ما وراء حكومة المنفى؟ هل تنتحر تقدم سياسياً؟!
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
ما وراء حكومة المنفى؟ هل تنتحر تقدم سياسياً؟!
د. الطاهر محيي الدين
تواجه تنسيقية القوي الديمقراطية ( تقدم) اخطر التحديات منذ تأسيسها. ولن تستطع مواجهة هذه التحديات إلا بالمبدئية والحزم في اقصي تجلياتهما. واخطر هذه التحديات ما سمي بنزع الشرعية عن حكومة بورتسودان بتشكيل حكومة منفي في مواجهتها. والحقيقة ان الحكومة المزمع تشكيلها هي حكومة الدعم السريع في مواجهة حكومة الجيش / الكيزان ببورتسودان .
ومن باب الاستهبال والتضليل تسمية ذلك بنزع الشرعية لأن حكومة الجيش منذ انقلاب ٢٥ اكتوبر لا تمتلك شرعية حتى تنزع عنها وقد افتقدت اي مسوغ اخلاقي بعد حرب الخامس عشر من ابريل. وإذ تتعامل معها العديد من الحكومات، فليس ذلك لأنها حكومة شرعية، وانما كحكومة امر واقع، اما لايصال الاغاثات، أو لاستمرار خدمات المواطنين في حدها الادنى مثل اصدار الجوازات وشهادات المواليد وغيرها، او املا في تجنيب السودان مزيدا من الانهيار والتمزيق، أو لارتباط مصالح حكومات تلك الدول بحكومة الجيش فتقدم لها الاسلحة تحت غطاء الاعتراف الدبلوماسي كما تفعل حكومات مصر وايران وروسيا وقطر، وغني عن القول ان هذه الحكومات غير معنية بشرعية حكومة الجيش وستظل تدعمها غض النظر عن اي مقبولية شعبية أو اخلاقية لها.
لذا من باب التضليل المحض تسمية اتجاه الدعم السريع لتشكيل حكومته النقيضة باعتباره نزعا للشرعية.
وايضا من باب التضليل تسمية ذلك (حكومة منفى) فالمزمع تشكيله حكومة دعم سريع في الاراضي التي يسيطر عليها وليس حكومة منفى.
وأهم ما يميز تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدم) استقلاليتها عن طرفي الحرب وتعبيرها عن القوى المدنية والتزامها باستكمال مسار ثورة ديسمبر المجيدة.
وقد حافظت النواة القيادية لتقدم علي استقلاليتها رغم كل التعقيدات ورغم اختراق تقدم من عدة عناصر تعبر عن الدعم السريع او استخبارات الجيش / الكيزان. والآن فان النواة القيادية تواجه اختبار تأكيد استقلاليتها ضد اختراقات الطرفين: فمن جهة تريد العناصر المرتبطة بالدعم السريع توظيف تقدم كغطاء لحكومتها التي لن تجد اعترافا شعبيا ولا خارجيا بحكم الانتهاكات الفظيعة والواسعة التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها قوات الدعم السريع، ومن الناحية الاخرى تريد العناصر المرتبطة بالجيش / الكيزان داخل تقدم جرها لتأييد حكومة الدعم السويع حتي تفقد تقدم مصداقيتها واستقلاليتها ومشروعيتها فتخلو الساحة من اية قوة واسعة منظمة تحمل مطلب ثورة ديمسبر في الحكم المدني الديمقراطي.
الموقف الصحيح هو اسقاط حكومة الجيش / الكيزان اما بانتفاضة شعبية تواصل مسار ثورة ديسمبر أو عبر عملية سياسية تستند على شرعية ثورة ديسمبر، واما تشكيل حكومة نقيضة للدعم السريع بزعم نزع شرعية متوهمة فهذا يستبطن الوجود الدائم لحكومة بورتسودان مما يعني استبطان تقسيم السودان!
