الصدمة والرعب في شمال غزة.. قصص يشيب لها الولدان
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
منذ السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اقترن هجوم الجيش الإسرائيلي البري على شمال غزة بحصار منيع وغارات جوية مستمرة، مما أدى إلى تجويع السكان، ومنع فرق الإنقاذ والعاملين في مجال الرعاية الصحية من القيام بوظائفهم، ليفر أكثر من نصف سكان المنطقة البالغ عددهم 200 ألف نسمة، إلا أن نحو 75 ألف شخص لا يزالون هناك حسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي هذا السياق، قال موقع إنترسبت إن الجيش الإسرائيلي غزا جباليا مرتين منذ أن بدأت الحرب على قطاع غزة قبل أكثر من عام، ونقل -في تقرير موسع بقلم أحمد السماك- 4 قصص من المعاناة خلال الغزو الثاني، بدأها بقصة يحيى قاسم (28 عاما) الذي كان يتناول عشاء من الحمص المعلب مع عائلته عندما اخترق صوت الغارات الجوية الإسرائيلية الهواء، في سلسلة من أحزمة النار الصاخبة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2شرطة الأسد اعتقلتني وعذبتني.. تهمتي: تشابه في الأسماءlist 2 of 2اليأس يدفع سوريين للبحث عن ذويهم لدى من لا يتذكر حتى اسمهend of list
كانت تلك الليلة بداية هجوم الأرض المحروقة الذي شنته إسرائيل على شمال غزة، فيما يسمى خطة الجنرالات لمحاربة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع تطهير المنطقة من سكانها، وكانت عائلة قاسم قلقة من دخول القوات الإسرائيلية بلدتهم جباليا، فأطل قاسم من النافذة ليرى ما يحدث، وعاد يهدئهم قائلا "لم يبق لهم مكان ليدخلوه".
إعلانفرت عشرات العائلات على الفور من جباليا، وتساءل قاسم في الموقع مؤخرا، وكان صوت قصف إحدى الطائرات مسموعا في الخلفية "ما الذي بقي لهم ليدمروه؟"، وأضاف "كان الناس يركضون حفاة، وكان الرعب واضحا على وجوههم".
اختار البقاءبقيت عائلة قاسم في مكانها في البداية، ولكن مع مرور الأيام وتزايد قوة القصف، ذهب شقيقه المعاق ووالدته وأخواته إلى منزل أحد أقاربه في مدينة غزة، على بعد حوالي 3 أميال إلى الجنوب، ولكن قاسم اختار البقاء، رغم أنهم فقدوا أحد أفراد الأسرة، وهو شقيقه التوأم في أبريل/نيسان الماضي.
وقال محامي القانون الدولي يحيى محارب "إن تنفيذ ما يسمى بخطة الجنرالات، وجميع تصرفات الجيش الإسرائيلي في شمال غزة يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي تمثل انتهاكات جسيمة للحماية القانونية والإنسانية للمدنيين والمستشفيات والملاجئ والفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال".
وذكر محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، أن الجيش الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 1800 فلسطيني وبث رسالة صوتية تأمر فرق الإنقاذ بإخلاء المنطقة، مما أدى إلى بقاء عدد لا يحصى من الناس تحت الأنقاض أو في الشوارع التي لا تستطيع طواقم الدفاع المدني الوصول إليها.
ويقول حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان "ليس لدينا حتى سيارة إسعاف واحدة لنقل المصابين من مواقع الكارثة"، وروى للموقع كيف تلقى نداءات استغاثة من أشخاص محاصرين تحت الأنقاض من غير إمكان إرسال عمال الطوارئ لمساعدتهم، وقد أصيب هو نفسه، ولكنه يرفض مغادرة مستشفاه لمواصلة رعاية من بقوا هناك.
