتى يستعدُّوا لمقابلة الزائر؛ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 27].
والمراد بالاستئناس هو الاستئذانُ في الزيارة قبل الذهاب وتحديدُ موعدٍ لها؛ وذلك عن طريق الاتصال بالهاتف ونحوه من الوسائل المعاصرة، كالاتصال بالهاتف ونحوه؛ حتى يستعد أهل البيت لتلك الزيارة، وليعلم الزائر أنَّ العدد المسموح به في طلب الإذن بالزيارة هو ثلاث مرات، وينبغي على الزائر إن لم يأذن له أهل البيت بالزيارة أن يرجع عنها.
آداب الاستئذان عند دخول البيوت للزيارة
وأضافت الإفتاء أنه الإسلام قد سنَّ آدابًا للزيارة ينبغي الالتزام بها ومنها:
- الاستئذان قبل الزيارة، وذلك بإعلام أهل البيت حتى يستعدُّوا لمقابلة الزائر؛ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 27].
فالمراد بالاستئناس: هو الاستئذانُ في الزيارة قبل الذهاب وتحديدُ موعدٍ لها، وذلك عن طريق الاتصال بالهاتف ونحوه من الوسائل المعاصرة.
- ترك الزيارة والرجوع عنها إذا كانت هناك ظروف تمنع أهل البيت من استقبال الزائر؛ يقول تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [النور: 28]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الِاستِئذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِن أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارجِع» "صحيح مسلم".
- إلقاء الزائرِ السلامَ على أهل البيت عند الاستئذان للدخول؛ فعَن رِبعِيٍّ رضي الله عنه قال: "حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيت فقال: أَلِجُ ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخادمه: «اخرُجْ إلى هذا فعلِّمه الاستئذان، فَقُل له: قل: السَّلامُ عليكُمْ، أأدخُل؟» فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل". "سنن أبي داود".
- تعريف الزائر بنفسه واسمه حين يُسأل عنه، حتى يأذن له صاحب البيت بالدخول؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: "أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: «مَن ذَا؟» فقلت: أنا، فقال: «أنا أنا»، كأنه كرهها"، فالحديث يدل على كراهة قول المستأذن «أنا»؛ لأن هذه اللفظة لا تُعَرِّف به.
- عدم الإكثار من الزيارة؛ حتى لا يملّ أهل البيت من الزائر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «زُر غِبًّا، تَزدَد حُبًّا» "المعجم الأوسط"، فالمراد من الحديث أنَّ الإقلال من الزيارة يجعل النفس تشتاق لرؤية الشخص ومقابلته والجلوس معه.
- عدمُ الإطالة في وقت الزيارة مراعاةً لظروف أهل البيت، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53].
- اختيار الوقت المناسب للزيارة حتى لو كانت الزيارة للوالدين، فهناك أوقات لا تناسب أهل البيت في استقبال أحد من الزائرين؛ كأوقات الراحة ونحو ذلك؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 58].