وهذا طريق يجب الا تذهب فيه تقدم مهما تعاظمت عليها الضغوط أو الاغراءات. ومن غير الممكن تغطية حكومة الدعم السريع باي (لزقة) مدنية، فالسلطة المؤسسة التي تضع دستور الحكومة وتعطيه امكانية النفاذ ستظل بندقية الدعم السريع، كما انها هي التي ستظل صاحبة اليد العليا في تشكيل الحكومة، فاذا قبلت وجود عناصر ديمقراطية في البداية لتجميل صورة حكومتها فليس من ضمان بألا تعزل هؤلاء في اية لحظة تتناقض مصالحها مع وجودهم. وحتى اذا استمرت هذه العناصر الديمقراطية فان قوات الدعم السريع كما تؤكد جميع الشواهد منذ اندلاع الحرب ستستمر في انتهاكاتها وفي سلب ونهب المواطنين. فأي انسان ديمقراطي ذي ضمير يقظ يقبل ان يكون غطاءً للانتهاكات وللسلب والنهب؟!!
وبالطبع لا احد يعترف بحكومة منفى لا تسيطر عمليا على اي ارض من اراضي السودان .
حكومات المنفى تكون ذات جدوى حينما تواجه سلطة الامر الواقع في بلد ما تحالفا دوليا يريد اقتلاعها بالقوة المسلحة ويريد تطمين شعب اليلد المعني بان البديل ليس احتلالا اجنبيا فيشكل لهذا الغرض حكومة منفي تمنح شرعية معنوية ودبلوماسية إلى أن يتم تحرير البلد المعني من سلطة الامر الواقع. وهذا ما حدث ابان الحرب العالمية الثانية من الحلفاء بتشكيل حكومة منفى فرنسية في مواجهة حكومة الامر الواقع التي كانت دمية في يد الاحتلال النازي .
ومؤخرا شكّلت الدول اصدقاء سوريا – حلف دولي اقليمي ضد نظام بشار الاسد – حكومة منفى واعطتها مقعد سوريا بالجامعة العربية لكن ما ان اعتمدت هذه الدول الحل السياسي بديلا عن الاطاحة بالنظام حتى طوى النسيان حكومة المنفى السورية. ولأن مثل هذه الوضعية لا تتوفر في السودان فان حكومة منفى لا تسيطر على اي ارض لن تكون مطروحة حتى للنقاش.
اذن فالمطروح حقا حكومة تسيطر على اراضي كالمناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع. ومثل هذه الحكومة كي تستقر لابد ان تكون عاصمتها في اقوى مناطق سيطرة هذه القوات، اي في مدينة من مدن غرب السودان. وحتى لو تشكلت بداية في الخرطوم من اجل الدعاية والتغطية فان قادتها لن يكونوا الا في مدينة امنة نسبيا كنيالا، مما يعني عمليا انها حكومة في غرب السودان .
ولو افترضنا جدلا ان العناصر المشكلة لهذه الحكومة لا تريد تقسيم البلاد فان وجود سلطة لفترة من الزمن سيخلق نخبة ذات امتيازات وارتباطات وعلاقات ذات صلة عضوية بالوضع التقسيمي مما يجعل احتمال الرجوع عنه لاحقا غير وارد وغير ممكن إلا باجتياح عسكري. ولذا فان حكومة الدعم السريع وايا تكن النوايا ستؤدي عمليا إلى تقسيم البلاد.
ومصلحة شعب السودان في دولة كبيرة موحدة متعددة الموارد. ثم ان التقسيم لن يؤدي إلى استقرار أو سلام فهو تقسيم بلا حدود واضحة معترف بها مما يعني انه يرسم ويظل يرسم بالدم. كما انه لن يكون بين دولة (بحر ونهر) ودولة غرب، فالدوائر التي تدفع للتقسيم لن تقبل بوجود دائم لدولة كيزان مرتبطة بايران وروسيا على شواطئ البحر الاحمر الذي تمر به حوالي عشرين بالمائة من التجارة العالمية وسبق وجربت هذه الدوائر وكابدت وجود الحوثيين على البحر الاحمر .
كما ان ذات الدوائر لا تريد سيطرة الدعم السريع على مناطق القبائل الافريقية في دارفور فهذه مناطق البترول والغاز واليورانيوم ومن الافضل ان تكون تحت سيطرة دولة صغيرة الحجم ليسهل التحكم بها خصوصا وان لهذه القبائل مرارات تاريخية مع القبائل العربية خلفت لديها عداءً للعروبة في حد ذاتها مما يمكن استغلاله استراتيجيا.