انفصال أسرةبعد قصف منزل أمل المصري تحدت أسرتها الأوامر الإسرائيلية بالانتقال إلى الجنوب، وانتقلت بين الملاجئ المؤقتة، وعندما اكتشفت أنها حامل في شهرها الثالث، كانت الحرب المستعرة من حولهم قد جعلت من المستحيل تقريبا على أمل المصري (30 عاما) الحصول على رعاية ما قبل الولادة، ناهيك عن الحصول على العناصر الغذائية التي تحتاجها لرعاية نفسها والطفل الذي ينمو بداخلها.
إعلانفي اليوم التالي للولادة، بدأ الجيش الإسرائيلي قصف المنطقة بكثافة مرة أخرى، وشن غزوا بريا وحاصر لمدة 3 أيام 4 مدارس كانت تؤوي النازحين، وفي اليوم الرابع جمع الناس في مدرسة واحدة، وفصل الرجال عن النساء، ثم أجبر النساء والأطفال على إخلاء المنطقة.
قالت المصري "خرجت ورأيت حوالي 30 رجلا مقيدين خلف ظهورهم وقد عصبت أعينهم، وصاحت ابنتي "ماما بابا هناك". رأيته لكنني لم أستطع التلويح له. صاح جندي في وجهي لأخفض يدي، لذا خفضت يدي"، وحاولت ابنتها الاقتراب من والدها، لكن الجندي رفع مسدسه وقال "ارجعي"، وعادت الفتاة تبكي.
في اليوم الرابع تلقت أمل المصري مكالمة تخبرها أن زوجها يوسف المصري أصيب وأنه في المستشفى الأهلي في مدينة غزة، تقول "لم أصدق أنه على قيد الحياة حتى اتصل بي"، وقالت "قتلت إسرائيل معظم المعتقلين. استخدموا زوجي درعا بشرية"، وقد قرر الزوجان تسمية ابنتهما صمود.
الصلاة الختاميةخلال العام الأول من الحرب، ورغم 5 نوبات من النزوح، صمد رامز أبو ناصر وعائلته في شمال غزة، ولكن مع تكثيف الهجمات الإسرائيلية هذا الخريف، قرروا في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول أن البقاء أصبح خطيرا للغاية، وكانوا محظوظين بالعثور على شقة في مبنى لأحد أقاربهم في مدينة غزة.
وبعد أسبوع، صلوا معا قبل النوم كما يفعلون دائما، وكانت تلك آخر مرة يفعلون فيها ذلك، قال أبو ناصر لموقع إنترسبت "استيقظت في الساعة الثانية صباحا مغطى بالأنقاض. فتحت عيني ورأيت النار في كل مكان، لذلك أغمضتهما مرة أخرى، وفي تلك اللحظة بدأت أكرر الشهادتين".
أبو ناصر: تذكرت أن أمي وأبي كانا في غرفة أخرى، خرجت من المنزل من خلال فتحة صغيرة في الحائط، ودخلت من خلال نافذة إلى غرفة والديّ، سمعتهما يصرخان أخرجونا نحن نختنق، لم أستطع فعل أي شيء، كانا تحت متر على الأقل من الأنقاض.. ثم ماتا.
ضربت غارة جوية إسرائيلية مبناهم دون سابق إنذار وحوصرت الأسرة تحت الأنقاض، يقول أبو ناصر "تمكنت من انتشال نفسي وأخي آدم من تحت الأنقاض. قُتل أخي الأصغر رجب على الفور وعلق تحت الأنقاض. كان أخي الآخر حاتم محاصرا. كنت أحفر بيدي وأتوسل إليه أن يمسك".
إعلانويضيف "تذكرت أن أمي وأبي كانا في غرفة أخرى، خرجت من المنزل من خلال فتحة صغيرة في الحائط، ودخلت من خلال نافذة إلى غرفة والديّ. سمعتهما يصرخان أخرجونا نحن نختنق. لم أستطع فعل أي شيء. كانا تحت متر على الأقل من الأنقاض".
وصلت طواقم الدفاع المدني ولكنها كانت بلا معدات تقريبا، ومع ذلك عملوا على سحب أفراد العائلة من تحت الأنقاض، فقتل والدا أبو ناصر واثنان من أشقائه وأصيب هو وشقيقان له، وقال "لقد دفناهم في حديقة مؤقتا. كانت جميع المقابر ممتلئة".
بعد أسابيع قليلة من الهجوم، قصفت إسرائيل منزل عائلة أبو ناصر الممتدة، مما أسفر عن مقتل 117 شخصا، نجا رجل واحد وساعده أبو ناصر في دفن الضحايا، وقال "لا أستطيع ضمان حياتي ولو لدقيقة واحدة"، "لا توجد مستشفيات ولا معدات إنقاذ ولا أحد يهتم بنا. أناشد العالم أن يوقف الحرب".
الخوف والجوع
كان أحد الأسباب التي دفعت العديد من العائلات إلى البقاء في شمال غزة هو ببساطة عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه، وكانت هذه حالة حمزة، وهو شاب من جباليا طلب من الموقع عدم نشر اسمه الأخير خوفا على سلامته، كان جده عطية مريضا ولم يتمكنوا من نقله لأن صوت الدبابات كان قريبا جدا، وكانت المسيرات الإسرائيلية تطلق النار باستمرار على شارعهم، وتوفي عطية فجأة.
قال حمزة "كانت ليلة من القصف المجنون بلا هوادة. اعتاد جدي أن يقول أنا خائف جدا من القصف. بكينا كثيرا. اتصلنا بالإسعاف، لكنهم أخبرونا أن المنطقة خطيرة للغاية، والجيش الإسرائيلي لا يسمح لهم بالعمل فيها".
كانت مغادرة المنزل لدفن عطية في المقبرة غاية في الخطورة، لذلك "كان الخيار الوحيد هو دفنه تحت درج المنزل -كما روى حمزة- حفرت أنا وأخي حفرة في منزلنا ودفناه هناك"، وفي اليوم التالي قررت العائلة الرحيل إلى مدينة غزة، وسافروا بشكل منفصل حتى إذا قُتل بعضهم ينجو الآخرون".
إعلانكان حمزة أول من غادر وسار عبر الشوارع الضيقة ووصل في النهاية إلى منزل قريبه في مدينة غزة، وظلت أسرته محاصرة، ولكنها تمكنت في النهاية من الفرار، وعبرت نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية تفصل مدينة غزة عن الشمال، ورغم اجتماع شملهم، بقيت ذكرى الجد تعاودهم، وقال حمزة "مات جدي خائفا وجائعا. كان أكبر سنا من إسرائيل نفسها. لقد شهد النكبة. أخبرنا أن هذه الحرب كانت أسوأ وأكثر وحشية من النكبة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات الجیش الإسرائیلی فی مدینة غزة تحت الأنقاض فی شمال غزة أبو ناصر فی الیوم من خلال
إقرأ أيضاً:
عندما تكون النجاة أسوأ من الموت.. كيف عاش الغزّيون سنة تحت الأنقاض؟
نشرت مجلة "ذا نيشن" الأمريكية، مقالًا، للصحفي محمد مهاوش، يسلّط فيه الضوء على تجربته المريرة إثر قصف منزل عائلته في غزة من طائرات الاحتلال الإسرائيلي في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023، واصفاً لحظات الرعب التي عاشها عند الانفجار الذي دمر منزله.
وقال الكاتب، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه: ظل محاصراً تحت الأنقاض مع زوجته وطفله، وعانى من آلام بدنية ونفسية شديدة لا زالت مستمرة رغم مرور أكثر من سنة على الحادثة.
وتابع أنه: في حوالي الساعة 7:30 من صباح يوم 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023، كان صدى خطوات ابنه الصغيرة تتردّد في الرّدهة بينما كان يرتشف كوب الشاي؛ حيث قرر العودة للمنزل في الليلة السابقة، بعد أسبوع من العمل، بعيدًا عن المنزل، وكان يحاول أن يضفي شعورًا بالهدوء بعيدًا عن الفوضى والرعب التي في الخارج، لكن الأمر لم يدم طويلًا.