وبالنتيجة فانه ليس مجرد تقسيم وانما تمزيق يرسم بالدم في كل جهة من جهات السودان. واذا كانت دوائر في المجتمع الاقليمي والدولي ليست معنية بكلفة هذا المخطط الباهظة على شعب السودان فان تقدم ستخون كل مبادئها ان مشت في طريق تمزيق البلاد وما يستتبعه من تطهير عرقي وتمكين لامراء الحرب والميليشيات وغياب للقانون والانتهاكات ونهب للموارد.
وانا شخصيا ومن معرفتي اللصيقة لا اشك مطلقا في صدق واخلاص النواة القيادية لتقدم. وقد سبق وامتحنت ونجحت في اختبار المبادئ ابان الفترة الانتقالية حين حاول العسكر مجتمعين (جيش/ كيزان ودعم سريع) توظيفها كمجرد غطاء مدني لهيمنتهم مما اضطر العسكر بسبب فشلهم مع هذه القيادات المدنية الصلبة لتنفيذ انقلابهم في ٢٥ اكتوبر.
ولكن نقطة ضعف النواة القيادية لتقدم اصرارها على اتساع التمثيل وتجنب خروج البعض مهما كانت التنازلات والمواءمات. والحقيقية ان التنوع مفيد وخلاق عندما يكون منسجما اي في اطار قيم ومبادئ متفق عليها. ولذا ليس كل تنوع مرغوب أو صالح. ولكن النواة القيادية في تقدم قبلت بتنوع واسع متشاكس بما في ذلك قبولها بعدد من العناصر المرتبطة بالدعم السريع وباستخبارات الجيش / الكيزان لمجرد اعطاء الانطباع بالشمول والتنوع .
وقد استغلت كثير من الجهات انفتاح تقدم لتزرع في صفوفها الخلافات والشوشرة ولتحطم فاعليتها وتجعل مناخها الداخلي طاردا لكل شخص مخلص لكنه في زاهد في المعارك الصغيرة والجانبية. وكانت هذه خطة محكمة ليس فقط للاجهزة الامنية والعسكرية المحلية وحسب وانما كذلك للدوائر الاقليمية والدولية التي ترغب في تمزيق السودان فهذه تعلم تماما انه لا يمكن تحقيق خطتها إلا بتدمير فاعلية القوى الديمقراطية المدنية .
ولقد لاحت الآن فرصة ذهبية للنواة القيادية لتقدم، فرصة ان تطهر صفوفها بما يجعلها تعبيرا حقيقيا ومؤسسيا عن القوى الديمقراطية، وبما يجعل تنوعها مصدر اثراء ومزيد من الفاعلية لا مصدر تشويش وتعويق. فالعناصر المرتبطة بالدعم السريع والجيش/ الكيزان كل لهدفه تسعى لدفع تقدم نحو المشروع البائس: حكومة الدعم السريع، وفي رفض هذا المشروع بمبدئية وحزم ستخسر تقدم مؤقتا بعض العناصر والحركات ولكنها ستكسب مزيدا من المصداقية والمشروعية الشعبية وهذا ما يؤبه له حقا في اي حساب استراتيجي.
ولتتذكر النواة القيادية في تقدم ان العناصر والحركات التي تدفعها حاليا نحو حكومة الدعم السريع هي ذاتها التي ايدت انقلاب ٢٥ اكتوبر أو تواطأت معه بالسكوت وظلت في مؤسساته إلى ان انفجر الصراع على السلطة بين مكونات الانقلاب.
اذن فهي قوى ليست مخلصة في ادعاءاتها عن الحكم الديمقراطي ومغادرتها تقدم ستصب في صالح توطيد الالتزام بالمبادئ الديمقراطية، وبدلا عن المواءمات والتنازلات لهذه القوى، الواجب ان تترك تتخذ خياراتها بعيدا عن تقدم، فهم الراحلين هم. وهذه مثل قوى اخرى الاطار الذي يجمع معها هو الاطار الواسع لايقاف الحرب وليس الاطار الاستراتيجي للقوي الديمقراطية المدنية.
وإذا كانت هذه العناصر تكذب حول طبيعية الحكومة المزمع تشكيلها فتخفي اتفاقها حولها مع الدعم السريع فهناك ابواق اكثر وضوحا وتدعو تقدم بصورة واضحة للتحالف مع الدعم السريع وتشكيل حكومة معه. وتستند في ذلك على شعارات الدعم السريع المرفوعة بالوقوف ضد التهميش وضد الفلول ومن اجل الحكم المدني.
ولكن ما من شخص موضوعي وغير مرتشي يمكن ان يقيم الدعم السريع أو يتخذ منه موقفا بمجرد الشعارات التي يمصمص بها شفاه ابواقه .
قوات الدعم السريع كانت الاداة الباطشة للكيزان لقمع جماهير الهامش. وكانت طرفا رئيسيا في انقلاب ٢٥ اكتوبر وحين اعتذرت عنه اعتذرت باكتشافها انه انقلاب كيزان !!
اي انه لو كان انقلابا عسكريا صرفا لكان مقبولا!
ولنفترض ان حكومة ديمقراطية هبطت على قوات الدعم السريع فاختلفت بعد الحرب، لكن الحقائق حاليا وعلى الارض تؤكد ان قوات الدعم ما دخلت اي منطقة الا وانتهكت المواطنين ونهبتهم وسرقت ممتلكاتهم، فهل من قوة سياسية جادة وصادقة الانتماء للديمقراطية وحقوق الانسان يمكن ان تضع رايتها على بنادق نهابين وسراق ومنتهكين؟!! ثم ان قيادة الدعم السريع ولأنها طامعة في السلطة لا تتحرج مطلقا من استيعاب كيزان الغرب في صفوفها. وهذا ما تؤكده الوقائع وشهادات شخصيات من داخل الدعم السريع. ومن بين كيزان الدعم السريع من يدفع بها نحو سيناريو التقسيم الذي يتساوق مع مشروع الكيزان البديل (دولة البحر والنهر)، ومنهم من لم يغادر التفكير الاصولي لكنه غير الاصولية الدينية إلى اصولية جهوية وقبلية!! وهولاء وبنفس انحطاط الكيزان وسفالتهم التحقوا بالدعم السريع ويهاجمون القوى المدنية بذات ابتذال وصفاقة الكيزان المعتادتين.
وفي هذا السياق يرد هجوم الكوز الدعامي عبدالمنعم الربيع على ياسر عرمان وخالد عمر وغيرهما من الرموز الديمقراطية، وهو ومن ورائه يعتقد بان اساليب الكيزان في الافتراء وقلة الادب يمكن ان تحقق نتيجة ذات بال.
ولكن عرمان وخالد ظلا عرضة لمثل هذه التهجمات طيلة سنوات الانقاذ ولم تزدهما إلا قبولا وشعبية وسط جماهير الشعب السوداني.
وقيادة الدعم السريع التي لا ترفض الكيزان إلا اذا كانوا شايقية أو جعلية أو دناقلة تدعي عدم موافقتها على ما يقوله كيزان الدعم لكنها لا تصدر بيان ادانة أو تبرؤ كما تواصل دفع المخصصات والعطايا لهم مما يؤكد انها توافق سرا على انحطاطهم. فهل مع كل هذا يمكن ان تغرس القوى الديمقراطية راياتها وسط (الفاتيات) والمنحطين والنهابين؟!
ودع عنك كل ذلك، وخذ المحددات البنيوية: قوات الدعم تقودها عمليا اسرة وعشيرة، ثرواتها مرتبطة بالسيطرة على الموارد والعلاقة بالخارج، فهل يمكن لقوى ديمقراطية ان تراهن عل مثل هذا التكوين؟!!
وهل تستطيع قوات الدعم السريع ان ترفض امرا للامارات حتى ولو كان متناقضا مع المصلحة الوطنية؟!؟ وفي هذا هل تختلف علاقتها عن علاقة الجيش/الكيزان مع مصر؟!؟
وتؤكد معلومات من مصادر مطلعة وموثوقة ان اقتراح حكومة الدعم السريع قدمته ابتداءً الامارات للدعم السريع. وتؤكد ذات المصادر انه اصلا اقتراح من حكومة اليمين الاسرائيلي التي تسعى إلى اضعاف وتقسيم كل دول المنطقة.