كان الصوت لا يشبه أي شيء سمعه الكاتب من قبل، انفجار ممزّق ومدوٍ أدى إلى انهيار كل شيء في أجزاء من الثانية؛ لم ير تصدّع السقف أو انهيار الجدران، ولكنه شعر فقط بالوزن الساحق المفاجئ فوقه، لم يكن الأمر أشبه بالسقوط، بل كان أشبه بالاختناق في الأرض، انكمش جسده تحت الحطام، كانت ذراعاه عالقتان وساقاه محاصرتان، وأضلاعه تتحطّم تحت الحواف الحادة.
حاول الكاتب أن يصرخ، لكن صرخته خرجت على شكل حشرجة، شهقة مختنقة مثيرة للشفقة ابتلعها الظلام، احترق صدره من الجهد الذي بذله، لكنه صرخ مرة أخرى مناديًا زوجته وابنه البالغ من العمر سنتين ووالده.
نادى على ابنه: "رفيق!"، وظن لوهلة أنه سمع صوته الخافت الصغير يخترق الظلام: "بابا"، واختلطت مشاعر الارتياح والرعب في صدره. لقد كان ابنه حيًا، لكنه في مكان ما بعيدًا عنه، مدفونًا مثله في الأعماق.
فقد الشعور بالوقت في ضباب من الألم والإرهاق، وامتدت الدقائق إلى ساعات، وتضاءل الهواء، واستقر الغبار في رئتيه، أراد أن يبكي ويصرخ ويشق طريقه لابنه، لكن جسده كان محبوسًا في حالة سكون مؤلمة.
كانت هناك ضوضاء خافتة في مكان ما في الأعلى، صخور تتفتّت وأصوات مكتومة، ربما كان رجال الإنقاذ أو الجيران الذين يحاولون إنقاذهم، كان كل صوت يجلب الأمل واليأس بنفس القدر؛ ماذا لو وصلوا بعد فوات الأوان؟ ماذا لو لم يصلوا على الإطلاق؟.
تسابقت إلى ذهنه صور رهيبة: جسد ابنه الصغير المسحوق تحت الركام، وزوجته المحاصرة وحدها، وكلهم منسيون تحت الأنقاض، ثم غاب عن الوعي.
يروي الكاتب أنه عندما تمكن رجال الإنقاذ من الوصول إليه أخيرًا، كان الضوء ساطعًا يعمي الأبصار، ويخترق الظلام الذي كان مدفونًا فيه لساعات، امتدت إليه الأيدي، وشعر بالأنقاض تتساقط عن جسده كطبقات من الجلد، وكان الألم مبرحًا.
كان أول ما رآه الكاتب هو وجه ابنه، كانت عيناه الواسعتان المليئتان بالدموع تنظران إلى وجه أبيه برعب لم يره من قبل، وكان جسده الصغير مغطى بالغبار، وشعره مغطى بالعرق والأوساخ، لم يكن يبكي بعد الآن؛ فقد كان خائفًا جدًا ويتألم لدرجة أنه لم يكن قادرًا على فعل ذلك.
أراد الكاتب أن يضمه بين ذراعيه حتى لا يشعر أي منهم بالخوف مرة أخرى، لكنه لم يستطع؛ فقد انهارت ذراعاه وساقاه وجسده بأكمله.
حمل المنقذون الطفل ووضعوه بين ذراعي أبيه، الذي شعر بقلبه الصغير يتسارع كقلب طائر محاصر؛ وهمس باسمه محاولًا طمأنته: "بابا هنا"، رغم أن صوته خرج منكسرًا.
لم يكن الكاتب حاضرًا بكامل وعيه في تلك اللحظة، كان جزء منه لا يزال تحت الأنقاض، يختنق في ذلك الظلام اللامتناهي.