ويتصور اليمين الاسرائيلي انه يحقق امن اسرائيل بتقسيم المنطقة الي دويلات طائفية وعرقية وعشائرية، دون ان يستجيب لحل الدولتين بما يحقق الامن لهم وللفلسطينيين.
وتذهب بعض الدول في هذا المخطط بقصر نظر حكامها. فمثلا البعض في مصر وبالطمع قصير النظر يرى ان قيام دولة البحر والنهر سيتيح لمصر استغلال موارد هذه الدولة الهشة تحت ستار كونفدرالية وادي النيل. خصوصا وان هذه الدويلة توفر اكثر مما حلم به محمد علي باشا: كثافة سكانية منخفضة واراضي زراعية ومياه وذهب .
ولكن ما لا يفهمه الطامعون ان المطامح القومية لاي شعب مما لا يمكن مواجهته على المدى الاستراتيجي وحتما تأتي لحظة انتفاض الشعب حتى في دويلة البحر والنهر ليكون سيدا على بلاده ومواردها، وحينها ستكون تكلفة الاحتلال غير المباشر أعلى من مكاسبه، بل وربما تؤدي التكلفة الباهظة إلى انهيار النظام المصري واغراق مصر هي الاخرى في الفوضى. ومصر سواء كانت قوية بموارد البحر والنهر أو ضعيفة اكثر من اللازم بالفوضى، تشكل في الحالتين مهددا لامن اسرائيل، ولكن هكذا اليمين المتشدد دوماً، لا يرى أبعد من ارنبة انفه.
وايا ما تكن الجهة التي تقف خلف مخطط تقسيم السودان فانه مخطط تمزيقي هائل الكلفة الانسانية على شعب السودان. مخطط يرسم بالدم والجماجم. مخطط لا يخدم إلا امراء الحرب والمليشيات. ويتناقض جوهريًا مع مشروع القوى الديمقراطية المدنية. ولهذا فان عدم رفض هذا المخطط بمبدئية وحزم انما يشكل انتحارا سياسيا. والنواة القيادية في تقدم اصدق من ان تذهب في طريق معادة مصالح الشعب، كما انها اعقل من ان تنتحر، كل ما نطلبه منها ألا تتردد وألا تسعى للمواءمات والموازنات في القضايا المبدئية. لا ديمقراطية مع شرعية البنادق. الديمقراطية حياة المستقبل والاستبداد زائل مهما طالت به الحياة. فدعوا الأموات للموت.
الوسومالجيش السوداني الدعم السريع الكيزان تقدم تقسيم السودان
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش السوداني الدعم السريع الكيزان تقدم تقسيم السودان
إقرأ أيضاً:
كارثة تجاهل السودان.. إدارة بايدن تقدم إيماءات وتتغاضى عن دور الإمارات
بينما تقترب حرب السودان، التي اندلعت في نيسان / أبريل 2023، من دخول عامها الثاني، لا يزال السودانيون يعيشون صدمة ما يحدث في بلدهم، وسط معاناة إنسانية متفاقمة وأزمات متشابكة.
ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك قالت فيه إنه بعد مرور ما يقرب من عامين على الحرب، يواجه السودان الفوضى والمجاعة والإبادة الجماعية - والتردد من بقية العالم.
وأشارت إلى أن لا أحد يتوقع الحرب أو يعتاد عليها، ولكن من المدهش أن الشعور الأكثر شيوعا الذي تسمعه بين السودانيين - وحتى بعض المراقبين الخارجيين - هو أنهم ما زالوا لا يصدقون أن هذا يحدث.
وبينت أنه منذ الخلاف الكارثي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي ميليشيا كانت في السابق شريكة الجيش في السلطة، كان من الصعب فهم السرعة التي تفككت بها البلاد، والأزمات المتداخلة التي تسببت فيها الحرب. لقد نزح الملايين، سواء داخل البلاد أو خارجها. المجاعة تبتلي مئات الآلاف والعنف الجنسي يحدث على نطاق "مذهل"، وفقا للأمم المتحدة.
وفي المناطق التي يُقال إن جنود قوات الدعم السريع يغتصبون فيها النساء والفتيات، أقدم بعض الضحايا على الانتحار، ويفكر الضحايا المحتملون في الانتحار مسبقا. في جزء من ولاية الجزيرة، أخبرت شابة كاتبة المقال أنها عندما سمعت أن قوات الدعم السريع تقترب، عقدت هي وقريباتها الإناث ميثاق انتحار.