نظر الكاتب حوله بحثًا عن زوجته، كان رجال الإنقاذ يحملونها ووجهها ملطخ بالدماء، كانت على قيد الحياة، لكن عيناها كانتا تحدقان دون أن ترمش في المنزل الذي كان يضم ضحكاتهم ونقاشاتهم وخططهم المستقبلية، ولم يبق منه الآن سوى خرسانة محطمة وفولاذ معوج، كانت تبحث عن نفس الشيء الذي كان يبحث عنه الكاتب: الشعور بالأمان.
رفض الكاتب الذهاب حتى يتأكد أنهم وجدوا الجميع، جلس لساعات على الأرض، غير قادر على الحركة، يراقبهم وهم يحفرون بين الأنقاض، ويستخرجون جثثًا هامدة وألعابًا ملطخة بالدماء وقطع أثاث ممزقة، وكأن كل قطعة وجدوها كانت قطعة أخرى يتم انتزاعها منه.
نُقل الكاتب للمستشفى في النهاية، إذ يتذكر همسات الأطباء ووجوههم المتجهمة وهم يعدّدون الكسور، والنزيف الداخلي، والكدمات التي ستستغرق شهورًا حتى تختفي، لكن الضرر الحقيقي لم يكن شيئًا يمكنهم رؤيته أو علاجه.
عانى الكاتب في الأيام التي تلت ذلك ليتحدث ويأكل وينام، وفي كل مرة كان يغمض عينيه، كان يعود إلى تحت الأنقاض، ويختنق بالغبار، ويسمع صرخات ابنه الخافتة، وتوقف عن الكلام تمامًا، ليس لأنه لا يملك الكلمات، ولكن لأنها لم تعد تكفي لاستيعاب ما يشعر به، فكيف تصف شعورك وأنت تشاهد كل ما تحبه يتحول إلى رماد؟.
بعد مرور سنة، غادر الكاتب الآن غزة إلى القاهرة، بعيدًا عن القنابل، لكنه لا زال يسمع صوت الانفجار في أحلامه، وما زال يستيقظ وهو يتصبّب عرقًا، ويحاول التأكد من أن ابني يتنفس بجانبه. لقد شُفيت معظم الندوب الجسدية، لكن الندوب العاطفية لا تزال حية كما كانت يوم حدوثها، يخبره الناس أنه يجب أن يكون ممتنًا، وهو ممتن بالفعل، لكن النجاة ليست كالحياة.
لقد نجا الكاتب وأسرته في ذلك الصباح، لكن العديد من أفراد عائلته الممتدة الذين لجأوا إليهم، وجيرانه الذين عاشوا في شارعه لعقود، والمارة الذين تصادف وجودهم بالقرب من الانفجار: جميعهم سحقهم الانفجار، وتم انتشال جثثهم من تحت الأنقاض بعد ساعات بلا حياة، وأسماؤهم ووجوههم وأصواتهم لا تفارق الكاتب كل يوم، إنهم معه في كل زاوية من عقله.
لم يعد الكاتب يعيش في بيئة مشوّهة بسبب الحرب، لكنه لا زال عالقًا في أنقاض ذلك الصباح، الهواء أنقى، والشوارع أهدأ، لكنه ما زال يستيقظ وهو يلهث كما لو أنه تحت الأنقاض، لا يرتجف الناس حوله من الأصوات العالية، لكنه يرتجف، ومع ذلك يبدو البقاء هنا وكأنه عذاب من نوع خاص؛ حيث تتفقد الأخبار كل صباح، خائفًا من رؤية وجوه مألوفة أو قراءة أسماء مألوفة.
وختم الكاتب مقاله بأن يوم 7 كانون الأول/ ديسمبر الماضي صادف مرور سنة على قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنزله، لكنّها ذكرى جُرح لا يزال ينزف في كل مرة يتذكر فيها ذلك الصباح.
واستطرد المقال، يتوقع العالم من الفلسطينيين أن يمضوا قدمًا، وأن يعيدوا البناء، لكنه لا يفهم أن بعض الأشياء لا يمكن إعادة بنائها، وأن بعض الخسائر كبيرة جدًا، وبعض الآلام عميقة جدًا.