وأوضحت أن قوات الدعم السريع نشأت في غرب البلاد، بين بقايا رسمية من الميليشيات العربية التي قمعت بوحشية تمرد القبائل الأفريقية المهمشة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بالشراكة مع الحكومة.
وتكرر المجموعة الآن الحرب العرقية التي قررت المحكمة الجنائية الدولية أنها تشكل إبادة جماعية في ذلك الوقت: استهداف الضحايا على أساس العرق، وقتل الآلاف من المجتمعات غير العربية، وحرق بنيتها التحتية، ودفع مئات الآلاف من الناجين إلى تشاد من أجل الاستيلاء على أرضهم ومنع عودتهم.
وقالت إنه نظرا لجرائمها على مدى الأشهر الماضية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على زعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات مملوكة لقوات الدعم السريع في الإمارات العربية المتحدة لتزويدها بالأسلحة، وأعلنت رسميا عن إبادة جماعية.
وتعد هذه تدابير مرحب بها، وذات مغزى واسع النطاق في الاعتراف بالجرائم المرتكبة والحد من قدرة قوات الدعم السريع على تبييض سجلها وتصوير نفسها كلاعب سياسي موثوق. ولكن كما هو الحال، فإن مثل هذه التدابير هي أعراض لنهج عمره عقود من الزمان تجاه السودان من قبل القوى الأجنبية، وهو نهج يتسم بالإيماءات بدلا من المشاركة بشكل هادف بطريقة يمكن أن تنقذ الأرواح.
ويشير التوقيت، من جانب الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها التي كان لديها أشهر لاتخاذ هذه القرارات الواضحة، مرة أخرى إلى تمرير المسؤولية إلى إدارة ترامب القادمة بدلا من وضع خطط عملية وضغوط على الأطراف المتحاربة.
وجاء في المقال إنه " لا يمكن للحرب في دولة فقيرة مثل السودان أن تستمر بهذه الكثافة بناء على أسلحة ومال اللاعبين المحليين فقط. تستمر الحروب في مثل هذه البلدان لأن الغرباء يمولونها، بينما يغض الآخرون الطرف، والإمارات هي اللاعب الأكبر في حرب السودان، ولديها نمط من لعب دور صانع الملوك في حروب أفريقيا، حيث تراهن على أنه إذا ساد شريكها المختار، فسوف يتم منح الإمارات العربية المتحدة القدرة على الوصول إلى موارد هائلة وقوة جيوسياسية".
وأضاف المقال أنه "تحقيقا لهذه الغاية، تزود الإمارات قوات الدعم السريع بأسلحة قوية ومسيرات، وحتى المساعدة الطبية لمقاتليها، كما أصبحت البلاد المتلقي الرئيسي لـ "الذهب المغموس بالدماء"، الذي يتم تهريبه من قبل الجيش وقوات الدعم السريع مقابل الأسلحة والنقد".
وأكد أن "الإمارات تضمن فعليا الأموال اللازمة لاستمرار الصراع بينما تستفيد من معدلات التخفيض التي تدفعها مقابل سلعة يصل سعرها إلى مستويات قياسية. وفي الوقت نفسه، يتم استخراج الأصول الأكثر ربحية للشعب السوداني من تحت أقدامهم ونقلها جوا فوق رؤوسهم إلى الشرق الأوسط، ثم يتم مقايضتها بالأسلحة لتمطرهم وهم يتضورون جوعا".
وعلى الرغم من دورها الكبير في الحرب، فقد احتضنت الإدارة الأمريكية الحالية الإمارات علنا، ولم تصدر بيانا يفيد بأنها لم تعد تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة إلا بعد اهتمام إعلامي متواصل، وضغوط من الناشطين السودانيين، واهتمام في مجلس الشيوخ.
وجاء ذلك ملفوفا ببيان أمريكي مفاده أن الإمارات "كانت مساهما إنسانيا طوال الحرب". ومن المرجح أن يكون فرض عقوبات على زعيم المجموعة، وليس راعيه، ذا تأثير ضئيل في إجبار الإمارات العربية المتحدة على قطع علاقتها بقوات الدعم السريع، وهي العلاقة التي استثمرت فيها بالفعل بكثافة، والتي لم تسفر حتى الآن عن أي عواقب أو استنكار.
وأضاف المقال "مع استمرار هذه الطقوس الضعيفة للإنكار المعقول، انقسمت عاصمة السودان إلى قسمين، مع وجود مناطق مختلفة تحت سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع. وأصبحت بورتسودان، وهي مدينة على البحر الأحمر، قاعدة للسلطة العسكرية المتبقية التي لا تزال تتمتع بسلطة إصدار التأشيرات، واستضافة البعثات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية، وإدارة الرحلات الجوية والبضائع إلى البلاد... إن السودان، في اتساع رقعة البلاد الكبيرة، انهار فعليا في حالة من الفوضى والإقطاعيات المجزأة. وسوف يزداد الأمر سوءا، حيث لا يمتلك أي من الطرفين القوة اللازمة لإغراق الطرف الآخر، بدعم من رعاة خارجيين، بما في ذلك في حالة الجيش مصر وتركيا".
وأوضح أن "هذا الصراع، الذي يشكل تحديا بالفعل بخصوصيته، يتطور على خلفية عالمية من الأزمات المتداخلة. إن التعب من إراقة الدماء، والجمود، والحروب الطويلة الطاحنة من أوروبا إلى الشرق الأوسط تجعل صراع السودان مجرد كارثة أخرى تتضاءل حوافها الحادة بسبب حقيقة أن الموت والجوع والإفلات من العقاب أصبحت قاعدة".
وذكر أن "الصور والحكايات تبدأ عن أكثر الانتهاكات تطرفا في فقدان قوتها مع وصولنا إلى نقطة تشبُّع المعاناة. يستعد العالم لإدارة ترامب أخرى، في حين يعمل أباطرة التكنولوجيا على تشويه شبكات المعلومات العالمية، مما يجعل من الصعب على روايات أسوأ أزمة إنسانية في العالم أن تظهر وتخترق فوضى نظريات المؤامرة والدعاية غير المتوازنة. إن الخريطة السياسية للعالم العربي يُعاد رسمها الآن، حيث يخضع السودان للتطلعات المتنافسة لأكثر اللاعبين طموحا في المنطقة".
وبين أنه على الرغم من أن انهيار السودان قد يبدو بعيدا عن بعض الأزمات الدائمة التي تستنزف الانتباه العالمي، فإنه لا يمكن عزله عن بقية العالم. فهو واحد من أكبر البلدان في أفريقيا، ويحد بلدانا أخرى اضطرت، مثل مصر، إلى استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، أو تعرضت، مثل تشاد، لمخاطر تدفقات كبيرة من الأسلحة والمرتزقة على حدودها. وهناك بالفعل نوع من الاستسلام لأن السودان في طريقه إلى أن يصبح "صومالا آخر" أو "ليبيا أخرى".
وقال إن "هذا لا يعني أن الأطراف المتحاربة سوف تستنزف بعضها البعض في صراع مكتف ذاتيا خلال العقد المقبل أو أكثر ــ بل يعني أن البلاد سوف تصبح تربة خصبة للجماعات المسلحة والساعين إلى الثروة، مما يزيد من المخاطر الجيوسياسية ويضخ الأسلحة في أرض خارجة عن القانون تقع عند تقاطع العالم العربي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".
وختم أنه "مع مرور الأشهر واستمرار الحرب، يخشى البعض أن يتم شطب السودان ببساطة، وأن يتم تقليص الجرائم الهائلة التي ارتكبت ضد شعبه إلى ما لا يزيد عن كونها مجرد ضجيج في الخلفية، مع مجرد نوبات تبرئة عرضية من الإدانة أو التوبيخ للقوات المقاتلة نيابة عن القوى العالمية. لكن الثمن سيكون باهظا للغاية؛ باهظا للغاية، ليس فقط بالنسبة للسودانيين، بل وأيضا بالنسبة للعالم الذي لا يستطيع تحمل استمرار صراع آخر، واستقطاب المزيد من الوكلاء، والنزيف في بركة متزايدة من الموت والنزوح والدمار الذي سيكون من المستحيل احتواؤه".